الحكم الشرعي علم أصول الفقه يتناول أربعة مباحث هي
( الحكم الشرعي وما يتعلق به / الأدلة الشرعية / طرق الاستنباط / الاجتهاد ) .
التعريف الأكاديمي لـ ” الحكم الشرعي ” : هو خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع .
ومعنى هذا التعريف ببساطة كالآتي : الحكم الشرعي هو التوجيهات الإلهية للعباد ، سواء كانت هذه التوجيهات بالطلب ( الأمر أو النهي ) أو الإباحة أو التوضيح ( توضيح وتفصيل الشروط والأسباب والموانع للأحكام الشرعية ) . إذن : الحكم الشرعي هو التوجيه الإلهي ، ويكون بشكل مباشر أو غير مباشر .. بمعنى أن حديث الرسول وتوجيهاته تعتبر توجيهات إلهية لأنه ( صلى الله عليه وسلم ) يُبَلِّغ عن ربه ولا يتكلم من نفسه ( وما ينظق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى ) . هذا الحكم الشرعي ، كما في التعريف ، له ثلاث حالات هي ( الاقتضاء / التخيير / الوضع ) .. فمامعنى هذا ؟ - الاقتضاء معناه : الطلب ( الأمر أو النهي )
- التخيير معناه : الإباحة ، فالعبد مخير بين أن يفعل أو لا يفعل .
- الوضع معناه : الشروط والأسباب والموانع للأحكام الشرعية . إذن .. فكل ما ورد في القرآن أو في السنة لا يتحدث عن الأفعال فلا يسمى ( حكما شرعيا ) ، مثل : قصص الأنبياء ، أو الحديث عن الدار الآخرة ، أو الحديث عن أسماء الله وصفاته .. فكل هذه الآيات والأحاديث لا تسمى أحكاما شرعية لأنها لا تتعلق بأفعال العباد .
ومن الحالات الثلاث للحكم الشرعي سنجد أنه ينقسم إلى قسمين كبيرين :
1- الحكم التكليفي : وهو الذي فيه تكليف للعباد .
2- الحكم الوضعي : وهو الذي فيه شرح للشروط والموانع والأسباب .
بمعنى أن ” الحكم التكليفي ” يأخذ الجانب الأول من تعريف الحكم فيكون :
خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير .
ويأخذ ” الحكم الوضعي ” الجانب الثاني من تعريف الحكم فيكون : خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين على جهة الوضع .
ما معنى الكلام السابق ؟ معناه ببساطة : أن الحكم إذا كان : أمرا أو نهيا أو إباحة فإنه يكون ” الحكم التكليفي ” .. وإذا كان شرطا أو سببا أو مانعا فإنه يكون ” الحكم الوضعي ” . الخلاصة :
الحكم الشرعي هو التوجيه الإلهي المتعلق بأفعال العباد ، سواء كان طلبا ( أمر أو نهي ) أو تخييرا ( إباحة ) أو وضعا ( شرط أو سبب أو مانع ) ..
وهو ينقسم إلى قسمين :
1- الحكم الذي فيه تكليف أي : طلب أو تخيير يسمى ( الحكم التكليفي ) .
2- الحكم الذي فيه شروط وتفاصيل وأسباب يسمى ( الحكم الوضعي ) .
الحكم التكليفي :
ذكرنا من قبل أن الحكم الشرعي ينقسم إلى قسمين هما : الحكم التكليفي ، والحكم الوضعي . وقلنا إن الحكم التكليفي هو الذي يتعلق بتكليفات الله للعباد ، وعلى هذا فيكون تعريفه – عند الأصوليين – أنه : خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير . من هذا التعريف نفسه سنتوصل إلى أنواع الحكم التكليفي . قلنا إن ” الاقتضاء ” معناه : الطلب ، سواء كان أمرا أو نهيا ، وقلنا إن ” التخيير ” معناه : الإباحة ، فإن العبد مخير فيه بين أن يفعل ولا يفعل . نلاحظ أيضا أن ” الأَمْر ” يمكن في الشرع أن يكون أمرا للوجوب .. ويمكن أن يكون أمرا بالشئ المستحب أو المندوب ، كذلك يمكن أن يكون ” النهي ” نهيا عن الحرام .. أو يكون نهيا عن الشئ المكروه . فالأمر في الشرع نوعان : أمر للوجوب ، وأمر للاستحباب .. والنهي أيضا نوعان : نهي عن الحرام ، ونهي عن المكروه .
