الاشتغال على الموضوع : عرض نظري

يمكن الاستفادة منهجيا من خبرة أساتذة الفلسفة
هذا المقال كتبه مدير منتدى فلسفيات البكالوريا ودعمه الأستاذ : أحمد حرشاني فشكرا لهما
حول منهجية الاشتغال على الموضوع
الرابط بمنتدى فلسفيات البكالوريا اضغط هنا للوصول إلى المقال
المطلوب فقط التسجيل بالمنتدى المذكور لمشاهدة المقال وغيره من المقالات الفلسفية الهامة

الإشتغال على الموضوع:عرض نظري


.يمثل الموضوع الصيغة الثانية لامتحان الفلسفة في الباكالوريا التونسية.وهو يرد إما في صياغة تساؤلية أو في صياغة تقريرية- تكون غالبا مقرونة بسؤال يبين المطلوب ويوجه التلميذ نحو مركز الاهتمام الأساسي في الموضوع- أو أن يرد في صيغة معنيين.
لا يختلف مقال تحليل الموضوع بشكل جذري عن المقال المتعلق بتحليل النص؛إذ أننا في الحالتين أمام مقتضى أولي –لا يمكن تجاوزه إن رغبنا في انجاز مقال فلسفي-وهو ممارسة التفكير الفلسفي.بذلك يجب الوعي منذ البداية أن المطلوب لا يتعلق مطلقا باختبار قدرة التلميذ على الحفظ ولا قدرته على استيعاب المواقف الفلسفية،بل يتعلق الأمر حصرا بممارسة التفلسف ،أي التفكير تفكيرا شخصيا في المسألة التي يثيرها الموضوع.لذلك لا بد أن ننتبه منذ البداية أن الأمر لا يتعلق بعرض النظريات والمواقف الفلسفية ذلك أن مثل هذه الممارسة ستعتبر إسقاطا ،وحسب التقليد المعتمد في تقييم الاختبارات في مادة الفلسفة في الباكالوريا لن يجعل التلميذ يتحصل على عدد لا يتجاوز مطلقا السبعة من عشرين وهو ما يذهب فعليا بكل حظوظ النجاح بالنسبة لتلميذ الباكالوريا آداب.
كما يجب الانتباه إلى أن تحليل الموضوع وبناء المقال لا يتعلق كذلك بانجاز مهارات منهجية محددة ومستقلة بعضها عن بعض على النحو الذي تعود عليه التلميذ في السنة الثالثة،فالمقال الفلسفي يجب أن يكون مسترسلا وقائما كوحدة متجانسة ،بدون تقطعات.
لا يتعلق الأمر بعرض نظريات ولا بانجاز مهارات جزئية وإنما ببناء مقال فلسفي فما المقصود ببناء مقال فلسفي موضوعه موضوعا فلسفيا.؟
اختيار الموضوع:
يخطئ المترشح للباكالوريا كثيرا حين يدخل الامتحان حاملا حكما مسبقا حول موضوع الامتحان الذي سيتناوله سواء كان نصا أو موضوعا .فالعديد من التلاميذ يحكمون، وبشكل اعتباطي، باعتبار أن معالجة الموضوع أيسر من معالجة النص كما أن الموقف المقابل الذي يرى في تناول الموضوع أكثر صعوبة لا يقل اعتباطية.
تكمن خطورة مثل هذه المواقف المتسرعة في أثرها السلبي يوم الامتحان على المترشح خاصة من جهة التأثير النفسي الصاعق حين يفاجأ المترشح لنص يتعلق بمسالة لم يراجعها أو يفهمها بما فيه الكفاية ،أو أن لا يفهم النص ذاته فيصاب بالإحباط ويفقد القدرة على التركيز وهو نفس المشكل الذي يمكن أن يتعرض له التلميذ حين يدخل للامتحان على أساس موقف مسبق وقرار نهائي بالاشتغال على الموضوع فيصطدم بموضوع يكزن غير قادر على فهمه وتحليله.
ليس هناك من قرار مسبق يمكن اتخاذه غير الاستعداد الكامل للامتحان من جهة اكتساب المعارف المناسبة كما من جهة امتلاك والتحكم في تقنيات بناء المقال سواء تعلق الأمر بتحليل نص أو تحليل موضوع.انه لا مجال للمغامرة ولا معنى لها أمام امتحان في أهمية امتحان الفلسفة بالنسبة لتلميذ شعبة الآداب.
غير إن السؤال عن مقتضيات ومبررات اختيار الموضوع كموضوع للامتحان يبقى سؤالا وجيها.فعلى أي أساس يجب أن يتم هذا الاختيار؟
لا يتعلق الأمر بمقتضيات صارمة وثابتة إلا إن ذلك لا يمنع التذكير بمجموعة من الملاحظات الأساسية التي يجب الانتباه لها قبل اختيار الموضوع والابتداء في الاشتغال عليه.
يتعلق الأمر بداية بتوفر ثلاثة شروط تتحدد في
- تبين المسألة العامة التي يرتبط بها الموضوع ويتنزل في إطارها غير أن ذلك لا ينفي إمكان تعلق الموضوع بأكثر من مسألة من مسائل البرنامج وفي كل الحالات فان انجاز مقالة جيدة يوجب الوعي بترابط المسائل بعضها ببعض وأن الانفتاح على المسائل ذات الصلة بمسألة الموضوع هو شرط أساسي.
- الإدراك الدقيق لوجه الصعوبة الذي يثيره الموضوع تحديدا في إطار المسألة العامة التي يتنزل داخلها إذ أن كل قول فلسفي يحمل داخله زاوية نظر مخصوصة في تناول المشكل العام يجب الانتباه لها حتى لا يتحول المقال من تحليل للموضوع إلى استعادة للدرس
- توفر مرجعيات فلسفية دقيقة تسمح بتحليل الموضوع وتحديد مواطن الإحراج داخله ودعم أطروحته والقدرة على نقدها

