الأكسيومية
هي ضرب من العرض للعلوم الصحيحة فالمنهج الاكسيومي مبني على قضايا افتراضية يسلم بها تسليما دون برهان و هذه القضايا تسمى الأوليات و هي قضايا مصاغة بدقة و تؤدي الى استدلالات صارمة لذلك فان الاكسيومية تبدا بجرد كامل الأوليات أي لكل القضايا التي نسلم بها دون برهان مثلما فعل "بيانو" في نظرية الاعداد الطبيعية.
و الاكسيومية بما هي ضرب مثالي للتأليف هي تصور إغريقي، حيث أن كتاب "العناصر" لإقليدس يقدم محاولة جريئة في هذا المجال. لكن تنفيذه ضل يعاني من نقائص، ذلك انه منذ الإستدلال الأول في كتاب العناصر عندما رسم إقليدس دائرتين لهما نفس الشعاع [أب] و مركز أ و ب , تحدث عن نقاط اشتراك بينهما :
و هو ما يعني أن إقليدس استند إلى التجربة الحسية عبر الرسوم ليستنتج نقاط الالتقاء بين للدائرتين، في حين أن الأوليات التي عرضها لا تمكننا من استنتاج هذا التلاقي بين الدائرتين. و مع ذلك فإن إقليدس، عندما صاغ الأولية التي مازالت تعرف باسمه إلى حد اليوم, أولية المتوازنان : من نقطة خارج المستقيم لا يمر إلا مستقيم واحد موازي لهذا المستقيم، تبنى موقفا أكسيوميا بما انه لم يشر إلى التجربة الحسية. و عمل إقليدس أثر كثيرا في من لحقه من الرياضيين فأرخميدس حاول أن يقدم قوانين توازي الرافعات في شكل أكسيومي. و رغم هذه المحاولات انتظرنا القرن 19حتى نؤسس هندسات لاإقليدية لتبين لنا خاصية التجريد و الاعتباط في بعض الأحيان للأكسيومية، كما تبين لنا نسبية مفهوم الحقيقة الرياضية، و تبين أن هناك رابط هام بين الأكسمة و الصورية و هذا الرابط يوضح لنا طبيعة الرياضيات، هذه العلوم التي تدير ظهرها لما هو خبري و تبني أنساقا متكاملة من المفاهيم و العلاقات مما، جعل "باشلار" يعتبر ان القطيعة الابستيمولوجية بين التجربة المحضة و الاكسمة تمر عبر لعبة صورية. إن اهمية المنهج الاكسيومي تتمثل في كونه يمكننا من إطار ملائم للمعالجة الرياضية للعديد من الحالات، فعندما صاغ "الكسندر كولموقوروف" مبادئ حساب الاحتمال صياغة صورية سنة 1933 فإنه مكن حساب الإحتمال من التخلص من المفاهيم الغامضة و الذاتية كالمصادفة والحظ. ويجب أن نلاحظ أن مجالات تطبيق المنهج الأكسيومي لا تقتصر فقط على الرياضيات المحضة ذلك أن أكسمة نظرية فيزيائية تتم في مرحلتين ففي مرحلة أولى تتم صياغة نظرية رياضية حول رموز مجردة وفي مرحلة ثانية يتم صياغة أوليات التطابق التي تدقق مثلا كيف أن بعض الظواهر الضوئية يمكن أن ترمز بأشعة، مستقيمات موجهة. وما أن نضع نظرية فيزيائية في معادلة رياضية، بفضل أوليات التطابق فإن دراستها تكون عبر الإستدلال المحض دون العودة إلى التجربة، و دور التجربة يتمثل في الحكم إذا ما كان إختيار أوليات التطابق ملائما أو غير ملائما للظاهرة المدروسة
الترييض
ان الترييض هو شرط من شروط المعرفة العلمية و يتمثل في تطبيق المناهج الرياضية بما تقتضيه من صورنة و افتراض في ميدان معرفي ما. و الترييض يحضر في تاريخ العلم بشكلين:
إما استخدام الرياضيات كأداة من خارج العلم لصياغة القوانين، و هذا الشكل يمثل مرحلة شباب العلوم.
• و إما باستخدام المنهج الرياضي ذاته أي المنهج الفرضي الإستنتاجي و هو الشكل الذي تتخذه العلوم الأكثر تطورا.
ذلك أن العلم هو ابن الرياضيات مثلما أقر ذلك برقسون و كذلك كويري عندما بين الفرق بين العلم الأرسطي و العلم الحديث، فالعلم الأرسطي يقدم معرفة وصفية كيفية، نوعية في حين يقوم العلم الحديث على معرفة كمية رياضية. ذلك أن الدراسة النوعية لمنحن تتمثل في وصف مظهره العام أي مظهره الفيزيائي على عكس الدراسة الكمية التي تحلل المعادلة الرياضية التي تدبر المنحني. هذا يعني أن النوعية تشير إلى ما لا نستطيع التعبير عنه بلغة كمية و لا حتى بعلاقات عقلية محددة كالحياة الوجدانية باعتبارها معيشة من طرف ذات حاسة هذا يعني أن الظاهرة النوعية ترتبط بالمظاهر الحسية للإدراك التي لا تتعلق بتحديدات ميكانيكية و هندسية و التي تعد عموما كنتيجة تركيب يقوم به الذهن بين الانطباعات الأولية المتعلقة مثلا بالحركات السريعة أو البنى المعقدة التي لا ندركها كما هي. فالظاهرة النوعية تعني إذن، أن طبيعة الموضوع لا يمكن أن تحدد كميا و لكن نستطيع أن ندركها بحدس شامل و تلك هي على ما يبدو طبيعة الظاهرة الإنسانية التي تقتضى حتى تريض تحديدها بمفاهيم دقيقة، ذلك أن تحويل النوعي إلى قابل للقياس هو ما يمثل جوهر المجهود العلمي. فالعلم هو سعي إلى تعويض المعرفة النوعية بالحواس و الإحساس بمعرفة كمية قابلة للقياس, فمثلا بالنسبة لديكارت يمثل قوس قزح ظاهرة نوعية بحتة تعبر عن إعجاز رباني، لكن اكتشاف قانون الظاهرة المتمثل في حياد الضوء عن قطرات الماء المعلقة في الفضاء مكننا من قياس رياضي عوض الوصف النوعي الكيفي بوصف كمي رياضي.