المعرفة للجميع
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت من أعضاء المنتدى
او التسجيل ان لم تكن الأعضاء وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدي
المعرفة للجميع
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت من أعضاء المنتدى
او التسجيل ان لم تكن الأعضاء وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدي
المعرفة للجميع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المعرفة للجميع

منتدى للحوار الفكري والمعرفي المتصل بالتربية والتعليم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
أسماء الله احفظها

{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (180) سورة الأعراف
القرآن
يمكن حفظ القرآن الكريم
وفق قواعد التلاوة وبكل يسر
من خلال الضغط
على الرابط التالي:


القرآن الكريم
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
المواضيع الأخيرة
» برنامج مادة التربية الإسلامية الثامنة أساسي
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2020-09-24, 16:05 من طرف slim kilani

» فروض في مادة التربية الإسلامية( التاسعة أساسي)
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2019-03-29, 22:59 من طرف مهدي

» الدار العربية للتنمية الادارية فعاليات الماجستيرات شهر مارس وابريل ومايو2018م والممنوح من جامعة ميزوري – الولايات المتحدة الأمريكية عنوان المؤتمر من الى للتسجيل المؤتمر العربى الخامس تكنولوجيا ادارة البلديات – المدن الذكية – smartcities 8 ابريل 11
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2018-02-18, 09:40 من طرف مروة الدار

» تدعوكم الدار العربية للتنمية الإدارية بالتعاون مع مركز التقانة للتدريب والتنمية البشرية – جمهورية السودان للحضور والمشاركة في الملتقى العربي الرابع تخطيط المالية العامة } النظم المستجدة والمعاصرة { مقر الانعقاد: شرم الشيخ – جمهورية مصر العربية
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2018-02-14, 10:49 من طرف مروة الدار

» المؤتمر العربى الخامس التكنولوجيا إدارة البلديات
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2018-01-15, 11:05 من طرف مروة الدار

» دعوه للمشاركه في: ماجستير إدارة المستشفيات المهني المصغر (( اسطنبول – القاهرة )) 11 الى 22 فبراير 2018م
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2018-01-11, 07:32 من طرف مروة الدار

» الدار العربية للتنمية الإدارية بالتعاون مع الإتحاد الدولى لمؤسسات التنمية البشرية وحدة البرامج التدريبية وورش العمل البرنامج التدريبي الموازنة الفعالة والرقابة على التكاليف القاهرة – جمهورية مصر العربية خلال الفترة من 25 فبراير الى 1 مارس 2018 م يهدف
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2018-01-02, 13:46 من طرف مروة الدار

» الدورة التدريبية إعداد القيادات الإدارية خلال الفترة من 18 الى 27 فبراير 2018م مكان الانعقاد:القاهرة – جمهوريى مصر العربية
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2017-12-28, 08:20 من طرف مروة الدار

» الدورة التدريبية وضع وتنفيذ إستراتيجيات إدارة المواهب إدارة المواهب الإستراتيجية وتعزيز الأداء وتعظيم الإمكانيات ) ) خلال الفترة من 18 الى 22 فبراير 2018م مكان الانعقاد :القاهرة – جمهورية مصر العربية
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2017-12-27, 13:33 من طرف مروة الدار

» المؤتمر العربى السادس (التطوير الاداري في المؤسسات الحكومية ) فرص التحول البناء الاحد الموافق 24 ديسمبر الى الخميس الموافق 28 ديسمبر 2017 م القاهرة – جمهورية مصر العربية
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2017-11-04, 08:52 من طرف مروة الدار

» Arab House for administrative development In cooperation with International union for organizational human development Launches Sixth Arabian conference (governmental organizations administrative development) Effective transformation opportunities Locatio
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2017-10-29, 11:53 من طرف مروة الدار

» الدار العربية للتنمية الإدارية بالتعاون مع الإتحاد الدولى لمؤسسات التنمية البشرية تــعـــقــــــــــــد الــمــؤتــــــمر العـــربى الســادس ( لتطوير الإداري فـي المؤسـسات الحكومية ) فرص التحول للبناء مقر الأنعقاد : القاهرة – جمهورية مصر العربية مدة الانع
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2017-10-17, 09:11 من طرف مروة الدار

» البرنامج التدريبى :التخطيط المالى وإعداد الموازنات التخطيطية ودورها فى الرقابة وتقييم الأداء القاهرة– أسطنبول
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2017-10-14, 12:25 من طرف مروة الدار

» الدورة التدريبية الأساليب الحديثة فى تكنولوجيا المعلومات ودورها فى دعم المؤسسات مقر الإنعقاد: ماليزيا موعد الإنعقاد: خلال الفترة من 24 الى 28 نوفمبر 2017 م
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2017-10-11, 14:15 من طرف مروة الدار

» الدورة التدريبية الحكومة الإلكترونية (الأهمية والأهداف – التطبيقات والأداء ) مقر الإنعقاد: ماليزيا موعد الإنعقاد: خلال الفترة من 24 الى 28 نوفمبر 2017 م
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2017-10-10, 12:35 من طرف مروة الدار

» تطبيقات إدارة الجودة الشاملة وتطوير الأداء باستخدام 6 سيجما القاهرة – اسطنبول خلال الفترة من 3 الى 7 ديسمبر 2017م
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2017-10-09, 12:52 من طرف مروة الدار

» الدورة التدريبية المهارات الإعلامية لمسئولى العلاقات العامة مقر الإنعقاد: القاهرة – أسطنبول موعد الإنعقاد: خلال الفترة من 3 الى 7 ديسمبر 2017 م
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2017-10-04, 13:02 من طرف مروة الدار

» دبلوم مدير تنفيذي معتمد القاهرة – جمهورية مصر العربية خلال الفترة من 12 الى 16 نوفمبر 2017م
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2017-10-04, 13:01 من طرف مروة الدار

»  الدار العربية للتنمية الإدارية بالتعاون مع الإتحاد الدولى لمؤسسات التنمية البشرية تعقد المؤتمر العربى السادس (التطوير الاداري في المؤسسات الحكومية ) فرص التحول البناء مقر الأنعقاد : القاهرة – جمهورية مصر العربية مدة
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2017-09-30, 10:57 من طرف مروة الدار

» البرنامج الفني الهندسة العكسية وتطبيقاتها الصناعية مكان الإنعقاد : دبى – أسطنبول خلال الفترة من 1الى 10 نوفمبر 2017م
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2017-09-28, 13:59 من طرف مروة الدار

مواضيع مماثلة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
كمال بوهلال - 2176
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_rcapإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Voting_barإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_lcap 
geographe - 1186
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_rcapإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Voting_barإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_lcap 
نادية - 645
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_rcapإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Voting_barإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_lcap 
yassine - 643
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_rcapإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Voting_barإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_lcap 
محمد - 465
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_rcapإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Voting_barإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_lcap 
مروة الدار - 238
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_rcapإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Voting_barإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_lcap 
محمّد الغريب - 110
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_rcapإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Voting_barإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_lcap 
bahita - 30
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_rcapإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Voting_barإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_lcap 
مهندس/سلامة - 19
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_rcapإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Voting_barإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_lcap 
salim0913 - 15
إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_rcapإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Voting_barإنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Vote_lcap 
بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم

 

 إنسان الحضارة في فكر ابن نبي - د. مصطفى عشوي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
كمال بوهلال
عضو متميز جدا
عضو متميز جدا
كمال بوهلال


ذكر
المهنة : أستاذ
تاريخ الاشتراك : 30/03/2009
العقرب
المساهمات : 2176

إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Empty
مُساهمةموضوع: إنسان الحضارة في فكر ابن نبي - د. مصطفى عشوي   إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2011-03-09, 23:48

بسملة3

إنسان الحضارة في فكر ابن نبي - د. مصطفى عشوي


- مقدمة:

سافر مالك بن نبي إلى باريس ليختص في الهندسة الكهربائية وبلاده ماتزال تحت الاحتلال الفرنسي. ولكن دراسته في الهندسة لم تصرفه عن قضايا أمته التي كانت تعاني الاحتلال منذ عشرات السنين؛ فاهتم بالمشكلات الفكرية في البلاد المستعمرة وبالقضايا المرتبطة بالحضارة بصفة عامة. واهتم بصفة أخص بقضايا الإنسان ودوره في بناء الحضارة.

