الرومانسية أو الرومانتيكية

موضوع: الرومانسية أو الرومانتيكية 2010-10-04, 02:32

الرومانسية أو الرومنطقية

الرومانسية أو الرومنطقية حركة فنية وثقافية في تاريخ الأفكار نشأت في أواخر القرن الثامن عشر في أوربا الغربية. و شددت على العواطف القوية التي قد تتضمن الهلع والرهبة و الرعبَ كتجارب جمالية - و الخيال الفردي كسلطة ناقدة ، مما سمح بالتحرر من الأفكارِ الكلاسيكيةِ حول الشكل الفني، وإنقلاب الأعراف الإجتماعية السابقة، خصوصاً من موقع الأرستقراطية.

لا يخفى وجود عنصر قوي مِنْ الحتميةِ التاريخيةِ والطبيعيةِ في أفكارِ هذه الحركة، كالتأكيد على أهمية "الطبيعة" في الفنّ واللغة. الرومانسية مشهورة أيضا بتعظيمها إنجازات من تصفهم كأبطال و فنانين غير اعتياديين . تلت الرومانسية عصر التنوير مستلهمة فترة الثورة ضدّ المعاييرِ الإجتماعية والسياسية الأرستوقراطية التي كانت سائدة في الفترة السابقة، و كانت تعتبر نفسها إحدى إنجازات عصر التنوير و تحققا لوعوده .

الرومانسية أو الرومانتيكية مذهب أدبي يهتم بالنفس الإنسانية وما تزخر به من عواطف ومشاعر وأخيلة أياً كانت طبيعة صاحبها مؤمناً أو ملحداً، مع فصل الأدب عن الأخلاق. ولذا يتصف هذا المذهب بالسهولة في التعبير والتفكير، وإطلاق النفس على سجيّتها، والاستجابة لأهوائها. وهو مذهب متحرر من قيود العقل والواقعية اللذين نجدهما لدى المذهب الكلاسيكي الأدبي، وقد زخرت بتيارات لا دينية وغير أخلاقية.

يحتوي هذا المذهب على جميع تيارات الفكر التي سادت في أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وأوائل القرن التاسع عشر.

والرومانسية أصل كلمتها من : رومانس Romance باللغة الإنجليزية ومعناها قصة أو رواية تتضمن مغامرات عاطفية وخيالية ولا تخضع للرغبة العقلية المتجردة ولا تعتمد الأسلوب الكلاسيكي المتأنق وتعظم الخيال المجنح وتسعى للانطلاق والهروب من الواقع المرير، ولهذا يقول بول فاليري: "لا بد أن يكون المرء غير متزن العقل إذا حاول تعريف الرومانسية".

الرومانسية في أوروبا

بريطانيا

وترجع الرومانسية الإنكليزية إلى عام 1711م ولكن على شكل فلسفة فكرية، ونضجت الرومانسية الإنكليزية على يد توماس جراي وويليام بليك.

فرنسا

لا شك أن الثورة الفرنسية 1798م هي أحد العوامل الكبرى التي كانت باعثاً ونتيجة في آن واحد للفكر الرومانسي المتحرر والمتمرد على أوضاع كثيرة، أهمها الكنيسة وسطوتها والواقع الفرنسي وما فيه.

إيطاليا

في إيطاليا ارتبط الأدب بالسياسة عام 1815م وأصبح اصطلاح رومانسي في الأدب يعني ليبراليا (أي: حراً أو حرية) في السياسة.

أبرز الرومانسيين في التاريخ

ومن أبرز المفكرين والأدباء الذين اعتنقوا الرومانسية: - المفكر والأديب الفرنسي جان جاك روسو 1712 – 1788م ويعد رائد الرومانسية الحديثة.
- الكاتب الفرنسي شاتو بريان 1768 – 1848م ويعد من رواد المذهب الذين ثاروا على الأدب اليوناني القائم على تعدد الآلهة.
- مجموعة من الشعراء الإنكليز، امتازوا بالعاطفة الجياشة والذاتية والغموض رغم أنهم تغنوا بجمال الطبيعة وهم : توماس جراي 1716 – 1771م ووليم بليك 1757 – 1927م وشيلي 1762 – 1822م كيتش 1795 – 1821م وبايرون 1788 – 1824م.
-الشاعر الألماني جوته 1749 – 1832م مؤلف روايني آلام فرتر عام 1782م، وفاوست التي تظهر الصراع بين الإنسان والشيطان.
- الشاعر الألماني شيلر 1759 – 1805م ويعد أيضاً من رواد المذهب.
- الشاعر الفرنسي بودلير 1821 – 1867م الذي اتخذ المذهب الرومانسي في عصره شكل الإلحاد بالدين.

