كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: محمد عابد الجابري 2010-05-11, 21:41 | |
| محمد عابد الجابري (1936 بفكيك، الجهة الشرقية - 3 مايو 2010[1] في الدار البيضاء)، مفكر مغربي وأستاذ الفلسفة والفكر العربي الإسلامي في كلية الآداب بالرباط. حصل على دبلوم الدراسات العليا في الفلسفة في عام 1967 ثم دكتوراه الدولة في الفلسفة عام 1970 من كلية الآداب بالرباط. ّّعمل كمعلم بالابتدائي (صف أول) ثم استاذ فلسفة عضو مجلس أمناء المؤسسة العربية للديمقراطية.
نشأته ولد محمد الجابري غرة شوال 1354 هـ بمدينة فجيج الواقعة في شرق المغرب على خط الحدود الذي أقامه الفرنسيون بين المغرب والجزائر، وتتألف فجيج من سبعة قصور - أي تجمعات سكنية - من بينها قلعة زناكة التي ولد فيها الجابري بعد أن انفصلت والدته عن والده، فنشأ نشأته الأولى عند أخواله وكان يلقى عناية فائقة من أهله سواء من جهة أبيه أو أمه. وكان جده لأمه يحرص على تلقينه بعض السور القصيرة من القرآن وبعض الأدعية، وما لبث أن ألحقه بالكتاب فتعلم القراءة والكتابة وحفظ ما يقرب من ثلث القرآن، وما إن أتم السابعة حتى انتقل لكتاب آخر، وتزوجت أمه من شيخ الكتاب فتلقى الجابري تعليمه على يد زوج والدته لفترة قصيرة، ثم ألحقه عمه بالمدرسة الفرنسية فقضى عامين بالمستوى الأول يدرس بالفرنسية. بدت أمارات التفوق على الجابري حين برع في الحساب كما كان يجيد القراءة في كتاب التلاوة الفرنسية، وكان الانتساب للمدرسة الفرنسية ينطوي على نوع من العقوق للوطن والدين فكان الآباء يخفون أبناءهم ولا يسمحون بتسجيلهم في هذه المدرسة إلا تحت ضغط السلطات الفرنسية.[2] أتيحت للجابري فرصة الالتقاء بالحاج محمد فرج وهو من رجال السلفية النهضوية بالمغرب الذين جمعوا بين الإصلاح الديني والكفاح الوطني والتحديث الاجتماعي والثقافي، وكان محمد فرج إماما بمسجد زناكة الجامع، فكان الجابري وهو لا يتجاوز العاشرة يواظب على حضور دروسه بعد صلاة العصر، وفي هذه الأثناء راودت شيخه فكرة إنشاء مدرسة وطنية حرة بفجيج، وبالفعل حصل على رخصة من وزارة المعارف لإنشاء مدرسة "النهضة المحمدية" كمدرسة وطنية لا تخضع للسلطات الفرنسية ولا تطبق برامجها، بل يشرف عليها رجال الحركة الوطنية حيث جعلوا منها مدارس عصرية معربة لتصبح بديلا للتعليم الفرنسي بالمغرب، فالتحق الجابري بالمدرسة وتخرج فيها سنة 1368 هـ / 1949 بعد أن حصل على الابتدائية.ed]مسيرته العلمية
نقد العقل العربي استطاع محمد عابد الجابري عبر سلسلة نقد العقل العربي القيام بتحليل العقل العربي عبر دراسة المكونات والبنى الثقافية واللغوية التي بدأت من عصر التدوين ثم انتقل إلى دراسة العقل السياسي ثم الأخلاقي وهو مبتكر مصطلح "العقل المستقيل" وهو ذلك العقل الذي يبتعد عن النقاش في القضايا الحضارية الكبرى. وفي نهاية تلك السلسلة يصل المعلم إلى نتيجة مفادها "أن العقل العربي بحاجة اليوم إلى إعادة الإبتكار". مآخذ منتقديه حمل الجابري عددا من المشاريع الفكرية، صاحب صدورها جدلا ونقاشا لم يتوقف حولها، فكانت "ثلاثية نقد العقل العربي" والتي تكونت من ثلاث اصدارات رئيسية كانت باكورة اعمال الجابري، اعطى فيها للعقل دورا محوريا في اعادة قراءة العقل العربي. تلك الاصدارات الثلاث هي: تكوين العقل العربي، وبنية العقل العربي، والعقل السياسي العربي، وقد احدثت هزة في الأوساط الفكرية العربية. وقد دفعت هذه الثلاثية كاتبا لبنانيا مثل جورج طرابيشي الى اصدار كتاب ناقد لها سماه "نقد نقد العقل العربي" يرد فيه على الجابري.