إشكالية السعادة في الفلسفة الكانطية - الأساذ نبيل ابراهم
أرسلت بواسطة lesamisdunet في 30-3-1429 هـ (37 قراءة) (تعليقات? | التقييم: 5)
Anonymous كتب "
*إشكالية السعادة في الفلسفة الكانطية :
كل المواقف التي قدمت في ما سبق لها خصوصياتها وفرديتها ، هذا ما ذهب اليه ديكارت في رسالته الي" اليزابات "
حيث بين انه توجد ثلاثة مواقف اساسية بين الفلاسفة ، مواقف تتعلق بالخير الاسمى والغاية من افعالنا وهي : موقف ابيقور الذي ذهب الي ان هذا الخير وهذه الغاية يوجدان في اللذة ومباهجها ، وموقف زينون الذي وضعهما في الفضيلة وموقف ارسطو الذي وضعهما في الكمالات المتعلقة بالجسد والنفس .
هذه المواقف الثلاثة يمكن اعتبارها صادقة ومنسجمة في ما بينها شريطة ان نتاولها بشكل جيد ، فارسطو مثلا كان على حق في تركيب السعادة من الكمالات التي تقدر عليها الطبيعة البشرية ، وزينون كان على حق ايضا في اعتباره الفضيلة هي الخير الاسمى وهي السعادة . لانها وحدها من بين جميع الخيرات هي التي تتعلق كليا بحرية اختيارنا ، واخيرا لم يكن ابيقور مخطئا حين اعتبر ان المتعة هي الغبطة وهي الغاية التي تتجه صوبها كل افعالنا .
افعالنا الخيرة او الفاضلة لاتمكننا من اية غبطة ان لم تعد علينا منها اية متعة ، فالفضيلة بحد ذاتها ليست موضوع رغبة ، لكن الرضا او الانشراح لايمكن التوصل اليه ما لم نتبع الفضيلة . لكن لئن راي ديكارت تكاملا بين هذه الفلسفات ، فان كانط لم يري سوى خطأها جميعها . لان هذه الفلسفات تبحث عن السعادة كخير اعظم ، ولفظة خير تحمل معني السمو ومعني الكمال ، فبمعني السمو وحدها الفضيلة هي الخير الاعظم وبمعني الكمال يجب ان نضيف الي الفضيلة فكرة السعادة .
اذن اما ان الرغبة في السعادة هي الباعث علي المسلمات الاخلاقية ، او ان المسلمات الاخلاقية هي العلة الفاعلة بالنسبة للسعادة . لكن الحل الاول مرفوض لان الفعل الاخلاقي يجب ان يتحدد باحترام القانون الاخلاقي ، والحل الثاني مرفوض هو الآخر لانه لارابطة ضرورية تجمع الفضيلة بالسعادة
<!--[if !supportLists]-->· <!--[endif]-->ما هو موقف كانط من السعادة ؟
إن خطأ القدامى حسب كانط هو جعلهم من موضوع الارادة الذي هو الخير مادة واساس القانون الاخلاقي ، بينما كان عليهم البدء بالبحث عن قانون يحدد قبليا ومباشرة الارادة كما موضوع في توافقه مع الارادة . ويلح كانط على ان خطأ القدامى يتمثل في جعلهم من هذا الموضوع المبدأ المحدد للارادة في القانون الاخلاقي ، بينما علي العكس من ذلك ، لايجب ان يتم مثل هذا الامر الا لاحقا حينما يؤكد القانون الاخلاقي ذاته بذاته ويشرع لذاته كمبدأ محدد مباشرة للارادة ، حينها نستطيع تصور هذا الموضوع للارادة المحددة هي ذاتها بصفة ما قبلية من جهة صورتها الخاصة .