مثال : 1- أمر الله تعالى بالصلاة فقال ( وأقيموا الصلاة ) .. فالأمر في كلمة ” أقيموا ” هنا أمر يفيد الوجوب ، أي أن الصلاة واجبة على المسلم .. وكذلك الأمر بالزكاة والصيام والحج .. إلخ .
2- ولكن إذا نظرنا إلى قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ” يا معشر الشباب ، من استطاع منكم الباءة فليتزوج ” ، فسنجد أن الأمر ” فليتزوج ” ليس على سبيل الوجوب ، بل على سبيل ” الندب ” فلا يكون الشاب عاصيا أو مذنبا لو أنه امتلك الباءة ولم يتزوج .. ونفس الحال في أوامر كصلوات النوافل كالسنن والضحى وقيام الليل ، أو في صيام يوم عرفة وست من شوال ، أو الصدقات أو أداء العمرة .. إلخ .
3- ونَهَى الله تعالى عن الزنا فقال ( ولا تقربوا الزنا ) .. فهذا النهي هو للتحريم ، أي أنه يفيد الحرمة . وكذلك النَهْي عن السرقة والكذب والغيبة وأكل مال اليتيم وأكل أموال الناس وشرب الخمر .. إلخ . 4- ولكن إذا نظرنا للنهي في قول النبي ( صلى الله عليه وسلم ) : ” لا يَمَسَّنَّ أحدكم ذَكَرَه وهو يبول ” فهو هنا لا يفيد التحريم ، ولا يكون من فعل هذا مذنبا أو عاصيا ، ولكنه يترك الأفضل والأحسن .. وكذلك نهي النبي عن الجلوس في المسجد دون صلاة ركعتي ” تحية المسجد ” ، وكذلك النهي عن أكل البصل أو الثوم ثم دخول المسجد .. إلخ . وبهذا نكون قد عرفنا أنواع الحكم التكليفي واستخلصناها من التعريف وهي خمسة :- الواجب - المندوب- الحرام- المكروه ويضاف إليها النوع الخامس : المباح . وهو ما سبق في التعريف ” التخيير ” .
الخلاصة : - الحكم التكليفي هو الذي فيه تكاليف للعباد ، وهو : خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير .
- الاقتضاء معناه : الطلب ، وهو ينقسم إلى قسمين ( أمر / نهي ) وهما يفيدان أربعة أقسام ( الواجب / المندوب ) و ( الحرام / المكروه )
- التخيير معناه : الإباحة ، وهو الشئ المباح الذي يجوز للعبد أن يفعله أو يتركه .
- وبهذا نعرف أن الحكم التكليفي له خمسة أقسام : الواجب والمندوب والمباح والمكروه والحرام .. وقد توجد بصيغة ( الوجوب والندب والإباحة والكراهة والحرمة ) ، فهي هي نفس الأنواع إلا أن بعض الأصوليين يفضل صيغة المصدر ( الوجوب – الإباحة .. ) والبعض يفضل الصيغة الأخرى ( الواجب – المباح .. ) ، وهو خلاف علمي دقيق جدا لا يهم غير الدارس ، وليس هنا مقامه .
في الحلقة القادمة بإذن الله نتحدث عن القسم الأول ( الواجب ) .. وحتى لا يتوه القارئ نعيد التذكير بأن : 1- أصول الفقه يبحث في 4 مباحث هي : الحكم الشرعي ، الأدلة الشرعية ، طرق الاستنباط ، الاجتهاد .
2- نحن بدأنا في مبحث ( الحكم الشرعي )
3- انقسم ( الحكم الشرعي ) إلى قسمين : الحكم التكليفي ، والحكم الوضعي .
4- نحن بدأنا في قسم ( الحكم التكليفي )
5- انقسم الحكم التكليفي إلى 5 أقسام هي : الواجب ، المندوب ، المباح ، المكروه ، الحرام .
6- سنبدأ في المرة القادة بإذن الله في القسم الأول ( الواجب ) .