الأفكار والمعتقدات

كانت الرومانسية ثورة ضد الكلاسيكية، وهذا ما نراه واضحاً من خلال أفكارها ومبادئها وأساليبها التي قد لا تكون واحدة عند جميع الرومانسيين، ويمكن إجمال هذه الأفكار والمباديء فيما يلي:
الموضوع الأصلى من هنا: منتديات لحظات لايف http://www.l7azat.com/live/showthread.php?t=60697
- الذاتية أو الفردية: وتعد من أهم مبادىء الرومانسية ، وتتضمن الذاتية عواطف الحزن والكآبة والأمل، وأحياناً الثورة على المجتمع. فضلاً عن التحرر من قيود العقل والواقعية والتحليق في رحاب الخيال والصور والأحلام.
- التركيز على التلقائية والعفوية في التعبير الأدبي، لذلك لا تهتم الرومانسية بالأسلوب المتأنق، والألفاظ اللغوية القوية الجزلة.
- تنزع بشدة إلى الثورة وتتعلق بالمطلق واللامحدود.
- الحرية الفردية أمر مقدس لدى الرومانسية، لذلك نجد من الرومانسيين من هو شديد التدين مثل: شاتوبريان ونجد منهم شديد الإلحاد مثل شيلي. ولكن معظمهم يتعالى على الأديان والمعتقدات والشرائع التي تُعد بالنسبة لهم قيوداً.
الموضوع الأصلى من هنا: منتديات لحظات لايف http://www.l7azat.com/live/showthread.php?t=60697
- الاهتمام بالطبيعة، والدعوة بالرجوع إليها حيث فيها الصفاء والفطرة السليمة، وإليها دعا روسو.
- فصل الأدب عن الأخلاق، فليس من الضروري أن يكون الأديب الفذ، فذّ الخُلق. ولا أن يكون الأدب الرائع خاضعاً للقوانين الخُلُقية.
- الإبداع والابتكار القائمان على إظهار أسرار الحياة من صميم عمل الأديب، وذلك خلافاً لما ذهب إليه أرسطو من أن عمل الأديب محاكاة الحياة وتصويرها.
- الاهتمام بالمسرح لأنه هو الذي يطلق الأخيلة المثيرة التي تؤدي إلى جيَشان العاطفة وهيجانها.
- الاهتمام بالآداب الشعبية والقومية، والاهتمام باللون المحلي الذي يطبع الأديب بطابعه، وخاصة في الأعمال القصصية والمسرحية.

الجذور الفكرية العقائدية

تعد الرومانسية ثورة ضد الكلاسيكية المتشددة في قواعدها العقلية والأدبية، وكذلك ثورة ضد العقائد اليونانية المبنية على تعدد الآلهة.
ومن جذور هذه الثورة ظهور التيارات الفلسفية التي تدعو إلى التحرر من القيود العقلية والدينية والاجتماعية. فضلاً عن اضطراب الأحوال السياسية في أوروبا بعد الثورة الفرنسية الداعية إلى الحرية والمساواة وما يتبع ذلك من صراع على المستعمرات، وحروب داخلية.كل هذه الأمور تركت الإنسان الأوروبي قلِقاً حزيناً متشائماً، فانتشر فيه مرض العصر، وهو الإحساس بالكآبة والإحباط ومحاولة الهروب من الواقع، وكان من نتيجة ذلك ظهور اتجاهات متعددة في الرومانسية، إذ توغلت في العقيدة والأخلاق والفلسفة والتاريخ والفنون الجميلة.
دخلت الرومانسية في الفلسفة وتجلت في نظرية الإنسان الأعلى (السوبرمان) عند نيتشة 1844 – 1900م ونظرية الوثبة الحيوية عند برغسون 1859 – 1941م.

