المعرفة للجميع
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت من أعضاء المنتدى
او التسجيل ان لم تكن الأعضاء وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدي
المعرفة للجميع
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت من أعضاء المنتدى
او التسجيل ان لم تكن الأعضاء وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا
ادارة المنتدي
المعرفة للجميع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

المعرفة للجميع

منتدى للحوار الفكري والمعرفي المتصل بالتربية والتعليم
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
أسماء الله احفظها

{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (180) سورة الأعراف
القرآن
يمكن حفظ القرآن الكريم
وفق قواعد التلاوة وبكل يسر
من خلال الضغط
على الرابط التالي:


القرآن الكريم
دخول
اسم العضو:
كلمة السر:
ادخلني بشكل آلي عند زيارتي مرة اخرى: 
:: لقد نسيت كلمة السر
المواضيع الأخيرة
» برنامج مادة التربية الإسلامية الثامنة أساسي
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2020-09-24, 16:05 من طرف slim kilani

» فروض في مادة التربية الإسلامية( التاسعة أساسي)
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2019-03-29, 22:59 من طرف مهدي

» الدار العربية للتنمية الادارية فعاليات الماجستيرات شهر مارس وابريل ومايو2018م والممنوح من جامعة ميزوري – الولايات المتحدة الأمريكية عنوان المؤتمر من الى للتسجيل المؤتمر العربى الخامس تكنولوجيا ادارة البلديات – المدن الذكية – smartcities 8 ابريل 11
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2018-02-18, 09:40 من طرف مروة الدار

» تدعوكم الدار العربية للتنمية الإدارية بالتعاون مع مركز التقانة للتدريب والتنمية البشرية – جمهورية السودان للحضور والمشاركة في الملتقى العربي الرابع تخطيط المالية العامة } النظم المستجدة والمعاصرة { مقر الانعقاد: شرم الشيخ – جمهورية مصر العربية
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2018-02-14, 10:49 من طرف مروة الدار

» المؤتمر العربى الخامس التكنولوجيا إدارة البلديات
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2018-01-15, 11:05 من طرف مروة الدار

» دعوه للمشاركه في: ماجستير إدارة المستشفيات المهني المصغر (( اسطنبول – القاهرة )) 11 الى 22 فبراير 2018م
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2018-01-11, 07:32 من طرف مروة الدار

» الدار العربية للتنمية الإدارية بالتعاون مع الإتحاد الدولى لمؤسسات التنمية البشرية وحدة البرامج التدريبية وورش العمل البرنامج التدريبي الموازنة الفعالة والرقابة على التكاليف القاهرة – جمهورية مصر العربية خلال الفترة من 25 فبراير الى 1 مارس 2018 م يهدف
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2018-01-02, 13:46 من طرف مروة الدار

» الدورة التدريبية إعداد القيادات الإدارية خلال الفترة من 18 الى 27 فبراير 2018م مكان الانعقاد:القاهرة – جمهوريى مصر العربية
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2017-12-28, 08:20 من طرف مروة الدار

» الدورة التدريبية وضع وتنفيذ إستراتيجيات إدارة المواهب إدارة المواهب الإستراتيجية وتعزيز الأداء وتعظيم الإمكانيات ) ) خلال الفترة من 18 الى 22 فبراير 2018م مكان الانعقاد :القاهرة – جمهورية مصر العربية
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2017-12-27, 13:33 من طرف مروة الدار

» المؤتمر العربى السادس (التطوير الاداري في المؤسسات الحكومية ) فرص التحول البناء الاحد الموافق 24 ديسمبر الى الخميس الموافق 28 ديسمبر 2017 م القاهرة – جمهورية مصر العربية
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2017-11-04, 08:52 من طرف مروة الدار

» Arab House for administrative development In cooperation with International union for organizational human development Launches Sixth Arabian conference (governmental organizations administrative development) Effective transformation opportunities Locatio
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2017-10-29, 11:53 من طرف مروة الدار

» الدار العربية للتنمية الإدارية بالتعاون مع الإتحاد الدولى لمؤسسات التنمية البشرية تــعـــقــــــــــــد الــمــؤتــــــمر العـــربى الســادس ( لتطوير الإداري فـي المؤسـسات الحكومية ) فرص التحول للبناء مقر الأنعقاد : القاهرة – جمهورية مصر العربية مدة الانع
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2017-10-17, 09:11 من طرف مروة الدار

» البرنامج التدريبى :التخطيط المالى وإعداد الموازنات التخطيطية ودورها فى الرقابة وتقييم الأداء القاهرة– أسطنبول
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2017-10-14, 12:25 من طرف مروة الدار

» الدورة التدريبية الأساليب الحديثة فى تكنولوجيا المعلومات ودورها فى دعم المؤسسات مقر الإنعقاد: ماليزيا موعد الإنعقاد: خلال الفترة من 24 الى 28 نوفمبر 2017 م
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2017-10-11, 14:15 من طرف مروة الدار

» الدورة التدريبية الحكومة الإلكترونية (الأهمية والأهداف – التطبيقات والأداء ) مقر الإنعقاد: ماليزيا موعد الإنعقاد: خلال الفترة من 24 الى 28 نوفمبر 2017 م
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2017-10-10, 12:35 من طرف مروة الدار

» تطبيقات إدارة الجودة الشاملة وتطوير الأداء باستخدام 6 سيجما القاهرة – اسطنبول خلال الفترة من 3 الى 7 ديسمبر 2017م
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2017-10-09, 12:52 من طرف مروة الدار

» الدورة التدريبية المهارات الإعلامية لمسئولى العلاقات العامة مقر الإنعقاد: القاهرة – أسطنبول موعد الإنعقاد: خلال الفترة من 3 الى 7 ديسمبر 2017 م
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2017-10-04, 13:02 من طرف مروة الدار

» دبلوم مدير تنفيذي معتمد القاهرة – جمهورية مصر العربية خلال الفترة من 12 الى 16 نوفمبر 2017م
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2017-10-04, 13:01 من طرف مروة الدار

»  الدار العربية للتنمية الإدارية بالتعاون مع الإتحاد الدولى لمؤسسات التنمية البشرية تعقد المؤتمر العربى السادس (التطوير الاداري في المؤسسات الحكومية ) فرص التحول البناء مقر الأنعقاد : القاهرة – جمهورية مصر العربية مدة
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2017-09-30, 10:57 من طرف مروة الدار

» البرنامج الفني الهندسة العكسية وتطبيقاتها الصناعية مكان الإنعقاد : دبى – أسطنبول خلال الفترة من 1الى 10 نوفمبر 2017م
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2017-09-28, 13:59 من طرف مروة الدار

مواضيع مماثلة
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى
كمال بوهلال - 2176
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_rcapالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Voting_barالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_lcap 
geographe - 1186
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_rcapالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Voting_barالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_lcap 
نادية - 645
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_rcapالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Voting_barالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_lcap 
yassine - 643
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_rcapالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Voting_barالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_lcap 
محمد - 465
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_rcapالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Voting_barالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_lcap 
مروة الدار - 238
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_rcapالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Voting_barالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_lcap 
محمّد الغريب - 110
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_rcapالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Voting_barالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_lcap 
bahita - 30
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_rcapالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Voting_barالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_lcap 
مهندس/سلامة - 19
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_rcapالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Voting_barالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_lcap 
salim0913 - 15
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_rcapالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Voting_barالنظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Vote_lcap 
بحـث
 
 

نتائج البحث
 

 


Rechercher بحث متقدم

 

 النظرية الثقافية عند مالك بن نبي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
كمال بوهلال
عضو متميز جدا
عضو متميز جدا
كمال بوهلال


ذكر
المهنة : أستاذ
تاريخ الاشتراك : 30/03/2009
العقرب
المساهمات : 2176

النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Empty
مُساهمةموضوع: النظرية الثقافية عند مالك بن نبي    النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2011-03-25, 19:21

بسملة2

النظرية الثقافية عند مالك بن نبي

محمد محفوظ


مفهوم الثقافة

الثقافة بعناصرها وآفاقها تشكل نوراً يضيء أمام الإنسان سبل الحياة، ويجعله يرى الأمور بمصباح العقل ويضاء في دروبها طريقة التعامل مع الأشياء والقضايا المختلفة..

إنها (الثقافة) دعوة مستمرة للمعرفة والفهم والوعي. وبالتالي فإنها تكتنز قدرة خلاقة، تمكن المرء من تحويل طاقاته وإمكاناته إلى إنجازات وأفعال ترجع بالفائدة عليه وعلى وطنه ومجتمعه وربما يصح على ضوء هذه الحقيقة قول (هوريو) في الثقافة من أنها ذلك الذي نحتفظ به حينما ننسى ما تعلمناه.. من هنا تعتبر نتاجاً لبعدين أساسيين:

1) نتاج لتراكم تاريخي يعيش عبر عدة أجيال، ويضيف كل جيل ويلغي، بما يتناسب وظروفه ومحيطه الاجتماعي والحضاري .

2) نتاج معاصر، فهي أيضاً نتاج للتفاعل الاجتماعي القائم، وبرغم كونها (الثقافة) نتاجاً للتفاعل إلا أنها بمجرد تشكلها، فإنها تتحول إلى هذا التفاعل لتشكله حسب قوالبها الخاصة، وتضبط سلوكياته وترفعها في اتجاهات محددة.. لهذا فإن لكل ثقافة بيئة محلية وتاريخية ومجتمعية، ولها توازناتها الذاتية المستمدة من معطى المنابع والمصادر الأصلية لهذه الثقافة، ومعطى الواقع وتفاعلاته، لذلك فإن لكل ثقافة شخصية متميزة عن الثقافة الأخرى .

لهذا فإنه من الطبيعي أن يتعدد مفهوم الثقافة بتعدد الأيدلوجيات والانتماءات المعرفية المختلفة حتى بلغت نحو (160) تعريفاً، حسب رأي عالم الأنثربولوجيا الفرد كروبر وكلاسكهون.. ومن هنا تنبع أهمية تحديد مفهوم الثقافة، باعتباره يشكل الأرضية والقاعدة التي تنطلق منها جميع المناشط الثقافية .

والثقافة في منظور علماء الإنسان الأنثربولوجيا هي: المضاف الإنساني إلى حالات الطبيعة.. أي كل المكتسبات والإنجازات النظرية والعملية التي أنتجها الإنسان في تاريخه الاجتماعي .

وعرفت الثقافة في قاموس أكسفورد بأنها: الاتجاهات والقيم السائدة في مجتمع معين، كما تعبر عنها الرموز اللغوية والأساطير والطقوس وأساليب الحياة ومؤسسات المجتمع التعليمية والدينية والسياسية .

ويعرف (إدوارد تايلور) الثقافة في كتابه "الثقافة البدائية" الذي نشره في عام (1871م) بأنها: هذا الكل المعقد الذي يتضمن المعرفة والاعتقاد والفن والحقوق والأخلاق والعادات، وكل قدرات وأعراف أخرى اكتسبها الإنسان كفرد في مجتمع .

ويفرق الكاتب (وليام اوجبرن) في الثقافة بين مجالين، يطلق على أحدهما الثقافة المادية وعلى الأخرى الثقافة المتكيفة.. فالمجال الأول يضم في رأيه الجانب المادي من الثقافة أي مجموع الأشياء وأدوات العمل والثمرات التي تخلقها.. ويضم المجال الثاني الجانب الاجتماعي كالعقائد والتقاليد والعادات والأفكار واللغة والتعليم، وهذا الجانب الاجتماعي هو الذي ينعكس في سلوك الأفراد .

وعرفت المنظمة العالمية (اليونسكو) (UNESC) الثقافة بقولها: أن الثقافة بمعناها الواسع يمكن أن ينظر إليها على أنها جميع السمات الروحية والمادية والفكرية والعاطفية التي تميز مجتمعاً بعينه، أو فئة اجتماعية بعينها، وهي تشمل الفنون والآداب وطرق الحياة كما تشمل الحقوق الأساسية للإنسان ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات.

وعلى هذا فإن الثقافة تعني كل ما ينتجه المجتمع من نتاج مادي أو معنوي .

كيف ينظر مالك بن نبي إلى مفهوم الثقافة؟

بعد أن ينتقد بن نبي مفهوم الثقافة في المدرسة الغربية والمدرسة الاشتراكية، ويحدد رؤيته لمفهوم الثقافة بقوله: فالثقافة إذن تتعرف بصورة علمية على أنها: مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يلقاها الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه، والثقافة على هذا هي المحيط الذي يشكل فيه الفرد طباعه وشخصيته. وهذا التعريف الشامل للثقافة هو الذي يحدد مفهومها، فهي المحيط الذي يعكس حضارة معينة، والذي يتحرك في نطاقه الإنسان المتحضر، وهكذا نرى أن هذا التعريف يضم بين دفتيه فلسفة الإنسان، وفلسفة الجماعة، أي معطيات الإنسان ومعطيات المجتمع، مع أخذنا في الاعتبار ضرورة انسجام هذه المعطيات في كيان واحد تحدثه عملية التركيب التي تجرها الشرارة الروحية، عندما يؤذن فجر إحدى الحضارات (1).

وانطلاقا من هذا المفهوم للثقافة ووظيفتها المجتمعية يقوم بن نبي بربطها بالتاريخ والتربية حتى تشكل الثقافة نسقاً متكاملاً .

فالثقافة هي أولا محيط معين، يتحرك في حدوده الإنسان، فيغذي إلهامه ويكيّف مدى صلاحيته للتأثير عن طريق التبادل والثقافة (جو) من الألوان والأنغام والعادات والتقاليد والأشكال والأوزان والحركات، التي تطبع على حياة الإنسان اتجاها وأسلوباً خاصاً يقوي تصوره، ويلهم عبقريته، ويغذي طاقاته الخلاقة.. إنها الرباط العضوي بين الإنسان والإطار الذي يحوطه.. وعلى ضوء هذه الحقيقة عرّف (مالينوفسكي) الثقافة بأنها: الحرف الموروثة والسلع والعمليات الفنية والأفكار والعادات والقيم والبناء الاجتماعي، والمواثيق التي تتعاهد الجماعات المختلفة والأفكار والأعراف فهي كل ما نعيشه وكل ما نلاحظه، أو هي باختصار كل ما يتعلق بعملية تنظيم بني البشر في جماعة .

مشكلة الثقافة

تقوم مشكلة الثقافة على تحديد يشمل أساساً الناحيتين الحيوية والتربوية، فالثقافة في مهمتها التاريخية، تقوم بالنسبة للحضارة بوظيفة الدم بالنسبة للكائن الحي، فالدم ينقل الكريات البيضاء والحمراء التي تصون الحيوية والتوازن في الكائن كما تكون جهاز مقاومته الذاتية .

وان مشكلة الثقافة من الوجهة التربوية هي في جوهرها مشكلة توجيه الأفكار، ولذلك كان علينا أن نحدد المعنى العام لفكرة التوجيه، فهو بصفة عامة قوة في الأساس وتوافق في السير، ووحدة الهدف فكم من طاقات وقوى لم تستخدم لأننا لا نعرف كيف نكتلها، وكم من طاقات وقوى ضاعت فلم تحقق هدفها حين زحمتها قوى أخرى صادرة عن المصدر نفسه متجهة إلى الهدف نفسه .

فالتوجيه هو تجنب الإسراف في الجهد وفي الوقت فهناك ملايين السواعد العاملة، والعقول المفكرة في البلاد العربية والإسلامية، صالحة لأن تستخدم في كل وقت والمهم أن ندير هذا الجهاز الهائل المكوّن من ملايين السواعد والعقول في أحسن ظروفه الزمنية والإنتاجية، وهذا الجهاز حين يتحرك يحدد مجرى التاريخ نحو الهدف المنشود، وفي هذا تكمن أساساً فكرة توجيه الإنسان وإرشاده نحو المأمول..

وبلغة الاجتماع: الإنسان الذي يكتسب من فكرته الدينية معنى الجماعة ومعنى الكفاح، وليس يكفي مطلقاً أن ننتج أفكاراً، بل يجب أن نوجهها طبقاً لمهمتها الاجتماعية المتحدة التي نريد تحقيقها .

يقول توماس هوبزان أن الثقافة في أحد معانيها ومفاهيمها تعني: عمل يبذله الإنسان لغاية تطويرية، وحسب رأي ماثيوارنولد من أن الثقافة تقوم بعملية الارتقاء نحو الكمال الإنساني، وتتم بتمثل أفضل الأفكار التي عرفها العالم، وبتطوير الخصائص الإنسانية المميزة. لذلك فإن الثقافة عامل مهم من عوامل رقي المجتمعات وتقدم الأمم.. وحتى تمارس الثقافة دورها النهضوي والتطويري في المجتمع من الضروري تحديد عناصر الثقافة لإنجاح مهمتها في المجتمع .

عناصر الثقافة

وعناصر الثقافة عند مالك بن نبي الآتي:

التوجيه الأخلاقي:
لسنا هنا نهتم بالأخلاق من الزاوية الفلسفية ولكن من الناحية الاجتماعية وليس المقصود هنا تشريع مبادئ خلقية بل نحدد قوة التماسك اللازمة للأفراد في مجتمع يريد تكوين وحدة تاريخية، هذه القوة مرتبطة في أصلها بغريزة الحياة في الجماعة عند الفرد، والتي تتيح له تكوين القبيلة والعقيدة والمدنية والأمة وتستخدم القبائل الموغلة في البداوة هذه الغريزة لكي تتجمع. والمجتمع الذي يتجمع لتكوين حضارة فإنه يستخدم نفس الغريزة ولكنه يهذبها ويوظفها بروحية خلقية سامية.. هذه الروح الخلقية منحة من السماء إلى الأرض، تأتيها من نزول الأديان، عندما تولد الحضارة ومهمتها في المجتمع ربط الأفراد بعضهم ببعض .كما يشير القرآن الكريم (وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم ).

التوجيه الجمالي:
لا يمكن لصورة قبيحة أن توحي بالخيال الجميل، فإن لمنظرها القبيح في النفس خيالاً أقبح، والمجتمع الذي ينطوي على صورة قبيحة لابد أن يظهر أثر هذه الصورة في أفكاره وأعماله ومساعيه والأفكار بصفتها روح الأعمال التي تعبّر عنها أو تسير بوحيها، إنما تتولد من الصورة المحسة الموجودة في الإطار الاجتماعي والتي تنعكس في نفس من يعيش فيه، وهنا تصبح صورا معنوية يصدر عنها تفكيره فالجمال الموجود في الإطار الذي يشتمل على ألوان وأصوات وروائح، وحركات وأشكال، يوحي للإنسان بأفكاره ويطبعها بطابعه الخاص من الذوق الجميل، أو السماجة القبيحة.. فالذوق الجميل الذي ينطبع فيه فكر الفرد، يجد الإنسان في نفسه نزوعاً إلى الإحسان في العمل وتوخياً للكريم من العادات.

المنطق العملي:
لسنا نعني بالمنطق العملي ذلك الشيء الذي دونت أصوله ووضعت قواعده منذ أرسطو وإنما نعني به كيفية ارتباط العمل بوسائله ومعانيه، وذلك حتى لا نستسهل أو نستصعب شيئاً بغير مقياس يستمد معاييره من واقع الوسط الاجتماعي وما يشمل عليه من إمكانيات أنه ليس من الصعب على الفرد المسلم أن يصوغ مقياساً نظرياً يستنتج به نتائج من مقدمات محددة غير أنه من النادر جداً أن نعرف المنطق العملي أي استخراج أقصى ما يمكن من الفائدة من وسائل معينة. ونحن أحوج ما نكون إلى هذا المنطق العملي في حياتنا، لأن العقل المجرد متوفر في بلادنا غير أن العقل التطبيقي الذي يتكون في جوهره من الإرادة والانتباه فشيء يكاد يكون معدوماً. وإذا ما أردنا حصراً لهذه القضية فإننا نرى سببها الأصيل في افتقادنا الضابط الذي يربط بين عمل وهدفه بين سياسة ووسائلها، بين ثقافة ومثلها، وبين فكرة وتحقيقها فسياستنا تجهل وسائلها، وثقافتنا لا تعرف مثلها العليا، وأن ذلك كله ليتكرر في كل عمل نعمله وفي كل خطوة نخطوها.

الصناعة (الفن التطبيقي):
لا نعني بالصناعة ذلك المعنى الضيق المقصود به اللفظ بصفة عامة في البلاد الإسلامية فإن كل الفنون والمهن والقدرات وتطبيقات العلوم تدخل في مفهوم الصناعة ومن المسلَّم به أن الصناعة للفرد وسيلة لكسب عيشه وربما لبناء مجده ولكنها للمجتمع وسيلة للمحافظة على كيانه واستمرار نموه .

وهذه العناصر الأربعة تتكامل لكي تشكل نسقاً يبدأ من الفكرة وينتهي بالإنتاج، وينبغي القول في هذا الإطار أن اختلاف مضامين الثقافات يؤدي إلى اختلاف الآثار على المستوى المجتمعي .

فإذا كانت مضامين الثقافة صالحة - دينامية - فإن هذه الثقافة ستكون عاملا مهماً من عوامل النهوض بالحياة الاجتماعية. وإذا كان مضمون الثقافة فاسداً سيئاً فإنها ستؤثر على فاعلية المجتمع وتجعل النمو الاجتماعي صعباً أو مستحيلاً .

ويعلمنا التاريخ أن عالم الأفكار هو الأساس في عملية النهوض الحضاري لأي مجتمع، بمعنى أن بقاء نظام الأفكار سليماً وفاعلاً سوف ينقل المجتمع إلى الواقع الأحسن. ويشير إلى هذه المسألة (بن نبي) بقوله: لقد أرانا تاريخ ألمانيا الحديث، كيف أن بلداً شهد الانهيار الكامل لعالم أشيائه قد استطاع باحتفاظه بعالم أفكاره أن يبني كيانه من جديد .

وتأتي العناصر الثقافية التي قام ببلورتها (مالك بن نبي) في إطار البحث عن أطر علاجية للمشكل الحضاري الذي تعانيه الأمة العربية والإسلامية إذ سعى إلى بلورة المشروع الثقافي الفكري، الذي يقاوم خطر التحلل والاندثار الحضاري التي كانت تعانيه الأمة من جراء المرحلة الاستعمارية البغيضة وتداعياتها المختلفة على مستوى الأمة أجمع.. لهذا فإن الجهد الفكري والنظري الذي بذله (بن نبي) كان بمثابة خط الدفاع الأول اتجاه حركة التفكك الطاحنة التي كان يتعرض لها المجتمع العربي - الإسلامي .

ويأتي اهتمام (بن نبي) بالثقافة وضروراتها في البناء الحضاري لما تشكل من أهمية قصوى لأنها تلخص تجربة المجتمع ووعيه بذاته ومحيطه. وجاء هذا الاهتمام في زمن بدأ الابتعاد التدريجي عن ما هو ثقافي ودوره التاريخي والحضاري، إلى ما هو سياسي كنظرية وممارسة.. "وهكذا يمكن القول أن الاهتمام بالثقافة لذاتها، أي لما تعبر عنه وما تمثله في النسق الاجتماعي بقي اهتماما ضعيفاً في العالم العربي واعتبرت الثقافة بشكل عام أقل قيمة في إحداث التغيير الاجتماعي من العوامل السياسية والاقتصادية، بالرغم من حصول المناقشة كلها تقريباً في الميدان الثقافي، ولم يهتم الدارسون العرب بالثقافة إلا من زاوية ما تستطيع أن تقدمه من دعم للممارسة السياسية أو الاجتماعية" (2) .

لهذا فإن اهتمام (بن نبي) بالثقافة أعاد لها الاعتبار ووضح دورها في النهضة ووظيفتها المعرفية والاجتماعية، وهو بهذا لا يعزل الثقافة كأفق وحركة عن حقل الحضارة والعلاقة مع الآخر الحضاري، كما انطلق (بن نبي) في بلورة نظريته الثقافية، من واقع اتصال الثقافة بالحضارة واعتبارها أحد الحقول المهمة للحضارة .

لهذا كله فإن الثقافة ميدان أساسي، ينبغي أن نوليه العناية الفائقة وبالخصوص في هذه الحقبة من الزمن الذي كثر فيه الحديث عن النظام الدولي الجديد.. والعناية بهذه الثقافة من الضروري أن تصل إلى مستوى التجديد والإبداع الثقافي. لأن بقاءنا نستهلك الثقافات والأفكار التي صنعها الغير في ظروف مختلفة عن ظروفنا، يحولنا إلى امة جامدة لا تستطيع بناء نفسها بما ينسجم ومتطلبات العصر، فضلاً على أن التجديد الفكري والثقافي، هو الذي يكشف عن عوامل الحركة والتطور ويعمقها في البناء الاجتماعي .

وأخيراً إذا أدرك الإنسان العربي والمسلم أهمية الثقافة ودورها في الوجود الاجتماعي، فسوف يمكنه أن يدرك حقيقة الدور الذي يناط به في نهايات القرن العشرين . (يتبع)

خصائص النظرية الثقافية

إن التطورات والتغيرات السريعة التي تجري في بقاع العالم قاطبة، تؤكد علينا جميعاً ضرورة القيام بمراجعة فكرية - ثقافية، نكتشف من خلالها أصولنا الفكرية ومفاهيمنا الأصلية كخطوة أولى في سبيل إعادة تأسيس لمفاهيمنا ومقولاتنا الفكرية والثقافية، لكي نشارك بفكر فاعل وثقافة ناهضة في تطورات العالم ومنعطفاته الحضارية .

وبما أن المسألة الثقافية تلخص تجربة الأمة والمجتمع، ووعيها بذاتها ومحيطها فهي تشكل نافذة أساسية يطل من خلالها المرء على العالم وأحداثه وتطوراته. وعن طريق الجهاد الفكري والمعرفي تتحول الثقافة في محيطنا الخاص والعام إلى ثقافة فاعلة وإيجابية، وتنقل الكتل البشرية المختلفة من موقع الصمت السلبي أو الاستهلاك الدائم، إلى موقع المشاركة الإيجابية في مسيرة المجتمع والوطن .

وتأسيساً على هذه الحقائق من الأهمية بمكان أن نتعرف على:
خصائص النظرية الثقافية عند ( مالك بن نبي ) لما تشكله هذه الخصائص من جوهر كتاباته وإنتاجه الثقافي وبنود وأركان مشروعه الثقافي - الفكري.. وهذه الخصائص هي كالآتي :

1- التجديد والإبداع:

وتتجلى هذه الخاصية، حينما يتحدث (بن نبي) عن شروط الحضارة ويقول: أن مشكلة الحضارة تنحل إلى ثلاث مشكلات أولية - مشكلة الإنسان - مشكلة التراب - مشكلة الوقت - فلكي نقيم بناء حضارة لا يكون ذلك بأن نكدس المنتجات وإنما بأن نحل هذه المشكلات الثلاث من أساسها.

وحتى تؤتي هذه العناصر ثمارها، لابد من وجود مركب الحضارة وذلك فإن مجموعها ناتج للإنسان والتراب والوقت، فلم لا يوجد هذا الناتج تلقائياً حيثما توفرت هذه العناصر الثلاثة؟

وإنه لعجب يزيله اقتباسنا للتعليل الكيماوي.. فالماء في الحقيقة نتاج للهيدروجين والأوكسجين وبرغم هذا لا يكونانه تلقائياً، فقد قالوا إن تركيب الماء يخضع لقانون معين يقضي تدخل (مركب) ما، بدونه لا تتم عملية تكون الماء.. وبالمثل لنا الحق في أن نقول: إن هناك ما يطلق عليه (مركب الحضارة) أي العامل الذي يؤثر في مزج العناصر الثلاثة بعضها ببعض، فكما يدل عليه التحليل التاريخي نجد أن هذا المركب موجود فعلاً، هو الفكرة الدينية التي رافقت دائما تركيب الحضارة خلال التاريخ .

ويوضح بن نبي هذه العناصر كالتالي :

الإنسان:
إن المشاكل التي تحيط بالإنسان تختلف باختلاف بيئته.. فالإنسانية لا تعاني مشكلة واحدة بل مشاكل متنوعة تبعاً لتنوع مراحل التاريخ.. فلا يمكن لنا أن نقرن في الوقت الحاضر (بتعبير مالك بن نبي) بين رجل أوروبا المستعمر ورجل العالم الإسلامي القابل للاستعمار، لأن كليهما في طور تاريخي خاص به.. فالأمر في الحالة الأولى يتعلق بحاجات غير مشبعة وديناميكية، مضطربة، على حين يتعلق في الأخرى بعادات راكدة وضعت للفرد في حالة توازن خامد، وخمول تام، في الوقت الذي خطت فيه الحضارة خطوات العماليق. وعليه فالأمر متصل بمشكلتين مختلفتين في أساسهما، فهنالك هم في حاجة إلى مؤسسات بينما نحتاج هنا إلى رجال، فمن الرجل تنبع المشكلة الإسلامية بأكملها. ومشكلة الإنسان في أساسها لا تعالج إلا بتوجيه ثقافته، وتصفية العادات والتقاليد الميتة في نفسيته وتنمية روح الإبداع لديه.

التراب:


وهو أحد العناصر الثلاثة التي تكّون الحضارة فإذا ما توفر المركب الديني لتركيب هذه العناصر فإننا نرى التراب في بلاد الإسلام جديراً ببحثه كعامل من عوامل الحضارة وحينما نتكلم عن التراب لا نبحث في خصائصه وطبيعته ولكننا نتكلم عنه من حيث قيمته الاجتماعية وهذه القيمة الاجتماعية للتراب مستمدة من قيمة مالكيه، فحينما تكون قيمة الأمة مرتفعة وحضارتها متقدمة يكون التراب عالي القيمة وحيث تكون الأمة متخلفة يكون التراب على قدرها من الانحطاط .

الوقت:

بتحديد فكرة الزمن يتحدد معنى التأثير والإنتاج وهو معنى الحياة الحاضرة الذي ينقصنا هذا المعنى الذي لم نكسبه بعد وهو مفهوم الزمن الداخل في تكوين الفكرة والنشاط في تكوين المعاني والأشياء فالحياة والتاريخ الخاضعان للتوقيت كان ولا يزال يفوتنا قطارهما، فنحن في حاجة ملحة إلى توقيت دقيق وخطوات واسعة لكي نعوض تأخرنا ويشير عمر كامل مسقاوي إلى الإبداع الثقافي عند بن نبي بقوله: فقد جاءت أفكار بن نبي حول مفهوم الثقافة برؤية جديدة لم تألفها المصطلحات المستوردة التي تمت صياغتها في إطار الفكر الليبرالي أو في أطار الفكر الاشتراكي التقدمي لذا شعر أستاذنا مالك بن نبي بالحاجة إلى جميع أفكاره حول الثقافة وعرضها من جديد، في صورة تحليلية تحفز الفكر العربي والإسلامي، وتحركه باتجاه اكتشاف الحقائق والمصطلحات بوسائل خاصة ووفق المعطيات النابعة من تجربته.

وتتجلى قيمة الإبداع من الإنتاج الفكري لدى مالك بن نبي حينما يقول: "إن التاريخ لا يصنع بالاندفاع في دروب سبق السير فيها، وإنما بفتح دروب جديدة.. ولا يتحقق ذلك إلا بأفكار صادقة تتجاوب مع جميع المشاكل ذات الطابع الأخلاقي وبأفكار فعاله لمواجهة مشكلات النماء في مجتمع يريد إعادة بناء نفسه".

والتجديد الثقافي الذي ينشده مالك بن نبي في العالم العربي والإسلامي يتحقق بطريقتين:

1- سلبية تفصلنا عن رواسب الماضي.

2- إيجابية تصلنا بالحياة الكريمة.

ويضرب (بن نبي) على ذلك بمثال من واقع الثقافة الغربية إذ يقول "ولعل أثر هذه النظرية قد لوحظ في الثقافة الغربية في عهد نهضتنا حيث كان توما الاكويني - ولو كان عن غير قصد منه لتكون الأساس الفكري للحضارة الغربية ولم تكن ثورته ضد ابن رشد وضد القديس أوغسطين إلا مظهرا للتجديد السلبي حتى يستطيع تصفية ثقافته مما كان يراه فكرة إسلامية أو ميراثا ميتافيزيقيا للكنيسة البيزنطية. واتى بعده (ديكارت) بالتجديد الإيجابي الذي رسم للثقافة الغربية طريقها الموضوعي الطريق الذي بني على المنهج التجريبي. والذي هو في الواقع السبب المباشر بتقدم الحضارة الحديثة تقدمها المادي .

2- تكامل الأصالة والمعاصرة:

إذ من الأخطاء العميقة التي وقع فيها الكثير من الكتاب والمثقفين، أن عطاءهم الفكري والثقافي، انطلق إما من موقع تراثي لا يرى في العلم الحديث ومكتسبات العصر ما يستحق الذكر والاستفادة منه .أومن مواقع القطيعة مع الثقافة الذاتية، والوقوف على أرضية الثقافة الغربية ومفاهيمها.. وكلا الموقعين قد ضّيعا المسألة الجوهرية في هذا المضمار: التراث المنغلق.. ضيع مكاسب العصر وإنجازاته، والمغترب المتعالي قد ضيع تاريخه وقيم مجتمعه الجوهرية.. وانطلاقا من منطق الإلغاء والنفي كل منهما للآخر فقد" تحول النقاش إلى تبادل للاتهامات، وأصبحت براهين الطرفين وحججهما واحدة تقريباً في الشكل والمضمون ومنهج الحوار، رغم اختلاف الحقب وتبدل السياق التاريخي والاجتماعي والفكري فقد أخذ أصحاب الحداثة على خصومهم تخلف تفكيرهم ومعاداتهم للتقدم وضلوعهم نتيجة ذلك موضوعياً مع القوى التي تريد للمجتمع العربي أن يبقى في حالة الانحطاط التي هو فيها..

وما لبث هذا الاتهام أن تحول إلى اتهام بالتآمر مع الغرب ومشاركته في إضعاف المقاومة العربية. ودرج الأصوليون بالمقابل من إسلاميين خالصين أو إسلاميين عروبيين على اعتبار فكر الحداثة والتحديث امتداد لفكر الغرب ووصموهم بالنقل عن المستشرقين والضلوع معهم في التآمر على الثقافة العربية، ونظروا إليهم على أنهم طابور خامس يساهم في تأكيد الغزو الروحي والسياسي والاقتصادي للغرب وتوسيعه". وظل عطاء الكثير من الكتاب والمفكرين حبيس هذه المساجلات والاستقطابات المتبادلة بين التيارين.. بينما العطاء الثقافي الذي أوجده بن نبي قد تميز بتكامل كلا العنصرين.. إذ لا يمكن المقايضة بين التاريخ والحاضر.. وتتضح مسألة تكامل الأصالة والمعاصرة في فكر مالك بن نبي من خلال فهمه لمفهوم الحضارة، باعتبارها قدرات تنبثق من إمكانات الداخل العربي والإسلامي، وليست هي مجموع المظاهر الاستهلاكية للحضارة.. إذ يقول: "الحضارة ليست شيئاً يأتي به سائح في حقيبته لبلد مختلف كما يأتي بائع الملبوسات البالية.. بل إن ابن المستعمرات هو الذي يذهب إلى الحضارة، إلى مصادرها البعيدة.. وقبل كل شيء إلى مصادرها الأقرب إلى أصالته، وليس الحضارة في نية المستعمر ولو صحت هذه النية، بل هي نتيجة الجهد الذي يبذله كل يوم الشعب الذي يريد التحضر" .. وهو بهذا يرد على أولئك الذين يعتقدون أن محاكاة الغرب وتقليده في كل شيء هو سبيل التحضر وامتلاك ناصية الحضارة وتتضح هذه المسألة جلياً أيضا في النتاج الثقافي ل (بن نبي) حينما يقول في كتابه شروط النهضة: لا يجوز لأحد أن يضع الحلول والمناهج مغفلا مكان أمته ومركزها.. بل يجب عليه أن تنسجم أفكاره وعواطفه وأقواله وخطواته مع ما تقتضيه المرحلة التي فيها أمته، أما أن يستورد حلولا من الشرق أو الغرب، فإن ذلك تضييعاً للجهد ومضاعفة للداء.. إذ كل تقليد في هذا الميدان جهل وانتحار وعلاج أي مشكلة يرتبط بعوامل زمنية نفسية ناتجة عن فكرة معينة تؤرخ ميلادها عمليات التطور الاجتماعي، في حدود الدورة التي ندرسها فالفرق شاسع بين مشاكل ندرسها في إطار الدورة الزمنية الغربية، ومشاكل أخرى تولدت في نطاق الدورة الإسلامية.

ومجال المجتمع ليس كمجال الميكانيكا، وهو لا يرتضي كل الاستعارات، لأن أي حل ذا طابع اجتماعي يشتمل تقريباً ودائما على عناصر لا توزن.. ولا يمكن تعريفها ولا يمكن أن تدخل في صيغة التعريف، على حين تعد ضمنا جزءا منه لا يستغني عنه، عندما تطبق في ظروف عادية أي في ظروف البلاد التي نستورد منها وإذن فلكي نواجه بطريقة فنية أية مشكلة اجتماعية، ينبغي ألا يقتصر عملنا على اقتراض الحلول التي تأكدت صحتها خارج بلادنا إذ أن الصيغة المقتبسة صحيحة بلا أدنى شك ولكن في إطارها الاجتماعي في محيطها الذي تحققت فيه، نفحة الروح التي تخيلتها .

3- المنهجية والفاعلية:

وهي عبارة عن القدرة الفذة التي تميز بها مالك بن نبي في إبراز مشكلة العالم المتخلف باعتباره قضية حضارة أولا وقبل كل شيء.. ويكشف لنا (بن نبي) عن منهجيته الفذة حين حديثه عن الدورة الخالدة إذ يقول: "إن مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، وما لم يتعمق بفكرته إلى الأحداث الإنسانية وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها، وما الحضارات المعاصرة، والحضارات الضاربة في ظلام الماضي والحضارات المستقبلية إلا عناصر للملحمة الإنسانية منذ فجر القرون إلى نهاية الزمن". والمنهجية في فكر بن نبي لا تعني الجمود والترهل على المستوى الفكري والعملي، وإنما أسند بن نبي فكره المنهجي بفعالية وديناميكية تتصف بها معالجاته لشؤون الثقافة والحضارة.. إذ يقول: فالفكرة من حيث كونها فكرة ليست مصدراً للثقافة أعني عنصراً صالحاً لتحديد سلوك ونمط معين من أنماط الحياة، فإن فاعليتها ذات علاقة وظيفية بطبيعة علاقاتها بمجموع الشروط النفسية الزمنية التي ينطبع بها مستوى قد يتغير بطريقتين: فهو عندما يرتفع تعرض له في الطريق أفكار ليست من بين القوى الجوهرية التي نتجت عنها الحركة التاريخية فإذا بهذه الأفكار تتقادم ثم تختفي ..ففكرة حجر الفلاسفة التي كانت من أكبر دوافع الفكر العلمي خلال العصر الوسيط، هذه الفكرة قد ماتت منذ أعلن (لافوازييه) نتائج أبحاثه الكيميائية.. وهو عندما يهبط تنقطع من منابع خلقية وعقلية صدرت عنها فتكسب هذه الأفكار وجودا صناعيا غير تاريخي وبذلك تفقد كل معنى اجتماعي". ولكي يكون عطاء الثقافة فعالاً ومستديما، لابد من أن نوثق الصلة الضرورية بين الفرد وعالم الأفكار وعالم الأشياء وعالم العناصر والظواهر الطبيعية .

إن توثيق صلة عالم الأشخاص بهذه العوالم هو الكفيل بخلق واقع اجتماعي جديد. . من خلال هذه الخصائص الثقافية نجد أن المشروع الفكري ل (مالك بن نبي) (1905- 1973م) اتجه إلى المشكلة الأصلية والأساسية في العالم العربي والإسلامي.. ولهذا فقد عاشت فكرة الحضارة في عقله ووجدانه وشغلت تفكيره في كل كتاباته، إلى درجة نستطيع أن نقول معها أن الفكر الإسلامي المعاصر لم يشهد تقريباً مفكرا شغلته قضية الحضارة مثل (مالك بن نبي)، الذي يعتبر شخصية فكرية خصبة جديرة بالدراسة، وهو المفكر الذي اهتم بالجانب الحضاري وفلسفة التاريخ والاجتماع وشغلته مشكلات أمته فعالجها بروح موضوعية" .

فمشكلة الحضارة هي مشكلة العالم العربي والإسلامي الجوهرية ،ولذلك اهتم بن نبي بها وركز جهوده الفكرية والنظرية في سبيل بلورة الرأي، واقتراح الحلول لتجاوز هذه المشكلة الحضارية. ويشير إلى هذه المسألة مالك بن نبي نفسه بقوله: أعتقد أن المشكلة التي استقطبت تفكيري واهتمامي منذ أكثر من ربع قرن وحتى الآن ، هي مشكلة الحضارة وكيفية إيجاد الحلول الواقعية لها، وإزالة التناقض بين النجاح المادي والتخلف المعنوي، أعني تخلف القيم أو إهمالها، ولقد شعرت منذ فترة طويلة وعلى وجه التحديد منذ وصولي إلى أوروبا لتلقي العلم عام ( 1930م) أن المجتمعات المعاصرة بالغة التعقيد ومتعددة الأنواع .

ويتجه عطاء بن نبي الثقافي والفكري نحو إدخال العالم العربي والإسلامي في دورة حضارية جديدة وإعادة الشعوب العربية والإسلامية إلى حلبة التاريخ.


منقول عن شبكة النبأ المعلوماتية


عدل سابقا من قبل كمال بوهلال في 2011-03-25, 19:54 عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://hiwarmadrassi.forumactif.com/forum.htm
كمال بوهلال
عضو متميز جدا
عضو متميز جدا
كمال بوهلال


ذكر
المهنة : أستاذ
تاريخ الاشتراك : 30/03/2009
العقرب
المساهمات : 2176

النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Empty
مُساهمةموضوع: رد: النظرية الثقافية عند مالك بن نبي    النظرية الثقافية عند مالك بن نبي  Icon_minitime2011-03-25, 19:29

إنسان الحضارة في فكر ابن نبي - د. مصطفى عشوي

- مقدمة:
سافر مالك بن نبي إلى باريس ليختص في الهندسة الكهربائية وبلاده ماتزال تحت الاحتلال الفرنسي. ولكن دراسته في الهندسة لم تصرفه عن قضايا أمته التي كانت تعاني الاحتلال منذ عشرات السنين؛ فاهتم بالمشكلات الفكرية في البلاد المستعمرة وبالقضايا المرتبطة بالحضارة بصفة عامة. واهتم بصفة أخص بقضايا الإنسان ودوره في بناء الحضارة.

ومن خلال تراكم معارفه واتساع مجال ملاحظاته من العالم الغربي إلى العالم الإسلامي استنتج ابن نبي أن مشكلات الإنسان مرتبطة بمشكلة الحضارة التي يرى بأنها تنحل إلى ثلاث مشكلات أولية: مشكلة الإنسان، مشكلة التراب، مشكلة الوقت. فلكي نقيم بناء حضارة لا يكون ذلك بأن نكدس المنتجات وإنما بأن نحل المشكلات الثلاث من أساسها .

وكما أن مشكلات الإنسان مرتبطة أساسا بمشكلة حضارته فإن الأمر كذلك بالنسبة لمشكلة كل شعب حيث يقرر ابن نبي أن: ;مشكلة كل شعب هي في جوهرها مشكلة حضارته. ولا يمكن لشعب أن يفهم أو يحل مشكلته ما لم يرتفع بفكرته إلى الأحداث الإنسانية، وما لم يتعمق في فهم العوامل التي تبني الحضارات أو تهدمها

وإذا كانت العوامل الأساسية للحضارة من إنسان وتراب ووقت متوفرة في كل مكان كرأسمال لكل الشعوب؛ فإن هذه العوامل المادية -كما يسميها ابن نبي- تحتاج إلى ما يطلق عليه (مركب الحضارة) أي العامل الذي يؤثر في مزج العناصر الثلاثة بعضها ببعض. ويؤكد ابن نبي أن الفكرة الدينية هي التي رافقت دائما تركيب الحضارة خلال التاريخ .

ويلاحظ ابن نبي أن للتاريخ دورة وتسلسلا، فهو تارة يسجل للأمة مآثر عظيمة ومفاخر كريمة، وهو تارة أخرى يلقي عليها دثارها ليسلمها إلى نومها العميق. ويرى ابن نبي أن معرفة الإنسان لمكانه في دورة التاريخ مما يسهل عليه معرفة عوامل النهضة أو السقوط في حياته. ويؤكد أن
;التاريخ يبدأ بالإنسان المتكامل الذي يطابق دائما بين جهده وبين مثله الأعلى وحاجاته الأساسية والذي يؤدي رسالته المزدوجة بوصفه ممثلا وشاهدا. وينتهي التاريخ بالإنسان المتحلل؛ بالجزيء المحروم من قوة الجاذبية، بالفرد الذي يعيش في مجتمع منحل، لم يعد لوجوده أساس روحي أو أساس مادي

ويربط ابن نبي بين الحضارة وقيمة الإنسان؛ ويؤكد
;أن الحضارة الإسلامية انتهت منذ الحين الذي فقدت في أساسها قيمة الإنسان. وليس من التطرف في شيء القول بصفة عامة أن الحضارة تنتهي عندما تفقد في شعورها معنى الإنسان

ويتبين بوضوح من قراءة فكر ابن نبي مدى جرأته في الإشارة إلى زوال الحضارة الإسلامية، وربط ذلك بانحطاط إن لم يكن انعدام قيمة الإنسان في العالم الإسلامي. ولعل في هذا التأكيد إشارة إلى الحديث الشريف الذي يصف المسلمين كغثاء السيل؛ وهل لغثاء السيل (الزبد) من قيمة ؟ . وقد أكد ابن نبي أن الإنسان المسلم فقد قيمته التاريخية والحضارية منذ أن خرج من الحضارة بعد عهد الموحدين في شمال إفريقيا. ولا يزال هذا الإنسان
;في السن النفسانية المتطابقة مع الأشياء؛ وفي هذه السن يكون المجتمع مجردا من ثقته في الأفكار؛ فالفكرة لا يتم تقييمها لديه كوسيلة للنشاط الاجتماعي، أو السياسي، وإنما هي مجرد حيلة للفكر المتميز وترف زائد. وعالم ما بعد العهد الموحدي يمثل عالما ذا بعدين هما: الشيء، والشخص؛ فهو عالم فاقد لبعد الفكرة
والاتصال بيننا لا يتم عن طريق الأفكار

ونظرا للأهمية القصوى التي يحتلها الإنسان وقيمة الإنسان بالذات في أي مشروع حضاري، فإن ابن نبي لم يتوان في التأكيد على أن المشكلة الأساسية في العالم الإسلامي هي مشكلة الإنسان إلى جانب مشكلتي التراب والوقت. ووصف ابن نبي الإنسان المسلم في علاقته بالحضارة بعد عصر الموحدين بإنسان
ما بعد الحضارة
وقد بنى ابن نبي هذا الوصف على تصنيفه للإنسان بصفة عامة في علاقته بالحضارة حسب التصنيف التالي: إنسان ما قبل الحضارة، وإنسان الحضارة، وإنسان ما بعد الحضارة. وقال في هذا المعنى في كتابه
شروط النهضة
وقبل بدء دورة من الدورات أو عند بدايتها يكون الإنسان في حالة سابقة للحضارة أما في نهاية الدورة فإن الإنسان يكون قد تفسخ حضاريا وسلبت منه الحضارة تماما. فيدخل في عهد ما بعد الحضارة
وأضاف إلى ذلك أن
الإنسان الذي تفسخ حضاريا مخالف تماما للإنسان السابق على الحضارة أو الإنسان الفطري. فالأول ليس مجرد إنسان خارج عن الحضارة فحسب كما هي الحال مع الثاني الذي سميناه فيما سلف الإنسان الطبيعي إذ الإنسان المسلوب الحضارة لم يعد قابلا لإنجاز أي عمل متحضر إلا إذا تغير هو نفسه عن جذوره الأساسية. وعلى العكس من ذلك فإن الإنسان السابق على الحضارة يظل مستعدا كما هي الحال مع البدوي المعاصر للنبي للدخول في دورة حضارة

وهكذا يشخص ابن نبي حالة الإنسان في العالم الإسلامي؛ فهو إنسان متفسخ حضاريا في حاجة إلى تغيير جذري وإلى إعادة بناء من جديد لروحه وعقله ووجدانه وسلوكه. وعلى هذا الأساس، فقد اهتم ابن نبي في محاضراته وكتبه المختلفة بمشكلات الأفكار في العالم الإسلامي وبشروط النهضة وبمشكلة الثقافة وبالشروط القاعدية لميلاد المجتمع وبناء الحضارة. وغني عن البيان التأكيد على أن إعادة بناء إنسان متفسخ أصعب من بناء إنسان فطري (طبيعي) لم تتطرق إليه عوامل التفسخ بعد. ولكن هذه الصعوبة لا تعني بأي حال من الأحوال استحالة إعادة البناء والصياغة من جديد؛ وذلك لما يتمتع به الإنسان من طاقات متنوعة قد تحقق المستحيل عندما تجند حسب خطة واضحة بعيدة المدى مبنية على الوعي بسيكولوجية الشخصية والمجتمع وبشروط البناء الحضاري.

وفيما يأتي استعراض لأفكار ابن نبي في الجوانب المختلفة التي تشكل الإنسان: الروحية والجسمية والعقلية والوجدانية والسلوكية، حسب نموذج تحليلي اقترحه لهذا الغرض. وسنلاحظ أن ابن نبي قد أولى أهمية قصوى للجوانب الروحية والعقلية والسلوكية ضمن إطار تتكامل فيه هذه الجوانب في تناغم بديع دون إهمال للجوانب الجسمية والوجدانية التي تتفاعل وتتكامل أيضا مع الجوانب الأخرى.

1- الجانب الروحي:

تحدث ابن نبي عن فلسفة الإنسان في الإسلام، وركز في ذلك على الجانب الغيبي حيث قال:
...حتى الضمير الإسلامي لا يمكنه أن يفصل مفهوم الإنسان عن هذا الأساس الغيبي دون أن ينفصل هو عن الإسلام الذي قرن هذا المفهوم بتكريم الله (ولقد كرمنا بني آدم). وهذا التكريم ليس خاصا بالعربي أو بالمسلم بل بنوع (ذي اليدين) كله من ذرية آدم" . ويضيف ابن نبي لهذا
;أما الإسلام فقد أعطى للإنسان كل حجمه في ضمير المسلم لأنه وضع قيمته في هذا الضمير، لا على تقدير الكم ولكن على أساس غيبي يجعلها قيمة لا متناهية
شرح ابن نبي في كتابه

ميلاد مجتمع

المراحل الثلاثة التي مرت بها الحضارة الإسلامية التي تصلح أن تكون نموذجا للحضارات الأخرى؛ فبين أن هذه المراحل تكون حسب التسلسل الآتي:

1- المرحلة الأولى: وهي المرحلة الروحية، وتعتبر عند ابن نبي
المرحلة الكاملة; حيث تكون جميع الخصائص تحت سيطرة (الروح)، ومتصلة بالاعتبارات ذات الطابع الميتافيزيقي.

2- المرحلة الثانية: وهي المرحلة العقلية حيث تكون جميع الخصائص والملكات تحت سيطرة (العقل)، وتتجه أساسا نحو حل المشكلات المادية.

3- المرحلة الثالثة: تصور هذه المرحلة نهاية الدورة الحضارية وتحللها تحت سلطان (الغرائز) المتحررة من وصاية الروح والعقل، وعند هذه الحالة يصبح النشاط المشترك مستحيلا، ضاربا بأطنابه في أغوار الفوضى والاضطراب .

ويرى ابن نبي أن الدين عامل أساسي في البناء الحضاري، ويشرح أن للدين في بناء الحضارة تأثيرا كبيرا، وأن تطور الحضارة المسيحية مثلا لا يختلف عن تطور الحضارة الإسلامية إذ هما ينطلقان من الفكرة الدينية التي تطبع الفرد بطابعها الخاص وتوجهه نحو غايات سامية. ويزيد الأمر وضوحا عندما يقرر أن الحضارة:
;لا تنبعث -كما هو ملاحظ- إلا بالعقيدة الدينية (بمعناها العام) وينبغي أن نبحث في حضارة من الحضارات عن أصلها الديني الذي بعثها، ولعله ليس من الغلو في شيء أن يجد التاريخ في البوذية بذور الحضارة البوذية وفي البراهمية نواة الحضارة البراهمية&

وربط ابن نبي بين ظهور الحضارة في أمة من الأمم واكتشاف الإنسان لأسمى الأشياء؛ وقال في هذا:

فالحضارة لا تظهر في أمة من الأمم إلا في صورة وحي يهبط من السماء يكون للناس شرعة ومنهاجا، أو هي -على الأقل- تقوم أسسها في توجيه الناس نحو معبود غيبي بالمعنى العام، فكأنما قدر للإنسان ألا تشرق عليه شمس الحضارة إلا حيث يمتد نظره إلى ما وراء حياته الأرضية أو بعيدا عن حقبته إذ حينما يكشف حقيقته الكاملة يكتشف معها أسمى الأشياء التي تهيمن عليها عبقريته وتتفاعل معها
وبدون العامل الروحي أو المركب الروحي فإن الإنسان والتراب والوقت لن تعدو أن تكون ركاما راكدا أو كومة مكدسة لا تؤدي دروا في التاريخ. ولكن تجلي الروح في غار حراء (بالنسبة للإسلام)، أو في الوادي المقدس بالنسبة لليهودية أو بمياه الأردن بالنسبة للمسيحية هو الذي أنشأ بين هذه العناصر الثلاثة المكدسة حضارة جديدة .
وشرح ابن نبي منحى صعود الحضارة الإسلامية وربطه بالمرحلة الأولى (الروحية) التي امتدت من غار حراء بنزول كلمة (اقرأ) إلى معركة صفين حيث تمت في هذه المرحلة عملية تركيب للعناصر الأخرى: الإنسان والتراب والوقت. وفي هذه المرحلة

ظلت روح المؤمن هي العامل النفسي الرئيسي من ليلة حراء إلى أن وصلت القمة الروحية للحضارة الإسلامية وهو ما يوافق واقعة صفين عام 38.
ولقد تعجب ابن نبي من إهمال المؤرخين لواقعة صفين إذ تعتبر هذه الواقعة بالنسبة إليه منعطفا تاريخيا خطيرا حيث قال:

;ولست أدري لماذا لم ينتبه المؤرخون إلى هذه الواقعة التي حولت مجرى التاريخ الإسلامي إذ أخرجت الحضارة الإسلامية إلى طور القيصرية الذي يسوده العقل وتزينه الأبهة والعظمة في الوقت الذي بدأت فيه بوادر الفتور الدالة على أفول الروح

ويعتبر ابن نبي تغلب الجانب العقلي على الجانب الروحي مؤشرا لانحطاط حضارة ما. ويضرب مثلا لذلك الحضارة الإسلامية التي فجرتها الطاقة الروحية التي حملها القرآن الكريم، ولكن تغلب العقل وسيطرة الغريزة بعد ذلك على الجانب الروحي أدى إلى خلود هذه الحضارة إلى الأرض بسبب فقدانها للقوة الدافعة لها؛ وهي الطاقة الروحية .
ولقد حاول ابن نبي تطبيق منهج التحليل النفسي في شرح منحى صعود وسقوط الحضارات؛ ويتبين ذلك بصفة أوضح عندما يتعرض لعوامل سقوط الحضارة الإسلامية حيث أكد أن منحنى السقوط تخلفه عوامل نفسية أحط من مستوى الروح والعقل؛ وهذه العوامل هي الغرائز التي تظل ضعيفة ومتوارية عندما تكون الجوانب الروحية والعقلية قوية وظاهرة (متغلبة). وفي هذا يقول ابن نبي:

وطالما أن الإنسان في حالة يتقبل فيها توجيهات الروح والعقل المؤدية إلى الحضارة ونموها، فإن هذه العوامل النفسية تختزن بطريقة ما فيما وراء الشعور وفي الحالة التي تنكمش فيها تأثيرات الروح والعقل تنطلق الغرائز الدنيا من عقالها، لكي تعود بالإنسان إلى مستوى الحياة البدائية. وكذلك كان شأن المسلم فقد بعث فيه الدين روحا محركا للحضارة فلم يلبث بعد مرحلة قضاها في الخلافات والحروب أن عاد إلى حيث هو الآن

إن طغيان وسيطرة الجانب الوجداني -ممثلا أساسا بالغرائز- على الجوانب العقلية والروحية ناجم أساسا عن ضعف هذه الجوانب لما يعتريها من ضعف داخلي جراء مغريات الحياة، والتشتت في الرأي والعمل بالإضافة إلى تعرضها إلى ضغوط خارجية مثل الحروب والكوارث الطبيعية.

ويؤكد ابن نبي أن التدهور الروحي يؤدي حتما إلى التدهور السياسي؛ ويضرب مثلا لذلك في التاريخ الإسلامي بواقعة صفين التي

فصمت الوحدة الشاملة التي بناها محمد (ص) بأمر ربه، فحطت بذلك من مستوى المعركة التي بدأت يوم بدر، وهذا التخطيط أو الهبوط الايديولوجي لم يلبث أن أتى بنتائجه المشؤومة في الميدان السياسي مصداقا لقوله عز وجل (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين)

وقد اتبع ابن نبي طريقة بزوغ الحضارات وميلادها فأشار إلى
أن الحضارة تولد مرتين، أما الأولى فميلاد الفكرة الدينية وأما الثانية: فهي تسجيل هذه الفكرة في الأنفس، أي دخولها في أحداث التاريخ

. ويرى ابن نبي أن
;القوى الروحية هي التي تجعل من النفس المحرك الجوهري للتاريخ

وغاية التاريخ أن يسير بركب التقدم نحو شكل من أشكال الحياة الراقية التي يسميها ابن نبي بالحضارة.
ويلخص ابن نبي دور الفكرة الدينية كوسيلة تقوم بتركيب مختلف العناصر التي تشكل الحضارة في قوله:

وجملة القول إن الوسيلة إلى الحضارة متوفرة ما دامت هنالك فكرة دينية تؤلف العوامل الثلاثة: الإنسان والتراب والوقت لتركب منها كتلة تسمى في التاريخ حضارة

وللدين في جانبه الغيبي وظيفة مهمة أخرى تتمثل قي قدرتها عن إعطاء تفسير واضح للظواهر التي تعجز عنها القوانين الطبيعية؛ وبذلك ينتج عن الحتمية الغيبية

مذهب كامل متسق متجانس لا نقص فيه ولا تعارض، مما لزم المذهب المادي. وفي الوقت الذي يعبر فيه المذهب الغيبي عن المطالب الفلسفية للعقل، الذي يرمي إلى ربط الأشياء والظواهر ربطا منطقيا في تأليف متسق، نجده ينصب علاوة على ذلك جسرا يتجاوز حدود المادة إلى مثال أعلى للكمال الروحي، إلى الهدف الأساسي الذي لا تكف الحضارة عن الاتجاه نحوه

ويقيم ابن نبي علاقة وثيقة ين الجانب الروحي والجانب السلوكي حيث يؤكد دور العلاقة الروحية في إقامة العلاقات الاجتماعية؛ وذلك في قوله:
فالعلاقة بين الله والإنسان هي التي تلد العلاقة الاجتماعية، وهذا بدوره يربط ما بين الإنسان وأخيه الإنسان…فعلى هذا يمكننا أن ننظر إلى العلاقة الاجتماعية والعلاقة الدينية معا من الوجهة التاريخية على أنهما حدث، ومن الوجهة الكونية على أنهما عنوان على حركة تطور اجتماعي واحد

ويؤكد ابن نبي أن دور الفكرة الدينية لا يتوقف عند إنجاز رسالة حضارية (متحضرة) بل تتعدى ذلك إلى الحفاظ على استمرار الحضارة لأن الفكرة الدينية تجعل المجتمع والإنسان على بصيرة من هدف جهوده مما يكون لديه قوة دافعة . ولا يتوقف الهدف الذي تنشئه الفكرة الدينية على ما يحققه المجتمع في الحياة الدنيا بل تشكل لدى المجتمع والإنسان غائية أبعد من ذلك؛ وترتبط هذه الغائية بالآخرة مما يعطي للحياة دلالة ومعنى. وعندما تمكن الفكرة الدينية لهذا الهدف من جيل لجيل ومن طبقة لأخرى، فإنها حينئذ تكون قد مكنت لبقاء المجتمع ودوامه وذلك بتثبيتها وضمانها لاستمرار الحضارة .
ولا يتوقف ابن نبي عند تأكيد دور الدين في البناء الحضاري والحفاظ عليه بل يؤكد أن نفسية الفرد في المجتمعات التاريخية على الأقل مفعمة بالنزعة الدينية، ويعدها جزءا من طبيعته. وعليه، فالدين يتدخل في تحديد العناصر الشخصية للفرد أو الأنا . ويزيد ابن نبي الأمر وضوحا عندما يقرر أن تأثير الدين تأثير عام سواء كان ذلك في تحديد عناصر الشخصية الأساسية التي تكون الأنا الواعية في الفرد وما يرتبط بذلك من دوافع وقواعد للسلوك، وفي تنظيم الطاقة الحيوية التي تضعها الغرائز في خدمة هذه الأنا .
ونظرا لتدخل العنصر الديني في تكوين الطاقة النفسية الأساسية للفرد، وفي تنظيم الطاقة الحيوية الواقعة تحت تصرفه، وفي توجيه هذه الطاقة تبعا لمقتضيات النشاط الخاص بهذه (الأنا) داخل المجتمع، وتبعا للنشاط المشترك الذي يؤديه المجتمع في التاريخ؛ فإن الفكرة الدينية تحدث تغييرا في الفرد وفي المجتمع من الناحية النفسية والسلوكية والجمالية.
وأهم تغيير يحدثه الدين في المجتمع هو قيامه بتركيب يهدف إلى تشكيل قيم تمر من الحالة الطبيعية إلى وضع نفسي زمني، ينطبق على مرحلة معينة لحضارة. وبهذا التشكيل يجعل الدين من الإنسان العضوي وحدة اجتماعية ويجعل من الوقت الذي ليس سوى مدة زمنية مقدرة بساعات تمر وقتا اجتماعيا مقدرا بساعات عمل، ومن التراب -الذي يقدم بصورة فردية مطلقة غذاء الإنسان في صورة استهلاك بسيط- مجالا مجهزا مكيفا تكييفا فنيا يسد حاجات الحياة الاجتماعية الكثيرة، تبعا لظروف عملية الإنتاج. ويتجلى دور الدين الفعال المتمثل في تركيب القيم الاجتماعية وبقية عناصر الحضارة عندما يكون الدين في حالة قوته وانتشاره، وعندما يعبر عن فكرة جماعية، أما حينما يصبح الدين إيمانا جذبيا في شكل نزعة فردية دون إشعاع فإن رسالته التاريخية تنتهي على الأرض؛ إذ يصبح عاجزا عن دفع الحضارة وتحريكها .
وكما أن للدين علاقة بالجانب السلوكي، فإن له أيضا علاقة بالجانب العقلي حيث يسهم إلى حد كبير في تشكيل وتجديد المناخ العقلي لمجتمع ما. وهذا ما يوجزه ابن نبي في قوله:
إن القرآن الكريم لم يأت قطعا، وبصورة مباشرة، لا بالحساب العشري ولا بالجبر، ولكنه أتى بالمناخ العقلي الجديد الذي يتيح للعلم أن يتطور
وهذا المناخ نفسه هو الذي يبين حدود العقل في تفسير كل الظواهر مما يفتح المجال لدور الفكرة الدينية لتؤدي دورها في هذا المجال، ويشرح هذا ابن نبي بقوله:

الحتمية الغيبية (الميتافيزيقية) تسعفنا حين تعجز القوانين الطبيعية عن إعطاء تفسير واضح للظواهر. وبذلك ينتج عنها مذهب كامل متسق متجانس لا نقص فيه ولا تعارض، مما لزم المذهب المادي. وفي الوقت الذي يعبر فيه المذهب الغيبي عن المطالب الفلسفية للعقل، الذي يرمي إلى ربط الأشياء والظواهر ربطا منطقيا في تأليف متسق، نجده ينصب علاوة على ذلك جسرا يتجاوز حدود المادة إلى مثال أعلى للكمال الروحي، إلى الهدف الأساسي الذي لا تكف الحضارة عن الاتجاه نحوه
.
وبالإضافة إلى الدور الحضاري الذي تقوم به الفكرة الدينية على المستوى الفردي والاجتماعي، فإن للدين دورا أخلاقيا وإن كان يرتبط بالمنفعة الشخصية فإنه يمتاز عن الأخلاق
برعاية منافع الآخرين؛ وهي بذلك تدفع الفرد إلى أن ينشد دائما ثواب الله قبل أن يهدف إلى فائدته .وعلى هذا الأساس، فإن للأخلاق بعدان: بعد يرتبط بالمنفعة الشخصية سواء كانت مادية أم معنوية، وبعد روحي يتجاوز المنفعة في هذا العالم الفاني، ويرجو منفعة دائمة، ونعيما خالدا في الدار الآخرة. ولاشك أن هذا الإدراك مرتبط بالإيمان وبالجانب الروحي أساسان إلا أنه مرتبط أيضا بالجانب العقلي في الإنسان، إذ أن هذا الجانب هو الذي يكمل الجانب الروحي وبقية جوانب الشخصية في الإنسان. وقبل التعرض للجانب العقلي بشيء من التفصيل إذ أولى ابن نبي أهمية قصوى لهذا الجانب، فإنه يستحسن عرض موقف ابن نبي من الجانب البيولوجي أو الجسمي عند الإنسان.

2- الجانب الجسمي:

يرى ابن نبي أن للفرد بصفته عاملا أوليا للحضارة قيمتان: الأولى منها خام، والأخرى صناعية؛ أي أن الأولى طبيعية والثانية اجتماعية. أما القيمة الأولى فهي موجودة في التكوين البيولوجي لكل فرد، وتتمثل في استعداده الفطري لاستعمال عبقريته وترابه ووقته…وأما القيمة الثانية فإنه يكتسبها من وسطه الاجتماعي؛ وتتمثل هذه القيمة في الوسائل التي يجدها الفرد في إطاره الاجتماعي لترقية شخصيته وتنمية مواهبه وتهذيبها. وتتمثل وظيفة الهيئة الاجتماعية في الواقع في هذه الترقية أو التنمية .
ويرى ابن نبي أن للفرد كيانا ماديا ومجالا روحيا؛ فإذا كان الأول يشكل مجاله الحيوي (البيولوجي) ويمنحه منذ ميلاده العناصر الضرورية لنموه بواسطة عمليات الهضم والتمثيل ودوران الدم والتنفس، فإن المجال الروحي هو الذي ينميه من الناحية النفسية. وعليه، فإذا ما فقد الفرد صلته بالمجال الحيوي فإنه يموت موتا ماديا، وكذلك الأمر إذا فقد صلته بالمجال الثقافي فإنه يموت موتا ثقافيا .
وبالإضافة إلى دور الإنسان في حفظ حياته ونموه (الفردية) نتيجة قيامه بمختلف الوظائف الحيوية من شرب وأكل، فإنه يعمل

ابداع من طبيعته من أجل الحفاظ على النوع، وبوحي من ضميره من أجل تقدمه، فهو إذن مزود بسلطة مزدوجة. ولكن التكليف هو الذي ينظم العلاقة الداخلية لهذه السلطة المزدوجة، بحيث يكون عمل الغرائز واندماجها مطابقا لرسالته الاجتماعية
وإذا كان الإنسان يشرب ويأكل وينسل ويملك ويكافح من أجل استمرار النوع فإنه يجب عليه أن يراقب هذه النشاطات الأولية، وأن يوجهها لغايات تتفق وتقدم النوع. ويعتبر

الضمير

المحدد الذي يعطي لعمل الإنسان معنى تاريخيا وأخلاقيا . وليس هذا الضمير إلا العنصر الديني الذي يغذي الجذور النفسية للفرد، والذي يتدخل مباشرة في العناصر الشخصية التي تكون
الواعية في الفرد، وفي تنظيم الطاقة الحيوية التي تضعها الغرائز في خدمة هذه الأنا
والغريب أن ابن نبي يجاري علماء مدرسة التحليل النفسي، ويقرر أن دور العنصر الديني ليس عامل تنظيم نفسي رئيسي فقط، ولكن دور هذا العنصر يتجلى أيضا
في صورة تحريم مانع في بعض الظروف المرضية، كما في حالة الكبت

ويقيم ابن نبي علاقة واضحة بين مراحل الدورة الحضارية والتحكم في الطاقة الحيوية؛ وذلك حسب التوضيح التال ي:
- المرحلة الأولى (الروحية): وتكون الطاقة الحيوية في أم حالات تنظيمها، ويكون نظام الأفعال المنعكسة للفرد في أقصى فاعليته الاجتماعية. وهذا هو العصر الذهبي لأي مجتمع.
- المرحلة الثانية (العقلية): لا يتحكم الفرد في هذه المرحلة في كل طاقته الحيوية حيث إن جانبا من غرائزه لا تصبح تحب رقابة نظام أفعاله المنعكسة.
- المرحلة الثالثة (الغرائز): وفي هذه المرحلة تتفكك الغرائز فلا تعمل بشكل منسجم متوافق، ولكن بصورة فردية مما يؤدي إلى اختلال نظام الطاقة الحيوية وفقدان قيمته الاجتماعية، وفي هذه المرحلة، تسود الفردية تبعا لتحرر الغرائز، وتتفسخ شبكة العلاقات الاجتماعية نهائيا، وتمثل هذه المرحلة عصر الانحطاط، وعصر القابلية للاستعمار والاستعمار؛ وهو عصر يتميز بالتدهور الروحي والعقلي وتفكك الطاقة الحيوية، وتفكك شبكة العلاقات الاجتماعية. وفي هذه الحالة الأخيرة، فإن الغرائز هي التي تسيطر على مصير الإنسان.

3- الجانب الوجداني:

لم يهتم ابن نبي بالجانب الوجداني بصفة مباشرة، إلا أنه لم يغفله عند تحليله لمشكلة الثقافة حيث اعتبر عنصر الجمال وما يرتبط به من حسن وقبح عنصرا أساسيا في تشكيل الثقافة وفي حل المشكلات التي تواجه مجتمعا ما. ولذا فقد خصص في كتابه

مشكلة الثقافة
محورا تحت عنوان التوجيه الجمالي لدراسة تأثير الجمال في الوجدان والإدراك والسلوك، فقال:

لا يمكن لصورة قبيحة أن توحي بالخيال الجميل أو بالأفكار الكبيرة، فإن لمنظرها القبيح في النفس خيالا أقبح، والمجتمع الذي ينطوي على صور قبيحة، لابد أن يظهر أثر هذه الصور في أفكاره وأعماله ومساعيه
ويرى ابن نبي أن تصور الجمال لا ينفصل عن عمل الخير، وأنه منبع الأفكار. ولكونه كذلك، فإنه ذو أهمية اجتماعية حيث تصدر عنه أعمال الفرد في المجتمع. ويؤكد ابن نبي أن للجمال علاقة واضحة حتى بأزهد الأعمال؛ ذلك لأن
الشيء الواحد قد يختلف تأثيره في المجتمع باختلاف صورته التي تنطق بالجمال، أو تنضح بالقبح، ونحن نرى أثر تلك الصورة في تفكير الإنسان، وفي عمله وفي السياسة التي يرسمها لنفسه، بل حتى في الحقيبة التي يحمل فيها ملابس سفره
ونظرا لتأثير الجمال في جميع جوانب الحياة (الألوان، الروائح، الأصوات، الإدراك والسلوك)، فإن ابن نبي يعتبره الدستور دستور الجمال في النفس الإنسانية الذي يطبع صورة ;الحسن أو القبح في النفس الإنسانية، والذي يوحي بالحلول الممكنة للمشكلات حسب ما تنطبع في الذهن من الناحية الجمالية. والجمال ليس قضية فردية بل هي قضية وطنية أيضا فهو;وجه الوطن في العالم، فلنحفظ وجهنا لكي نحفظ كرامتنا، ونفرض احترامنا على جيراننا الذين ندين لهم بالاحترام نفسه
ومن القضايا المرتبطة بالوجدان التي عالجها ابن نبي قضية المشاعر السلبية كالكراهية والحقد اللذين ينشئان في النفس ( في البلاد المستعمرة مثلا) بفعل عوامل خارجية كالاستعمار. إن نزعة معاداة الاستعمار -بعد الاستقلال وبعد مرور المرحلة الحماسية-

لا تصلح أن تكون دافعا ساميا يحرك حضارة ويعطيها مثلها الأعلى ووثبتها الضرورية. وفضلا عن ذلك فإن هذه النزعة إذا ما صفي مضمونها من (المشاعر الإيجابية) عبر الزمن، فقد لا تدع هذه التصفية سوى (مشاعر سلبية)، تقوم على حقد الشعوب التي قاست ظلم طغاتها بينما القضية ليست أن ننتزع العالم من موجة احتقار الكبار لنسلمه إلى حقد الصغار

إن التحرر الحقيقي هو التحرر الداخلي من المشاعر السلبية إلى جانب التحرر السياسي والقومي؛ ذلك لأن التحرر الداخلي هو الذي يمكن الفرد والمجتمع من التخلص من التأثير العميق الذي أحدثه المستعمر في أعماق وضمائر الشعوب المستعمرة في شكل حالات حرمان وحالات ذهان (اضطرابات عقلية). وعليه، فمشكلة التحرر الشامل
يجب أن توضع إذن في الإطار النفسي، وسنكون قد صفينا هذه الحالات الذهانية وصنوف الحرمان -بعض التصفية على الأقل- إذا ما خلصنا الرجل الأفرسيوي من المشاعر السلبية التي أصابته بها نزعته المعادية للاستعمار، وأصابه بها حقده عليه

وهكذا نلاحظ أن تحرير الوجدان عملية مكلمة لتحرير الأرض من المستعمر بل إن عملية تحرير الأرض لا تتم ولا تكتمل إلا بتحرير الوجدان من المشاعر السلبية نحو الذات الفردية والجماعية ونحو الآخر. ولكن لماذا هذه الدعوة لتحرير النفس من المشاعر السلبية نحو المستعمر الذي خرب البلاد ودمر الوجدان في البلدان المستعمرة ؟

كان ابن نبي يتمنى أن تتمخض عن مؤتمر باندونغ -الذي عقدته دول عدم الانحياز سنة 1955- اتجاه ثقافي (افريقي- آسيوي) يجد إلهامه الجوهري في روحها الأخلاقي المتمثل في مجموع القيم الروحية والتاريخية التي تقرها الشعور (الأفرسيوية) بوصفها نوعا من التراث. وهذا التراث يمكن -حسب ابن نبي- أن يجد عناصره أولا في المركبات النفسية التي أدت دورا في الصراع من أجل التحرر، وهي مشتركة بين جميع الشعوب التي خاضت هذا الصراع، ثم أنه سيجدها في الاتجاه الذي يختط للفكرة الأفرسيوية وجهتها الخاصة بها في العالم، وجهة المصير المشترك بين الشعوب السائرة تحت لواء خطر الحرب

ويرى ابن نبي أن أهم المشكلات التي تواجه الثقافة الأفرسيوية هي: مشكلة البقاء في عالم تحكمه القوة، ومشكلة الاتجاه المستقبلي لهذه الثقافة لإنقاذ البشرية. ونظرا لاهتمام ابن نبي بوضع الإنسانية ككل، فقد رأى أن الثقافة الأفرسيوية ملزمة بسبب مأساة هذا القرن العشرين، بأن تتجه أولا نحو الأخلاق وفلسفتها لتحديد مثلها الأعلى، ثم نحو الصناعة لخلق وسائلها إلى هذا المثل الأعلى. فإنقاذ الإنسان من البؤس والفاقة على محور واشنطن - موسكو، هما بالنسبة لنا الضرورتان المحددتان للمشكلة كلها: مشكلة بقائه، ومشكلة اتجاهه، وهذه الضرورة المزدوجة تسيطر بصورة طبيعية على تحديد ثقافته، وبالتالي تسيطر على تحديد منهجه الأخلاقي.

وكان ابن نبي يؤكد أن مبدأ (عدم العنف) قد يشكل مبدأ ثانيا للفكرة الأفرسيوية نظرا للدور الذي أداه هذا المبدأ في تحرير الهند، ونظرا لكون هذا المبدأ لا يزال -حسب تعبير ابن نبي- :
يلهم حتى يومنا الحوار الدولي بوصفه قانونا لا يقبل الانفكاك عن المحاولات الإنسانية في الميدان السياسي

ولكن تطور الأحداث التي أعقبت مؤتمر باندونغ، والتي تركت بصمات عميقة في النصف الثاني من القرن العشرين قد بينت فشل فكرة
;الأفرسيوية على مستوى التطبيق، وإن نشأت مؤسسات سياسية كثيرة لتحقيقها. وأعتقد أن فشل هذه الفكرة موضوع جدير ببحوث موضوعية لتحديد مختلف العوامل النفسية والسياسية وغيرها التي أدت إليه، وهل هذه العوامل داخلية أم خارجية أم عبارة عن مجموعة من العوامل الداخلية والخارجية مجتمعة ؟ وأعتقد أن هذا الموضوع يستتبع سؤالا آخر يتعلق بمدى تفاؤل ابن نبي عندما كان يتابع عمليات تحرر
العالم الثالث: الأفرسيوي ومؤتمر زعماء هذا العالم في باندونغ ؟
ومهما يكن، فإن ابن نبي قد لفت الأنظار إلى أن قضايا الإنسانية الكبر مثل السلام والحرب تتطلب قرارات واضحة وصريحة، أما نزعة الحقد وغيرها من الانفعالات السلبية فهي عمياء، وهي بذلك -كما يؤكد ابن نبي- لن تشجع المساعي التي ينبغي أن تكون نزيهة لكي تكون فعالة .

4- الجانب العقلي:

أولى ابن نبي اهتماما كبيرا للجانب العقلي عند الإنسان كما يتجلى في عالم الأفكار الذي درسه دراسة مستفيضة وخاصة في علاقته بالبناء الحضاري، كما درس الصراع الفكري وأساليبه في البلاد المستعمرة (بفتح الميم)، ودرس أنواع الأفكار: القاتلة والميتة

وكما اهتم ابن نبي بعالم الأفكار ودوره في البناء الحضاري فقد اهتم بعملية التفكير وبعلاقتها بالجوانب الأخرى في عملية البناء الحضاري: الجوانب الروحية والسلوكية. ويؤكد ابن نبي أن القوة الدافعة والأساسية في عملية البناء الحضاري هي الطاقة الروحية ولا تأتي الطاقة العقلية إلا في الدرجة الثانية.
ويقرر ابن نبي من البداية أن الحضارة لا تصنعها كومة من الأشياء المستوردة، وإنما هي بناء تطبعه فكرة معينة

وبدون الجانب الروحي والجانب العقلي فإن عالم الأشياء ليس إلا عبارة عن تراكم أبله جامد لا معنى ولا طعم له مهما كان بريقه وإغراؤه ظاهريا.
ولكي يكون الجانب العلي فعالا فعليه أن يرتكز على المنطق العملي و
هو كيفية ارتباط العمل بوسائله ومعانيه وذلك حتى لا نستسهل أو نستصعب شيئا بغير مقياس يستمد معاييره من واقع الوسط الاجتماعي وما يشتمل عليه من إمكانيات، إنه ليس من الصعب على الفرد المسلم أن يصوغ مقياسا نظريا يستنتج به نتائج من مقدمات محددة، غير أنه من النادر جدا أن نعرف المنطق العملي أي استخراج أقصى ما يمكن من الفائدة من وسائل معينة
يلاحظ أن ابن نبي لا يتناول الجانب العقلي تناولا مجردا بل يركز أساسا على الجانب العملي منه (المنطق العملي). ويرى أن العقل التطبيقي الذي يتكون في جوهره من الإرادة والانتباه شيء يكاد يكون معدوما في العالم الإسلامي.
ولا يمض ابن نبي دون تشخيص سبب نقص المنطق العملي في البلدان الإسلامية حيث يشخص ذلك بقوله:
;إن المنطق العملي ينقص البلاد الإسلامية عموما؛ فهذا أمر متوقع، لأن العجز في الأفكار يخلق أو ينتج في المجال النفسي عجزا في المراقبة الذاتية، وفي مراجعة النتائج. ففكرنا لا يقيم علاقات بين النشاطات والجهود والوسائل من ناحية، ونتائجها من ناحية أخرى. ومفهوم المحصول لا وجود له في تربيتنا الأولى، إذ هو لا يكون جزءا من عالم أفكارنا. بينما المجتمع هو جهاز التحويل، الذي يحول الطاقات الاجتماعية إلى نتائج مختلفة
فالنقص في المنطق العملي والعجز في فعالية المجتمع عاملان أساسيان للتخلف إذ يرتبطان بالشلل الفكري وضعف الشخصية وتدهور السلوك الشيء الذي يلخصه ابن نبي في مفهوم
اللافعالية وقد نجمت اللافعالية في المجتمع الإسلامي عن إصابة عالم الأفكار أساسا بالعجز؛ فالداء في عالم الأفكار -كما يشير إلى ذلك ابن نبي- إننا في كل مرة نقف فيها أمام مظهر من مظاهر

;اللافعالية في المجتمع الإسلامي، نرى أنفسنا على رابطة بعالم أفكارنا لأنه في هذا العالم تكمن أدواؤنا
ويربط ابن نبي في مكان آخر بين
;اللافعالية

وضعف الجانب الروحي على مستوى العلاقات الاجتماعية، فيقول: وعليه، فليست المشكلة أن نعلم المسلم عقيدة هو يملكها، وإنما المهم أن نرد إلى هذه العقيدة فاعليتها وقوتها الإيجابية وتأثيرها الاجتماعي

ويزيد ابن نبي التشخيص وضوحا ليقترب من تقديم الحلول للداء المشخص
اللافعالية
عندما يقرر :

إن الذي ينقص المسلم ليس منطق الفكرة ولكن منطق العمل والحركة، فهو لا يفكر ليعمل بل ليقول كلاما مجردا بل أكثر من ذلك فهو يبغض أولئك الذين يفكرون تفكيرا مؤثرا، ويقولون كلاما منطقيا من شأنه أن يتحول في الحال إلى عمل ونشاط

. وهذا العجز على مستوى العمل والحركة يعوض بآليات دفاعية سلبية تعتمد أساسا على أحلام النوم وأحلام اليقظة. ولذا فإن ابن نبي يصف حالة المسلمين بسبب عجزهم على مستوى المنطق العملي قائلا:

;فنحن حالمون ينقصنا المنطق العملي

ولكن لماذا هذا البغض للمنطق العملي ؟

إن البغض للمنطق العملي قد يجد له تبريرا في التفسير النفسي للظاهرة؛ إذ يقتضي الأمر في المنطق العملي عمليتين أساسيتين:
أولا: بذل الجهد على مستوى التصور؛ وذلك باستعمال ملكة الخيال المبدع.
ثانيا: بذل الجهد على المستوى التطبيقي مما يتطلب جهدا أكبر من الجهد الذي يتطلبه التصور المجرد فقط.
إن المنطق العملي يتطلب جهدا ذهنيا وجهدا سلوكيا بالإضافة إلى الجهد الذي يبذل لإخراج الفكرة في قالب جمالي مقبول. وهذا عكس ما هو ملاحظ عند أصحاب الذهن الخامل الذين يعتمدون أساسا على ما يسمى

الطرق المختصرة

للوصول إلى فكرة أو هدف ما. وإني أرى أن العجز عند المسلمين لا يقتصر على العجز على مستوى

المنطق العملي

فقط بل وعلى مستوى
;الفكرة أيضا. وهذا ما يدعمه ابن نبي نفسه في كتاب آخر (فكس) حيث أشار
أن الفكرة ليس لها فعاليتها في العالم الإسلامي، أو هي لا تلعب دورها فيه. ولا ريب أن فحص كل العوامل التي كان لها مفعول ما في هذا القصور سيكون ذا أهمية بالغة

وللتغلب على هذه الظاهرة الخطيرة فلا بد من فهم العلاقة بين عالم الأفكار وعالم الثقافة (السلوك) و إقامة علاقة وثيقة بين عالم الأفكار وعالم الثقافة أو عالم السلوك. وفي هذا يقول ابن نبي:

فليست الثقافة سوى تعلم الحضارة، أعني استخدام جميع ملكاتنا الضميرية والعقلية في عالم الأشخاص. وليس العلم سوى بعض نتائج الحضارة، أي أنه مجرد جهد تبذله عقولنا حين تستخدم في عالم الأشياء. فالأولى تحركنا وتقحمنا كلية في موضوعها وأما الثاني فإنه يقحمنا في مجاله جزئيا. والأولى تخلق علاقات بيننا وبين النظام الإنساني والآخر يخلق علاقات بيننا وبين نظام الأشياء
.
وليس فهم العلاقة بين عالم الأفكار والثقافة -في نظر ابن نبي - كافيا بل ينبغي أن يدرك أيضا أن
الثقافة تبدأ متى تجاوز الجهد العقلي الذي يبذله الإنسان حدود الحاجة الفردية

وبالإضافة إلى فهم هذه العلاقة وإدراك البعد الفعال للثقافة، ينبغي للمسلم أن يدرك أن المجتمع الإسلامي مجتمع فقير فكريا وبالتالي فهو مجتمع أعزل من الناحية الإديولوجية (المفاهيم)؛ وذلك في الوقت الذي يتعين فيه أن تسوى كل المشكلات والمنازعات في العالم المعاصر بالأفكار وليس بالأسلحة. إن هذا التأكيد قائم على الاعتقاد بأن عالم الأفكار هو الذي يدعم عالم الأشياء، ودون عالم الأفكار فإن عالم الأشياء لا يقف على قدميه عندما تنتابه النوائب .

