الأسيرة

زائر

الأسيرة

ألقت بمجموعة من الأوشحة المعقودة فيما بينها
من نافذة الغرفة و ذلك بعد احكام ربطها ثم تسلقت العقدة تلو الأخرى .و ما ان لامست
ساقها اليابسة حتى ارتمت بين أحضان العشب النضر و أطلقت ساقيها للريح فركضت مسرعة و
تسلقت أغصان الشجرة فوضعت طرف أصابعها على حافة الحائط ثم قفزة من فوقه فركضت
مسرعة لتركب سيارتها التي كانت تبعد المنزل بضع أمتارثم انطلقت وسط جو من الموسيقى
المنبثقة من وسط السيارة.

بعد مرور ربع ساعة توقفت السيارة أمام منزل أو
بالأحرى قصر منفرج الباب تنبثق من وسطه موسيقى صاخبة شبيهة بتلك التي كانت
تسمعها.دلفت الى داخل المنزل متمايلة يسرة و يمنة تناغما مع الموسيقى التي تهز
الأجواء و تصد الأذان.

_أهلا سلمى ,ما سبب تأخرك؟

_أهلا سوسن,عيد ميلاد سعيد و كل عام و أنت بألف
خير,آسفة كان عندنا ضيوف لذلك امتنعت عن القدوم قبل ذهابهم

_أهلا عزيزتي

تقدم شاب يعجز اللسان عن وصف وسامته و جماله و
يصدق فيه قول الشاعرحين ينشد:

و مليح قال صفني انت في الوصف
فصيح

قلت قولا باختصار كا مافيك مليح

شاب بهي المنظر كأنه البدر في تمامه بجبين أزهر
و خد أجمر و شعر كأنه الدر و الجوهر كما قال الشاعر في حقه في هذين
البيتين:

البدر أكمل كل شهر مرة و جمال وجهك كل
يوم يومك

و حلوله في قلب برج واحد و لك القلوب
جميعهن منازل

الا أنه شاب كالهيفاء في مشيته تغيب عنه
مواصفات الرجولة و شدتها قسمات وجهه لطيفة وديعة كوجه القطة و ما أقبح أن يحمل رجل
بين طيات وجهه قسمات لبنت لا لرجل.

تقدم الشاب فأمسك بيد سلمى ثم مرر على خديها
قبلتين كتحية سلام و كأنهما فتاتان ثم قالت له:

_فادي,كيف حالك يا عزيزي؟

_بخير ,ما سبب تأخيرك ؟ننتظرك منذ ساعات هيا
لنقطع الحلوى و لنرقص رقص الهنود

_سوسن,هديتك

_شكرا عزيزتي

قطعت الحلوى و أكل الجميع ثم تحولت السكينة الى
صخب و ارتمى الشباب بين أحضان حلبة الرقص فتيات و فتيان يتمايلن يمنة و يسرة,شباب
كالفتيات و فتيات كاسيا عاريات جسدهن برز من بين ثيابهن المخلعة.

التقطت سلمى هاتفها المحمول تظاهرت و كأنها
تكلم شخصا ما بانت علامات القلق و الخوف بين ثنايا وجهاها,أغلقت الهاتف ,أمسكت
صديقتها سوسن من يدها ثم قالت لها بقلق:

_علي الذهاب اتصلت بي أختي لتعلمني بأن أمي
مريضة و أن الطبيب في طريقه الى المنزل

بدا الأسى على وجه سوسن لفراق سلمى.فهي الصديقة
الفضلى المنتمية الى مجموعتها,فسلمى هي معدة الحفلات و الرقصات الجنونية و المنظمة
لكل الرحلات الجامعية و الناطقة الرسمية للسان شباب الجامعة ذوي الثروات المالية
الهائلة في البلاد هذا الى جانب تمتعها بموهبة الرقص الشرقي و الغربي و ان صح
التعبير فسلمى تعد قائدة فرقة الأثرياء.