[4] ينتقد الأستاذ فتحي التريكي بعض أفكار الدكتور محمد عابد الجابري أن فكرة وجود عقل عربي وآخر غربي، التي قال بها الجابري, كما خالف علي حرب الجابري في بعض القضايا الاصطلاحية أهمها "تفضيل حرب استخدام مصطلح الفكر على مصطلح العقل, لأن العقل واحد وإن اختلفت آلياته ومناهجه وتجلياته, كما يؤثره على مصطلح التراث". تعتبره جمعيات أمازيغية “أحد المنظّرين الأساسيين لإبادة اللغة والثقافة الأمازيغية”، رغم كونه أمازيغي أصلاً، و “الترويج المبالغ فيه للإيديولوجيا العُروبية حتى أضحى من المدافعين المتشددين عن الأنظمة العربية العنصرية الدموية”، واعتبرت تلك الجهات تكريم اليونسكو له “خيانة للقيم الإنسانية”.[5] حذر بعض الفقهاء من محمد عابد الجابري، و منه عبد الرحمن البراك ، حيث وصفه بأنه ماهر في التمويه ومخادعة القارئ في نفث فكره العفن مما أدى إلى اغترار كثير من الأغرار بكلامه وكتبه، وفرح به من يوافقه على فكره،[6] و حذر من كتابه "مدخل إلى القرآن الكريم"، الذي تضمن فصلاً بعنوان "جمع القرآن ومسألة الزيادة فيه والنقصان"، خصوصاً حول محتوى صفحة 232 و قوله عن القرآن الكريم: « (ومن الجائز أن تحدث أخطاء حين جمعه، زمن عثمان أو قبل ذلك، فالذين تولوا هذه المهمة لم يكونوا معصومين، وقد وقع تدارك بعض النقص كما ذُكر في مصادرنا، وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَـزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾، فالقرآن نفسه ينص على إمكانية النسيان والتبديل والحذف والنسخ..)» . لكن الجابري يوضح كلامه و يزيد: «ومع أن لنا رأياً في معنى " الآية " في بعض هذه الآيات، فإن جملتها تؤكد حصول التغيّر في القرآن، وإن ذلك حدث بعلم الله ومشيئته)» أهم أعماله له العديد من الكتب المنشورة : نحن والتراث : قراءات معاصرة في تراثنا الفلسفي (1980) العصبية والدولة : معالم نظرية خلدونية في التاريخ العربي الإسلامي (1971) تكوين العقل العربي (نقد العقل العربي 1) بنية العقل العربي (نقد العقل العربي 2) العقل السياسي العربي (نقد العقل العربي 3) العقل الأخلاقي العربي (نقد العقل العربي 4). كما صدرت له سلسلة مواقف. مدخل إلى القرآن (للتشكيك في سلامة القرآن من التحريف) مدخل إلى فلسفة العلوم: العقلانية المعاصرة وتطور الفكر العلمي. معرفة القرآن الحكيم أو التفسير الواضح حسب أسباب النزول : في ثلاث أجزاء وهو أول تفسير علماني للقرآن. "أضواء على مشكلة التعليم بالمغرب" (1973) "من أجل رؤية تقدمية لبعض مشكلاتنا الفكرية والتربوية" (1977)، "المنهاج التجريبي وتطور الفكر العلمي" (1982) "إشكاليات الفكر العربي المعاصر" (1986) "وحدة المغرب العربي" (1987) "التراث والحداثة : دراسات ومناقشات" (1991) "الخطاب العربي المعاصر" (1994) "وجهة نظر : نحو إعادة بناء قضايا الفكر العربي المعاصر" (1992) "المسألة