ومن خلال تراكم معارفه واتساع مجال ملاحظاته من العالم الغربي إلى العالم الإسلامي استنتج ابن نبي أن مشكلات الإنسان مرتبطة بمشكلة الحضارة التي يرى بأنها تنحل إلى ثلاث مشكلات أولية: مشكلة الإنسان، مشكلة التراب، مشكلة الوقت. فلكي نقيم بناء حضارة لا يكون ذلك بأن نكدس المنتجات وإنما بأن نحل المشكلات الثلاث من أساسها .

وكما أن مشكلات الإنسان مرتبطة أساسا بمشكلة حضارته فإن الأمر كذلك بالنسبة لمشكلة كل شعب حيث يقرر ابن نبي أن: "مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته. ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها" .

وإذا كانت العوامل الأساسية للحضارة من إنسان وتراب ووقت متوفرة في كل مكان كرأسمال لكل الشعوب؛ فإن هذه العوامل المادية -كما يسميها ابن نبي- تحتاج إلى ما يطلق عليه (مركب الحضارة) أي العامل الذي يؤثر في مزج العناصر الثلاثة بعضها ببعض. ويؤكد ابن نبي أن الفكرة الدينية هي التي رافقت دائما تركيب الحضارة خلال التاريخ .

ويلاحظ ابن نبي أن للتاريخ دورة وتسلسلا، فهو تارة يسجل للأمة مآثر عظيمة ومفاخر كريمة، وهو تارة أخرى يلقي عليها دثارها ليسلمها إلى نومها العميق. ويرى ابن نبي أن معرفة الإنسان لمكانه في دورة التاريخ مما يسهل عليه معرفة عوامل النهضة أو السقوط في حياته. ويؤكد أن "التاريخ يبدأ بالإنسان المتكامل الذي يطابق دائما بين جهده وبين مثله الأعلى وحاجاته الأساسية والذي يؤدي رسالته المزدوجة بوصفه ممثلا وشاهدا. وينتهي التاريخ بالإنسان المتحلل؛ بالجزيء المحروم من قوة الجاذبية، بالفرد الذي يعيش في مجتمع منحل، لم يعد لوجوده أساس روحي أو أساس مادي" .

ويربط ابن نبي بين الحضارة وقيمة الإنسان؛ ويؤكد "أن الحضارة الإسلامية انتهت منذ الحين الذي فقدت في أساسها قيمة الإنسان. وليس من التطرف في شيء القول بصفة عامة أن الحضارة تنتهي عندما تفقد في شعورها معنى الإنسان" .

ويتبين بوضوح من قراءة فكر ابن نبي مدى جرأته في الإشارة إلى زوال الحضارة الإسلامية، وربط ذلك بانحطاط إن لم يكن انعدام قيمة الإنسان في العالم الإسلامي. ولعل في هذا التأكيد إشارة إلى الحديث الشريف الذي يصف المسلمين كغثاء السيل؛ وهل لغثاء السيل (الزبد) من قيمة ؟ . وقد أكد ابن نبي أن الإنسان المسلم فقد قيمته التاريخية والحضارية منذ أن خرج من الحضارة بعد عهد الموحدين في شمال إفريقيا. ولا يزال هذا الإنسان "في السن النفسانية المتطابقة مع الأشياء؛ وفي هذه السن يكون المجتمع مجردا من ثقته في الأفكار؛ فالفكرة لا يتم تقييمها لديه كوسيلة للنشاط الاجتماعي، أو السياسي، وإنما هي مجرد حيلة للفكر المتميز وترف زائد. وعالم ما بعد العهد الموحدي يمثل عالما ذا بعدين هما: الشيء، والشخص؛ فهو عالم فاقد لبعد الفكرة…والاتصال بيننا لا يتم عن طريق الأفكار" .

ونظرا للأهمية القصوى التي يحتلها الإنسان وقيمة الإنسان بالذات في أي مشروع حضاري، فإن ابن نبي لم يتوان في التأكيد على أن المشكلة الأساسية في العالم الإسلامي هي مشكلة الإنسان إلى جانب مشكلتي التراب والوقت. ووصف ابن نبي الإنسان المسلم في علاقته بالحضارة بعد عصر الموحدين بإنسان "ما بعد الحضارة". وقد بنى ابن نبي هذا الوصف على تصنيفه للإنسان بصفة عامة في علاقته بالحضارة حسب التصنيف التالي: إنسان ما قبل الحضارة، وإنسان الحضارة، وإنسان ما بعد الحضارة. وقال في هذا المعنى في كتابه "شروط النهضة" : "وقبل بدء دورة من الدورات أو عند بدايتها يكون الإنسان في حالة سابقة للحضارة أما في نهاية الدورة فإن الإنسان يكون قد تفسخ حضاريا وسلبت منه الحضارة تماما. فيدخل في عهد ما بعد الحضارة" . وأضاف إلى ذلك أن "الإنسان الذي تفسخ حضاريا مخالف تماما للإنسان السابق على الحضارة أو الإنسان الفطري. فالأول ليس مجرد إنسان خارج عن الحضارة فحسب كما هي الحال مع الثاني الذي سميناه فيما سلف الإنسان الطبيعي إذ الإنسان المسلوب الحضارة لم يعد قابلا لإنجاز أي عمل متحضر إلا إذا تغير هو نفسه عن جذوره الأساسية. وعلى العكس من ذلك فإن الإنسان السابق على الحضارة يظل مستعدا كما هي الحال مع البدوي المعاصر للنبي للدخول في دورة حضارة" .

وهكذا يشخص ابن نبي حالة الإنسان في العالم الإسلامي؛ فهو إنسان متفسخ حضاريا في حاجة إلى تغيير جذري وإلى إعادة بناء من جديد لروحه وعقله ووجدانه وسلوكه. وعلى هذا الأساس، فقد اهتم ابن نبي في محاضراته وكتبه المختلفة بمشكلات الأفكار في العالم الإسلامي وبشروط النهضة وبمشكلة الثقافة وبالشروط القاعدية لميلاد المجتمع وبناء الحضارة. وغني عن البيان التأكيد على أن إعادة بناء إنسان متفسخ أصعب من بناء إنسان فطري (طبيعي) لم تتطرق إليه عوامل التفسخ بعد. ولكن هذه الصعوبة لا تعني بأي حال من الأحوال استحالة إعادة البناء والصياغة من جديد؛ وذلك لما يتمتع به الإنسان من طاقات متنوعة قد تحقق المستحيل عندما تجند حسب خطة واضحة بعيدة المدى مبنية على الوعي بسيكولوجية الشخصية والمجتمع وبشروط البناء الحضاري.

وفيما يأتي استعراض لأفكار ابن نبي في الجوانب المختلفة التي تشكل الإنسان: الروحية والجسمية والعقلية والوجدانية والسلوكية، حسب نموذج تحليلي اقترحه لهذا الغرض. وسنلاحظ أن ابن نبي قد أولى أهمية قصوى للجوانب الروحية والعقلية والسلوكية ضمن إطار تتكامل فيه هذه الجوانب في تناغم بديع دون إهمال للجوانب الجسمية والوجدانية التي تتفاعل وتتكامل أيضا مع الجوانب الأخرى.

1- الجانب الروحي:

تحدث ابن نبي عن فلسفة الإنسان في الإسلام، وركز في ذلك على الجانب الغيبي حيث قال: "...حتى الضمير الإسلامي لا يمكنه أن يفصل مفهوم الإنسان عن هذا الأساس الغيبي دون أن ينفصل هو عن الإسلام الذي قرن هذا المفهوم بتكريم الله (ولقد كرمنا بني آدم). وهذا التكريم ليس خاصا بالعربي أو بالمسلم بل بنوع (ذي اليدين) كله من ذرية آدم" . ويضيف ابن نبي لهذا: "أما الإسلام فقد أعطى للإنسان كل حجمه في ضمير المسلم لأنه وضع قيمته في هذا الضمير، لا على تقدير الكم ولكن على أساس غيبي يجعلها قيمة لا متناهية" .