عادت سلمى الى المنزل فلمحت والدها أمام المنزل
يخيط الشارع جيئة و ذهابا و أمها تتطلع من الباب و الخوف يكاد يقضي عليها,ما ان
لمحها والدها حتى أمسك بذراعها بقوة ثم شدها من شعرها جارا اياها الى داخل المنزل
ثم انهال عليها بلطمات متتابعة على وجهها ثم ألقى بجسدها المنهك على الأرض التي
استقبلتها بصفعة على جسدها المتعب,أسرعت الأم الحنون حاملة اياها من فوق الأرض
اليابسة ثم صرخت في وجه الأب:

_ ما هكذا تكون التربية أيها الغول

_ و الله هذه الفتاة ستجنني ماذا تريد أكثر مما
أعطيه اياها ,سيارة و لها أفخهم السيارات,غرفتها كأنها غرفة أميرات,كل سنة تسافر مع
أخواتها الى أشهر الدول الأروبية في العالم,أموال ؟ تنفق كما تشاء ما ,ماذا تريدين
أكثر من هذا ؟ اتظنين أنك تسيرين في الشارع وحدك ؟ألم أنهك عن الذهاب الى الحفلات
؟لقد أعلمني سمير بكل شيء

_ اتريد أن تعرف ما هي طلباتي و رغباتي التي لم
تحققها لي ؟ أتريد أن تعرف لم أقوم بهذه المغامرات؟

_ نوريني

_ السبب بسيط لقد مللت و كرهت هذه القضبان أريد
حريتي , حريتي ,أفهمت يا أبي؟أحس و كأنني أسيرة هنا, أريد أن أحس بأن لي أب يحترم
خصوصياتي و ليس سجانا يأمر و ينهي أريد أن يكون لي أصدقاء أزورهم و يزورونني ألك
هذه الأموال و تمنعني من اقامة الحفلات و السمر و السهر وهذه الرحلات التي ترسلني
اياها كل سنة ما استمتعت بها قط أشعر و كأنني رفقة مجموعة من العجز فأختايا منهكتان
من كثرة الشغل و تمضيان اليوم كله نوم و أنت حذرتهما من الخروج من دوني ,كلية
الحقوق و دخلتها كما أردت ثيابي تختارها على ذوقك جواسيس محاطة بي في كل الأرجاء
أتركني ارحمني أريد حريتي,حريتي

_ماذا؟دهش الأب أحين أخشى على ابنتي أنياب
الذئاب الجائعة أكون سجانا؟كسوتك أثمن الثياب و حميتك من جميع المخاطر و تقولين
أريد حريتي ثم مابالها كلية الحقوق؟انظري الى أختاك تعيشان أفضل حياة و أنا الذي
اخترت لهما كليتهما,كفا هراء أتريدنني أن أنفق أموالي على تصاميم فاشلة لن
تنجح

_ ماذا لو وافقت على ادراجي كلية الفنون
الجميلة لكنت أفضل نحاتة؟ثم تسألني الآن عن سبب شغبي ؟لقد جرحت كرامتي و جعلتني آلة
تتحكم بها

_ اذا وعدتني بعدم مخالفة أوامري سأدرجك كلية
الفنون الجميلة

_بعد سنوات من النجاح الباهر الذي حققته في
كلية الحقوق تريد ادراجي كلية الفنون؟ثم لقد قضيت سنتان من عمري في كلية الحقوق
أتعني أنني خسرتهما من حياتي؟فات الأوان الآن لقد دمرت حياتي و خربت و أنت السبب في
ذلك

_أرجوك يا ابنتي سأمنحك حريتك شرط أن تعيديني
بعدم السهر الى منتصف الليل,تغيرت حدة صوت الأب الى صوت الأب الحنون
النصوح

_أتريد سجني مدى الحياة ياابي أرجوك بعض الثقة
و لا تخش علي فأنا محلها

_حسنا قال الأب بمضض

_تخلص من الجواسيس ليطمئن بالي

_ماذا؟

_أرأيت؟أنت لا تريد سعادتي

رأى الأب أن لا مفر من التخلص من متتبعي ابنته
لأنه مل هذه الحوارات و المشاجرات و رأى أن يمنح ابنته بعض الثقة بعض الوقت ثم يعيد
مراقبتها دون اخبارها.

_حسنا لك ما أردت

أحست سلمى و لأول مرة بغبطة تسري الى كامل
جسدها و ذاقت لأول مرة طعم النصر و لذته.فوالدها رغم ثرائه الفاحش رجل متمسك
بعاداته و تقاليده لعل بعضا من هذه العادات يخترعها و ينسبها الى عرف العادات و
التقاليد.له ثلاث فتيات كلهن تربين في نعيمه المفانق و لكن حسب قوانينه فعشن اضطهاد
و نشأن في بيئة انتهكت فيها شخصيتهن رغم نجاحهن الدراسي و المهني.لعل البيئة
القاسية التي نشأفيها والدهن هي سبب نمو هذه القسوة في قلبه.حرم من الأم و
حنانها عاش بين لطمات زوجة الأب و سخرية اولادهاجاهد الى أن أصبح من أكبر رجال
الأعمال فكانت تلك الأيام كابوسا لا يفارق حياته فعمل على تربية بناته في نعيم
الملوك و الأمراء و لكنه سهى أن هذه المعاملة القاسية تربت معه و أن القسوة أصبحت
من شيمه فتميزبها في معاملته مع الجميع فعاشت بناته الاضطهاد الذي رسم لهن طريقا
وعرة مملوءة بالاشواك و نفسا مشبعة كبتا.