الرومانسية الجديدة

انحسرت الرومانسية في مطلع القرن العشرين عندما أعلن النقاد الفرنسيون هجومهم عليها – وذلك لأنها تسلب الإنسان عقله ومنطقه – وهاجموا روسو الذي نادى بالعودة إلى الطبيعة. وقالوا: لا خير في عاطفة وخيال لا يحكمهما العقل المفكر والذكاء الإنساني والحكمة الواعية والإرادة المدركة.
وكان من نتيجة ذلك نشوء الرومانسية الجديدة ودعوتها إلى الربط بين العاطفة التلقائية والإرادة الواعية في وحدة فكرية وعاطفية، ومن ثم نشأت الرومانسية الجديدة حاملة معها أكثر المعتقدات القديمة للرومانسية.
الانتشار ومواقع النفوذ:
● تعد فرنسا موطن المذهب الرومانسي، ومنها انتقل إلى ألمانيا ومنها إلى إنكلترا وإيطاليا.
ويتضح مما سبق:
أن الرومانسية أو الرومانتيكية مذهب أدبي يقول أنصاره أنه يهدف إلى سبر أغوار النفس البشرية واستظهار ما تزخر به من عواطف ومشاعر وأحاسيس وأخيلة، للتعبير من خلال الذاتية عن عواطف الحزن والأسى والكآبة والألم والأمل، ومن خلال العفوية الخالية من تأنق الأسلوب وجزالة اللفظ ودقة التراكيب اللغوية، مع الاهتمام بالطبيعة وضرورة الرجوع إليها، وفصل الأخلاق عن الأدب، والاهتمام بالآداب الشعبية.
وقد اعتنق كثير من الحداثيين الرومانسية بل عدها بعضهم أحد اتجاهات الحداثة.

الرومانسية في الإسلام

ومن وجهة النظر الإسلامية فإن أي تيار أدبي لا بد أن يكون ملتزماً بالدين والأخلاق كجزء من العقيدة، وإذا كانت ملازمة الحزن والتعبير عنه لها سلبيات كثيرة، فإن الإسلام يتطلب من معتنقيه مواجهة الظروف التي يتعرضون لها بشجاعة والتسليم بقضاء الله وتلمس الأسباب للخروج من الأزمات دون يأس أو إحباط، وكل إنسان مسئول عن تصرفاته ومحاسب عليها بين يدي الله، طالما كان يملك أهلية التصرف، أما المكره فهو معذور وتسقط عنه الأوزار فيما يرتكبه قسراً، ولكنه لا يعذر في التعبير الحر عما ينافي العقيدة ويتعارض معها.

مراجع للتوسع

- نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا – ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – الرياض.
- مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر/ نشر دار الشعاع – الكويت.
- المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر – القاهرة.
- الأدب المقارن ، د. محمد غنيمي هلال – دار العودة – بيروت.
- المدخل إلى النقد الحديث، د. محمد غنيمي هلال – القاهرة: 1959م.
- الرومانتيية، د. محمد غنيمي هلال – القاهرة : 1955م.
- الأدب المقارن ، ماريوس فرنسوا غويار – (سلسلة زدني علماً).
- المذاهب الأدبية الكبرى، فيليب فان تيغيمة (سلسلة زدني علما).

المراجع الأجنبية

- Braunschvig: Notre Litterature Etudiee dans le Texte. Paris 1949.
- Lanson: Histoire de La Litterature Francaise. Paris. 1960.
- De Segur (Nicola): Histoire de la litterature Europieenne, Paris, 1959.

منقول

إليكم هذا الكتاب عن الرومنطقية يمكن تحميله وسأوافيكم بمجموعة أخرى من الكتب
اضغط هنا

حمل هذه الدراسة:
مفهوم الرومنطقية
وهذه
فيكتور هوجو..مقدمه كرومويل..بيان الرومانتيكيه

إليكم هذه الدراسة بعنوان: الأدب العربي الحديث
د. سالم المعوش
• المدرسة الأولى: الرومنقيطيّة

