التراث والمعاصرة

لا شك أن مشكلة التراث والمعاصرة،أو ما يعبر عنه بالأصالة والمعاصرة،قضية لا تزال مطروحة في حياتنا الثقافية منذ أوائل القرن التاسع عشر تقريبا،الذي حمل معه-إضافة إلى المواجهات العسكرية التاريخية- مواجهة من نوع آخر،إنها المواجهة الحضارية الشاملة التي جاءت بها أوروبا إلى بلادنا حاملة معها نتائج نهضتها،ووسائل تقدمها كلها إضافة إلى اعتقادها أن حضارتها وقيمها هي المقياس الوحيد لكل نهوض وتقدم،تؤمن بذلك وتبشر به في عالمنا الإسلامي الذي أصيب بهذه الصدمة الحضارية،وعاش حالة الانبهار التي أفقدته القدرة على التمييز والرؤية الصحيحة بعد أن توقف العقل العربي عن الإبداع والعطاء،وخرجت الأمة من الساحة وافتقدت الفاعلية الحضارية،وخيم عليها الركود،وسادها مناخ التخلف،وأصبحت القضية المطروحة على العقل العربي بإلحاح: كيف نواجه التحدي ونواكب العصر؟
إن النهوض لا يمكن أن يتحقق بالاقتصار على رؤية الماضي والافتخار به كبديل عن ممارسة تغيير الواقع،كما لا يمكن في الوقت نفسه أن يتحقق باستيراده من خارج أفكار الأمة وقيمها.والحقيقة البديهية أن لا معاصرة دون أصالة،ولا أصالة صادقة دون معاصرة فاعلة،فالماضي بالنسبة للأفراد والأمم هو الذاكرة المصاحبة دائما التي يختزن فيها الإنسان تجاربه وعبره،ويوظف دروسها لحاضره ومستقبله،ويورثها أولاده وأحفاده،ويمكنه حضورها الدائم من الحكم على المستجدات على ضوء تلك التجارب...والبون شاسع بين العاقل الذي يعتبربماضيه بما فيه من دروس وعضات لحاضره،وبين الأحمق مطموس الذاكرة الذي لا يمكن إلا أن يكون عبرة لغيره،فالحاضر جزء منا ونحن جزء منه،رضينا بذلك أم رغبنا عنه،وكذلك الماضي هو جزء منا.
وقد يكون من الأمور المطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى،الانتهاء إلى تحديد واضح لمفهوم التراث،ووظيفة التراث بعد التمييز في التعامل بين أحكام العقل وأحكام الوحي،كما لا بد في الوقت نفسه من تحديد مفهوم المعاصرة في إطار الفكر العربي،وأن من أوائل شروطها:القدرة على هضم التراث واستيعابه،واستيعاب تطور شبكة العلاقات الاجتماعية،وتبدل وظائف الدولة الحديثة وامتداد سلطانها ووسائلها ومؤسساتها،ومفرزات الحضارة الحديثة التي إلى أصول غير عربية،ومن ثم القدرة على تنزيل الإسلام على واقع الناس،أو المحاولة من أهل التخصص لوضع الأوعية الشرعية المعاصرة لاستيعاب حركة الناس،وبمعنى آخر:البدء بالممارسة الإسلامية بعد أن تجددت ذاكرة المسلمين تجاه دينهم،وتحقق الانتماء وانتهت مرحلة تحقيق الذات

أخي ذكرت في مقالك <<وقد يكون من الأمور المطلوبة اليوم أكثر من أي وقت مضى،الانتهاء إلى تحديد واضح لمفهوم التراث،ووظيفة التراث بعد التمييز في التعامل بين أحكام العقل وأحكام الوحي،كما لا بد في الوقت نفسه من تحديد مفهوم المعاصرة في إطار الفكر العربي>>
كم من الوقت مضى ونحن نسعى لتحديد مفهوما للمعاصرة ثم الحداثة ثم ما بعد الحداثة واليوم العولمة ....
وكذلك التراث والأصالة .....
منذ بدايات النهضة العربية( بعد حملة نابليون إن صح ذلك ) ونحن نبحث ونبحث ولم نجد حلا والعالم من حولنا يتقدم ويتقدم ويستعمرنا ويستعبدنا أكثر وأكثر
لا يعني هذا التشاؤم لكن لابد من مخرج وإلا بقينا في حلقة مفرغة قال تعالى { إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (11) سورة الرعد
والسلام