شرح ابن نبي في كتابه "ميلاد مجتمع" المراحل الثلاثة التي مرت بها الحضارة الإسلامية التي تصلح أن تكون نموذجا للحضارات الأخرى؛ فبين أن هذه المراحل تكون حسب التسلسل الآتي:

1- المرحلة الأولى: وهي المرحلة الروحية، وتعتبر عند ابن نبي "المرحلة الكاملة" حيث تكون جميع الخصائص تحت سيطرة (الروح)، ومتصلة بالاعتبارات ذات الطابع الميتافيزيقي.

2- المرحلة الثانية: وهي المرحلة العقلية حيث تكون جميع الخصائص والملكات تحت سيطرة (العقل)، وتتجه أساسا نحو حل المشكلات المادية.

3- المرحلة الثالثة: تصور هذه المرحلة نهاية الدورة الحضارية وتحللها تحت سلطان (الغرائز) المتحررة من وصاية الروح والعقل، وعند هذه الحالة يصبح النشاط المشترك مستحيلا، ضاربا بأطنابه في أغوار الفوضى والاضطراب .

ويرى ابن نبي أن الدين عامل أساسي في البناء الحضاري، ويشرح أن للدين في بناء الحضارة تأثيرا كبيرا، وأن تطور الحضارة المسيحية مثلا لا يختلف عن تطور الحضارة الإسلامية إذ هما ينطلقان من الفكرة الدينية التي تطبع الفرد بطابعها الخاص وتوجهه نحو غايات سامية. ويزيد الأمر وضوحا عندما يقرر أن الحضارة: "لا تنبعث -كما هو ملاحظ- إلا بالعقيدة الدينية (بمعناها العام) وينبغي أن نبحث في حضارة من الحضارات عن أصلها الديني الذي بعثها، ولعله ليس من الغلو في شيء أن يجد التاريخ في البوذية بذور الحضارة البوذية وفي البراهمية نواة الحضارة البراهمية" .

وربط ابن نبي بين ظهور الحضارة في أمة من الأمم واكتشاف الإنسان لأسمى الأشياء؛ وقال في هذا: "فالحضارة لا تظهر في أمة من الأمم إلا في صورة وحي يهبط من السماء يكون للناس شرعة ومنهاجا، أو هي -على الأقل- تقوم أسسها في توجيه الناس نحو معبود غيبي بالمعنى العام، فكأنما قدر للإنسان ألا تشرق عليه شمس الحضارة إلا حيث يمتد نظره إلى ما وراء حياته الأرضية أو بعيدا عن حقبته إذ حينما يكشف حقيقته الكاملة يكتشف معها أسمى الأشياء التي تهيمن عليها عبقريته وتتفاعل معها" .

وبدون العامل الروحي أو المركب الروحي فإن الإنسان والتراب والوقت لن تعدو أن تكون ركاما راكدا أو كومة مكدسة لا تؤدي دروا في التاريخ. ولكن تجلي الروح في غار حراء (بالنسبة للإسلام)، أو في الوادي المقدس بالنسبة لليهودية أو بمياه الأردن بالنسبة للمسيحية هو الذي أنشأ بين هذه العناصر الثلاثة المكدسة حضارة جديدة .

وشرح ابن نبي منحى صعود الحضارة الإسلامية وربطه بالمرحلة الأولى (الروحية) التي امتدت من غار حراء بنزول كلمة (اقرأ) إلى معركة صفين حيث تمت في هذه المرحلة عملية تركيب للعناصر الأخرى: الإنسان والتراب والوقت. وفي هذه المرحلة "ظلت روح المؤمن هي العامل النفسي الرئيسي من ليلة حراء إلى أن وصلت القمة الروحية للحضارة الإسلامية وهو ما يوافق واقعة صفين عام 38" .

ولقد تعجب ابن نبي من إهمال المؤرخين لواقعة صفين إذ تعتبر هذه الواقعة بالنسبة إليه منعطفا تاريخيا خطيرا حيث قال: "ولست أدري لماذا لم ينتبه المؤرخون إلى هذه الواقعة التي حولت مجرى التاريخ الإسلامي إذ أخرجت الحضارة الإسلامية إلى طور القيصرية الذي يسوده العقل وتزينه الأبهة والعظمة في الوقت الذي بدأت فيه بوادر الفتور الدالة على أفول الروح" .

ويعتبر ابن نبي تغلب الجانب العقلي على الجانب الروحي مؤشرا لانحطاط حضارة ما. ويضرب مثلا لذلك الحضارة الإسلامية التي فجرتها الطاقة الروحية التي حملها القرآن الكريم، ولكن تغلب العقل وسيطرة الغريزة بعد ذلك على الجانب الروحي أدى إلى خلود هذه الحضارة إلى الأرض بسبب فقدانها للقوة الدافعة لها؛ وهي الطاقة الروحية .

ولقد حاول ابن نبي تطبيق منهج التحليل النفسي في شرح منحى صعود وسقوط الحضارات؛ ويتبين ذلك بصفة أوضح عندما يتعرض لعوامل سقوط الحضارة الإسلامية حيث أكد أن منحنى السقوط تخلفه عوامل نفسية أحط من مستوى الروح والعقل؛ وهذه العوامل هي الغرائز التي تظل ضعيفة ومتوارية عندما تكون الجوانب الروحية والعقلية قوية وظاهرة (متغلبة). وفي هذا يقول ابن نبي: "…وطالما أن الإنسان في حالة يتقبل فيها توجيهات الروح والعقل المؤدية إلى الحضارة ونموها، فإن هذه العوامل النفسية تختزن بطريقة ما فيما وراء الشعور وفي الحالة التي تنكمش فيها تأثيرات الروح والعقل تنطلق الغرائز الدنيا من عقالها، لكي تعود بالإنسان إلى مستوى الحياة البدائية. وكذلك كان شأن المسلم فقد بعث فيه الدين روحا محركا للحضارة فلم يلبث بعد مرحلة قضاها في الخلافات والحروب أن عاد إلى حيث هو الآن" .

إن طغيان وسيطرة الجانب الوجداني -ممثلا أساسا بالغرائز- على الجوانب العقلية والروحية ناجم أساسا عن ضعف هذه الجوانب لما يعتريها من ضعف داخلي جراء مغريات الحياة، والتشتت في الرأي والعمل بالإضافة إلى تعرضها إلى ضغوط خارجية مثل الحروب والكوارث الطبيعية.

ويؤكد ابن نبي أن التدهور الروحي يؤدي حتما إلى التدهور السياسي؛ ويضرب مثلا لذلك في التاريخ الإسلامي بواقعة صفين التي "فصمت الوحدة الشاملة التي بناها محمد (ص) بأمر ربه، فحطت بذلك من مستوى المعركة التي بدأت يوم بدر، وهذا التخطيط أو الهبوط الايديولوجي لم يلبث أن أتى بنتائجه المشؤومة في الميدان السياسي مصداقا لقوله عز وجل (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) " .

وقد اتبع ابن نبي طريقة بزوغ الحضارات وميلادها فأشار إلى "أن الحضارة تولد مرتين، أما الأولى فميلاد الفكرة الدينية وأما الثانية: فهي تسجيل هذه الفكرة في الأنفس، أي دخولها في أحداث التاريخ" . ويرى ابن نبي أن "القوى الروحية هي التي تجعل من النفس المحرك الجوهري للتاريخ ". وغاية التاريخ أن يسير بركب التقدم نحو شكل من أشكال الحياة الراقية التي يسميها ابن نبي بالحضارة.

ويلخص ابن نبي دور الفكرة الدينية كوسيلة تقوم بتركيب مختلف العناصر التي تشكل الحضارة في قوله: "وجملة القول إن الوسيلة إلى الحضارة متوفرة ما دامت هنالك فكرة دينية تؤلف العوامل الثلاثة: الإنسان والتراب والوقت لتركب منها كتلة تسمى في التاريخ حضارة" .

وللدين في جانبه الغيبي وظيفة مهمة أخرى تتمثل قي قدرتها عن إعطاء تفسير واضح للظواهر التي تعجز عنها القوانين الطبيعية؛ وبذلك ينتج عن الحتمية الغيبية "مذهب كامل متسق متجانس لا نقص فيه ولا تعارض، مما لزم المذهب المادي. وفي الوقت الذي يعبر فيه المذهب الغيبي عن المطالب الفلسفية للعقل، الذي يرمي إلى ربط الأشياء والظواهر ربطا منطقيا في تأليف متسق، نجده ينصب علاوة على ذلك جسرا يتجاوز حدود المادة إلى مثال أعلى للكمال الروحي، إلى الهدف الأساسي الذي لا تكف الحضارة عن الاتجاه نحوه…" .