فابنته سناء,البنت الكبرى وهي طبيبة أطفال
امتازت بقسوةمشابهة لقسوة أبيها مع أبنائها و الأطفال الذين أشرفت على تمريضهم حتى
مع زوجها الذي فرضها المولى عز وجل بأن تكون حنونة عليه كانت كثيرة الصراخ عليه و
أما أختهما الوسطى سنية المهندسة الشهيرة في البلاد امتازت بطول عزلتها و انكبابها
على أوراق شغلها,فبالرغم من أنها حلمت من أن تكون مصممة أزياء في شبابها و حرمت من
تحقيق حلمها و السبب معروف ,عانت مشكلة كبت لم تجد ملجأ لتصعيد هذا الكبت المحبوس
داخلها ,فانكبت على دراستها من ثم شغلها و امتازت في عملها الا أنها كانت تقضي أغلب
وقتها بين أوراق عملها فأهملت زوجها الذي خانها آلاف المرات و الى حد الآن لم تتفطن
به و انشغلت عن ابنها الذي أصبح يعاني مشاكل نفسية عزلته عن المجتمع فكان يقضي أغلب
الوقت وحيدا.

أما سلمى فامتنعت أن تكون ضحية كما كانت أختاها
فكانت رغبتها الوحيدة معارضة والدها في كل شيء فكانت كثيرة السهر و الخروج و السمر
مع الرفقة ,تعشق الرقص و المجون و تنظيم الحفلات و في هذه الليلة ظنت انها فازت في
المعركة .بالرغم من أن السيد عبد الحميد تسبب بجرح الكثرين الا أن ما عاناه في صغره
و ما تراه عيناه من ظلم و انتهاك للاعراض زرع في قلبه الخوف على عائلته فزوجته و
بناته هن كل ما يملكه في هذه الحياة القصيرة المدى و كل ما يفعله لا يكون الا لهن
وحين لاحظ بعض التجاوزات من قبل سلمى قرر تخصيص بعض الجواسيس لمراقبتها.

في صباح اليوم الموالي , ذهبت سلمى كعادتها الى
الجامعة ,فاعترضها وجه سوسن الحائر يسألها عن حال أمها فطمئنتها بابتسامة لطيفة و
بينما كانتا في حوارهما مرت فتاة بسيطة بجانبها فنظرت اليها سوسن باحتقار ثم همست
في أذن سلمى قائلة:

_منذ دخولنا الى الجامعة و هي ترتدي هذه الكسوة
و لاتغيرها

فصرخت سلمى و قالت للبنت:

_ وداد لي ثياب تكاد تخرج من خزانتي
أتأخذينها؟

نظرت اليها وداد بحزن و قالت:

_ عندي ما هو أجمل من ثيابك

_ على الأقل ثيابي التي كنت سأعطيك اياها أنظف
و أغلى من هذه الخردة

ما ان نطقت شفتاها بهاته الكلمات حتى انبثقت
قهقهات هنا و هناك سخرية من هذه البنت المسكينة. تمتعت سلمى الى جانب شخصيتها
القوية بروح السخرية و التهكم و احتقار الفقراء.

_أهلا عزيزتي

_ فادي مرحبا

قبلتان كالعادة ثم أضاف:

_لماذا أسرعت في الخروج البارحة؟

_ أمي تعبت قليلا البارحة

_سلامتها

_ شكرا

سلمى لا تخبر اصدقائها عن قسوة والدها فهم
يظنون أنه من الرجال الأغنياء المنفتحين على العصر الا أنهم يعانون من نفس المشكلة
ما عدى البعض منهم لكنهم يوهمون الآخرين بأن أولياء أمرهم منفتحين و مواكبين للعصر
مثل سلمى هذا ما تخبره لأصدقلئها.

