ولد الشهيد التونسي فرحات حشاد يوم 2 فيفري 1914م بقرية قرقنة جزيرة على سواحل الصفاقس وهي قرية للصادين وولد من أب كان صياد سمك في أسرة فقيرة ،التحق بالمدرسة مع التلاميذ في زمانه وحصل على الشهادة الابتدائية ، وانتقل بعدها إلى مجال الشغل بمدينة سوسة ، وكان عصاميا في تصرفاته وأعماله ،حيث أكمل تكوينه المعرفي والثقافي والسياسي بالمطالعة والقراءة والعمل النقابي.
نشاطه النقابي والنضالي .
يعتبر فرحات حشاد من الزعماء القلائل الذين التحقوا بالنضال المبكر والعمل النقابي ففي سنة 1936 أسهم في المجال النقابي داخل الكنفدرالية للشغل التي كانت آنذاك بزعامة صالح بن يوسف وناضل بنشاط وسط هذه النقابة بود وإخلاص وتفان واحترام كبير لبيقية زملائه .
ولقد كان من ثمرات هذا المسار والنشاط الفعلي من أجل خدمة الصالح تأسيسه للاتحاد النقابات بتونس سنة 1946 م وعندما أراد حشاد تأسيس هذه المنظمة ولكي تكتسب هذه المنظمة طابع الاتحاد و التعاون والاعتصام والتعاضد ناد مجموعة من الشيوخ لحضور التأسيس من أبرزهم العالم محمد بن عاشور حيث تولى الرئاسة الشرفية .
عند تأسيس المنظمة ظهر اسم فرحات حشاد وطنيا ودوليا كزعيم وطني بارز ومناضل سياسي مكنك ومصلح اجتماعي قوي واكتسب هذه الشهرة عندما زار بعض الدول الكبرى كالولايات المتحدة الأمريكية كمصلح بين النقابات وأصبح سيطه تجاوز الأصقاع لما يتميز به من الخصال الحميدة والسمت الحسن.
لاشك أن نشاطه القوي أربك المستعمر بعد أن لم يستطع الوصول إليه بالسجن أو النفي كما فعلت مع زملائه الحبيب بورقيبية وغيره ، خاصة بعد أن أصبحت اهتماماته بالمقاومة والحركة الوطنية، مؤيدا لهم ماديا ومعنويا وأصبح سنة 1951 هو القائد الفعلي والزعيم السياسي للحركة الوطنية ونقابة العمال ورمزا من رموزها .
ذكرنا أن فرحات حشاد تميز عن زملائه بالسلوك الحسن والمعاشرة الطيبة بين أقرانه وكان حبه لوطنه وشعبه وتمسكه بهويه البلد، أمور وخصال ، تركت أثرا طيبا على الناس ومن يحيطون به، وتجلى ذلك في المناشير والمقالات والمراسلات التي كانت تسطر فوق طاولة وقنديل فقط ، لكن قلمه عوض النقص وتميز باسلوبه الفريد من نوعه ، سيال بالنضال وبمشاعر الوفاء والحب للشعب و الوطن، وهذه خصلة يفتقدها زملائه الآخرون كالحبيب بورقيبة مما جعل الناس والعمال تحوم حوله.
هذه الشعبية التي سيطرت على نفوس المواطنين التونسيين حركت غرائز الحقد الدفين في المستعمر بعد أن تيقنت أن الرجل لن يكون متعاونا معها أو ملبيا لطموحاتها أو مفاوضا خنوعا لها.
وفاته واستشهاده.
لم يرق لفرنسا – المستعمر الغاشم - تصرفات وأعمال فرحات حشاد التي يقوم بها فسيطر الفزع والقلق عليها وبدأت تدبر وتخطط لقتله ، وكان ذلك من قبل منظمة أنشئت لهذا الغرض اسمها اليد الحمراء فاغتالته يوم 5 دسمبر 1952. على الساعة الخامسة صباحا من قبل مجموعة- اليد الحمراء - كانت تقلهم سيارتين .
لم يكن هذا الاغتيال هيّنا على محبي الشهيد ومن تربطه به علاقة النضال من أجل الكرامة والاستقلال ، فثارت المظاهرات الحاشدة التي سارت في جنازته التي لم يسبق لها نظير في تونس، وكان استشهاده شرارة لتفعيل المقاومة في تونس وتضامن معه جماهير العالم الحر خصوصا في المغرب الأقصى التي ظهرت ملامح الحب و الإخاء لما تربطهم بالشهيد من أواصر الصدق والوفاء في النضال المشترك واسترجاع حرية البلدان المغربية من ربقة المستعمر الغاشم .
من كرامات هذا الرجل الصالح –فرحات حشاد- وما حكي عنه من قبل زوجته وأصدقائه أن جثته لم تتغير ولم تضمحل بعد مرور ثلاث سنوات من دفنها وذلك بعد أن استخرجوا جثته من قرقنة لتدفن من جديد في تونس سنة 1955 فأصيب القوم ورئيس الاتحاد - أحمد بن صالح - بالاندهاش والذهول وأغمي على بعضهم لما رأوا أثر الدم مازال في جبينه وجتثه لم تتغير وهم مبتسم .
هذه كلمات عن هذا الشهيد الغيور على وطنه وشعبه وهو أنموذج للمناضل والمقاوم الحق الصادق في قوله وفعله .