- أنماط الأفكار:

يعتبر ابن نبي عالم الأفكار كأسطوانة لها أنغامها الأساسية ونماذجها المثالية، وللأفكار توافقاتها الخاصة بالأفراد والأجيال، ويسميها بالأفكار المطبوعة. وعندما تبدأ الأفكار المطبوعة تنمحي عن أسطوانة حضارة ما يخرج منها في البداية نشاز النغم ! صفير وحشرجة ثم الصمت أخيرا. ومن علامات تدهور عالم الأفكار: ظهور الأفكار الميتة والأفكار المميتة، ضعف الكلمة أو انعدامها، سيطرة التشويش الفكري واضطراب النشاط وتدهور الأعمال .

يصنف ابن نبي
إلى أفكار قاتلة وأفكار ميتة، وإلى أفكار صحيحة وأفكار فعالة :

1- الأفكار القاتلة: وهي الأفكار التي يستعيرها الإنسان من ثقافة أخرى، ويركن إليها تبنيا وتقليدا. ومثال ذلك استعارة السلم لأفكار من الغرب وتقليدها، ويرجع ذلك إلى موقف المسلم غير الصحيح من مشكلة الثقافة من الناحية الفكرية ومن الناحية الاجتماعية؛ ذلك لأن استيراد الأفكار من العالم الغربي مثلا يؤدي إلى سلخ هذه الأفكار عن هويتها وقيمتها الثقافية وبالتالي فصلها عن جذورها الحيوية مما يؤدي إلى فقدان فعاليتها بعد أن تشوه شخصية الذي استوردها وتبناها وقلدها.

2- الأفكار الميتة: وهي ما يجول في بالنفس من أفكار فقدت الحياة. ويرى ابن نبي أن كل مجتمع يصنع الأفكار التي ستقتله، لكنها تبقى بعد ذلك في تراثه الاجتماعي (أفكارا ميتة)؛ وهي أشد خطرا من (الأفكار القاتلة) لأنها تبدو وكأنها منسجمة مع عادات المجتمع وتقاليده بينما تفعل مفعولها السلبي من الداخل حيث تخدع وتحطم جهاز المناعة الذاتية.

ويرى ابن نبي أن الأفكار الميتة قد تجاورت في العالم الإسلامي مع الأفكار القاتلة أو المميتة مما يزيد صعوبة التصدي لها بفعالية؛ إذ يؤكد ابن نبي أنه
ما إن نبدأ بمعالجة الأفكار الميتة التي لم يعد لها جذور في بوتقة الثقافة الأصيلة للعالم الإسلامي حتى نصطدم بالأفكار المميتة التي خلفت في عالمها الثقافي جذورها ووفدت إلى عالمنا
.
3- الأفكار الصحيحة: عندما تخرج فكرة ما إلى النور فإنها تكون إما: صحيحة أو باطلة. وعندما تكون الفكرة صحيحة فإنها تحتفظ بأصالتها حتى آخر الزمان. لكن هذا لا يعني أنها لا تفقد فعاليتها وهي في طريقها حتى ولو كانت صحيحة .

4- الأفكار الفعالة: قد تكون فكرة ما فعالة؛ وهذا لا يعني أنها بالضرورة صحيحة على الإطلاق؛ فقد تكون فكرة ما فعالة في فترة ما ليس لأنها صحيحة بل لأن مناخا ثقافيا مناسبا قد هيأ لها شروط الفعالية. ولكن هذه الفعالية لا يمكن أن تدوم إلى الأبد بل هي عرضة لانكشاف زيفها، وتصبح بالتالي عرضة للأفول. ويضرب ابن مثلا لذلك بالفكرة الماركسية التي كانت فعالة إلى حد ما عند بدايات تطبيقها في المعسكر الشيوعي ثم انهارت انهيارا فظيعا. ومع الأسف، فإن ابن نبي لم يشهد هذا الانهيار الذي كان يتنبأ به.

ولا شك أن سيطرة الأفكار القاتلة والأفكار الميتة على المجتمع الإسلامي قد أدى به إلى الخروج من الحضارة بسبب التدهور الروحي والأفول الفكري. وقد شرح ابن نبي عواقب الأفول الفكري كما شرح عواقب التدهور الروحي في قوله: وحينما يكون الفكر الإسلامي في أفوله كما هو شأنه اليوم فإن المغالاة تدفعه إلى التصوف والمبهم والغامس، وعدم الدقة والتقليد الأعمى والافتتان بأشياء الغرب. لكن هذا ليس مداره الأصلي. ففي الأصل حينما أعطاه القرآن اندفاعه الأولي اتخذ الفكر الإسلامي مداره أساسا حول فكرة تكون حينا حب الخير، وحينا آخر كره الشر. تلك هي رسالة الفكر الإسلامي عبر عنها القرآن الكريم بقوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله..* )

ويذهب ابن نبي أبعد من التأكيد على أفول الفكر الإسلامي حيث يصف خصائص المجتمع المسلم المتخلف؛ ذلك لأن تخلف المجتمع

ليس موسوما حتما بنقص الوسائل المادية (الأشياء) وإنما بافتقار للأفكار، يتجلى بصفة خاصة في طريقة استخدامه للوسائل المتوفرة لديه؛ بقدر متفاوت من الفاعلية، وعجزه عن إيجاد غيرها، على الأخص في أسلوبه في طرح مشاكله أو عدم طرحها على الإطلاق

وعليه ، فالداء في المجتمع الإسلامي -كما يشخصه ابن نبي- داء نفسي قبل أن يكون داء اجتماعيا،
وهو لا يكمن في درجة إشباع مجتمع لأنه يستهلك؛ ولكنه في اتجاه علاقة الفكرة بالشيء في وعيه، وذلك الاتجاه الذي يستطيع أن يتحول نحو الفكرة أو نحو الشيء

هذا هو الداء فما هو الدواء ؟
يكمن الدواء في:
- تقوية الجانب الروحي وعدم التفريط فيه.
- بذل الجهد الفكري.
- ربط الجانب الفكري (العقلي) بالجانب الروحي وبالجانب السلوكي.
- تكوين مناخ عقلي ينبذ فيه التفكير الخرافي وما يمت به من صلة، وينشر فيه العلم على كل مستويات المجتمع، وتتبادل فيه المعرفة بين كل أفراد المجتمع ومؤسساته.
ويلح ابن نبي على ضرورة احترام علاقات الأفكار بالمقاييس الثابتة للنشاط وإلا أصبح النشاط دون جدوى يسوده العبث ويسيطر الشلل عليه ويكبله إلى درجة يصبح فيها النشاط مستحيلا؛ وذلك ما يقابل الجمود والركود والتخلف في كل المجالات.
و -كما يوضح ابن نبي- فإن علاقات الأفكار بالمقاييس الثابتة تقع في ثلاث مراتب:
1- المرتبة الأخلاقية الإديولوجية والسياسية بالنسبة لعالم الأشخاص.
2- المرتب المنطقية الفلسفية، العلمية بالنسبة لعالم الأفكار.
3- المرتبة التقنية الاقتصادية الاجتماعية بالنسبة لعالم الأشياء.
ويلح ابن نبي في التأكيد على أن فساد أي واحد من هذه العلاقات الثلاث للفكرة بتأثير أي عامل من العوامل يؤدي إلى توقع فساد في أحكام ونشاطات المجتمع وسلوك أفراده . وهذا ما سنعرض إليه بالتفصيل في المحور التالي المتعلق بالجانب السلوكي.

5- الجانب السلوكي:

يؤكد ابن نبي أن أي تفكير في مشكلة الحضارة هو أساسا تفكير في مشكلة الثقافة ؛ فالمشكلة السلوكية لا يطرحها ابن نبي على المستوى الفردي فقط بل يحاول تشخيصها على مستوى المجتمع وعلى مستوى الحضارة. ولذا فإن ابن نبي يقرن التحضر بتعلم الإنسان للعيش في جماعة وبإدراكه في نفس الوقت للأهمية الرئيسية لشبكة العلاقات الاجتماعية في تنظيم الحياة الإنسانية من أجل وظيفتها التاريخية .
ويربط ابن نبي بين مصير الإنسان ومصير الثقافة عندما يؤكد أن مصير الإنسان مرهون دائما بثقافته. ولا يكتفي ابن نبي بإقامة علاقة بين الإنسان و الثقافة إذ يوضح أيضا أن أي تفكير في مشكلة الإنسان بالنسبة إلى حظه في الحياة هو في أساسه تفكير في مشكلة الحضارة. والحضارة هي
مجموعة الشروط التي تكون في المكان وفي الزمان حضارة معينة، أي الحضارة التي تطبع جميع حقائقها الثقافية، وخصائصها الأخلاقية والجمالية والصناعية في أسلوب حياة يشمل المنظر الإنساني ويحدد سلوك النموذج الاجتماعي الذي يتحرك فيه

والحضارة -في فكر ابن نبي- لا تصنعها كومة الأشياء المستوردة مهما كان إغراؤها التكنولوجي وإنما هي بناء تطبعه فكرة مميزة.

وقضية الحضارة ليس مشكلة فقر في الأشياء أو جهل أو مرض وإنما هي التفكير في المشكلات الأساسية للإنسان أو في جذورها والتي تتلخص في بناء الحضارة بدلا من تكديس منتجاتها؛ فالبناء وحده هو الذي يأتي بالحضارة لا التكديس. وبناء الحضارة يتطلب حلا علميا لمشكلة الإنسان والتراب والوقت مما يؤدي إلى بناء الإنسان بناء متكاملا والاعتناء بالتراب والزمن مما ينتج عنه بالتالي بناء المجتمع الأفضل، وبناء الحضارة التي هي الإطار الذي فيه تتم للفرد سعادته لأنه يقدم له الضمانات الكافية الاجتماعية .
ونظر لأهمية الثقافة كمنظومة سلوكية ترتبط ببناء المجتمعات والحضارات، فقد خصص ابن نبي فصلا كاملا لمسألة الثقافة في كتابه
;شروط النهضة
وألف كتابا بعنوان:
مشكلة الثقافة
وفيما يلي شرح لمفهوم الثقافة وخصائصها في فكر ابن نبي.

- مفهوم الثقافة:

بعد أن يورد ابن نبي مفهوم الثقافة في إطار الفكر الغربي وينتقده، يقيم علاقة وثيقة بين الثقافة والحضارة؛ فيعرف الثقافة بأنها

مجموعة من الصفات الخلقية والقيم الاجتماعية التي يلقها (؟) الفرد منذ ولادته كرأسمال أولي في الوسط الذي ولد فيه. والثقافة على هذا هي المحيط الذي يشكل الفرد فيه طباعه وشخصيته

. وعليه، فالحضارة في فكر ابن نبي هي المحيط الذي يعكس حضارة معينة، وهو المحيط الذي يتحرك فيه الإنسان المتحضر. ونتيجة الربط بين الثقافة والحضارة فإن الثقافة عبارة عن نظرية في السلوك أكثر من أن تكون نظرية في المعرفة .
وبهذا التحديد، فإن الثقافة ليست علما بل هي محيط ووسط ذو بعد روحي في الدرجة الأول تتكون فيه جميع خصائص المجتمع المتحضر، وتتشكل فيه كل جزئياته وفقا للغاية التي رسمها المجتمع لنفسه. وفي هذا الإطار يتحرك الإنسان بفعالية ليغذي مجرى الحضارة

منقول عن كتاب بديا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://hiwarmadrassi.forumactif.com/forum.htm
 
النظرية الثقافية عند مالك بن نبي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مالك بن أنس
» الإمام مالك
» مجلة حراء الثقافية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المعرفة للجميع :: منتدى المواد الاجتماعية والفنية والرياضية :: منتدى التفكير و التربية الإسلامية  :: المبحث 02:تسخير الكون ومسؤولية الانسان( بكالوريا) -
انتقل الى: