تبوأت اللغة العربية مقعدًا ساميًا بين لغات العالم ، وذلك لما لها من خصائص ومميزات جمالية تفوقت بها على أقرانها من سائر اللغات ، وسأتناول جانباً بسيطاً لإيضاح تلك المواصفات والمقاييس الجمالية ، ثم أترك المجال للقارئ الواعي كي يحكم على اللغة العربية هل تربعت على عرش مملكة الجمال بحق أم بزور وبهتان ؟!
ففي ( التثنية ) هي ليست كاللغات التي تهمل حالة التثنية لتنتقل من المفرد إلى الجمع ، وهي ثانياً لا تحتاج للدلالة على هذه الحالة إلى أكثر من إضافة حرفين إلى المفرد ليصبح مثنى ( الباب – البابان- البابين ) على حين أنه لا بد في الفرنسية والإنجليزية من ذكر العدد مع ذكر الكلمة وذكر علامة الجمع بعد الكلمة ، فنقول في الفرنسية : ( Les deux portes ) ، ونقول في الإنجليزية ( the tow doors ) .
وفي ( إضافة الضمائر ) نكتفي في العربية بإضافة الضمير إلى الكلمة وكأنه جزء منها ، فنقول : ( كتابه ) و ( منزلهم ) ، على حين تقول في الفرنسية مثلاً : ( son livre) و ( leur maison ) .
أما في ( إضافة الشيء إلى غيره ) فيكفي في العربية أن نضيف حركة إعرابية ، أي صوتاً بسيطاً إلى آخر المضاف إليه ، فنقول : ( كتاب التلميذِ ) و ( مدرسةُ التلاميذِ ) ، على حين تستعمل في الفرنسية أدوات خاصة لذلك ، فنقول : ( le livre de leleve) و ( des eleves lecole) .
وفي ( الإسناد ) يكفي في العربية أن تذكر المسند والمسند إليه ، وتترك لعلاقة الإسناد العقلية والمنطقية أن تصل بينهما بلا رابطة ملفوظة أو مكتوبة ، فتقول مثلاً : ( أنا سعيدٌ ) ، على حين أن ذلك لا يتحقق في اللغة الفرنسية واللغة الإنجليزية ، ولا بد لك فيهما مما يساعد على الربط ، فتقول : ( je sui heureux ) و ( I am happy ) ، وتستعمل هاتان اللغتان لذلك طائفة من الأفعال المساعدة مثل (etre و avoir ) في الفرنسية ، و( to have و to be ) في الإنجليزية .
ومن حيث ( الفعلُ ) فإنه يمتاز في العربية باستتار الفاعل فيه حينا ، وكونه جزءاً منه حيناً آخر ، تقول : ( أكتب ، و تكتب ) مقدراً الفاعل المستتر ، وتقول : ( كتبت ، وكتبا ، وكتبوا ) فتصل الفاعل بالفعل وكأنه حرف من حروفه ، فلا نحتاج إلى البدء به منفصلاً مقدما على الفعل كما هو الأمر في الفرنسية : (nous ... tu و il و je ) ، وفي الإنجليزية ( I وَ you وَ they) .
وكذلك عند ( البناء للمجهول ) يكفي في العربية أن تغير حركة بعض حروفه ، فتقول : ( كُتِبَ ، قُرِئَ ) على حين تقول في الفرنسية مثلاً : ( a ete ecrit) ، وفي الإنجليزية ( it was read) .
وتختصرالعربية بعض الأفعال فإذا هي حروف ، كقولك في أمر المخاطب المذكر : ( فِ ) من وَفَى يَفِي ، و( قِ ) من وَقَى يَقِي ، و( عِ ) من وَعَى يَعِي ، و( شِ ) من وَشَى يَشِي ، و( إِ ) من وَأَى يَئِِي – من الوعد - ، و ( لِ ) من وَلِيَ يَلِي ، و( دِ ) من وَدَى يَدِي – من الدية - ، و ( رَ ) من رَأَى يَرَى ، و( نِ ) من وَنَى يَنِي – من الوَنى وهو الفتور - ، وغيرها .
وكل حرف من هذه الحروف هو في الحقيقة جملةٌ تامة ، مكونةٌ من فعل وفاعل مستتر وجوباً ، فهل رأيت في غير العربية إيجازا يجعل من الحرف جملة ؟!
وفي العربية ألفاظ يصعب التعبير عن معانيها في لغة أخرى بمثل عددها من الألفاظ كـ( أسماء الأفعال ) و( كاف التشبيه ) و ( حرف الاستقبال ) ، وإليك مثلا من ذلك في العربية والإنجليزية .
الكلمة في العربية الكلمة في الإنجليزية
هيهات It is too far
شتان There is a great difference
هو قوي كالأسد He is as strong as a lion
سأذهب I shall go
سيذهب He will go
وانظر إلى بعض أساليب اللغة الإنجليزية في النفي ، كم يكلفنا إدخال الفعل بعد الضمير ، ثم إدخال أداة النفي بين الفعل المساعد والفعل المنفي ، فنحن نقول مثلا ( I did not meet him ) على حين نعبر عن كل هذا في العربية بقولنا : ( لم أقابله ) ، وتقول : ( I will never meet him ) في مقابل : ( لن أقابله ) .
وبعد كل ذلك ألا تستحق لغتنا الحبيبة أن تتربع على عرش ملكة جمال لغات العالم كلها ؟!
منقول