الثقافية" (1994) "الديمقراطية وحقوق الإنسان" (1994) "مسألة الهوية : العروبة والإسلام والغرب" (1995) "المثقفون في الحضارة العربية : محنة ابن حنبل ونكبة ابن رشد" (1995) "الدين والدولة وتطبيق الشريعة" (1996) "المشروع النهضوي العربي : مراجعة نقدية" (1996) سلسلة "نقد العقل العربي" صدر له في آذار 2010، الكتاب الثالث من سلسلة "مواقف" والمعنون بـ "في غمار السياسة : فكراً وممارسة" عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر في بيروت. الجوائز التي حازها
جائزة بغداد للثقافة العربية اليونسكو. يونيو 1988 الجائزة المغاربية للثقافة. تونس مايو 1999 جائزة الدراسات الفكرية في العالم العربي، مؤسسة MBI تحت رعاية اليونسكو في 14-11-2005 جائزة الرواد. مؤسسة الفكر العربي بيروت في 07-12-2005 ميدالية ابن سينا من اليونسكو في حفل تكريم شاركت فيه الحكومة المغربية بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة 16 نوفمبر 2006. - جائزة ابن رشد للفكر الحر، أكتوبر/تشرين الأول 2008
الجوائز التي اعتذر عنها
اعتذر في أواخر الثمانينات عن الترشيح لجائزة الرئيس صدام حسين (100 ألف دولار). اعتذر عن جائزة المغرب مرارا. اعتذر سنة 2001 عن جائزة الشارقة التي تمنحها اليونسكو (25 ألف دولار). اعتذر سنة 2002 عن جائزة العقيد القذافـي لحقوق الإنسان (32 ألف دولار). اعتذر عن العضوية في أكاديمية المملكة المغربية مرتين مع تأكيده في المرة الأولى على تفضيله البقاء ضمن موقعه في المعارضة، وككاتب بهذه الصفة.
مراجع
^ رحيل مبتكر "العقل المستقيل" المفكر المغربي الكبير عابد الجابري، إيلاف، دخل في 3 مايو 2010 ^ عبد العزيز الوهيبي، قراءة في فكر الدكتور محمد عابد الجابري، مجلة البيان، العدد 71. ^ الدكتور محمد عابد الجابري، حفريات في الذاكرة من بعيد، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، الطبعة الأولى، 1417هـ/ 1997م. ^ رحيل المفكر المغربي محمد عابد الجابري بي بي سي، تاريخ الولوج 5 مايو 2010 ^ من يخاف محمد عابد الجابري؟ الأخبار، تاريخ الولوج 5 مايو 2010 ^ عَبدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَاصِرٍ البَرَّاك الأُستاذ ( سابقًا ) بجامعة الإمام مُحمَّد بن سعود الإسلاميَّة الرّياض في 7 ربيع الأوَّل 1430
منقول | |
|
كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: رد: محمد عابد الجابري 2010-05-11, 21:53 | |
| educ01 محمد عابد الجابري والانشغال بالفكر الإسلامي والعربي نقلت إليكم هذا المقال للمفكر رضوان السيد بصحيفة الشرق الأوسط العدد 11487 بتاريخ 11ماي 2010 لتعميم الفائدة
ما انشغل محمد عابد الجابري، منذ بدأ الكتابة أواخر الستينات من القرن الماضي، إلا بالفكر الإسلامي، قديمه وحديثه. لكنه آثر منذ البداية أن يسمي الأمر كله مصطلحيا بالفكر العربي. وهذا المصطلح مبرر في الحقب الحديثة. لكنه يحتاج إلى تسويغ إذا تعلق الأمر بالفكر في الأزمنة الإسلامية الوسيطة. وقد كان تبريره منذ كتابه «نحن والتراث» ثم «تكوين العقل العربي» بأن هذا الفكر مكتوب كله تقريبا، في قرونه الثمانية الأولى باللغة العربية. واللغة في أي ثقافة وحضارة ليست أداة للفكر وحسب؛ بل هي أساسية في بنية الفكر ذاته. وقد أدرك ذلك العلماء الكبار منذ الفترة الأولى، وليس اللغويين وحسب؛ فقرر الشافعي في «الرسالة» التي كتبها في أواخر القرن الثاني الهجري أنه ليست في القرآن مفردة غير عربية. وهذا مخالف لآراء العلماء الذين كتبوا في «لغات القرآن» منذ القرن الثالث الهجري. لكن الشافعي كان يقصد أن المفردات غير العربية، التي دخلت إلى العربية في الاستعمال، ثم إلى لغة القرآن ما تعربت وحسب؛ بل صارت أيضا جزءا من نظام الخطاب العربي. والخطاب الثقافي المكتوب عند الجابري يتكون من بنى لغوية وشعورية ومادية واجتماعية. وأيا تكن وجاهة هذه الحجة؛ فإن الجابري انصرف طوال حياته الثقافية للكتابة عن العقل العربي والفكر العربي في حقبتيه الكلاسيكية والمعاصرة.
في الحقبة الكلاسيكية قسم الجابري الفكر العربي إلى ثلاثة أنظمة أو خطابات أو عقول: العقل البياني، والعقل العرفاني، والعقل البرهاني. والجابري يرى أن النظام البياني يوشك أن يكون إبداعا عربيا خالصا. وهو يقصد به ذلك النوع من التفكير الذي تسيطر عليه قواعد الخطاب اللغوي واللساني، فتصنع بنيته وتسهم في تحديد مضامينه إلى حد كبير. وقد بدا ذلك بالطبع في النتاجات اللغوية واللسانية الخالصة مثل المعاجم وكتب ورسائل التفسير القرآني، والنتاجات الفقهية، والرسائل الأولى في علم الكلام. بيد أن النظامين أو الخطابين الآخرين العرفاني والبرهاني سرعان ما برزا إلى جانب العقل البياني، وصارا جزءا بنيويا في نظام الخطاب. وكلا العقلين متأثران بمصادر واردة. أما العقل العرفاني، فهو متأثر بالثقافات القديمة بالمشرق، ذات الطابع الروحاني والباطني والهرمسي. وقد دخل هذا العقل مع أصوله الموروثة في جوانب شتى من نتاجات الفرق الإسلامية الباطنية وشبه الباطنية، وفي التصوف، وأعمال الفلاسفة الروحانيين أو الذين سموا أنفسهم فلاسفة الحكمة أو الحكماء أو أرباب الحكمة المشرقية. بينما بزغ العقل البرهاني من أصول يونانية (أرسطية على الخصوص) من خلال الترجمات والنقول عن اليونانية مباشرة أو بتوسط السريانية. وقد تجلى العقل البرهاني (أو العقلاني هذا) على وجه الخصوص في أعمال الكندي والفارابي وتيارهما في الفلسفة الوسيطة، وبلغ ذلك العقل أو العقلانية البرهانية ذروة التألق في الفكر المغربي والأندلسي، وعلى وجه الخصوص في أعمال ابن رشد، سواء منها ما كان شارحا لأرسطو (بل وأفلاطون مثل: الجمهورية) أو ما كان مستقلا ويتعلق بالمسائل الكلامية أو الفقهية. وانتشرت «ظلاميات» العرفانية بالمشرق مخترقة أعمال المنتجين في حقل البيان أو حتى البرهان، فأفسدت أعمال ابن سينا والغزالي على سبيل المثال. بينما انتشرت إشعاعات العقل البرهاني بالمغرب فما اقتصرت على ابن رشد، بل خالطت أعمال الفلاسفة الآخرين مثل ابن باجة وابن طفيل. ووصلت إلى أعمال المؤرخين والفقهاء مثل ابن خلدون (الذي كتب عنه الجابري مثل الكثيرين من زملائه المغاربة كتابه الأول أو أطروحته للدكتوراه بعنوان: «العصبية والدولة»)، والشاطبي (صاحب كتاب «الموافقات في أصول الشريعة»، الذي طور فيه فقه المقاصد)؛ وقبلهما ابن حزم الظاهري (صاحب «المحلى» في الاجتهاد الفقهي، و«التقريب لحد المنطق»، و«الفصل في الملل والنحل»).