إن الاختيار الواعي للموضوع يستوجب ضرورة توفر هذه الشروط الثلاثة مجتمعة وكل تهاون في توفيرها قبل الشروع في الاشتغال الفعلي على الموضوع سينتهي بالمترشح إلى مأزق حقيقي.

ملاحظة: عند إتمام اختيار الموضوع المزمع الاشتغال عليه يستحسن إعادة نسخه على المسودة وترك ورقة الامتحان جانبا حتى يتحقق أكثر قدرا من التركيز.

الانجاز:

العمل التحضيري:
أهم سبب لعدم الحصول على عدد طيب يوم الامتحان يعود وبشكل رئيسي إلى عدم وعي التلميذ بأهمية العمل التحضيري وخاصة تقنيات ومراحل انجاز هذا الجزء الرئيسي من العمل.
ما يجب الانتباه إليه بداية أن العمل التحضيري لا يمكن انجازه في إطار ما تعود عليه التلميذ من كتابة بعض الملاحظات بغض النظر عن قيمتها في حشايا الموضوع وعلى ورقة الامتحان.
مثل هذه الملاحظات لا يمكن أن تكون غير محاولات استكشاف أولى للموضوع تنتهي بنا إلى فهم أولي لمشكله على أساسه سنقرر اختيار الموضوع من عدمه.
كما أن التحرير الأولي على المسودة لا يمكن اعتباره مطلقا عملا تحضيريا لأته شروع فعلي في الانجاز
فما هو العمل التحضيري وما هي تقنيات انجازه ومراحل بنائه؟


الخطوة الأولى: تحديد مجال الموضوع
تنزيل الموضوع في إطار المسألة التي يحيل عليها المشكل الذي يطرحه موضوع اشتغالنا. ويمكن تحديد هذه المسألة من خلال الوقوف على المفاهيم والمعاني التي يتشكل منها نص الموضوع.إن كل مسألة من مسائل البرنامج تدور حول معاني محددة تمثل نواة الإشكاليات الفرعية التي تثيرها كل مسألة وهو ما يجب الانتباه إليه وتحضيره بشكل جيد قبل الامتحان لتجنب الخلط بين المسائل وسوء فهم الموضوع وما ينجر عنه من تبعات سلبية في تحديد العدد النهائي للعمل.
لكن يجب الانتباه في هذا المستوى إلى بعض التداخل في المعاني بين أكثر من مسألة نتيجة اعتماد هذه المعاني في مسائل متعددة.في هذه الحالة يجب الوعي أن المشكل الذي يثيره الموضوع يرتبط بأكثر من مجال وهو ما يستدعي أما إيجاد الخيط الرابط بين هذه المعاني المتداخلة في علاقة بأكثر من مسألة واحدة من مسائل البرنامج أو التقيد بمجال محدد لمقاربة هذه المعاني في إطار مسألة بذاتها والتصريح بذلك في بداية الجوهر وتعليله.

الخطوة الثانية:النظر في صيغة الموضوع
تحديد صيغة الموضوع تمثل أحد أهم مراحل وشروط فهم الموضوع ومن ثمة انجاز مقال جيد.يرتبط الأمر بتبين الإشكال المخصوص الذي يثيره الموضوع ووجه الصعوبة التي يفترض في المقال أن يقف على حدودها ومن ثمة أن يقترح لها حلا.تكمن أهمية انجاز هذه المهمة في جعلنا نتجنب جميع أوجه الإسقاط وتحديدا تحول المقال من تحليل للموضوع إلى استعادة للدرس مجملا دون بذل أي جهد حقيقي في تناول الموضوع ذاته.وقد دلت التجربة أن العائق الأساسي أمام انجاز مقال جيد لا يعود إلى غياب المرجعيات الفلسفية ولا إلى فهم مسائل البرنامج بقدر ما يتعلق الأمر بالاكتفاء بالإسقاط نتيجة عدم الوعي بخصوصية زاوية النظر التي يتناول من خلالها الموضوع هذه المسألة من مسائل البرنامج أو تلك.
صيغة الموضوع إذن هي التي ستحدد بنية المقال وتمشيه المنطقي من جهة كون صيغة الموضوع هي التي ستحدد المطلوب بشكل دقيق وصارم.