_ستأتين الى الحفلة الليلة ,أليس كذلك,تساءل
فادي

_بالطبع

بعد الحفل الصاخب قررت سلمى العودة للمنزل,لحسن
حظها انشغل والدها عنها داخل اجتماع طارئ فعاشت سلمى يومها الاول من حريتها بكل
اريحية .في طريق عودتها ثقب اطار السيارة . خرجت من السيارة لتغييرها.بعد مرور
لحظات أحست و كأن شيئا ما يلامس كتفها استدارت لتستطلع الأمر لمحت شابا يتطاير
الشرر من عينيه لأرادت الفرار فاصطدمت بصدر شاب آخر كأنه الصخر ذو وجه يصدق الشاعر
حين وصفه في هاذان البيتان:

له في زوايا الوجه تسع مصائب فواحدة منهن
تبدي جهنم

بوجه بشع ثم ذات قبيحة كصورة خنزير
تراه مرمرا

همت بالهروب من الشرق فاصدمت بصدر شاب ثالث ذو
صدر أقسى من السابق,صرخت قائلة:

_ ماذا تريدون مني؟

_سؤال غريب,قال الشاب الأول بصوت لا يخلو من
السخرية

_ ما يريده الوحش من فريسته ,قال الشاب
الثاني

_و يظفر بلحمها و شحمها,أضاف الثالث

في صباح اليوم الموالي,استيقظ عبد الحميد من
سريره بتثاقل بعد ليلة مليئة بالتعب,جلس الى الطاولة لتناول افطاره,كعادته أمسك
بصحيفته ليقراها,فشده خبر مفزع"جريمة اغتصاب بشعة انتهت بذبح الضحية"فقال كالمخاطب
نفسه:

_ لا حول و لا قوة بالله و الأخرى تقول لي
أعطيني حريتي

و كان الخبر كالآتي "عثر فجر هذا اليوم على جثة
فتاة تبلغ من العمر عشرين سنة أبدت التحريات أنها لقيت عملية اغتصاب بشعة قبل
قتلها...بالرغم من أن المجرم لم يترك اي أثر لهويتها الا اننا تلقينا بلاغ من قبل
ثلة من أصدقائها الذين مروا من مكان الحادثة و بلغوا عن هويتها و هي ابنة رجل
الأعمال الثري السيد .....

نزل الخبر كالبلاء الساحق على قلب عبد الحميد
قضت على جميع حواسه ما عدا السمع و البصر فأصبح غير موجود في عالم موجود أصبح جثة
هامدة تنتظر الموت.

رن الهاتف , ردت الخادمة:

_ألو...حاضر, سيدتي شرطي يريد
محادثتك

_الله يستر...ألو..ماّذا؟ ...عبد الحميد
....صرخت الأم وما ان وقعت عيناها على عبد الحميد راعها ما رأت زوجها أصبح روحا بلا
جسد يا للمصيبة.

لقد حرص على جواهره الثمينة أشد الحرص الا أنه
فقد احداهن,ياليته مات و لم يرى هذه الفضيحة,ياللعار,كان يخاف عليها و ما أفاده
حرصه الشديد عليها ؟و ما كانت نتيجة خوفه المفرط ؟انتهك عرضه يوم سهى عنها لأنه لم
يربها تربية صالحة كان يصرخ طول الوقت لم يفهمها يوما واحدا لم يقوم بكل هذا كان
يأمرها وكأنه يأمر احدى خادماته ,أقواعده كانت خاطئة؟لقد قتل روحه و روح ابنته بسبب
تفكيره الفاسد لم يحاول اقناعها بحجج منطقية سبب قسوته أو بالأحرى سبب اختياراته
القاسية,أهو يعد قاتلهاالآن؟فات الأوان لهذا السؤال لقد حصل ما في لصدور و سيعاقب
من الآن فصاعدا على قسوته المبالغ فيها

في تلك الليلة حين كانت سلمى تستنجد و تصرخ
بحثا عن من ينجدها ,حين كانت تحتضر بين أنياب الذئاب, وحين لامس نصل السكين
رقبتها سمعت صوت والدها حين قال"أحين أخشى على ابنتي أنياب الذئاب الجائعة أكون
سجانا؟"ولأول مرة تسمع سلمى هذه العبارات و تفهمها و لكن هيهات فات الأوان و جرى
القلم بما قدر .