ما هو اساسي لدى كانط هو تنزه الاخلاقية عن الغرضية واستبعاد متابعة السعادة التي تحدد الفعل غائيا ، لذلك تترك السعادة كانطيا مكانها المركزي الذي احتلته في الفلسفات السابقة الي الالزام الاخلاقي المطلق الذي يفرضه القانون الاخلاقي النابع عن التشريع العقلاني { انظر نص " في القانون الاخلاقي " }
* بهكذا معني يمكن القول مع *لوسان * " انه حينما تكف العقلانية عن ان تكون انطولوجية لتصبح نقدية فان اخلاق الخير تمحي وتتراجع امام أخلاق الواجب " فالخيرية عند كانط هي الخضوع للواجب وليس لغاية السعادة .
*هل معني ذلك ان لاأمل للإنسان الفاضل في السعادة ؟
هذا السؤال تجيب عنه مسلمات العقل العملي وهي التسليم بوجود الله وبحرية الانسان وبخلود النفس ، وهي مسلمات لاتعول على رحمة الرب ، بل على عدله ، اذ من العدل ان يجازى الفاضل خيرا ليكون سعيدا فقط حينما تلتقي الفضيلة بالسعادة في الحياة الاخرى . فالحكيم حتى وان لم يبحث عن السعادة فانه يستحقها . اذن ما يقوله كانط هو ان السعادة ليست اساسية وليست محددة للفعل الاخلاقي ، بل ان تكون ثمة فضيلة لو ان السعادة كانت هي الباعث علي الفعل الاخلاقي ذلك ان اخلاقية الفعل لا تقاس بنتائجه بل بصدوره عن احترام القانون .
إجمالا يمكن القول ان ما انجزه كانط هو قلب للمواقع وتحويل للادوار بين السعادة كخير وبين القانون لذلك يعلن كانط منذ " نقد العقل المحض " " ان الاخلاق ليست هي المذهب الذي يعلمنا كيف نكون سعداء بل هي المذهب الذي يعلمنا كيف نكون جديرين بالسعادة " فاذا كان القانون البراغماتي او القانون العملي الذي واعزه السعادة فان القانون الاخلاقي لاباعث عليه سوى إرشادنا الي الكيفية التي نكون فيها جديرين بالسعادة . الاول يوصي بما علينا ان نفعل اذا كنا نريد الوصول الي السعادة والثاني يأمر بالكيفية التي علينا ان نسلك وفقها لنكون جديرين بالسعادة فقط ، الاول يتاسس علي مبادىء تجروبية والثاني يضرب سطحا عن الميول وعن الوسائل الطبيعية لاشباعها ولايأخذ في الاعتبار غير حرية الكائن العاقل .
ان التحويل الكانطي لمواضيع اهتمامات الفلسفة الاخلاقية لم يمنع كانط مع ذلك من العودة الي ما خطط له الفلاسفة القدامى ونعني بذلك وحدة الفضيلة والسعادة ، لكن مع هذا الفارق وهوان الفلسفات القديمة بحثت عن تلك الوحدة في هذا العالم ، في حين بحث عنها كانط في عالم آخر . ما يبدو من فلسفة كانط هو انه ذهب الي ان البحث عن السعادة لايستحق لااعجاب ولاالتقدير مع انه ليس بالامر السيء في حد ذاته ، فليس في هذا البحث شرف لة قيمة اخلاقية بل هو خارج عن الاخلاق ةلا موقع له الا ضمن ضروب الممارسة التي يمكن السماح بها اذا لم تتعارض مع الواجب الاخلاقي .
<!--[if !supportLists]-->· <!--[endif]-->هل ينفي كانط بصورة قطعية امكانية الوصول الي السعادة ؟
رغم هذه المواقف المستبعدة لكل امكانية في تحصيل السعادة في الحياة ، يلاحظ " آلان " ان التقارب بين الواجب الاخلاقي والسعادة هو ما يمكن ان نستنتجه في فلسفة كانط ، فهو تقارب جلي الي حد انه يمكن القول بالتماهي بينهما .