ويقيم ابن نبي علاقة وثيقة ين الجانب الروحي والجانب السلوكي حيث يؤكد دور العلاقة الروحية في إقامة العلاقات الاجتماعية؛ وذلك في قوله: "فالعلاقة بين الله والإنسان هي التي تلد العلاقة الاجتماعية، وهذا بدوره يربط ما بين الإنسان وأخيه الإنسان…فعلى هذا يمكننا أن ننظر إلى العلاقة الاجتماعية والعلاقة الدينية معا من الوجهة التاريخية على أنهما حدث، ومن الوجهة الكونية على أنهما عنوان على حركة تطور اجتماعي واحد" .

ويؤكد ابن نبي أن دور الفكرة الدينية لا يتوقف عند إنجاز رسالة حضارية (متحضرة) بل تتعدى ذلك إلى الحفاظ على استمرار الحضارة لأن الفكرة الدينية تجعل المجتمع والإنسان على بصيرة من هدف جهوده مما يكون لديه قوة دافعة . ولا يتوقف الهدف الذي تنشئه الفكرة الدينية على ما يحققه المجتمع في الحياة الدنيا بل تشكل لدى المجتمع والإنسان غائية أبعد من ذلك؛ وترتبط هذه الغائية بالآخرة مما يعطي للحياة دلالة ومعنى. وعندما تمكن الفكرة الدينية لهذا الهدف من جيل لجيل ومن طبقة لأخرى، فإنها حينئذ تكون قد مكنت لبقاء المجتمع ودوامه وذلك بتثبيتها وضمانها لاستمرار الحضارة .

ولا يتوقف ابن نبي عند تأكيد دور الدين في البناء الحضاري والحفاظ عليه بل يؤكد أن نفسية الفرد في المجتمعات التاريخية على الأقل مفعمة بالنزعة الدينية، ويعدها جزءا من طبيعته. وعليه، فالدين يتدخل في تحديد العناصر الشخصية للفرد أو الأنا . ويزيد ابن نبي الأمر وضوحا عندما يقرر أن تأثير الدين تأثير عام سواء كان ذلك في تحديد عناصر الشخصية الأساسية التي تكون الأنا الواعية في الفرد وما يرتبط بذلك من دوافع وقواعد للسلوك، وفي تنظيم الطاقة الحيوية التي تضعها الغرائز في خدمة هذه الأنا .

ونظرا لتدخل العنصر الديني في تكوين الطاقة النفسية الأساسية للفرد، وفي تنظيم الطاقة الحيوية الواقعة تحت تصرفه، وفي توجيه هذه الطاقة تبعا لمقتضيات النشاط الخاص بهذه (الأنا) داخل المجتمع، وتبعا للنشاط المشترك الذي يؤديه المجتمع في التاريخ؛ فإن الفكرة الدينية تحدث تغييرا في الفرد وفي المجتمع من الناحية النفسية والسلوكية والجمالية.

وأهم تغيير يحدثه الدين في المجتمع هو قيامه بتركيب يهدف إلى تشكيل قيم تمر من الحالة الطبيعية إلى وضع نفسي زمني، ينطبق على مرحلة معينة لحضارة. وبهذا التشكيل يجعل الدين من الإنسان العضوي وحدة اجتماعية ويجعل من الوقت الذي ليس سوى مدة زمنية مقدرة بساعات تمر وقتا اجتماعيا مقدرا بساعات عمل، ومن التراب -الذي يقدم بصورة فردية مطلقة غذاء الإنسان في صورة استهلاك بسيط- مجالا مجهزا مكيفا تكييفا فنيا يسد حاجات الحياة الاجتماعية الكثيرة، تبعا لظروف عملية الإنتاج. ويتجلى دور الدين الفعال المتمثل في تركيب القيم الاجتماعية وبقية عناصر الحضارة عندما يكون الدين في حالة قوته وانتشاره، وعندما يعبر عن فكرة جماعية، أما حينما يصبح الدين إيمانا جذبيا في شكل نزعة فردية دون إشعاع فإن رسالته التاريخية تنتهي على الأرض؛ إذ يصبح عاجزا عن دفع الحضارة وتحريكها .

وكما أن للدين علاقة بالجانب السلوكي، فإن له أيضا علاقة بالجانب العقلي حيث يسهم إلى حد كبير في تشكيل وتجديد المناخ العقلي لمجتمع ما. وهذا ما يوجزه ابن نبي في قوله: "إن القرآن الكريم لم يأت قطعا، وبصورة مباشرة، لا بالحساب العشري ولا بالجبر، ولكنه أتى بالمناخ العقلي الجديد الذي يتيح للعلم أن يتطور" .

وهذا المناخ نفسه هو الذي يبين حدود العقل في تفسير كل الظواهر مما يفتح المجال لدور الفكرة الدينية لتؤدي دورها في هذا المجال، ويشرح هذا ابن نبي بقوله: "الحتمية الغيبية (الميتافيزيقية) تسعفنا حين تعجز القوانين الطبيعية عن إعطاء تفسير واضح للظواهر. وبذلك ينتج عنها مذهب كامل متسق متجانس لا نقص فيه ولا تعارض، مما لزم المذهب المادي. وفي الوقت الذي يعبر فيه المذهب الغيبي عن المطالب الفلسفية للعقل، الذي يرمي إلى ربط الأشياء والظواهر ربطا منطقيا في تأليف متسق، نجده ينصب علاوة على ذلك جسرا يتجاوز حدود المادة إلى مثال أعلى للكمال الروحي، إلى الهدف الأساسي الذي لا تكف الحضارة عن الاتجاه نحوه…" .

وبالإضافة إلى الدور الحضاري الذي تقوم به الفكرة الدينية على المستوى الفردي والاجتماعي، فإن للدين دورا أخلاقيا وإن كان يرتبط بالمنفعة الشخصية فإنه يمتاز عن الأخلاق "اللادينية" برعاية منافع الآخرين؛ وهي بذلك تدفع الفرد إلى أن ينشد دائما ثواب الله قبل أن يهدف إلى فائدته .وعلى هذا الأساس، فإن للأخلاق بعدان: بعد يرتبط بالمنفعة الشخصية سواء كانت مادية أم معنوية، وبعد روحي يتجاوز المنفعة في هذا العالم الفاني، ويرجو منفعة دائمة، ونعيما خالدا في الدار الآخرة. ولاشك أن هذا الإدراك مرتبط بالإيمان وبالجانب الروحي أساسان إلا أنه مرتبط أيضا بالجانب العقلي في الإنسان، إذ أن هذا الجانب هو الذي يكمل الجانب الروحي وبقية جوانب الشخصية في الإنسان. وقبل التعرض للجانب العقلي بشيء من التفصيل إذ أولى ابن نبي أهمية قصوى لهذا الجانب، فإنه يستحسن عرض موقف ابن نبي من الجانب البيولوجي أو الجسمي عند الإنسان.

2- الجانب الجسمي:

يرى ابن نبي أن للفرد بصفته عاملا أوليا للحضارة قيمتان: الأولى منها خام، والأخرى صناعية؛ أي أن الأولى طبيعية والثانية اجتماعية. أما القيمة الأولى فهي موجودة في التكوين البيولوجي لكل فرد، وتتمثل في استعداده الفطري لاستعمال عبقريته وترابه ووقته…وأما القيمة الثانية فإنه يكتسبها من وسطه الاجتماعي؛ وتتمثل هذه القيمة في الوسائل التي يجدها الفرد في إطاره الاجتماعي لترقية شخصيته وتنمية مواهبه وتهذيبها. وتتمثل وظيفة الهيئة الاجتماعية في الواقع في هذه الترقية أو التنمية .