الخطوة الثالثة:الاشتغال على المفاهيم
إن ما يميز الخطاب الفلسفي كونه خطاب مفهومي بمعنى أن التفكير داخله يدور حول تحديد دلالة المفاهيم بما يتيح في آن واحد الطرح المناسب للمشكل كما إيجاد حل له.وبالتالي أن ننجز مقالا فلسفيا هو بداية أن نقف عند الدلالة الشرعية أو المقصودة التي يتشكل منها نص الموضوع.ما يجب الانتباه إليه بداية أن هذا التحديد لا يمكن أن تكون غايته التحديد الاصطلاحي ذلك أن مثل هذا التحديد إلى الاكتفاء بالدوران حول الموضوع دون الاشتغال عليه فعليا من خلال تبين دلالة مفاهيمه سياقيا.فشرط تبين الدلالة السياقية للمفاهيم هي وحدها التي يمكن أن تجعلنا ندرك خصوصية الإشكال الذي يثيره الموضوع.يتطلب انجاز هذه الخطوة بداية تحديد الدلالة المستبعدة والتي لا يمكن أن تتحدد كدلالة للمفهوم وتكمن أهمية هذه الخطوة في كونها تدفعنا للتفكير الجدي والنقدي في دلالة المفهوم واستبعاد الدلالة الشائعة.أما تحديد المفهوم ذاته فيكون من خلال النظر في شبكة العلاقات التي تربطه من جهة مع بقية المعاني الواردة في نص الموضوع ومن جهة أخرى في علاقة مع صيغة طرح الموضوع.

الخطوة الرابعة:تحديد أطروحة الموضوع
إن كل موضوع هو في نهاية الأمر يحمل أو يحيل على موقف محدد من مشكل فلسفي وبشكل أدق وجهة نظر محددة حول أحد المسائل التي يطرحها البرنامج.فتصاغ بذلك الأطروحة في صيغة تقريرية تقوم على الإثبات والتأكيد.
تكمن أهمية استخراج أطروحة الموضوع وصياغتها في كونها ما سيكون مدار العمل داخل المقال وذلك من جهتين.من جهة أولى تحليل الأطروحة ودعمها واستخراج مسلماتها وضمنياتها ومن جهة ثانية نقدها وابرزا حدودها.كل تهاون ،إذن،ّأو سوء تحديد لأطروحة الموضوع ينتج عنه مباشرة سوء فهم للموضوع.

الخطوة الخامسة :أشكلة الأطروحة
تهدف هذه اللحظة إلى تفكيك بنية الأطروحة من جهة التساؤل عن وجاهتها.ووجاهة الأطروحة تستوجب التساؤل والنظر في مدى وجاهة الحل الذي تقترحه للمشكل الذي ترتبط به.كما يستلزم هذا التثبت التساؤل عن ضمنياتها ومسلماتها ومدى صلابة هذه الضمنيات . وبالتاي فان صياغة الإشكالية هي صياغة تساؤلية تنفتح بنا على جميع أوجه التثبت والمحاجة الممكنة لوجاهة الأطروحة.

الخطوة السادسة:تحديد المسلمات الضمنية
إن ما يكسب كل موقف فلسفي هو قيمته الإجرائية وهي التي تجعل منه منفتحا قابلا للتأويل،لذلك فليس مطلوبا من الفيلسوف أن يعلن عن مسلماته دائما ،بل لعله أصلا لا يرغب في إعلانها ذلك أن الكشف عنها يتيح للقارئ/الناقد مواجهتها وبالتالي هدمها.تأتي أهمية استخراج المسلمات الضمنية كإعداد لانجاز السم النقدي وتنسيب أطروحة الموضوع بشكل جدي وليس كإسقاط وافتعال تناقض وهمي بين موقف فلسفي وموقف فلسفي آخر واعتبار أن مثل هذا العمل يمثل نقدا للموضوع وأطروحته.
الخطوة السابعة :تحديد المرجعيات الفلسفية
بقدر ما لا يتعلق الأمر في الكتابة الفلسفية باستعادة تاريخ الفلسفة ومواقف الفلاسفة من هذه المسألة أو تلك فانه لا يمكن كذلك ،وفي نفس الوقت التفكير في أي قضية خارج إطار تاريخ الفلسفة ذاته ليس على أساس الإتباع والتقليد ولكن المحاورة والاستئناس بالاظافة إلى كون المقال هو موضوع للامتحان وانه من عناصر التقويم النظر في مدى توفر معرفة فلسفية لدى التلميذ ..

شكرا على التوضيح
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]