امضاء
الكاتبة الصغيرة مروى بن عبد الجليل

زائر

ارجو أن تنال القصة لجديدة اعجابكم و آمل أن أرى ملاحظاتكم

زائر

marwa4070 كتب:: الأسيرة

ألقت بمجموعة من الأوشحة المعقودة فيما بينها
من نافذة الغرفة و ذلك بعد احكام ربطها ثم تسلقت العقدة تلو الأخرى .و ما ان لامست
ساقها اليابسة حتى ارتمت بين أحضان العشب النضر و أطلقت ساقيها للريح فركضت مسرعة و
تسلقت أغصان الشجرة فوضعت طرف أصابعها على حافة الحائط ثم قفزة من فوقه فركضت
مسرعة لتركب سيارتها التي كانت تبعد المنزل بضع أمتارثم انطلقت وسط جو من الموسيقى
المنبثقة من وسط السيارة.

بعد مرور ربع ساعة توقفت السيارة أمام منزل أو
بالأحرى قصر منفرج الباب تنبثق من وسطه موسيقى صاخبة شبيهة بتلك التي كانت
تسمعها.دلفت الى داخل المنزل متمايلة يسرة و يمنة تناغما مع الموسيقى التي تهز
الأجواء و تصد الأذان.

_أهلا سلمى ,ما سبب تأخرك؟

_أهلا سوسن,عيد ميلاد سعيد و كل عام و أنت بألف
خير,آسفة كان عندنا ضيوف لذلك امتنعت عن القدوم قبل ذهابهم

_أهلا عزيزتي

تقدم شاب يعجز اللسان عن وصف وسامته و جماله و
يصدق فيه قول الشاعرحين ينشد:

و مليح قال صفني انت في الوصف
فصيح

قلت قولا باختصار كا مافيك مليح

شاب بهي المنظر كأنه البدر في تمامه بجبين أزهر
و خد أجمر و شعر كأنه الدر و الجوهر كما قال الشاعر في حقه في هذين
البيتين:

البدر أكمل كل شهر مرة و جمال وجهك كل
يوم يومك

و حلوله في قلب برج واحد و لك القلوب
جميعهن منازل

الا أنه شاب كالهيفاء في مشيته تغيب عنه
مواصفات الرجولة و شدتها قسمات وجهه لطيفة وديعة كوجه القطة و ما أقبح أن يحمل رجل
بين طيات وجهه قسمات لبنت لا لرجل.

تقدم الشاب فأمسك بيد سلمى ثم مرر على خديها
قبلتين كتحية سلام و كأنهما فتاتان ثم قالت له:

_فادي,كيف حالك يا عزيزي؟

_بخير ,ما سبب تأخيرك ؟ننتظرك منذ ساعات هيا
لنقطع الحلوى و لنرقص رقص الهنود

_سوسن,هديتك

_شكرا عزيزتي

قطعت الحلوى و أكل الجميع ثم تحولت السكينة الى
صخب و ارتمى الشباب بين أحضان حلبة الرقص فتيات و فتيان يتمايلن يمنة و يسرة,شباب
كالفتيات و فتيات كاسيا عاريات جسدهن برز من بين ثيابهن المخلعة.

التقطت سلمى هاتفها المحمول تظاهرت و كأنها
تكلم شخصا ما بانت علامات القلق و الخوف بين ثنايا وجهاها,أغلقت الهاتف ,أمسكت
صديقتها سوسن من يدها ثم قالت لها بقلق:

_علي الذهاب اتصلت بي أختي لتعلمني بأن أمي
مريضة و أن الطبيب في طريقه الى المنزل

بدا الأسى على وجه سوسن لفراق سلمى.فهي الصديقة
الفضلى المنتمية الى مجموعتها,فسلمى هي معدة الحفلات و الرقصات الجنونية و المنظمة
لكل الرحلات الجامعية و الناطقة الرسمية للسان شباب الجامعة ذوي الثروات المالية
الهائلة في البلاد هذا الى جانب تمتعها بموهبة الرقص الشرقي و الغربي و ان صح
التعبير فسلمى تعد قائدة فرقة الأثرياء.