ان ماهو اشد بروزا في فلسفة كانط هو هذا التقارب الذي لم يعلن عنه كانط صراحة ، لذلك تفطن آلان لمثل هذا التوجه مبرزا انه اذا كان اساس السعادة هو الفعل الاخلاقي الموافق للقانون والاحساس بالقوة والحرية واذا كان جذر الاخلاق الكانطية هو الحرية والاستقلالية فان الواجب والسعادة يلتقيان . واذا كان موقف كانط صارما ازاء السعادة فانه بقدر ما يكون انسان ما متشددا مع السعادة بقدر ما يقترب من الفضيلة الي درجة تتحد فيها الفضيلة بالحرية ليصبح قوام الفعل الانساني هو الحرية لنختزل بذلك كل الواجبات في هذا الواجب " كن حرا "
إجمالا ، يمكن القول ان السعادة عدت من جهة الفلسفات التي حاورناها ، الغاية النهائية للوجود الانساني مهما اختلفت تنويعات التناول . ، اذ السعادة كخير اسمى هي التي منها يستمد كل فعل معناه رغم محاولة كانط الخروج عن هذا المنحى ، فالسعادة تمثل قطبا مرجعيا للوجود الانساني وكانط ذاته يؤكد ذلك ، فالسعادة هي بالضرورة ما يرغب فيه كل كائن عاقل وهي ايضا المبدأ المحدد لقوة رغبته . لذلك عدت السعادة في الكثير من الفلسفات هي ما يمنح للوجود معناه ، بل هي المعني الذي علينا كشفه والالتقاء به ، انها الغاية القصوى التي تعلو علي كل الغايات لذلك كانت تعبيرا عن النظام والانسجام والتناسب ولذلك ايضا كانت علاقتها بالفضيلة وطيدة وبالحقيقة كانت علاقتها امتن واوضح وبالوجود كانت علاقتها اكثر نضجا : ان الاتجاه نحو السعادة هو اتجاه نحو المعقولية .
ان هذه الفلسفات ، رغم اختلاف مواقفها ومنطلقاتها في تحديد مفهوم السعادة ورغم اتفاقها في تعيين مضمون هذا المفهوم ورغم تراوحها بين التعالي والمحايثة وبين الكلي والفردي ، فانها جميعها تتفق في البحث عن هذا الخير الاسمى من حيث هو الغاية القصوى التي يجب تحقيقها اوالالتقاء بها وان اختلفت السبل المؤدية اليها . كما تجمع هذه الفلسفات علي ضرورة تحقيق الوحدة والانسجام والتناغم والمعقولية وهي جميعها وان تحدثت عن السعادة فانما لتقول ان الفلسفة هي السعادة ، انها فلسفات تخيفها الفوضى ويؤرقها القبح والشر لذلك تجدها حريصة علي وضع حد او حدود وتواصل اقامة العلاقات الانتفائية في كل المستويات لاستبعاد ما نعتبره الطرف الاسوء في المعادلة : انها تقيم الثنائيات الحدية بين القيم وتلك هي بعض سمات التناول الميتافيزيقي للسعادة لذلك قال نيتشه " ان الايمان العميق لدى الميتافيزيقيين هو الايمان بتناقض القيم " وتلك هي ميزة الميتافيزيقا في كل الازمنة .
ان السعادة التي اهتم بها الفلاسفة كغاية تتماهى في الكثير من الحالات مع الفلسفة ذاتها ، اذ هي الاشراف الذي تلتذ به وهي افضل الاشياء الاخلاقية حتى ان العبارة لاتقدر علي ادائها لعظمتها وجلائها ورونقها كما يقول " ابن باجه "
" فالاردياء يتالمون اذا خلوا بانفسهم مما يجدون في انفسهم من الرداءة اما الاخيار فعلي خلافهم " " فمتى كان السعيد سعيدا بالحقيقة وعمل اعمال السعادة كان في التذاذ دائم " . لذلك يكون الفيلسوف هو احق الناس بالسعادة وسعادته اعظم السعادات ، لكن هل هذه السعادة المتماهية مع الفلسفة هي مرادف لتجربة الحرية وهي خروج من الشيء الي المشيئة ام هي " الهدية المسمومة " التي اخترقت تاريخ الفلسفة الذي لم يدرك ذاته بما يكفي من التاريخية .؟
الأستاذ نبيل ابراهم
المعهد الثانوي الطاهر صفر المهديّة
المشرف على الموقع يشكر الأستاذ نبيل ابراهم على مساهمته
"