وما أنتج الجابري هذه الخطاطة التفصيلية للفكر الإسلامي في حقبته القديمة فحسب (والتي تتناول بشكل رئيسي كتبه الخمسة: «نحن والتراث»، و«تكوين العقل العربي»، و«بنية العقل العربي»، و«العقل السياسي العربي»، و«العقل الأخلاقي العربي»، وكتابه عن ابن خلدون، وأعماله عن ابن رشد)؛ بل وأنجز عشرات الدراسات والرسائل في الخطابات العربية المعاصرة، وهي التي تتناول النصوص الآيديولوجية والثقافية، كما تتناول المشكلات العربية الرئيسية، والانشغالات المستجدة ذات الطابع الإسلامي في الوعي والممارسة.
إن هذه المنظومة الفكرية والثقافية الشاسعة والضخمة تستدعي التأمل وتستدعي النقد، بسبب جديتها، ولأنها في تقديري ستبقى في التداول إلى الحقبة الحاضرة والقادمة. فليس مقنعا هذا المصير والإصرار على مصطلح الفكر العربي للأزمنة الوسيطة، لأن انشغالات الفكر كلها إسلامية. وإذا قيل إن بنى الخطاب «عربية»، فما معنى العربية هنا، إذا كان الجابري يقر بأن العقلين العرفاني والبرهاني ذوَا بنى موروثة من عصور ما قبل الإسلام، بين فارس القديمة (للعرفاني)، واليونان القديمة (للبرهاني)؟ ثم إذا كان من الممكن التعامل مع أي فكر على أساس البنى المفترضة أو المشخصة على أساس «الاستقراء»، فأين ذهبت انشغالات ذلك الفكر، التي جرى التعامل معها جميعا على أساس تصنيفي وانتقائي. ولماذا تكون نتاجات العقل البياني متواضعة وواقعة بين العقل واللاعقل، وتكون نتاجات ما سماه الجابري العقل العرفاني فاسدة كلها، بينما تظل نتاجات «العقل البرهاني» المفترض أيضا عقلانية كلها، وعصية على الاختراق؟! إن علينا أن نقرر هنا أن المشروع الجابري في زمنيه القديم والجديد، هو مشروع آيديولوجي، وهو ذو هم معاصر غير منكور ولا مستنكَر. فالجابري يقرر منذ البداية أنه يسعى لنهوض عربي، والسبيل لذلك بافتراض وجود تيار عقلاني قوي ومستمر منذ الإغريق وعبر العصور الإسلامية الوسيطة وإلى الزمن الأوروبي فالعالمي الراهن. وإذا أردنا المشاركة بفعالية في هذا العصر - بعد أن صار الموروث الإسلامي مشكلة - فإن علينا في نظر الجابري أن نمارس انتقائية تؤهلنا لتلك المشاركة، وهي تتمثل بالعقل العقلاني الإغريقي/الرشدي، الذي انفرد به في المجال الإسلامي الوسيط الأندلسيون والمغاربة، وصدروه إلى أوروبا الوسيطة فوقع في أصل نهضتها. وإذا أقبلنا على حضارة الزمن الحديث، فلا ينبغي أن نعتبرها واردة أو غزوا ثقافيا، لأننا نحن العرب – وبخاصة المغارب الإسلامية - نقع في أصلها! ونقطة أخيرة لا ينبغي تجاهلها في التقييم الأولي لعمل الجابري رحمه الله. فهو كان قد قال في مقدمته على «تكوين العقل العربي»، وفي مقالات له بمجلة «فكر ونقد» إن تقسيماته للعقل العربي لن تشمل القرآن الكريم، لأنه ليس نصا