ويرى ابن نبي أن للفرد كيانا ماديا ومجالا روحيا؛ فإذا كان الأول يشكل مجاله الحيوي (البيولوجي) ويمنحه منذ ميلاده العناصر الضرورية لنموه بواسطة عمليات الهضم والتمثيل ودوران الدم والتنفس، فإن المجال الروحي هو الذي ينميه من الناحية النفسية. وعليه، فإذا ما فقد الفرد صلته بالمجال الحيوي فإنه يموت موتا ماديا، وكذلك الأمر إذا فقد صلته بالمجال الثقافي فإنه يموت موتا ثقافيا .

وبالإضافة إلى دور الإنسان في حفظ حياته ونموه (الفردية) نتيجة قيامه بمختلف الوظائف الحيوية من شرب وأكل، فإنه يعمل "بداع من طبيعته من أجل الحفاظ على النوع، وبوحي من ضميره من أجل تقدمه، فهو إذن مزود بسلطة مزدوجة. ولكن التكليف هو الذي ينظم العلاقة الداخلية لهذه السلطة المزدوجة، بحيث يكون عمل الغرائز واندماجها مطابقا لرسالته الاجتماعية" . وإذا كان الإنسان يشرب ويأكل وينسل ويملك ويكافح من أجل استمرار النوع فإنه يجب عليه أن يراقب هذه النشاطات الأولية، وأن يوجهها لغايات تتفق وتقدم النوع. ويعتبر "الضمير" المحدد الذي يعطي لعمل الإنسان معنى تاريخيا وأخلاقيا . وليس هذا الضمير إلا العنصر الديني الذي يغذي الجذور النفسية للفرد، والذي يتدخل مباشرة في العناصر الشخصية التي تكون "الأنا" الواعية في الفرد، وفي تنظيم الطاقة الحيوية التي تضعها الغرائز في خدمة هذه "الأنا" .

والغريب أن ابن نبي يجاري علماء مدرسة التحليل النفسي، ويقرر أن دور العنصر الديني ليس عامل تنظيم نفسي رئيسي فقط، ولكن دور هذا العنصر يتجلى أيضا "في صورة تحريم مانع في بعض الظروف المرضية، كما في حالة الكبت" .

ويقيم ابن نبي علاقة واضحة بين مراحل الدورة الحضارية والتحكم في الطاقة الحيوية؛ وذلك حسب التوضيح التال ي:

- المرحلة الأولى (الروحية): وتكون الطاقة الحيوية في أم حالات تنظيمها، ويكون نظام الأفعال المنعكسة للفرد في أقصى فاعليته الاجتماعية. وهذا هو العصر الذهبي لأي مجتمع.

- المرحلة الثانية (العقلية): لا يتحكم الفرد في هذه المرحلة في كل طاقته الحيوية حيث إن جانبا من غرائزه لا تصبح تحب رقابة نظام أفعاله المنعكسة.

- المرحلة الثالثة (الغرائز): وفي هذه المرحلة تتفكك الغرائز فلا تعمل بشكل منسجم متوافق، ولكن بصورة فردية مما يؤدي إلى اختلال نظام الطاقة الحيوية وفقدان قيمته الاجتماعية، وفي هذه المرحلة، تسود الفردية تبعا لتحرر الغرائز، وتتفسخ شبكة العلاقات الاجتماعية نهائيا، وتمثل هذه المرحلة عصر الانحطاط، وعصر القابلية للاستعمار والاستعمار؛ وهو عصر يتميز بالتدهور الروحي والعقلي وتفكك الطاقة الحيوية، وتفكك شبكة العلاقات الاجتماعية. وفي هذه الحالة الأخيرة، فإن الغرائز هي التي تسيطر على مصير الإنسان.

3- الجانب الوجداني:

لم يهتم ابن نبي بالجانب الوجداني بصفة مباشرة، إلا أنه لم يغفله عند تحليله لمشكلة الثقافة حيث اعتبر عنصر الجمال وما يرتبط به من حسن وقبح عنصرا أساسيا في تشكيل الثقافة وفي حل المشكلات التي تواجه مجتمعا ما. ولذا فقد خصص في كتابه "مشكلة الثقافة" محورا تحت عنوان "التوجيه الجمالي" لدراسة تأثير الجمال في الوجدان والإدراك والسلوك، فقال: "لا يمكن لصورة قبيحة أن توحي بالخيال الجميل أو بالأفكار الكبيرة، فإن لمنظرها القبيح في النفس خيالا أقبح، والمجتمع الذي ينطوي على صور قبيحة، لابد أن يظهر أثر هذه الصور في أفكاره وأعماله ومساعيه" . ويرى ابن نبي أن تصور الجمال لا ينفصل عن عمل الخير، وأنه منبع الأفكار. ولكونه كذلك، فإنه ذو أهمية اجتماعية حيث تصدر عنه أعمال الفرد في المجتمع. ويؤكد ابن نبي أن للجمال علاقة واضحة حتى بأزهد الأعمال؛ ذلك لأن "الشيء الواحد قد يختلف تأثيره في المجتمع باختلاف صورته التي تنطق بالجمال، أو تنضح بالقبح، ونحن نرى أثر تلك الصورة في تفكير الإنسان، وفي عمله وفي السياسة التي يرسمها لنفسه، بل حتى في الحقيبة التي يحمل فيها ملابس سفره" .

ونظرا لتأثير الجمال في جميع جوانب الحياة (الألوان، الروائح، الأصوات، الإدراك والسلوك)، فإن ابن نبي يعتبره الدستور "دستور الجمال في النفس الإنسانية" الذي يطبع صورة "الحسن" أو "القبح" في النفس الإنسانية، والذي يوحي بالحلول الممكنة للمشكلات حسب ما تنطبع في الذهن من الناحية الجمالية. والجمال ليس قضية فردية بل هي قضية وطنية أيضا فهو "وجه الوطن في العالم، فلنحفظ وجهنا لكي نحفظ كرامتنا، ونفرض احترامنا على جيراننا الذين ندين لهم بالاحترام نفسه" .

ومن القضايا المرتبطة بالوجدان التي عالجها ابن نبي قضية المشاعر السلبية كالكراهية والحقد اللذين ينشئان في النفس ( في البلاد المستعمرة مثلا) بفعل عوامل خارجية كالاستعمار. إن نزعة معاداة الاستعمار -بعد الاستقلال وبعد مرور المرحلة الحماسية- "لا تصلح أن تكون دافعا ساميا يحرك حضارة ويعطيها مثلها الأعلى ووثبتها الضرورية. وفضلا عن ذلك فإن هذه النزعة إذا ما صفي مضمونها من (المشاعر الإيجابية) عبر الزمن، فقد لا تدع هذه التصفية سوى (مشاعر سلبية)، تقوم على حقد الشعوب التي قاست ظلم طغاتها بينما القضية ليست أن ننتزع العالم من موجة احتقار الكبار لنسلمه إلى حقد الصغار" .

إن التحرر الحقيقي هو التحرر الداخلي من المشاعر السلبية إلى جانب التحرر السياسي والقومي؛ ذلك لأن التحرر الداخلي هو الذي يمكن الفرد والمجتمع من التخلص من التأثير العميق الذي أحدثه المستعمر في أعماق وضمائر الشعوب المستعمرة في شكل حالات حرمان وحالات ذهان (اضطرابات عقلية). وعليه، فمشكلة التحرر الشامل "يجب أن توضع إذن في الإطار النفسي، وسنكون قد صفينا هذه الحالات الذهانية وصنوف الحرمان -بعض التصفية على الأقل- إذا ما خلصنا الرجل الأفرسيوي من المشاعر السلبية التي أصابته بها نزعته المعادية للاستعمار، وأصابه بها حقده عليه" .

وهكذا نلاحظ أن تحرير الوجدان عملية مكلمة لتحرير الأرض من المستعمر بل إن عملية تحرير الأرض لا تتم ولا تكتمل إلا بتحرير الوجدان من المشاعر السلبية نحو الذات الفردية والجماعية ونحو الآخر. ولكن لماذا هذه الدعوة لتحرير النفس من المشاعر السلبية نحو المستعمر الذي خرب البلاد ودمر الوجدان في البلدان المستعمرة ؟

كان ابن نبي يتمنى أن تتمخض عن مؤتمر باندونغ -الذي عقدته دول عدم الانحياز سنة 1955- اتجاه ثقافي (افريقي- آسيوي) يجد إلهامه الجوهري في روحها الأخلاقي المتمثل في مجموع القيم الروحية والتاريخية التي تقرها الشعور (الأفرسيوية) بوصفها نوعا من التراث. وهذا التراث يمكن -حسب ابن نبي- أن يجد عناصره أولا في المركبات النفسية التي أدت دورا في الصراع من أجل التحرر، وهي مشتركة بين جميع الشعوب التي خاضت هذا الصراع، ثم أنه سيجدها في الاتجاه الذي يختط للفكرة الأفرسيوية وجهتها الخاصة بها في العالم، وجهة المصير المشترك بين الشعوب السائرة تحت لواء خطر الحرب" .