المدرسة قد وجدت في الغرب أولا. أسسها روسو وغوته وهيجو. وتأثر منها الكتاب العرب نحو: المنفلوطي في أعماله الأدبية مثل النظرات، العبرات وغيرها.
طبيعة المدرسة الرومنقطيّة حديثها حول: الحب، الطبيعة، الألم، الذات والعزلة.
قام بعض الكتاب العرب بعملية ترجمة لأعمال رومنقطيّة غربيّة مثل الزيات حينما ترجم آلام فارتر، وقد كتب كتاب آخرين على نهج هذه الترجمات مثل رواية هيكل واسمها: "زينب". ما يميز رواية زينب هي علاقتها بالريف والطبيعة.
جبران خليل جبران كتب أيضا الأجنحة المتكسرة، وظهرت هناك نزعته الرومنطقيّة بشكل واضح في رسمه للشخصيات وللأحداث وللطبيعة.
إنّ الأعمال الرومنطقية في الأدب العربيّ تظهر على شكلين: بشكل واضح وجليّ كما ذكرنا عند جبران، أو بشكل مضمر غير واضح كما هي عند طه حسين في روايته "دعاء الكروان". حيث يستخدم تقنيات المدرسة الرومنقطيّة لتشييع الحبّ في مساحات الطبيعة.
تتسم النزعة الرومنقطية بالعجز واليأس. ويقول نعيمة عن أعمال جبران بأنها تبعد كل البعد عن الواقعية وتصبّ بمجملها في التوجه الرومنطيقي فيرسم جبران عبرها صورا للطبيعة وللمشاعر تعبر عن الحزن والتوجع والتفجع حتى لتصب أخيرا في قالب يعبر عن تموقع الشاعر في دخيلته والتركيز على ما يخالجه وذلك عبر أسلوب الوعظ.
المدرسة الرومنطقية تبتعد عن المدرسة الواقعية وإن كانت تطرح مواضيع قد تكون يوما ما في هذا الواقع.
• المدرسة الثانية: الرومانسيّة
المدرسة الرومانسيّة تعبّر عن افتقار السببية والتحليل العقلي، وتبنى على أساس المبالغات والمصادفات والمغامرات والتضخيم مما يخلق جوا من المواعظ الخيالية.
تأثر الكتاب العرب بهذه المدرسة التي جاءت من الغرب أيضا، وذلك بعد حركة الترجمة التي جلبت هذه الأعمال إلى العربيّة، فكتب كتابنا العرب على نسقها.
يعتقد الرومانسيون بأنّ الأدب منبثق من دخيلة الإنسان، وكلّ النظم الاجتماعيّة متعلقة بخلق الإنسان واقعه من ذاته.
الخيال الرومانسي يؤدّي بالكاتب إلى جذب انتباه القراء لما في نصه من محركات للعواطف. هذا يعني بأنّ الكتابة الرومانسية تحاكي العواطف البشريّة لما فيها من خيال على عكس الواقعية التي تحاكي العقل البشريّ.
القصص البوليسيّة نوع من القصص الرومانسيّة لما فيها تحريك للعواطف.
بعض الروايات في عصر النهضة اعتبرت نماذج للتأثر الرومانسي مثل روراية "حسن العواقب" لزينب فواز وروايتي الفتى الريقي والفتاة الريفيّة لمحمود خيرت لما يبدو فيها من ملامح طبيعيّة تؤدّي الدّور الرومانسيّ لها في النص.
في القصص الرومانسيّة تبدو الشخصيات متشابهة بجوهرها النفسي ونزعتها إلى العزلة، كما أنها شخصيّات بطيئة التحوّل، وإذا طرا عليها أيّ طارئ فإنّه يكون فجائيّ. نضيف إلى أنّ القصّة تعتمد على التخييل والصدفة كما يرد في قصة محمد المويلحي الذي يرى حياة الناس سلبيّة مليئة بالقبور.. وفجأة ينفتح قبر يظهر منه رجل مهيب.
الرواية بشكل عام لا تميل إلى القصّ الرومانسيّ لما فيه من إغراق في الخيال، وابتعاد أو هروب من الواقع فيبحث عن الفكرة البسيطة ذات المعنى الكبير دون مغالاة في ذلك مصوّرا الواقع الموجود فيه لذلك يكتبون على النهج القصصيّ الفنّيّ المتّسم بالواقعيّة.
• المدرسة الثالثة: الواقعيّة
