يتحدّد التواصل عموما باعتباره الاشتراك في شيء ما، ويفيد التفاهم والفهم المتبادل لذلك يقتضي التواصل وسائط تتراوح بين أنظمة رمزية و وسائل تقنية. ذلك أن التواصل لا يمكن أن يتحقق بشكل مباشر وإنما يقتضي دائما وسيطا. والأنظمة الرمزية عند كاسيرار لا تعبر بطريقة سلبية على الحضور المحض للظواهر كعامل سلبي للرسائل التي يتمّ تبادلها، إذ يرى كاسيرار أن هذه الأنظمة لها استقلالية وهو ما يصدق على الفن كما يصدق على الأسطورة والدين وحتى المعرفة العلمية. وهذا يعني أن عالم الصورة الذي تتواجد فيه هذه الأنظمة الرمزية ليس مجرّد انعكاس لمعطى خبري بل هو على عكس ذلك مولّد من قبل الوظيفة الرمزية المناسبة بحسب مبدأ أصيل. فكلّ هذه الوظائف تنتج تشكلاتها الرمزية المختلفة عن رموز الذهن، وكلّ واحدة تحيل على زاوية نظر معينة وبالتالي فإن كلّ منظومة رمزية تمثل مظهرا خاصا للواقع. فلا يجب أن نرى في الأنظمة الرمزية طرقا مختلفة يتمظهر من خلالها الواقع في ذاته للعقل، بل هي طرق مختلفة يتبعها العقل للتموضع أي طرقا يتبعها العقل في تمظهره لذاته. فالأنظمة الرمزية من هذا المنطلق تتقدّم كمحاولات لتحويل العالم السلبي للتمثل البسيط إذ تمثل سيرورات ديناميكية للترميز.
لذلك فإن الإنسان على خلاف الحيوان الذي يعيش مباشرة من الطبيعة ويكتفي من المعطى الطبيعي الخام، يقحم الإنسان وسائطا بينه وبين محيطه. وهي وساطة تتمثل في العمل كنشاط يدوي وذهني والمحيط التقني الذي يمكّن الإنسان من الفعل في الطبيعة ومن هذا المنطلق فإن العلاقة مع الآخر يمكن أن تكون مباشرة مثل ما يتحقق ذلك في تبادل النظرات أو حتى الكلمات دون توسط حد ثالث، لكن الحياة الاجتماعية تقتضي وتنشأ وساطات من أجل حياة اجتماعية دائمة بل لتكون هناك فعلا حياة اجتماعية. ومن هذا المنطلق فإن الأنظمة الرمزية تمثل وسائط تجعل التواصل مع الذات ومع العالم ومع الآخر ممكنا، ويمكن القول أن الأنظمة الرمزية تضطلع بوظائف روحية تشكل الإنساني.
التواصل إذا مطلب إنساني من جهة أنه ما به يكون الإنسان إنسانا ذلك أن الأنظمة الرمزية كوسائط هي التي تجعل التواصل ممكنا والمقدّس الديني ذاته هو قبل كلّ شيء تجربة تنحو إلى أن تتواصل في تمثلات وصور، وتجربة المقدّس عند "مايير" هي ضرب روحاني من المعانقة للعالم إنها حدس مؤسس لنوع من الحضور الغامض لشيء يتجاوز الحدود المعتادة للتجربة الإنسانية. وهذا الشيء المغاير تماما للدنيوي يفلت من ظروف التجربة المدنسة رغم كون ما فيه وما به يتمظهر المقدس هو المدنس أو الدنيوي. والمقدّس كرمز يسمح بالانفتاح على العالم المطلق، ذلك أن طقس ما يمكّن الإنسان من اكتشاف هذا العالم المطلق الذي يفلت بالماهية من كلّ لغة، خاصة وأن الدين هو نسق يعبّر عن ذاته بواسطة طقوس تشغل الرمز والأسطورة.