عادت سلمى الى المنزل فلمحت والدها أمام المنزل
يخيط الشارع جيئة و ذهابا و أمها تتطلع من الباب و الخوف يكاد يقضي عليها,ما ان
لمحها والدها حتى أمسك بذراعها بقوة ثم شدها من شعرها جارا اياها الى داخل المنزل
ثم انهال عليها بلطمات متتابعة على وجهها ثم ألقى بجسدها المنهك على الأرض التي
استقبلتها بصفعة على جسدها المتعب,أسرعت الأم الحنون حاملة اياها من فوق الأرض
اليابسة ثم صرخت في وجه الأب:

_ ما هكذا تكون التربية أيها الغول

_ و الله هذه الفتاة ستجنني ماذا تريد أكثر مما
أعطيه اياها ,سيارة و لها أفخهم السيارات,غرفتها كأنها غرفة أميرات,كل سنة تسافر مع
أخواتها الى أشهر الدول الأروبية في العالم,أموال ؟ تنفق كما تشاء ما ,ماذا تريدين
أكثر من هذا ؟ اتظنين أنك تسيرين في الشارع وحدك ؟ألم أنهك عن الذهاب الى الحفلات
؟لقد أعلمني سمير بكل شيء

_ اتريد أن تعرف ما هي طلباتي و رغباتي التي لم
تحققها لي ؟ أتريد أن تعرف لم أقوم بهذه المغامرات؟

_ نوريني

_ السبب بسيط لقد مللت و كرهت هذه القضبان أريد
حريتي , حريتي ,أفهمت يا أبي؟أحس و كأنني أسيرة هنا, أريد أن أحس بأن لي أب يحترم
خصوصياتي و ليس سجانا يأمر و ينهي أريد أن يكون لي أصدقاء أزورهم و يزورونني ألك
هذه الأموال و تمنعني من اقامة الحفلات و السمر و السهر وهذه الرحلات التي ترسلني
اياها كل سنة ما استمتعت بها قط أشعر و كأنني رفقة مجموعة من العجز فأختايا منهكتان
من كثرة الشغل و تمضيان اليوم كله نوم و أنت حذرتهما من الخروج من دوني ,كلية
الحقوق و دخلتها كما أردت ثيابي تختارها على ذوقك جواسيس محاطة بي في كل الأرجاء
أتركني ارحمني أريد حريتي,حريتي

_ماذا؟دهش الأب أحين أخشى على ابنتي أنياب
الذئاب الجائعة أكون سجانا؟كسوتك أثمن الثياب و حميتك من جميع المخاطر و تقولين
أريد حريتي ثم مابالها كلية الحقوق؟انظري الى أختاك تعيشان أفضل حياة و أنا الذي
اخترت لهما كليتهما,كفا هراء أتريدنني أن أنفق أموالي على تصاميم فاشلة لن
تنجح

_ ماذا لو وافقت على ادراجي كلية الفنون
الجميلة لكنت أفضل نحاتة؟ثم تسألني الآن عن سبب شغبي ؟لقد جرحت كرامتي و جعلتني آلة
تتحكم بها

_ اذا وعدتني بعدم مخالفة أوامري سأدرجك كلية
الفنون الجميلة

_بعد سنوات من النجاح الباهر الذي حققته في
كلية الحقوق تريد ادراجي كلية الفنون؟ثم لقد قضيت سنتان من عمري في كلية الحقوق
أتعني أنني خسرتهما من حياتي؟فات الأوان الآن لقد دمرت حياتي و خربت و أنت السبب في
ذلك

_أرجوك يا ابنتي سأمنحك حريتك شرط أن تعيديني
بعدم السهر الى منتصف الليل,تغيرت حدة صوت الأب الى صوت الأب الحنون
النصوح

_أتريد سجني مدى الحياة ياابي أرجوك بعض الثقة
و لا تخش علي فأنا محلها

_حسنا قال الأب بمضض

_تخلص من الجواسيس ليطمئن بالي

_ماذا؟

_أرأيت؟أنت لا تريد سعادتي

رأى الأب أن لا مفر من التخلص من متتبعي ابنته
لأنه مل هذه الحوارات و المشاجرات و رأى أن يمنح ابنته بعض الثقة بعض الوقت ثم يعيد
مراقبتها دون اخبارها.