عرف الاتجاه الواقعيّ في الأدب العربيّ يوم بدأ التفكير في الاستقلال وإبراز الشخصيّة العربيّة . وقد عرفت المدرسة الواقعيّة بمواكبتها لفكرة الاستقلال والحياة الحديثة كما أضافت فكرة الثقافة العربيّة وفضّلتها على الغربيّة كما فعل الحكيم في كثيرٍ من رواياته إذ وضّح في عصفور من الشرق مزايا المجتمع العربيّ مقارنة مع المجتمع الغربيّ.
نجيب محفوظ كان من رواد الواقعيّة في مصر منذ بدأ حتّى نهاية حياته جميعها فيس النهاية تصبّ في خانة إبراز الواقع المصريّ بتناقضاته ومشكلاته. يحاول نجيب محفوظ في ثلاثيّته أيضا أن يبرز ذاك الفرق بين واقع الأجداد وواقع أحفادهم عن طريق إبراز توجّههم الفكريّ. وكذا الحال في خان الخليلي حيث يصوّر محفوظ حيّا من أحياء مصر بكلّ ما فيها من حيثيّات.
مثال آخر على الواقعيّة رواية الأرض لعبد الرحمن الشرقاوي يصوّر فيها الصراع بين الفلاحين والإقطاعيّين ويعرض لعنت الفلاحين وذلهم مقابل الحفاظ على أرضهم.
مثال ثالث يذكر عن الطيب صالح في روايته موسم الهجرة إلى الشمال، حيث يصوّر فيها مواجهة العدوّ المستعمر للبلاد العربيّة ورفض الأمّة لذلك.
إنّ دور الأدب الواعي هو تحريك الوعي العربيّ او الوعي الاجتماعيّ عند الامّة أو الشّعب وذلك عن طريق تفعيله في الأدب الواقعي. نذكر على ذلك ضرورة توثيقه لكلّ الاحداث التي تمرّ بها الأمّة كناتج عن وعي الكاتب لها، وتنبيه القارئ لما قد يغفل عنه فيها.
• المدرسة الرابعة: التحليلي النفسي
يعتمد هذا النوع من القصص على الحوار الدّاخلي الصّامت للفرد الذي يعي الحياة بعمق وذكاء حاد، وكاتب هذا النوع من القصص قادر على الإبلاغ والإيصال بوضوح ونقاء. ويعتمد على التفكير والإحساس في آن واحد.
برز هذا النوع من القصص في العشرينات من هذا القرن، وهو يمتد إلى كل الناس ويعالج كل ما تختلج به الحياة، ويركز على الباطن والظّاهر لأنّ الإنسان بحاجة إلى من يكشف باطنه ويتعاطف معه. وهذا النوع يعتمد أيضا على عناصر التشويق والإقناع وينتمي تيار الفرويدية إلى هذا الاتجاه.
إن كثيرا من القاصين العرب استعملوا هذا الاتجاه. عيسى عبيد ومحمود تيمور مثلا. هؤلاء تأثروا بالادب الغربيّ وحاولوا نقل هذا التأثير إلى العربيّة. هذا الأدب نوع من الكشف عن مكامن وميل إلى تطهير النفس وإلى استلهام المشاعر المأساويّة عند الإنسان والإيمان الحار بالله كتبوا عن الصدق والبراءة، عن الفلاح والعامل والظالم والمظلوم والمحظوظ والتعيس، تلك هي النفحات الشّرقيّة. ولقد تعرّض هذا النوع من القصص إلى النّقد لأنّه مقتضب ولا يستوفي كلّ الحقائق عن الشخصيّة وعلاقاتها وحياتها كلها، ويقول عبيد بما معناه إنّ الفن يجب أن يكون مستقلا ومحررا من كلّ قيد، والفن لا يكون فقط في تصوير الجمال والكمال بل قد يبدو أحيانا في تصوير عيوب الطبيعة ونقائص المجتمع البشري، وعيسى عبيد كان متأثرا بالتطوّرات الجديدة التي حصلت في مصر والبلاد العربيّة، فالمرحلة كانت مرحلة فوران، فعبيد في مقدمة مجموعته القصصية إحسان هانم يظهر انتمائه للواقع والثورة إذ يهدي هذه المجموعة إلى قائد الثورة، كما يعطي أهمية كبيرة للمرأة، وهو يصرح بأنه يقتدي في أعماله بالقصص الغربي ولا يكتفي بذلك بل يستعمل