بذلك جاءت الحكمة الفرقانية تفصل الآيات لقوم يفقهون ويعلمون، ويتذكرون ويعقلون، وغير ذلك من التركيز في الخطاب على أولي الألباب الذين نخاطبم في ضحى المعرفة، ونعرفهم بأهل الذوق، أخوة الإيمان وأمة الإخوان.
* * *
لا بد من انتظار الفرج بعد الضيق، ومن التحلي بالصبر والشجاعة وقوة الإرادة والإيمان، والعزم والتصميم للتمكن من عبور المضيق رغم كل الصعوبات والمعاناة، والصبر على اشتداد ظلمة آخر الليل في التاسعة والتسعين لإستقبال صبحة الألفين، فترة المخاض العسير والانقلاب الجذري والتغيير.
* * *
العقل هو رئيس جميع المبدعات، والمصورات والمثلات التي تحته، وهو ممسكها ومدبرها كما أن الطبيعة تدبر الأشياء التي تحتها بقوة العقل الذي يدبر الطبيعة بالقوة الإلهية، لكونه يحيط بالأكوان الطبيعية، وما فوق الطبيعة، كلها بفيض المعل، الخير المحض، واجد الوجود، المنزه عن الحد والمحدود، الذي أفاض على العقل جميع الخيرات والبركات وعلى سائر الموجودات بتوسط العقل الأسمى الأجل الفائض بالصور والمثالات.
* * *
الأيام تدور وتدور عشية التاسعة والتسعين من زمن بلوغ حضارة القرن العشرين، قمة الإرتقاء المادي، والتخلّف الروحي لإنسان هذا العصر بعد اكتمال دورة ما سلف من الأزمنة والدهور والعصور، تدور تلك الأيام وتدور لتصل الى النقطة المحددة عند مفصل التغيير الألفيني وانتقال العالم من فترة الظلمة الى فجر النور، فالبشرى لكم يا أخوة الإيمان، يا كنوز نعمة الأديان، والعارفين بمجرى الزمان، المتجذرين في أرض البركة المبارك حولها في حكمة الفرقان.
* * *
إنه زمن إحقاق الحق وإعزاز أهله، وإعلاء كرامتهم ورايتهم بين الشعوب والأمم، وإزهاق الباطل وإذلال فراعنته وطغاته المستكبرين الظالمين، واسقاطهم من أعالي القمم.
إنها نعمة للمحقين الطائعين المعترفين المتواضعين، ونقمة على المعاندين المنكرين المتكبرين الأشراء، كما وعدهم الحق وذكرهم وأنذرهم في الكتاب المبين ) يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار ([غافر /52] )إنه لقول فصل وما هو بالهزل، إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً فمهّل الكافرين أمهلهم رويداً ( [الطارق/ 13 – 17].
* * *
من ثمارهم تعرفوهم، فأنتم الثمر الناضج لشجرة كون الكيان، يا من نخاطبكم دائماً بأخوة الإيمان وأمة الإخوان، أهل الذوق على مائدة الحق في ضحى معرفتكم، وسعادتكم بعولمة نعمة المعرفة الروحية بنور العقل، والفوز بالسعادة الأبدية ومملكة المعارف الإلهية في زمن عولمة الحضارة المادية، وانشغال العالم بالنعم عن المنعم، والغرق في ظلمة الغرائز والشهوات والأطماع الإبليسية الشيطانية.
* * *
النظام الكوني الذي رتبه المكون جل وعلا في أفقه الأعلى عندما أصدر "كن" اقتضى إتمام الخلقة وإحكام الصنعة في ارتباط اللطيف بالكثيف. فاللطيف هو العالم الروحاني البسيط والكثيف هو العالم الجسماني المركب. فما لطف إلى عالم العقل يرقى وما كثف في عالم الطبيعة يبقى.
* * *
سبحان من لو كشف عن قلوب خلقه الغطاء لرأوا في كل مخلوق فماً يسبح ذاته، وعيناً تنظر منه إليه. وسبحان من جعل لكم مخلوق طريقاً إليه، وفي كل روح نوراً منه، هو الحق تبارك وتعالى خلق الإنسان على صورته، وأحياه بالروح، جذوة من نسل نوره، يهتدي بها الى معرفته بذاته من ذاته.
* * *
كل شيء يسعى إلى غايته، وكل سبب يتبع سببه وكل فرع يعود إلى أصله، ويحن بفطرته الى جنسه وشكله، واللطيف جوهر شفاف قائم بذاته، متسرمد بالبقاء لتمام جوهريته مشارك لمبدعه في ديمومته وأزليته. والكثيف مركب محتاج إلى أجزائه، وهو حصيلة تأثير كل جزء في الآخرة، وهو غير قابل للديمومة والبقاء بذاته بل بدوام الحركة والسكون في دائرة التحليل والتركيب، والموت والولادة والوجود والفناء والسعادة والشقاء.
* * *
أهل الذوق والفهم والإيمان واليقين، هم أهل الإستقامة والصدق من جميع الخلق في كل أمة ومذهب ودين، صفوة العائلة الإنسانية وثمار الشجرة الكونية، جلساء الحق على مائدة النفوس المطمئنة الراضية المرضية التي استضاءت بنور ذات قدسيتها، وسعدت بجمال كمال إنسانيتها، وأسعدها الحظ ببلوغ تلك المقامات في خلوات الجذبيات والتجليات.