عاديا أو تاريخيا في اعتقاد المسلمين، ولأنه لا يمارس الإصلاح الديني ولا يهدف لإنشاء علم كلام جديد. لكنه في الأعوام الخمسة أو الستة الأخيرة، اتجه دونما تسويغ قوي لتفسير القرآن. وصدرت له في الوقت نفسه مقدمات منهجية في «فهم القرآن»، وثلاثة مجلدات سماها التفسير الواضح للقرآن على أساس «ترتيب النزول». ولست آخذ عليه هنا - رحمه الله - أنه خالف خطته الأولى، ولا أنه توصل إلى آراء اجتهادية كثيرة سواء في مقدماته في تكوين القرآن وتركيبه أو في تأويلاته التفصيلية في بعض الأحكام والمسائل - بل إن ما آخذه على منهجه أنه اعتمد فيه «ترتيب النزول»، وليس «البنى» التي سادت في فكره كله. ومعلوماتنا عن ترتيب النزول مأخوذة من الكتب الكلاسيكية في التفسير وعلوم القرآن. فالمؤلفون القدامى يقولون عند كل سورة أو آية إنها مكية أو مدنية، وإنها نزلت بسبب كذا أو بمناسبة كذا أو بعدما حصل هذا أو ذاك. لكنهم جميعا يعتبرون القرآن بالطبع نصا واحدا شعائريا وقراءة وتفسيرا ولا يشرذمون النص ليفهموه استنادا إلى المعلومات عن تاريخ النزول أو سببه. وجل ما يفعلونه عند الفهم أو الإفهام أن يقرنوا آية بأخرى تتفق معها في الموضوع، ليفهموا أكثر من خلال مقارنة المتشابهات لفظا أو موضوعا. أما الأستاذ الجابري فقد تجاهل مسائل البنية والنص تماما، وانصرف لتركيب القرآن من جديد بحسب المعلومات الواردة عن ترتيب النزول أو أسبابه أو من دون اعتبار لذلك، وأنا هنا مرة أخرى لا أتهم الأستاذ الجابري بتحريف القرآن؛ بل بتكسير النص، وضرب سياقاته في التأويل. وسنده في الأمر كله المضمون أو المضامين الحاضرة والمفترضة. وهذا أمر غير معهود في القراءات الحديثة والمعاصرة للنصوص الأدبية والتاريخية، فكيف بالنص القرآني المتوحد بحسب تكوينه وجمعه أيام النبي (ص) وأصحابه - ويضاف لذلك تلك الوحدة الشعائرية والشعرية والشعورية الثابتة والمزدهرة والحية عبر العصور. ولست أفهم سببا لاعتماد الأستاذ الجابري هذا الأسلوب مع القرآن بالذات. هل لأنه أراد تجنب مسألة البنى حتى لا يضطر لاعتبار القرآن نصا بيانيا أو برهانيا أو عرفانيا أو عقلانيا أو غير عقلاني، بحسب منهجه في فهم «العقل العربي» الوسيط؟ أي إنه ما أراد أن يسلك سلوك المستشرقين، ولا سلوك أصحاب القراءات التاريخية والأدبية، حتى لا يرفض تفسيره منذ البداية من جانب الجمهور، أو يختلَف عليه، كما حصل مع غيره؟ ويشجع على هذا الاعتقاد أن الجابري طور أسلوبه أو نهج تفكيره منذ التسعينات من القرن الماضي إلى نهج توفيقي، بعيد عن الحلول والمعالجات الراديكالية؛ وبخاصة عند معالجة الموضوعات التي تهم الأجيال العربية المسلمة الشابة من مثل مسائل الدين والدولة، وتطبيق الشريعة، وقضايا الموروث الإسلامي.
منقول | |
|