بين الحكم التكليفي والوضعي
الحكم التكليفي هو ما اقتضى طلب فِعْلٍ من المُكَلَّف ، أو كَفَّه عن فعل، أو تخييره بين الفعل أو الكف .
الحكم الوضعي هو ما اقتضى وضع شيء سببا لشيء أو شرطًا له أو مانعا منه.
الحكم التكليفي:
الحكم التكليفي من خمسة أقسام: الواجب ، والمندوب ، والمُحَرَّم ، والمكروه ، والمُبَاح.
ينقسم الواجب إِلى أنواع من ناحية:
التوقيت، أو المُطَالَب بأدائه، أو المقدار المطلوب، أو التعيين والتخيير.
توقيت الواجب، إِما مُوَسَّع أي يسعه ويسع غيره كالصلاة،
أو مُضَيَّق يسعه ولا يسع غيره كالصيام.
الواجب من حيث المُطَالَب بالأداء إِما:
فرض عَيْن يُطالَب كل مسلم بأدائه، أو
فرض كفاية؛ لو قام به البعض سقط عن الباقين.
الواجب مقداره إِما:
محدد كالصلوات الخمس والزكاة وما إِلى ذلك، أو غير محدد ككافة أوجه البر.
الواجب:
إِما مُعَيَّن كالعبادات أو مُخَيَّر كالخيار في الكفارات.
المندوب: ما طلب الشارع فعله من غير حتم؛ وهو درجات:
- السنن المؤكدة - السنن التي لم يواظب عليها الرسول صلى الله عليه وسلم - المندوب الزائد وهو الاقتداء بالرسول في أموره العادية حبا فيه وتعلقا.
المحرم: وهو إِما محرم لذاته؛ كالسرقة والزنا، أو محرم لِعارِضٍ اقترن به.
المكروه: ما طلب الشارع الكف عنه من غير حتم.
المباح: ما خُيِّر المكلف بين فعله أو تركه، إِما بنص صريح يفيد الإباحة، أو بعدم ما يدل على تحريمه ( الأصل في الأشياء الإباحة ).
يختلف الحنفية في تقسيم الأحكام من حيث: الواجب يعد: " فرضا " إِذا كان بدليل قطعي و " واجبا " إِذا كان بدليل ظني، وكذلك المحرم يعد: " محرما " إِذا كان بدليل قطعي، و " مكروها تحريما " إِذا كان بدليل ظني، أما المكروه (بالتعريف أعلاه) فيسمونه " مكروها تنـزيها ".
الحكم الوضعي :
ينقسم إِلى:
- سبب : وصف ظاهر منضبط يثبت به الحكم
- شرط: ما يتوقف وجود الحكم على وجوده
- مانع: ما يلزم من وجوده عدم الحكم أو بطلان السبب
- الرخص: ما شرعه الله من الأحكام تخفيفا على المكلف في حالات خاصة
- الصحة والبطلان: ما طلب الشارع من المكلفين من أفعال، وما شرعه لهم من أسباب وشروط، إِذا باشرها المكلف قد يحكم الشارع بصحتها وقد يحكم بعدم صحتها .
المحكوم فيه :
هو فعل المُكَلَّف الذي تعلق به حكم الشَّارِع .
يشترط في المحكوم فيه :
- أن يكون معلوما للمكلف علما تاما
- أن يكون ممكنا، وأن يكون في قدرة المكلف أداؤه أو الكف عنه .
المحكوم عليه :
هو المُكَلَّف بفعل الحكم الشرعي .
يشترط في المكلف:
- أن يكون قادرا على فهم دليل التكليف بنفسه أو بالواسطة، وهذا يتطلب البلوغ والعقل واليَقَظة ( فلا يكون نائما أو سكرانا )
- أن يكون أهلا لما كلف به
- أن لا يكون مُكْرَها .
الأهلية قسمان:
- أهلية وجوب؛ وهي صلاحيته لأن تَثْبُت له حقوق وتجب عليه واجبات
- أهلية أداء؛ وهي صلاحية المكلف أن تُعْتَبَر شرعا أقواله وأفعاله؛ وهي: منعدمة للطفل أو للمجنون، وناقصة للصبي قبل البلوغ وللكبير المعتوه، وكاملة للبالغ العاقل.
منقول