_حسنا لك ما أردت

أحست سلمى و لأول مرة بغبطة تسري الى كامل
جسدها و ذاقت لأول مرة طعم النصر و لذته.فوالدها رغم ثرائه الفاحش رجل متمسك
بعاداته و تقاليده لعل بعضا من هذه العادات يخترعها و ينسبها الى عرف العادات و
التقاليد.له ثلاث فتيات كلهن تربين في نعيمه المفانق و لكن حسب قوانينه فعشن اضطهاد
و نشأن في بيئة انتهكت فيها شخصيتهن رغم نجاحهن الدراسي و المهني.لعل البيئة
القاسية التي نشأفيها والدهن هي سبب نمو هذه القسوة في قلبه.حرم من الأم و
حنانها عاش بين لطمات زوجة الأب و سخرية اولادهاجاهد الى أن أصبح من أكبر رجال
الأعمال فكانت تلك الأيام كابوسا لا يفارق حياته فعمل على تربية بناته في نعيم
الملوك و الأمراء و لكنه سهى أن هذه المعاملة القاسية تربت معه و أن القسوة أصبحت
من شيمه فتميزبها في معاملته مع الجميع فعاشت بناته الاضطهاد الذي رسم لهن طريقا
وعرة مملوءة بالاشواك و نفسا مشبعة كبتا.

فابنته سناء,البنت الكبرى وهي طبيبة أطفال
امتازت بقسوةمشابهة لقسوة أبيها مع أبنائها و الأطفال الذين أشرفت على تمريضهم حتى
مع زوجها الذي فرضها المولى عز وجل بأن تكون حنونة عليه كانت كثيرة الصراخ عليه و
أما أختهما الوسطى سنية المهندسة الشهيرة في البلاد امتازت بطول عزلتها و انكبابها
على أوراق شغلها,فبالرغم من أنها حلمت من أن تكون مصممة أزياء في شبابها و حرمت من
تحقيق حلمها و السبب معروف ,عانت مشكلة كبت لم تجد ملجأ لتصعيد هذا الكبت المحبوس
داخلها ,فانكبت على دراستها من ثم شغلها و امتازت في عملها الا أنها كانت تقضي أغلب
وقتها بين أوراق عملها فأهملت زوجها الذي خانها آلاف المرات و الى حد الآن لم تتفطن
به و انشغلت عن ابنها الذي أصبح يعاني مشاكل نفسية عزلته عن المجتمع فكان يقضي أغلب
الوقت وحيدا.

أما سلمى فامتنعت أن تكون ضحية كما كانت أختاها
فكانت رغبتها الوحيدة معارضة والدها في كل شيء فكانت كثيرة السهر و الخروج و السمر
مع الرفقة ,تعشق الرقص و المجون و تنظيم الحفلات و في هذه الليلة ظنت انها فازت في
المعركة .بالرغم من أن السيد عبد الحميد تسبب بجرح الكثرين الا أن ما عاناه في صغره
و ما تراه عيناه من ظلم و انتهاك للاعراض زرع في قلبه الخوف على عائلته فزوجته و
بناته هن كل ما يملكه في هذه الحياة القصيرة المدى و كل ما يفعله لا يكون الا لهن
وحين لاحظ بعض التجاوزات من قبل سلمى قرر تخصيص بعض الجواسيس لمراقبتها.

في صباح اليوم الموالي , ذهبت سلمى كعادتها الى
الجامعة ,فاعترضها وجه سوسن الحائر يسألها عن حال أمها فطمئنتها بابتسامة لطيفة و
بينما كانتا في حوارهما مرت فتاة بسيطة بجانبها فنظرت اليها سوسن باحتقار ثم همست
في أذن سلمى قائلة:

_منذ دخولنا الى الجامعة و هي ترتدي هذه الكسوة
و لاتغيرها

فصرخت سلمى و قالت للبنت:

_ وداد لي ثياب تكاد تخرج من خزانتي
أتأخذينها؟

نظرت اليها وداد بحزن و قالت:

_ عندي ما هو أجمل من ثيابك

_ على الأقل ثيابي التي كنت سأعطيك اياها أنظف
و أغلى من هذه الخردة

ما ان نطقت شفتاها بهاته الكلمات حتى انبثقت
قهقهات هنا و هناك سخرية من هذه البنت المسكينة. تمتعت سلمى الى جانب شخصيتها
القوية بروح السخرية و التهكم و احتقار الفقراء.

_أهلا عزيزتي

_ فادي مرحبا

قبلتان كالعادة ثم أضاف:

_لماذا أسرعت في الخروج البارحة؟

_ أمي تعبت قليلا البارحة

_سلامتها

_ شكرا

سلمى لا تخبر اصدقائها عن قسوة والدها فهم
يظنون أنه من الرجال الأغنياء المنفتحين على العصر الا أنهم يعانون من نفس المشكلة
ما عدى البعض منهم لكنهم يوهمون الآخرين بأن أولياء أمرهم منفتحين و مواكبين للعصر
مثل سلمى هذا ما تخبره لأصدقلئها.

