إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم( [الرعد/11].
الثقة بالنفس عامل تأثيري معهم في الأفراد والمجتمعات والشعوب، وفقدان هذه الثقة هو فقدان معاني الحياة المتجددة في بقاء الإنسان المخلوق على صورة خالقه كما أراده وخصه بتمام الخليقة وأسبغ عليه كل نعمة، وهداه بعقله لكل سبيل ليسن لنفسه فيسعد وليس إليها فيشق، والتغيير ليس سوى إرادة تنبع من الأعماق وتعبّر عن ذاتها خيراً أم شراً وتعرف بحقيقة جوهرها وليس بقشور مظاهرها.
ومن هنا لم تعد تنفع كثرة تلك الأقنعة المصنّعة، والشعارات الزائفة والمظاهر الخادعة للمؤامرة الإبليسية الشيطانية البشعة، لقتل الحق بسلاحه، أي بتجنيد الجمع الغفير من الشعب الطيب المخدوع بتلك المظاهر والتمويهات، ليبقى غارقاً في واقعه المؤلم لا يملك صفاء الرؤية وصحة العزيمة ووحدة القرار، مستسلماً لحالة من اليأس والقلق والإحباط في إمكانية التغيير، وبالتالي تستمر المعاناة، ويستمر الشعب غافلاً عن مصلحته وقدرته، وطاقاته الكامنة في وحدة كلمته، وصدق تصميمه وإرادته التي تصبح تجسيداً لإرادة الخالق في المخلوق، ولا وجود للحق سبحانه وتعالى بغير هذا الوجود في أعماق النفس البشرية، المتجوهرة بصفاء نور العقل، وهذا هو التغيير في القوم، وانتقال لحالة الوعي واليقظة، من حالة اللاوعي والتخدير والنوم.
فالإنسان الفرد الذي تتكون منه العائلة والمجتمع والأمة، وبالتالي الأمم والدول والشعوب التي تكوّن العائلة البشرية الآدمية في هذه القرية الكونية التي ازدهرت كثيراً عشية الألفين، وتقدمت في كل المجالات والعلوم وبلغ إنسان هذا العصر قمة الإرتقاء في سّلم تلك العلوم المادية، على حساب التخلف في المعارف الروحانية، لعدم توقيفه بتوحيد المسارين، وعدم معرفته سبيل السعادة التي يبحث عنها جاهداً، طيلة حياته المليلئة بكل أنواع المتاعب والمعاناة والمصاعب والعقبات والحواجز والألغام المتفجرة إرهاباً ورعباً وخطراً محدقاً في كل لحظة، حيث أصبحت حياة هذا الإنسان كلها خوفاً بخوف، ويضع المسؤولية اللوم على هذا الزمن والقدر الذي صنعه بنفسه لنفسه. يبدأ التغير بتمرين الروح والجسد على طريق العودة للأصول الأخلاقية، والفضائل والقيم الإنسانية السامية، بإسناد قواعد الإيمان والعودة لحقائق نعمة الأديان وكلمتها السواء، الواحدة في ثوابت جوهرها رغم تعدد وتشعّب قشور مظاهرها، تتحقق السعادة الحقيقية عندما نسعى إليها ونكتشف حقيقتها، وما تحتاج إليه ونحتاج لإيجادها وتحقيقها في ذاتنا، لتنعم بثمارها وجمالها، وسعادتها التي تعطي انطباعاً جميلاً ينعكس على حياتنا وأنفسنا وأجسادنا. وهكذا تبدأ مرحلة التغيير من الفرد بإصلاح ذاته والشعور بنعمة الأديان مهما كان انتماؤه، وهويته الدينية والمذهبية، ومهما كانت الطقوس والتعبدات والتقاليد، والعادات والمناسك والفروض، والواجبات التي يمارسها فكلها لا تجدي نفعاً، وليست سوى أقنعة وأغطية لا تلبث أن تنكشف، وتسفر عن حقيقة ذلك المتعبّد الذي لا يشعر أن عبادة الله ذمة وضميراً، وأمانة يجب أداؤها بصدق وشرف، وأخلاق عاليةومراقبة ذاتية للذات اللطيفة في ذات كل مخلوق، ليعرف بأفعاله لا بأقواله.
لم يعد يجدي الكلام الأحلى من العسل مع ممارسة الأفعال الأكثر مرارة من الصبر، ولم تعد ثياب الحملان الناعمة تغطي شراسة الذئاب الخاطفة، ولم تعد الأقنعة المصنعة تنفع المخادعين والمرائين والمنافقين، في زمن الكشف عن الصورة الحقيقية والهوية الأصلية للخير والشر المتأصل في نفوس الخلق، في معركة النهاية بين الباطل والحق، وهكذا تتسارع الأحداث وتتسابق مع الزمن المتبقي لبلوغ الألفين، ويشعر الأبالسة والشياطين بفراغ مدتهم، وانتهاء جولتهم وقرب نهايتهم، فيفرغون ما في أوعية نفوسهم من سموم وأحقاد، لتمتلئ الأرض جوراً وظلماً قبل موعد امتلائها قسطاً وعدالاً.
ويبلغ الغرور الصهيوني ذروته في هذه الحقبة من الزمن، ولا يوفر الثعبان التلمودي أية قطرة من سمومه إلا وينفثها في جسد السلام العالمي، ليصبح جثة هامدة بانتظار مراسم الدفن في مدينة السلام، عاصمة كل الديانات السماوية المؤمنة بجوهر حقيقة العزة الربانية، والقوة الخفية المحيطة بهذا الكون، وهل بتصور أي عاقل أن التغيير الذي يتهيأ العالم له في هذا المفصل الألفيني الحاسم من عمر الكون سيكون بغير إرادة المكون، وهل سيغلب في النهاية إلا من اعانة الله صاحب حقيقة التكوين، والعزة واليقين العليم بخلقه، الحكيم الخبير، بغيّر نفوسهم ويعيدها كما كانت في البدء، ويجمعها على مائدة الإيمان والسعادة والفرح بمعرفة الحق في ذاتها، واليقظة والصحوة من غفلتها وظلمتها، وفتنتها بأوهامها وأحلامها، وغرائزها وأطماعها وشهواتها ويذكرها بما فطرت عليه، وأشرق على مرايا تكوينها وإبداعها الأصلي، مشرقة بأنوار العقل الأربع المبدع الأصل، الدال على الذات الإلهية، الأصلية المتأصلة في كل ذات عاقلة متصلة بشعاع ذلك النور الإلهي، في النفوس المطمئنة العائدة راضية مرضية إلى ربها المبدي المعيد، الفعّال لما يريد، وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد، يعزّ من يشاء وبإرادته ومشيئته يحدث التغيير، وإليه ترجع كل الأمور.
)يا أيتها النفس المطئمنة إرجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي( [الفجر / 72].