('')
الشيخ الخطوي رجل بكاه محراب جامع الزيتونة ربما جاز القول أن أوثق علاقة وأقدسها وأطهرها على الاطلاق نشأت في حياة الشيخ الجليل الخطوي دغمان – عالم القراءات وشيخ الحفاظ الذي غادرنا صبيحة السبت الى دار الخلد – هي تلك التي جمعته – رحمه الله – بكتاب الله وبمحراب جامع الزيتونة المعمور – تحديدا – على امتداد أكثر من نصف قرن بلا انقطاع قضاها في امامة الناس في صلاة التراويح بهذا الجامع…
لذلك سوف لن يجوز – في رأينا – لأي أحد من الذين عرفوه أو عاشروه – كائنا من كان – أن يدعي أن علاقته بالشيخ الخطوي ترقى في عراقتها وقداستها وطهرها ورمزيتها الى مستوى علاقته – رحمه الله – بمحراب جامع الزيتونة المعمور… ولذلك أيضا فاننا لا نتردد في القول – هنا – أن من بكى وسيبكي اليوم وفاة هذا الرجل القرآني – وبأكبر قدر من الحرقة – انما هو هذا المحراب المبارك ذاته…
والشيخ الخطوي دغمان، هذا الرجل الحافظ لكتاب الله الذي كان لا يتكلم – اذا ما تكلم – الا بالقرآن هو من أولئك الذين نذروا حياتهم – فقط – لخدمة القرآن الكريم وتحفيظه للأجيال فهو رجل لم يكن يستظل ويحتمي – اذا ما استظل الناس واحتموا من حر أو خطب في هذه الدنيا – الا بظلال القرآن ولم يكن له من شغل في هذه الحياة – ومنذ أن كان طفلا – الا شغل القرآن يحفظه ثم يحفظه لكل راغب ومقبل في اطار حلقات ( املاءات قرآنية ) مفتوحة للعموم ظل حريصا على حضورها وتواصلها بجامع الزيتونة المعمور حتى الأيام الأخيرة من حياته … فالشيخ الخطوي الذي يغادرنا اليوم وهو في العقد التاسع ( من مواليد سنة 1921 ) بعد حياة حافلة بالعمل الصالح – على ما نحتسب – كان قد أم الناس لأول مرة في صلاة التراويح وهو طفل في سن الثانية عشرة – على ما يروى – … كان ذلك بالجامع المحاذي لكتاب سوق سيدي عبد السلام بمدينة تونس ثم لتتواصل بعد ذلك – ومنذ ذلك التاريخ – ( 1933 ) رحلته المباركة مع القرآن تحفيظا وتدريسا وامامة الناس في الصلوات.
ان صورته وهو يتهادى – رحمه الله – عابرا بوقار وخشوع وتؤدة صحن جامع الزيتونة باتجاه بيت الصلاة للاشراف على حلقة تحفيظ القرآن الكريم التي كانت تنعقد باشرافه عشية كل يوم سبت من كل أسبوع وعلى امتداد سنوات طوال ستظل عالقة بذهن كل من عرفه … كما أن صوته الصادح بآيات الله البينات وهو يتلوها على مسامع وأفئدة الجموع التي كان يعج بها الجامع المعمور صحنا وبيت صلاة في كل رمضان من كل عام سيظل مجلجلا تردده – الى ما شاء الله – جنبات هذا الجامع – المنارة…
رحم الله الشيخ الخطوي دغمان هذا الضرير العالم بكتاب الله الذي تجسد فيه بالكامل مصداق قوله تعالى “انها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”
فقد كان يبصر بنور كتاب الله العزيز وبه يعمل.. ولله در الشاعر نزار قباني عندما يقول مخاطبا الأديب طه حسين في قصيد يرثيه فيه..
ضوء عينيك أم هما نجمتان … كلهم لا يرى وأنت تراني
الى أن يقول
ارم نظارتيك ما أنت أعمى … انما نحن جوقة العميان
فكأنما هو يرثي اليوم الشيخ الخطوي دغمان.
بقلم محسن الزغلامي
********************
مقاطع فيديو خاصّة بالشيخ
الشيخ يتحدث عن والدته
الشيخ الخطوي 2
الشيخ الخطوي 1
من وصايا الشيخ