_ستأتين الى الحفلة الليلة ,أليس كذلك,تساءل
فادي

_بالطبع

بعد الحفل الصاخب قررت سلمى العودة للمنزل,لحسن
حظها انشغل والدها عنها داخل اجتماع طارئ فعاشت سلمى يومها الاول من حريتها بكل
اريحية .في طريق عودتها ثقب اطار السيارة . خرجت من السيارة لتغييرها.بعد مرور
لحظات أحست و كأن شيئا ما يلامس كتفها استدارت لتستطلع الأمر لمحت شابا يتطاير
الشرر من عينيه لأرادت الفرار فاصطدمت بصدر شاب آخر كأنه الصخر ذو وجه يصدق الشاعر
حين وصفه في هاذان البيتان:

له في زوايا الوجه تسع مصائب فواحدة منهن
تبدي جهنم

بوجه بشع ثم ذات قبيحة كصورة خنزير
تراه مرمرا

همت بالهروب من الشرق فاصدمت بصدر شاب ثالث ذو
صدر أقسى من السابق,صرخت قائلة:

_ ماذا تريدون مني؟

_سؤال غريب,قال الشاب الأول بصوت لا يخلو من
السخرية

_ ما يريده الوحش من فريسته ,قال الشاب
الثاني

_و يظفر بلحمها و شحمها,أضاف الثالث

في صباح اليوم الموالي,استيقظ عبد الحميد من
سريره بتثاقل بعد ليلة مليئة بالتعب,جلس الى الطاولة لتناول افطاره,كعادته أمسك
بصحيفته ليقراها,فشده خبر مفزع"جريمة اغتصاب بشعة انتهت بذبح الضحية"فقال كالمخاطب
نفسه:

_ لا حول و لا قوة بالله و الأخرى تقول لي
أعطيني حريتي

و كان الخبر كالآتي "عثر فجر هذا اليوم على جثة
فتاة تبلغ من العمر عشرين سنة أبدت التحريات أنها لقيت عملية اغتصاب بشعة قبل
قتلها...بالرغم من أن المجرم لم يترك اي أثر لهويتها الا اننا تلقينا بلاغ من قبل
ثلة من أصدقائها الذين مروا من مكان الحادثة و بلغوا عن هويتها و هي ابنة رجل
الأعمال الثري السيد .....

نزل الخبر كالبلاء الساحق على قلب عبد الحميد
قضت على جميع حواسه ما عدا السمع و البصر فأصبح غير موجود في عالم موجود أصبح جثة
هامدة تنتظر الموت.

رن الهاتف , ردت الخادمة:

_ألو...حاضر, سيدتي شرطي يريد
محادثتك

_الله يستر...ألو..ماّذا؟ ...عبد الحميد
....صرخت الأم وما ان وقعت عيناها على عبد الحميد راعها ما رأت زوجها أصبح روحا بلا
جسد يا للمصيبة.

لقد حرص على جواهره الثمينة أشد الحرص الا أنه
فقد احداهن,ياليته مات و لم يرى هذه الفضيحة,ياللعار,كان يخاف عليها و ما أفاده
حرصه الشديد عليها ؟و ما كانت نتيجة خوفه المفرط ؟انتهك عرضه يوم سهى عنها لأنه لم
يربها تربية صالحة كان يصرخ طول الوقت لم يفهمها يوما واحدا لم يقوم بكل هذا كان
يأمرها وكأنه يأمر احدى خادماته ,أقواعده كانت خاطئة؟لقد قتل روحه و روح ابنته بسبب
تفكيره الفاسد لم يحاول اقناعها بحجج منطقية سبب قسوته أو بالأحرى سبب اختياراته
القاسية,أهو يعد قاتلهاالآن؟فات الأوان لهذا السؤال لقد حصل ما في لصدور و سيعاقب
من الآن فصاعدا على قسوته المبالغ فيها

في تلك الليلة حين كانت سلمى تستنجد و تصرخ
بحثا عن من ينجدها ,حين كانت تحتضر بين أنياب الذئاب, وحين لامس نصل السكين
رقبتها سمعت صوت والدها حين قال"أحين أخشى على ابنتي أنياب الذئاب الجائعة أكون
سجانا؟"ولأول مرة تسمع سلمى هذه العبارات و تفهمها و لكن هيهات فات الأوان و جرى
القلم بما قدر .

امضاء
الكاتبة الصغيرة مروى بن عبد الجليل

موضوع: رد: الأسيرة 2010-09-09, 00:09