1) الدلالة العامية المتداولة :
الغير في الحس المشترك هو الآخر والآخر يحتمل ثلاثة معاني بالقياس إلى الذات الفردية ( الأنا ) أو الجماعية ( النحن ) : فالغير أو الآخر هو أولا المستقل وجوديا ( جسميا ونفسيا ) عن الأنا ( أي أنه من ليس أنا ) ، وهو ثانيا من لا علاقة قرابة من بعيد أو من قريب تربطني به ( أي أنه من ليس قريبا ) , وهو ثالثا من يختلف عنى عرقيا أو سوسيو- ثقافيا ( أي أنه من ليس النحن ) .
ومن هذه الدلالات الأولية نستنتج بأن:
v الغير هو الآخر والآخر هو الغير إذ لا فرق بينهما عند العامة.
v الغير كآخر يتحدد بالسلب : إذ هو من ليس أنا / من ليس قريبا / من ليس النحن . والتحديد بالسلب ( أي تحديد الشيء بما ليس هو) تحديد ناقص بالمقارنة مع التحديد بالإيجاب ( أي تحديد الشيء بما هو هو ) .
ومن هنا كان الغير من جهة مدلوله مجردا غير مشخص ( فهو ليس فردا بعينه دون غيره ), ومن جهة ثانية نسبيا متغيرا: إذ أن الأخ باعتباره مستقلا عنى جسميا فهو آخر ولكنه ليس كذلك باعتباره قريبا لي. و بهذا نفهم بعض الأمثال الشعبية الرائجة مثل قولهم: أنا وأخي ضد ابن عمى، وأنا وابن عمى ضد الغريب ( الأجنبي ).
بناءا على ما سبق تتحدد المواقف الممكن للأنا اتخاذها تجاه الغير / الآخر في ثلاثة أساسية وهى :
v موقف اللامبالاة وعدم الاكتراث حين يكون الغير نكرة / مجهولا / غريبا عنى.
v موقف المواجهة الرمزية أو الحقيقية حين يكون الغير منافسا / خصما / عدوا لي.
v موقف المساندة والتضامن والتآخي والتعاون حين يكون الغير صديقا / قريبا / أخا لي.
2) الدلالة المعجمية اللغوية:
ا_ في اللغة العربية :
جاء في ا لسان العرب لابن منظور تحديد الغير والآخر كما يلي: « غير حرف من حروف المعاني, تكون نعتا، وبمعنى لا... وقيل غير بمعنى سوى، والجمع أغيار. وهى كلمة يوصف بها ويستثنى ... وتغير الشيء عن حاله تحول ... والغير الاسم من التغير... وتغايرت الأشياء اختلفت» و يأتي « الآخر بمعنى غير كقولك رجل آخر وثوب آخر» وجاه في تعريف المنجد في اللغة والأعلام تعريف الغير والآخر على النحو التالي: « غير الشيء حوله وبدل به غيره، جعله غير ما كان.غاير غيارا و مغايرة: بادله, خالفه، عارضه في البيع، كان غيره. تغير: تغير وتبدل, تغايرت الأشياء اختلفت. الغير(ج) أغيار: الاسم من غير (...) غير تكون بمعنى سوى (...) نحو" جاء غيرهم " أي سواهم (...) وبمعنى لا (...) نحو " فمن اضطر غير باغ ولا عاد " أي لا باغيا (...) الغيرية : خلاف العينية وهى كون كل من الشيئين خلاف الآخر» و « آخر (...) بمعنى غير, ولكن مدلوله خاص بجنس ما تقدمه فلو قلت: " جاءني رجل وآخر معه" لم يكن الآخر إلا من جنس ما قلته، بخلاف غير فإنها تقع على المغايرة مطلقا».
ومن هذه الدلالة المعجمية العربية نستنتج بأن للفظي الآخر والغير نفس المعنى , فهما معا يفيدان المخالفة والمباينة والتمايز بين شيئين أو هويتين مع ملاحظة أن لفظ "غير" قد يأتي كنعت أو أداة استثناء أو نفي كما أنه يفيد المغايرة مطلقا في حين أن لفظ "الآخر" يظل مرتبطا بجنس ما تقدمه .
ب - في اللغة الفرنسية :
الغير Autrui في اللغة الفرنسية مشتق من الجذر اللاتيني Alter الذي يعنى الآخر Autre وقد يبدو من هذا بأن الغير هو الآخر - كما هو الحال عند العامة وفى اللغة العربية - ولكن الأمر ليس كذلك. يقول معجم روبيرRobert« الغير هم الآخرون من الناس بوجه عام» والآخر هو« من ليس نفسر الشخص وما ليس نفس الشيء...» ومن هنا نستنتج بأن لفظ الغير مخالف للفظ الآخر( في اللغة الفرنسية ) : إذ أن الغير يشير إلى الشخص الآخر إلى الأنا الآخر إلى إنسان غيري أنا في حين أن الآخر يشير إلى أي شخص غيري مثلما قد يشير إلى أي شيء آخر : فالآخر إذن أوسع من الغير. فلفظ الآخر في اللغة اللاتينية وبالأخص في الفرنسية يحمل معنى قويا يحيل على الاختلاف بمختلف درجاته: من درجة التباين والتمايز إلى درجة التعارض والتناقض الجذري. أما في اللغة العربية فلا فرق بين الغير والآخر بالإضافة إلى أن الآخر عند العرب يشير فقط إلى أحد اثنين دون أن يعنى ذلك أن بينهما اختلافا وبالأحرى تناقضا.
3) الدلالة الفلسفية:
في معرض تحديده للغير يقول الدكتور مراد وهبة في معجمه الفلسفي« غير : أحد تصورات الفكر الأساسية ويراد به ما سوى الشيء مما هو مختلف أو متميز» ويقول غيره بأن « الغير هو آخر الأنا منظورا إليه ليس بوصفه موضوعا بل بوصفه أنا آخر» أو بعبارة سارتر « الغير هو الآخر أي الأنا الذي ليس أنا » فالغير إذن أنا آخر, أنا غيري أنا . أما الآخر فهو على حد تعبير لالاند Lalande « أحد المفاهيم الأساسية الأولى للفكر ومن تم فهو غير قابل للتعريف» إذ هو من اللامعرفات Indéfinissable والآخر حسب أرسطو لا يتحدد إلا بوصفه « مقابلا للهو هو Le même بحيث أن كل شيء هو بالنسبة إلى كل شيء إما مطابق له هو هو Mêmeوإما مخالف Autre » وفى هذا يقول ابن رشد « إن الذي يقابل الواحد من جهة ما هو هو هي الغيرية » بمعنى أن الشيء الواحد هو هو( الهوية / العينية) والذي يقابله شيء غيره ( الاختلاف / الغيرية ) . فالآخر إذن هو المخالف للهو هو, هو المباين للأنا, هو ببساطة أنا آخر أنا غيري أنا . إذ أن كل أنا هو آخر بالنسبة للآخر وكل آخر هو أنا بالنسبة لذاته .