ويرى ابن نبي أن أهم المشكلات التي تواجه الثقافة الأفرسيوية هي: مشكلة البقاء في عالم تحكمه القوة، ومشكلة الاتجاه المستقبلي لهذه الثقافة لإنقاذ البشرية. ونظرا لاهتمام ابن نبي بوضع الإنسانية ككل، فقد رأى أن الثقافة الأفرسيوية "ملزمة بسبب مأساة هذا القرن العشرين، بأن تتجه أولا نحو الأخلاق وفلسفتها لتحديد مثلها الأعلى، ثم نحو الصناعة لخلق وسائلها إلى هذا المثل الأعلى. فإنقاذ الإنسان من البؤس والفاقة على محور واشنطن - موسكو، هما بالنسبة لنا الضرورتان المحددتان للمشكلة كلها: مشكلة بقائه، ومشكلة اتجاهه، وهذه الضرورة المزدوجة تسيطر بصورة طبيعية على تحديد ثقافته، وبالتالي تسيطر على تحديد منهجه الأخلاقي" .

وكان ابن نبي يؤكد أن مبدأ (عدم العنف) قد يشكل مبدأ ثانيا للفكرة الأفرسيوية نظرا للدور الذي أداه هذا المبدأ في تحرير الهند، ونظرا لكون هذا المبدأ لا يزال -حسب تعبير ابن نبي- : "يلهم حتى يومنا الحوار الدولي بوصفه قانونا لا يقبل الانفكاك عن المحاولات الإنسانية في الميدان السياسي" .

ولكن تطور الأحداث التي أعقبت مؤتمر باندونغ، والتي تركت بصمات عميقة في النصف الثاني من القرن العشرين قد بينت فشل فكرة "الأفرسيوية" على مستوى التطبيق، وإن نشأت مؤسسات سياسية كثيرة لتحقيقها. وأعتقد أن فشل هذه الفكرة موضوع جدير ببحوث موضوعية لتحديد مختلف العوامل النفسية والسياسية وغيرها التي أدت إليه، وهل هذه العوامل داخلية أم خارجية أم عبارة عن مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية مجتمعة ؟ وأعتقد أن هذا الموضوع يستتبع سؤالا آخر يتعلق بمدى تفاؤل ابن نبي عندما كان يتابع عمليات تحرر "العالم الثالث: الأفرسيوي"، ومؤتمر زعماء هذا العالم في باندونغ ؟

ومهما يكن، فإن ابن نبي قد لفت الأنظار إلى أن قضايا الإنسانية الكبر مثل السلام والحرب تتطلب قرارات واضحة وصريحة، أما نزعة الحقد وغيرها من الانفعالات السلبية فهي عمياء، وهي بذلك -كما يؤكد ابن نبي- لن تشجع المساعي التي ينبغي أن تكون نزيهة لكي تكون فعالة .

4- الجانب العقلي:

أولى ابن نبي اهتماما كبيرا للجانب العقلي عند الإنسان كما يتجلى في عالم الأفكار الذي درسه دراسة مستفيضة وخاصة في علاقته بالبناء الحضاري، كما درس الصراع الفكري وأساليبه في البلاد المستعمرة (بفتح الميم)، ودرس أنواع الأفكار: القاتلة والميتة…

وكما اهتم ابن نبي بعالم الأفكار ودوره في البناء الحضاري فقد اهتم بعملية التفكير وبعلاقتها بالجوانب الأخرى في عملية البناء الحضاري: الجوانب الروحية والسلوكية. ويؤكد ابن نبي أن القوة الدافعة والأساسية في عملية البناء الحضاري هي الطاقة الروحية ولا تأتي الطاقة العقلية إلا في الدرجة الثانية.

ويقرر ابن نبي من البداية أن "الحضارة لا تصنعها كومة من الأشياء المستوردة، وإنما هي بناء تطبعه فكرة معينة". وبدون الجانب الروحي والجانب العقلي فإن عالم الأشياء ليس إلا عبارة عن تراكم أبله جامد لا معنى ولا طعم له مهما كان بريقه وإغراؤه ظاهريا.

ولكي يكون الجانب العلي فعالا فعليه أن يرتكز على المنطق العملي و "هو كيفية ارتباط العمل بوسائله ومعانيه وذلك حتى لا نستسهل أو نستصعب شيئا بغير مقياس يستمد معاييره من واقع الوسط الاجتماعي وما يشتمل عليه من إمكانيات، إنه ليس من الصعب على الفرد المسلم أن يصوغ مقياسا نظريا يستنتج به نتائج من مقدمات محددة، غير أنه من النادر جدا أن نعرف المنطق العملي أي استخراج أقصى ما يمكن من الفائدة من وسائل معينة" .

يلاحظ أن ابن نبي لا يتناول الجانب العقلي تناولا مجردا بل يركز أساسا على الجانب العملي منه (المنطق العملي). ويرى أن العقل التطبيقي الذي يتكون في جوهره من الإرادة والانتباه شيء يكاد يكون معدوما في العالم الإسلامي.

ولا يمض ابن نبي دون تشخيص سبب نقص المنطق العملي في البلدان الإسلامية حيث يشخص ذلك بقوله: "إن المنطق العملي ينقص البلاد الإسلامية عموما؛ فهذا أمر متوقع، لأن العجز في الأفكار يخلق أو ينتج في المجال النفسي عجزا في المراقبة الذاتية، وفي مراجعة النتائج. ففكرنا لا يقيم علاقات بين النشاطات والجهود والوسائل من ناحية، ونتائجها من ناحية أخرى. ومفهوم المحصول لا وجود له في تربيتنا الأولى، إذ هو لا يكون جزءا من عالم أفكارنا. بينما المجتمع هو جهاز التحويل، الذي يحول الطاقات الاجتماعية إلى نتائج مختلفة" .

فالنقص في المنطق العملي والعجز في فعالية المجتمع عاملان أساسيان للتخلف إذ يرتبطان بالشلل الفكري وضعف الشخصية وتدهور السلوك الشيء الذي يلخصه ابن نبي في مفهوم "اللافعالية". وقد نجمت "اللافعالية" في المجتمع الإسلامي عن إصابة عالم الأفكار أساسا بالعجز؛ فالداء في عالم الأفكار -كما يشير إلى ذلك ابن نبي-: "إننا في كل مرة نقف فيها أمام مظهر من مظاهر

"اللافعالية" في المجتمع الإسلامي، نرى أنفسنا على رابطة بعالم أفكارنا لأنه في هذا العالم تكمن أدواؤنا" . ويربط ابن نبي في مكان آخر بين "اللافعالية" وضعف الجانب الروحي على مستوى العلاقات الاجتماعية، فيقول: "وعليه، فليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، وإنما المهم أن نرد إلى هذه العقيدة فاعليتها وقوتها الإيجابية وتأثيرها الاجتماعي" .

ويزيد ابن نبي التشخيص وضوحا ليقترب من تقديم الحلول للداء المشخص "اللافعالية" عندما يقرر : "إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة ولكن منطق العمل والحركة، فهو لا يفكر ليعمل بل ليقول كلاما مجردا بل أكثر من ذلك فهو يبغض أولئك الذين يفكرون تفكيرا مؤثرا، ويقولون كلاما منطقيا من شأنه أن يتحول في الحال إلى عمل ونشاط" . وهذا العجز على مستوى العمل والحركة يعوض بآليات دفاعية سلبية تعتمد أساسا على أحلام النوم وأحلام اليقظة. ولذا فإن ابن نبي يصف حالة المسلمين بسبب عجزهم على مستوى المنطق العملي قائلا: "فنحن حالمون ينقصنا المنطق العملي" .

ولكن لماذا هذا البغض للمنطق العملي ؟

إن البغض للمنطق العملي قد يجد له تبريرا في التفسير النفسي للظاهرة؛ إذ يقتضي الأمر في المنطق العملي عمليتين أساسيتين:

أولا: بذل الجهد على مستوى التصور؛ وذلك باستعمال ملكة الخيال المبدع.

ثانيا: بذل الجهد على المستوى التطبيقي مما يتطلب جهدا أكبر من الجهد الذي يتطلبه التصور المجرد فقط.

إن المنطق العملي يتطلب جهدا ذهنيا وجهدا سلوكيا بالإضافة إلى الجهد الذي يبذل لإخراج الفكرة في قالب جمالي مقبول. وهذا عكس ما هو ملاحظ عند أصحاب الذهن الخامل الذين يعتمدون أساسا على ما يسمى "الطرق المختصرة" للوصول إلى فكرة أو هدف ما. وإني أرى أن العجز عند المسلمين لا يقتصر على العجز على مستوى "المنطق العملي" فقط بل وعلى مستوى "الفكرة" أيضا. وهذا ما يدعمه ابن نبي نفسه في كتاب آخر (فكس) حيث أشار " أن الفكرة ليس لها فعاليتها في العالم الإسلامي، أو هي لا تلعب دورها فيه. ولا ريب أن فحص كل العوامل التي كان لها مفعول ما في هذا القصور سيكون ذا أهمية بالغة" .

وللتغلب على هذه الظاهرة الخطيرة فلا بد من فهم العلاقة بين عالم الأفكار وعالم الثقافة (السلوك) و إقامة علاقة وثيقة بين عالم الأفكار وعالم الثقافة أو عالم السلوك. وفي هذا يقول ابن نبي: "فليست الثقافة سوى تعلم الحضارة، أعني استخدام جميع ملكاتنا الضميرية والعقلية في عالم الأشخاص. وليس العلم سوى بعض نتائج الحضارة، أي أنه مجرد جهد تبذله عقولنا حين تستخدم في عالم الأشياء. فالأولى تحركنا وتقحمنا كلية في موضوعها وأما الثاني فإنه يقحمنا في مجاله جزئيا. والأولى تخلق علاقات بيننا وبين النظام الإنساني والآخر يخلق علاقات بيننا وبين نظام الأشياء" .

وليس فهم العلاقة بين عالم الأفكار والثقافة -في نظر ابن نبي - كافيا بل ينبغي أن يدرك أيضا أن "الثقافة تبدأ متى تجاوز الجهد العقلي الذي يبذله الإنسان حدود الحاجة الفردية" .

وبالإضافة إلى فهم هذه العلاقة وإدراك البعد الفعال للثقافة، ينبغي للمسلم أن يدرك أن المجتمع الإسلامي مجتمع فقير فكريا وبالتالي فهو مجتمع أعزل من الناحية الإديولوجية (المفاهيم)؛ وذلك في الوقت الذي يتعين فيه أن تسوى كل المشكلات والمنازعات في العالم المعاصر بالأفكار وليس بالأسلحة. إن هذا التأكيد قائم على الاعتقاد بأن عالم الأفكار هو الذي يدعم عالم الأشياء، ودون عالم الأفكار فإن عالم الأشياء لا يقف على قدميه عندما تنتابه النوائب .

- أنماط الأفكار:

يعتبر ابن نبي عالم الأفكار كأسطوانة لها أنغامها الأساسية ونماذجها المثالية، وللأفكار توافقاتها الخاصة بالأفراد والأجيال، ويسميها بالأفكار المطبوعة. وعندما تبدأ الأفكار المطبوعة تنمحي عن أسطوانة حضارة ما يخرج منها في البداية نشاز النغم ! صفير وحشرجة ثم الصمت أخيرا. ومن علامات تدهور عالم الأفكار: ظهور الأفكار الميتة والأفكار المميتة، ضعف الكلمة أو انعدامها، سيطرة التشويش الفكري واضطراب النشاط وتدهور الأعمال .

يصنف ابن نبي "الأفكار" إلى أفكار قاتلة وأفكار ميتة، وإلى أفكار صحيحة وأفكار فعالة :

1- الأفكار القاتلة: وهي الأفكار التي يستعيرها الإنسان من ثقافة أخرى، ويركن إليها تبنيا وتقليدا. ومثال ذلك استعارة السلم لأفكار من الغرب وتقليدها، ويرجع ذلك إلى موقف المسلم غير الصحيح من مشكلة الثقافة من الناحية الفكرية ومن الناحية الاجتماعية؛ ذلك لأن استيراد الأفكار من العالم الغربي مثلا يؤدي إلى سلخ هذه الأفكار عن هويتها وقيمتها الثقافية وبالتالي فصلها عن جذورها الحيوية مما يؤدي إلى فقدان فعاليتها بعد أن تشوه شخصية الذي استوردها وتبناها وقلدها.

2- الأفكار الميتة: وهي ما يجول في بالنفس من أفكار فقدت الحياة. ويرى ابن نبي أن كل مجتمع يصنع الأفكار التي ستقتله، لكنها تبقى بعد ذلك في تراثه الاجتماعي (أفكارا ميتة)؛ وهي أشد خطرا من (الأفكار القاتلة) لأنها تبدو وكأنها منسجمة مع عادات المجتمع وتقاليده بينما تفعل مفعولها السلبي من الداخل حيث تخدع وتحطم جهاز المناعة الذاتية.

ويرى ابن نبي أن الأفكار الميتة قد تجاورت في العالم الإسلامي مع الأفكار القاتلة أو المميتة مما يزيد صعوبة التصدي لها بفعالية؛ إذ يؤكد ابن نبي أنه "ما إن نبدأ بمعالجة الأفكار الميتة التي لم يعد لها جذور في بوتقة الثقافة الأصيلة للعالم الإسلامي حتى نصطدم بالأفكار المميتة التي خلفت في عالمها الثقافي جذورها ووفدت إلى عالمنا" .

3- الأفكار الصحيحة: عندما تخرج فكرة ما إلى النور فإنها تكون إما: صحيحة أو باطلة. وعندما تكون الفكرة صحيحة فإنها تحتفظ بأصالتها حتى آخر الزمان. لكن هذا لا يعني أنها لا تفقد فعاليتها وهي في طريقها حتى ولو كانت صحيحة .

4- الأفكار الفعالة: قد تكون فكرة ما فعالة؛ وهذا لا يعني أنها بالضرورة صحيحة على الإطلاق؛ فقد تكون فكرة ما فعالة في فترة ما ليس لأنها صحيحة بل لأن مناخا ثقافيا مناسبا قد هيأ لها شروط الفعالية. ولكن هذه الفعالية لا يمكن أن تدوم إلى الأبد بل هي عرضة لانكشاف زيفها، وتصبح بالتالي عرضة للأفول. ويضرب ابن مثلا لذلك بالفكرة الماركسية التي كانت فعالة إلى حد ما عند بدايات تطبيقها في المعسكر الشيوعي ثم انهارت انهيارا فظيعا. ومع الأسف، فإن ابن نبي لم يشهد هذا الانهيار الذي كان يتنبأ به.

ولا شك أن سيطرة الأفكار القاتلة والأفكار الميتة على المجتمع الإسلامي قد أدى به إلى الخروج من الحضارة بسبب التدهور الروحي والأفول الفكري. وقد شرح ابن نبي عواقب الأفول الفكري كما شرح عواقب التدهور الروحي في قوله: "وحينما يكون الفكر الإسلامي في أفوله كما هو شأنه اليوم فإن المغالاة تدفعه إلى التصوف والمبهم والغامس، وعدم الدقة والتقليد الأعمى والافتتان بأشياء الغرب. لكن هذا ليس مداره الأصلي. ففي الأصل حينما أعطاه القرآن اندفاعه الأولي اتخذ الفكر الإسلامي مداره أساسا حول فكرة تكون حينا حب الخير، وحينا آخر كره الشر. تلك هي رسالة الفكر الإسلامي عبر عنها القرآن الكريم بقوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..* ) ".

ويذهب ابن نبي أبعد من التأكيد على أفول الفكر الإسلامي حيث يصف خصائص المجتمع المسلم المتخلف؛ ذلك لأن تخلف المجتمع "ليس موسوما حتما بنقص الوسائل المادية (الأشياء) وإنما بافتقار للأفكار، يتجلى بصفة خاصة في طريقة استخدامه للوسائل المتوفرة لديه؛ بقدر متفاوت من الفاعلية، وعجزه عن إيجاد غيرها، على الأخص في أسلوبه في طرح مشاكله أو عدم طرحها على الإطلاق" .

وعليه ، فالداء في المجتمع الإسلامي -كما يشخصه ابن نبي- داء نفسي قبل أن يكون داء اجتماعيا، "وهو لا يكمن في درجة إشباع مجتمع لأنه يستهلك؛ ولكنه في اتجاه علاقة الفكرة بالشيء في وعيه، وذلك الاتجاه الذي يستطيع أن يتحول نحو الفكرة أو نحو الشيء" .

هذا هو الداء فما هو الدواء ؟

يكمن الدواء في:

- تقوية الجانب الروحي وعدم التفريط فيه.

- بذل الجهد الفكري.

- ربط الجانب الفكري (العقلي) بالجانب الروحي وبالجانب السلوكي.

- تكوين مناخ عقلي ينبذ فيه التفكير الخرافي وما يمت به من صلة، وينشر فيه العلم على كل مستويات المجتمع، وتتبادل فيه المعرفة بين كل أفراد المجتمع ومؤسساته.

ويلح ابن نبي على ضرورة احترام علاقات الأفكار بالمقاييس الثابتة للنشاط وإلا أصبح النشاط دون جدوى يسوده العبث ويسيطر الشلل عليه ويكبله إلى درجة يصبح فيها النشاط مستحيلا؛ وذلك ما يقابل الجمود والركود والتخلف في كل المجالات.

و -كما يوضح ابن نبي- فإن علاقات الأفكار بالمقاييس الثابتة تقع في ثلاث مراتب:

1- المرتبة الأخلاقية الإديولوجية والسياسية بالنسبة لعالم الأشخاص.

2- المرتب المنطقية الفلسفية، العلمية بالنسبة لعالم الأفكار.

3- المرتبة التقنية الاقتصادية الاجتماعية بالنسبة لعالم الأشياء.

ويلح ابن نبي في التأكيد على أن فساد أي واحد من هذه العلاقات الثلاث للفكرة بتأثير أي عامل من العوامل يؤدي إلى توقع فساد في أحكام ونشاطات المجتمع وسلوك أفراده . وهذا ما سنعرض إليه بالتفصيل في المحور التالي المتعلق بالجانب السلوكي.

5- الجانب السلوكي:

يؤكد ابن نبي أن أي تفكير في مشكلة الحضارة هو أساسا تفكير في مشكلة الثقافة ؛ فالمشكلة السلوكية لا يطرحها ابن نبي على المستوى الفردي فقط بل يحاول تشخيصها على مستوى المجتمع وعلى مستوى الحضارة. ولذا فإن ابن نبي يقرن التحضر بتعلم الإنسان للعيش في جماعة وبإدراكه في نفس الوقت للأهمية الرئيسية لشبكة العلاقات الاجتماعية في تنظيم الحياة الإنسانية من أجل وظيفتها التاريخية .

ويربط ابن نبي بين مصير الإنسان ومصير الثقافة عندما يؤكد أن مصير الإنسان مرهون دائما بثقافته. ولا يكتفي ابن نبي بإقامة علاقة بين الإنسان و الثقافة إذ يوضح أيضا أن أي تفكير في مشكلة الإنسان بالنسبة إلى حظه في الحياة هو في أساسه تفكير في مشكلة الحضارة. والحضارة هي "مجموعة الشروط التي تكون في المكان وفي الزمان حضارة معينة، أي الحضارة التي تطبع جميع حقائقها الثقافية، وخصائصها الأخلاقية والجمالية والصناعية في أسلوب حياة يشمل المنظر الإنساني ويحدد سلوك النموذج الاجتماعي الذي يتحرك فيه" .

والحضارة -في فكر ابن نبي- لا تصنعها كومة الأشياء المستوردة مهما كان إغراؤها التكنولوجي وإنما هي بناء تطبعه فكرة مميزة. وقضية الحضارة ليس مشكلة فقر في الأشياء أو جهل أو مرض وإنما هي التفكير في المشكلات الأساسية للإنسان أو في جذورها والتي تتلخص في بناء الحضارة بدلا من تكديس منتجاتها؛ فالبناء وحده هو الذي يأتي بالحضارة لا التكديس. وبناء الحضارة يتطلب حلا علميا لمشكلة الإنسان والتراب والوقت مما يؤدي إلى بناء الإنسان بناء متكاملا والاعتناء بالتراب والزمن مما ينتج عنه بالتالي بناء المجتمع الأفضل، وبناء الحضارة التي هي الإطار الذي فيه تتم للفرد سعادته لأنه يقدم له الضمانات الكافية الاجتماعية .

ونظر لأهمية الثقافة كمنظومة سلوكية ترتبط ببناء المجتمعات والحضارات، فقد خصص ابن نبي فصلا كاملا لمسألة الثقافة في كتابه "شروط النهضة"، وألف كتابا بعنوان: "مشكلة الثقافة". وفيما يلي شرح لمفهوم الثقافة وخصائصها في فكر ابن نبي.

- مفهوم الثقافة:

بعد أن يورد ابن نبي مفهوم الثقافة في إطار الفكر الغربي وينتقده، يقيم علاقة وثيقة بين الثقافة والحضارة؛ فيعرف الثقافة بأنها "مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يلقها (؟) الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه. والثقافة على هذا هي المحيط الذي يشكل الفرد فيه طباعه وشخصيته" . وعليه، فالحضارة في فكر ابن نبي هي المحيط الذي يعكس حضارة معينة، وهو المحيط الذي يتحرك فيه الإنسان المتحضر. ونتيجة الربط بين الثقافة والحضارة فإن الثقافة عبارة عن نظرية في السلوك أكثر من أن تكون نظرية في المعرفة .

وبهذا التحديد، فإن الثقافة ليست علما بل هي محيط ووسط ذو بعد روحي في الدرجة الأول تتكون فيه جميع خصائص المجتمع المتحضر، وتتشكل فيه كل جزئياته وفقا للغاية التي رسمها المجتمع لنفسه. وفي هذا الإطار يتحرك الإنسان بفعالية ليغذي مجرى الحضارة .

والثقافة بهذا التحديد هي إطار "بما تتضمنه من عادات متجانسة وعبقريات متقاربة وتقاليد متكاملة وأذواق متناسبة وعواطف متشابهة وعبارة جامعة: هي كل ما يعطي الحضارة سماتها الخاصة…هذا هو معنى الثقافة في التاريخ" .

- عناصر الثقافة:

تتمثل العناصر الجوهرية للثقافة في: الدستور الخلقي والذوق الجمالي والمنطق العملي والصناعة بتعبير ابن خلدون . وهذه العناصر هي التي تشكل السلوك وتؤثر فيه، وهي العناصر التي تميز السلوك المتحضر عن السلوك غير المتحضر.

- طرح مشكلة الثقافة:

يقرر ابن نبي أولا "أن السلوك الاجتماعي للفرد خاضع لأشياء أعم من المعرفة وأوثق صلة بالشخصية منها بجمع المعلومات وهذه هي الثقافة" . وبناءا عليه، فإن التعريف العملي الذي ي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://hiwarmadrassi.forumactif.com/forum.htm
زائر
زائر
avatar



إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Empty
مُساهمةموضوع: رد: إنسان الحضارة في فكر ابن نبي - د. مصطفى عشوي   إنسان الحضارة في  فكر ابن نبي  - د. مصطفى عشوي Icon_minitime2011-05-07, 16:26

merci
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
إنسان الحضارة في فكر ابن نبي - د. مصطفى عشوي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» ما هو دور التجارة في نقل الحضارة العربية الاسلامية للغرب؟
» مصطفى خزنه دار
» الدكتور مصطفى محمود

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المعرفة للجميع :: منتدى الحوار :: من قضايا الفكر الإسلامي-
انتقل الى: