علاقة المواطن بالسلطة في مسرح سعد الله ونوس
اعد الملف : ياسر الظاهر
الاربعاء 113-12-2006
يعتبر المسرح من اكثر الفنون الادبية التصاقاً بحركة المجتمع لأنه الفن الذي يمتح موضوعاته من الحياة مباشرة ، ولأنه الفن الوحيد الذي يتوجه توجهاً اجتماعياً مباشراً في محاكاته للحياة بما تحمل من مشكلات وفي تحليله لها وتصويره لانسانها في كل اوضاعه وبذلك يصبح المسرح مداراً للصراع الاجتماعي والسياسي
بين مختلف المنازع الفكرية والسياسية في الوطن العربي ومع انه لا يمكن فصل جانب عن جانب في مسرحنا الحديث فإن لكل مسرحية جانباً اساسياً تنطلق منه وترتبط به بقية الجوانب .
وقد قسم النقاد المسرح الى انواع منها :
المسرح الاجتماعي - المسرح القومي - المسرح الشعري - المسرح السياسي الذي يهتم بالاحداث السياسية اليومية والعامة وبالعلاقات التي تنشأ بين الشعب واداراته السياسية بين المواطن والسلطة ومرتكزها الاساسي انها تتصدى لاجهزة الحكم تحليلاً وفضحاً .
والمسرح السوري « السياسي » المعاصر اهتم بجملة قضايا تهم المواطن منها : قضية المساواة والعدالة الاجتماعية وقضية علاقة المواطن بالسلطة .
ونحن في دراستنا هذه سنتوقف عند قضية علاقة المواطن بالسلطة في مسرح سعد الله ونوس .
لقد كان لنكسة حزيران أو لهزيمتنا كعرب حزيران 1967 دور كبير في ايجاد وانتشار المسرح السياسي في سورية إذ لم يكن هناك على حد معرفتي مسرح سياسي اللهم إلا إذا اعتبرنا المسرحيات القومية والوطنية التي وجدت قبل هذا التاريخ من المسرح السياسي وإن كان الفرق بين هذه التسمية وتلك فرق كبير ولن ندخل هنا في تفصيل هذا الامر لانه ليس مجال دراستنا .
فبعد سنة 1967 بدأ الكتاب يفتشون عن اسباب الهزيمة فكانت ولادة عدد من المسرحيات السياسية التي تعالج وتحلل وتحرض وتسيس من ذلك ، مسرحية ( حفلة سمر من اجل 5حزيران ) عام 1967 ( ومغامرة رأس المملوك جابر ) عام 1971 و( الفيل يا ملك الزمان ) عام 1971 لسعد الله ونوس و ( محاكمة رجل لم يحارب ) لممدوح عدوان وبعض مسرحيات فرحان بلبل ووليد اخلاصي وغيرهم ، وكلها تنتمي الى المسرح السياسي .
إن الدارس لمسرح سعد الله ونوس يرى انه قد ركز في مسرحه على عدة قضايا أو لنقل على معظم القضايا التي اهتم بها المسرح السياسي والتي ذكرناها آنفاً لكن اهم قضية رصدها وناقشها وحللها في مسرحه هي قضية علاقة المواطن بالسلطة « والمدقق في الاعمال المسرحية السياسية سيلحظ وبسهولة هذه العلاقة غير الحميمية بين المواطن وحكامه وسيلحظ موقف المواطن السلبي منها » .
ولعل ونوس من بين المسرحيين السوريين من اهتم بموقف المواطن لعمله الدؤوب في قضية التسييس التي نظر اليها من خلال المتلقي وما يجب ان يكون عليه فقد بنى جزءاً كبيراً من مسرحه على مسألة تبني الانسان العربي لمشروعه الحضاري بنفسه أي ان يكون له موقف كما يقول الدكتور غسان غنيم في كتابه المسرح السياسي في سورية .
مسرحية مغامرة رأس المملوك جابر :
في هذه المسرحية يقوم صراع بين الخليفة (شعبان ) ووزيره ( محمد العلقمي ) ، الخليفة يريد ازاحة الوزير لانه يشكل خطراً على وجوده ، و الوزير يطمح لتحقيق حلمه بالاستيلاء على الخلافة ، و كل واحد منهما يعد العدة لازاحة صاحبه ، فيأمر الخليفة بتفتيش الخارج من المدينة و الداخل إليها، خوفاً من خروج رسالة من الوزير العلقمي الى قائد المغول ، يتطوع احد مملوكي الوزير و هو ( جابر ) الذي يعرض خدماته على الوزير فيقوم الاخير بتكليفه بالمهمة التي كانت على الشكل التالي و هي فكرة ( جابر ) :
أن يقوم الوزير بكتابة الرسالة على رأس جابر بعد حلاقته جيداً و حينما ينمو الشعر ثانية و يغطي الرسالة ، آنذاك يستطيع الخروج الى حيث يريد ، و طلب ثمن ادائه لهذه المهمة ان ينال حريته و يتزوج من ( زمردة ) جارية الوزير ، و فعلاً يتم ارسال جابر الى قائد المغول و لكن الوزير يطلب من ذلك القائد ان يقتل حامل الرسالة جابراً الذي حمل موته تحت فروة رأسه و لم يدر .. كما قال سعد الله في المسرحية - سنلقي الضوء هنا على شخصيات المسرحية و هي :
الخليفة - الوزير - منصور - الرجل الرابع - المملوك جابر .
الخليفة و الوزير :
و هما شخصيتان سلطويتان تتفردان بالحكم الذي لا هم لهما سواه و تضطهدان بسببه افراد الشعب عموماً .
فالخلفية يريد توطيد حكمه و تثبيته من خلال البعد و التباعد عن الشعب و التخلص من وزيره الذي يهدده بغية الخلاص منه بالتعاون مع اعداء البلاد المغول لينصبوه على العرش و النتيجة هي ضياع الوطن والمواطن .
شخصية منصور :
المواطن نصف الواعي ، ثرثار من الناحية السياسية و الناس يحسبونه مخبراً بسبب ثرثرته .
الرجل الرابع :
شخصيته متممة لمنصور ، و هو رجل واع سياسياً و اجتماعياً و فكرياً .
المملوك جابر :
شخصية تمتاز بالذكاء و الفطنة ، و هو انتهازي ، باعتماده على الفطنة و التقرب من الوزير ( العلقمي ) يريد ان يصل مآربه و لكنه يدفع ثمن انتهازيته غالياً.
ان ونوس في مسرحيته هذه يؤكد على دور الجماعة في العمل السياسي إذ لا جدوى من العمل الفردي كمطلب للخلاص ، و الانسان غير المسيس ستستغله السلطة و تسحقه كما حدث للمملوك جابر الذي اراد ان يتحرر من عبوديته بطريقة الخيانة فكان الثمن ان ضيع رأسه .
- و المسرح السياسي لا يهتم بالشخوص كأفراد او انماط فقط ، و انما يشبعها بالقدرة على الترميز لان المسرح يعتمد في احايين كثيرة على الايحاء و الرمز و الدلالة لا على التحديد و التعيين فقط ، فقد اكد ونوس على جابر مثلاً باعتباره رمزاً للطبقات المضطهدة و الفقيرة غير القادرة على المطالبة بحقوقها مع كونها تفكر بها سراً و هي مستعدة لفعل كل عمل شائن في سبيل تحقيق طموح ذاتي .
إن خيبة جابر لاتعني إحباطاً لطموحات الجماعة بقدر ماتعني خلق حافز ورافد ذاتيين لدى أفراد المجتمع لتبصر أمورها ومصيرها .
وسعد الله لايتدخل في إيجاد مصائر لشخوصه أو تفسير قضاياها.
وفي رأيي أن استخدام ونوس الحكاية التراثية وإظهاره لطريقة استغلال السلطة للمواطن غير الواعي وغير الفاعل بهذه الصورة البشعة له مدلول عظيم (كتابة رسالة الخيانة على رأس جابر ومن ثم قطعه بطريقة بشعة ) على تفاهة الإنسان الانتهازي وأن نهايته ستكون بهذه البشاعة والمأساوية وإن كان قطع رأس جابر أثار مكامن الحقد والكراهية على الجلاد . إن التسييس والشحن والتحريض هي مرتكزات سعد الله ونوس الأساسية في مسرحه الذي يقول : (أريد مسرحا يعلم ويحفز على العمل ،أي أن يزيد احتقان المتفرج وهو يعلمه ) .
منقول