كلمات أجنبية يثبتها بحروف عربيّة: مثلا: مرسي ديموزيل. عبيد بذلك حاول تطعيم أسلوبه بكلمات أجنبيّة وهذا بلا شكّ أثر من آثار الغرب. محمود تيمور أيضًا اطلع على الادب العربيّ قديمه وحديثه ثمّ تبحّر في الأدب الغربيّ كزميله، وقد كانت في محمود تيمور ميول لكتابة القصة القصيرة على نمط عصريّ مستفيدا من ثقافته المزدوجة العربيّة والأجنبيّة فكتب الشيخ جمعة وأبو الشوارب، بنت الشيطان، إحسان لله وغيرها. وقد كتب ايضا الرواية والمسرحيّة، ومن قصصه رجب أفندي التي بناها على الفلسفة الساديّة وطرقها كما استعمل عيسى علم النفس ومصطلحاته. وقد استطاع محمود تيمور أن يستمر في الكتابة ويغيّر في أنماطها، وكان يعينه في ذلك جو أسرته العلمي ويسارها المادّيّ، ولإتقانه الفنّ القصصيّ ولتتلمذه على اخيه محمد تيمور، لذلك كان أكثرها واثعيا شعبيا ومن الاوساط المختلفة، فالمهم عنده تصوير داخل الإنسان وتأثير الواقع في هذا الداخل والعكس. وقد قادته واقعيته إلى استعمال العبارة الميسرة السهلة الشديدة الدلالة العميقة الغور بحيث تصل إلى أعماق النفس، كما اورد ملاحظات قيمة عن النقد الأدبيّ وبخاصة القصصي، ذلك أنّ تأثير الثقافة الغربية فيه أفقده الثقة بنفسه وفنّه في البداية فتردد بين الترجمة والتأليف. ولقد دفعته هذه الظاهرة وبخاصة عدم الإقبال على فنّه بادئ ذي بدء أن يجعل لمؤلفاته مقدّمات يوضّح ما جاء فيها ويكتب عن أهميتها. ذلك كله خلق منه ناقدا ومؤلفا في الوقت نفسه. وقد أكسبه ذلك روحًا نفاذة إلى باطن الأمور. يقول: وكنتُ كلّما أمعنت في المطالعة واستغرقت في التأمل ازدادت أمامي معضلات الحياة من تعقيد.
إنّ هذا التطور لديه في فنّ الكتابة بعد زوال عقدة الغرب عنده، أخرجه أيضا من ربقة الألساليب الأعجمية والعبارة شبه المترجمة إلى العربيّة السّليمة الراقية فكان ذلك إيذانا برواج فنّه.
إنّ القارئ يلمح عند تيمور بعدين أساسيين: الأول الوطني المصري والثاني الإنساني. وكأنه شعر بأنّ الإنسان في كينونته غير منفصل عن محيطه، وعن العالم الذي يعيش فيه. لذلك كتب عن الشعولا القومي والإنسانيّ. ومن قصص تيمور التحليلية الناجحة العودة فهي تصور عجوزا فقدت جميع أبنائها وبناتها ولم يبق لها غير حفيد واحد أطلقت عليه اسم الغالي لكثرة تعلقها به وحبها له. وكانت العجوز لا تقدر على مفارقته، ويأتي ذات يوم والده صهر العجوز فيطلب أخذ ابنه فتمانع أولا ثمّ ترضخ، وتمرّ الأعوام والعجوز تقتصد في نفقتها وتحتفظ بها للغالي، وبعد عشرة سنوات يعود الطّفل رجلا يلبس الطربوش والمعطف، فيميل عنها بكبر واشمئزاز، تحاول أن تراه لكنه ينفر منها فتصاب بخيبة الأمل، وتحزن أيّما حزن، وأخيرات تقول: لقد مات الغالي مذ غادرنا إلى المدينة. يحاول تيمور في هذه القصة أن يصور الحبّ الحقيقيّ الساذج الذي تكنه العجوز، وهو ذلك الحب الإنسانيّ الخالد الخالي من الشوائب، فالعجوز مثال لما في المشاعر من إنسانيّة، وقد نجح تيمور في أسلوبه الرشيق وعبارته الأنيقة في تصوير باطن المرأة بكلمات مشحونة بالإحساس والمشاعر يتجلى فيها عمق ما بعده عمق. وإذا كان تيمور وعبيد في مصر يمثلان القصة التحليليّة فإنّ هذه القصّة انتشرت في أرجاء الوطن العربي، ففي لبنان كان ميخائيل نعيمة يسجل في "ساعة الكوكو" و"العاقر" نجاحا مضطردا في هذا المجال. وتوفيق يوسف عواد في مجموعة أقاصيصه وروايته يعد من رواد هذه المدرسة، ففي قميص الصوف يطرح قضيّة شبيهة بتلك التي عالجها محمود تيمور في قصّته "العودة" وفي روايته الرغيف يعتمد الأسلوب نفسه يعالج فيها أهوال الحرب العالميّة الأولى والمجاعة التي انتابت لبنان وتأثيرها في الأهالي. هذه الحرب التي أفرزت جملة من القضايا والعلاقات بين الناس وكان منهم الانتهازي والوصولي الذي تعامل مع الترك والغرباء ضد شعبه، ومنهم البطل القومي المغوار المدافع عن أرضه وعن قوميّته وقيمه ومبادئه. ويستمرّ عواد في روايته لتجد قمّتها في أحد أعماله الاخيرة طواحين بيروت شكّلت إرهاصا لبدء الأزمة اللبنانيّة المستعصية، لكنها تمثّل ضمير الشعب اللبناني العربي ووقوفه في وجه الغازي الصهيوني. ومن القاصين اللبنانيين الذين اتبعوا تلك الطريقة التحليلية في القصّ خليل تقي الدين في مجموعته القصصية عشر قصص وكذلك سهيل إدريس في مجموعة رواياته الحيّ اللاتيني والخندق العميق فكانت الأولى عرضا لعقدة الشرقيّ المزمنة تجاه الغرب، فإدريس يصوّر فيها الطالب العربي اللبناني الدارس في باريس، ويقف محفوظ في قمة التجربة القصصية العربيّة الحديثة فكانت كتاباته خليطا من التيارات والاتجاهات الفنية المختلفة في القصّة والرواية. استعمل محفوظ أيضا الوراثة في الثلاثية كما استعمل معطيات علم النفس في رواية السراب. وتناول غالي شكري في كتابه أزمة الجنس في القصة العربيّة كما في زينب لهيكل والقاهرة الجديدة لمحفوظ كما تناول شكري عزيز ماضي موضوع تأثير هزيمة حزيران في الرواية العربيّة فيظهر من خلالها أهمية الحدث وتأثيره في بعض الروائيين العرب وخصوصا من الناحية النفسيّة، فتناول بعض الروايات كعودة الطائر إلى البحر لحليم بركات وعلى الدنيا السلام لذي النون أيوب حيث تجعل الهزيمة من الكاتب مهزوما ومرتدا عن قيمه إلى الغرب. وهناك نماذج أخرى تظهر شخصيّة البطل السلبي مثل المغترب، ذلك الإنسان الضائع والعازف عن الحياة والمرعوب وفاقد الأمان والاستقرار. الإنسان المدمّى الذي يحاول تدمير المجتمع كلّه أو رافضا المجتمع كله أو رافضا ومرفوضا منه في آن. وفي كلّ الأحوال يبقى البطل غير راضسٍ عن نفسه. إنّ كتّاب هذه الرّواية يتكئون على بعض السّمات الوجوديّة ولكن يبدون متعقلين بأدب الضّياع عامّة، ومن خلف هذا الضّياع والتفتت يظهر الدرب الثوريّ، ويظهر طريق الخلاص في جملة من الروايات التي ترى الحلّ متجسّدا في الرؤية الثّوريّة الاشتراكيّة وهذا ما يؤكّده غسّان كنفاني في "عائد إلى حيفا".
• المدرسة الخامسة: الرمزيّة
تأخر هذا الاتجاه في الظهور عند الروائيين العرب، ذلك لأنّ الرمزيّة نفسها ظهرت في أوروبا في منتصف القرن التاسع عشر علما بأنّ هذا التوجه بدأ منذ عهد أفلاطون، والرمزية ترمي إلى تجسيم أفكار مجرّدة وتحريكها في أحداث تتداخل وتتشابك لإيضاح الحقائق الفلسفيّة نفسية كانت أم أخلاقية. استعملها يحيى حقي في روايته قنديل ام هاشم حيث امتازت بكثافة الرمز وبساطته فهي تمثل حياة الشعب المصري إذ ذاك بين عالم الغرب وماديته وبين اديان الشرق وروحانيّته، وتنتهي إلى مصر كفاطمة النبوية بطلة الرواية وهي عمياء لا تبصر إلا بالعلم والإيمان. قاطمة رمز لمصر ونعيمة لضمير إسماعيل وماري رمز لاوروبا والقنديل رمز للإيمان. وفي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية استعملت الرّواية العربيّة الرمز بشكل مكثف. كان الماء رمزا لعالم عائم وغير مستقر يتحول ويتحرك، تكثر أسئلته وتتكثّف إجاباته لتدور حول الاهتزاز والحركة والموت والولادة والانبعاث. من هذه الروايات ثرثرة فوق النيل، وفيها العوامة والشخصيات والماء ترمز إلى أشياء ستحصل في المجتمع. وفي روايات عربيّة أخرى نعثر على الاتجاه الرمزي الذي يطرح قضيّة الأب وتأثيره في أحفاده وأولاده، يتراوحون بين التمرد والموت والولادة. في "الآلهة الممسوخة" و"أنا احيا" لليلى بعلبكي، وفي "الحي اللاتيني" لسهيل إدريس تظهر الأم رمزا للماضي.
• المدرسة السادسة: الذّاتيّة
وهي القصة التي يتحدث القاص فيها بطريق المتكلم على لسان البطل أو البطلة أو على لسان شخصيّة ثانوية . يروي عن نفسه وتجاربه وموضوعها يتعدى الأدب إلى موضوعات أخرى سياسية واجتماعيّة. وعندما تحولت الذات موضوعا لأديب نهض هذا النوع من الفن في مرحلة ما بين الحربين نتجية لوضع المثقفين الحائر بين الشرق والغرب
ومن امثلة هذه الرواية ما قدمه محمد حسين هيكل في "زينب" وعباس محمود العقاد في سارة وتوفيق الحكيم في سلسلة رواياته يوميات نائب في الأرياف وعودة الروح وعصفور من الشرق وطه حسين في الأيام. كتب هؤلاء رواياتهم معبرين عن ذواتهم خاضعين للظروف التي خضع لها رواد الرواية العربيّة من طغيان السياسة على الأدب وضعف استجابة الجمهور للرواية الفنيّة وهي التأثر بالثقافة الأوروبيّة في حقبة ما بين الحربين. إنّ مرحلة رواية التجربة الذاتيّة صادفت عصرا تهتز فيه رواكد النفوس وعن الهوات السحيقة في نفوس أصحابها بين ما يجب أن يكون وما هو كائن. لقد كانت الزيارات والأسفار إلى الغرب عاملا مؤثرا في إيجاد هذا النوع من الروايات من ذلك رواية عصفور من الشرق لتوفيق الحكيم وموسم الهجرة إلى الشمال للطيب صالح.
• تجارب أخرى
منها نذكر
أ‌- رواية الاحتجاج: ولقد كانت رواية الاحتجاج مؤشرا مهما في سبل إيجاد صور لظواهر الاعتراض، لذلك كانت صرخة ليلى بعلبكي مدوية في "أنا أحيا" في سبيل إيجاد مكانة المرأة ومن ثم تحريرها من عبوديّة الرجل. وتناقش رواية المهزومون لهاني الراهب وضع الطلاب واحتجاجهم وأيديولوجيّاتهم حيث تسقط قيم وترتفع أخرى.
ب‌- الرواية الفكريّة: وهي في الأدب العربي الحديث محاولة للخروج من دوامة الاحتجاج المستمر إلى إيجاد صيغ تتمحور حولها بعض الحلول الذهنية لمشاكل الواقع وأزماته ضمن أفق فكري يمثل مجمل التيارات الفكريّة السائدة. على هذا فإنّ روايتي يوسف حبشي الأشقر "أربعة أفراس حمر" و"لا تنبت جذور في السماء" اللتين تشكلان حلقتين متصلتين يطرح أبطالهما ما يمثل كل منهم من اتجاه فكريّ معين لحل مشكلته في الواقع ليجد الخلاص عبره. لكنهم ينتهون إلى العبث لأنّهم غير واقعيين أو حقيقيين.
ت‌- مشكلة القرية والمدينة: خان الخليلي لمحفوظ تعرض لقضية الهجرة إلى المدينة وأزمة الريف لذلك وغيرها الكثير من الروايات.
وغيرها الكثير من الروايات.

» هل الرومانسية وهم؟