هام لتلميذ الباكالوريا , النمذجة ,باكالوريا آداب فلسفة
السلام عليكم
باكالوريا آداب ,فلسفة ,النمذجة نظام جديد,برنامج,التعليم,في تونس
ما النمذجة –Modelisation- ؟
تعريف النمذجة
إن النموذج –Le Model- هو التمثل الذهني لشيء ما و لكيفية اشتغاله، و عندما نضع شيء ما في نموذج نستطيع أن نقلد اصطناعيا –Simuler- تصرف هذا الشيء و بالتالي الاستعداد لردوده. و هذا يعني أن النمذجة ليست إلا الفكر المنظم لتحقيق غاية عملية، ذلك أن النموذج هو نظرية موجهة نحو الفعل الذي نريد تحقيقه. و من هذا المنطلق يمكننا القول أن كل إنسان "ينمذج" في حياته اليومية و في كل لحظة، فهو يجمع كل الكائنات التي تحيط به بصورة ذهنية، سواء تعلق الأمر بأشياء مادية أو بأشخاص أو حتى بمؤسسات، و هذه الصورة الذهنية تمكنه من تركيب و تقليد سلوك موضوعه اصطناعيا لتقييم نتائج قراراته و يختار ضمن القرارات الممكنة أفضلها، و إذا بدا له النموذج غير مناسب يغيره بآخر. و هكذا فإن سيرورة قرار التبضع أو سيرورة تقبل إعلام إشهاري هي مثلا سيرورات قابلة لأن تنمذج. يتعلق الأمر إذن بمحاولة حصر النسق المركب المدروس لاستباق ردود أفعاله بطريقة صورية و دون عودة إلى التجربة إلا في المستوى الافتراضي –Virtuel-. و بالتالي يتعلق الأمر بوصف نسق واقي بطريقة صورية أي بالطريقة التي تجعلنا قادرين على معالجته بالحاسوب. فالنمذجة هي إذن، مبدأ أو تقنية تمكن الباحث من بناء نموذج لظاهرة أو لسلوك عبر إحصاء المتغيرات أو العوامل المفسرة لكل واحدة من هذه المتغيرات، فهي تمشي علمي يمكن من فهم الأنساق المركبة و المعقدة عبر خلق نموذج يكون بنية صورية تعيد إنتاج الواقع افتراضيا
منقول عن الأستاذة سلمى بالحاج مبروك
أستاذة فلسفة بتونس العاصمة
أبعاد النمذجة :البعد التركيبي
يمكن القول بدءا أن محاولات حثيثة طرحت مفهوم الاستدلال كنموذج منطقي صوري وجد في التفكير اليوناني أسس انطلاقه ووجاهة معالجته إلى يومنا هذا . ولكن ما أثار الاهتمام به كثيرا هو ما شهدته التطورات الابيستيمولوجية المعاصرة التي بدأت عنايتها بالبحث في انبثاق "فلسفة طبيعية " معتمدة على المجهودات الرياضية (المفاهيمية والتقنية) وعلى إمكانية نقل هذه المقاربة عبر مفاهيم ابيستيمولوجية بنيت لأداء هذا الغرض إلى ليس فقط الظواهر الفيزيائية بل حتى تلك الظواهر المورفولوجية منها والبنيوية.
وإذ نحن على مشارف قرون التكنولوجيا الرمزية بات مجددا اقتحام نموذج الاستدلال الذي به يتم البث في القضايا بصدقها أو بكذبها وذلك بغية الوصول الى النتائج المستخلصة من المقدمات كما بدأت العناية من جانب رمزي لهذه القضايا وليس صوري فقط . وقد أثبتت الدراسات المنطقية والابيستمولوجية على أن الخطاب البرهاني /الصوري لا يعالج قضايا الخطابات الطبيعية التي تتميز بالحالات الممكنة ،أو بالأحرى، أوضاع عوالم ممكنة مرنة القضايا، الا في جانب صغير وضيق. ولذلك ترى أن المنطق المعاصر اتجه إلى جعل الظواهر المورفولوجية من مواضيعه الحساسة ( نظرية التجزيء في الرياضيات ) التي أصبحت تستخدم مناهجها في تطوير مجالات معقدة من حيث بنية أنظمتها والمتداخلة من حيث مكوناتها المعرفية فبدت مع معارف شتى كالكمبيوتر وعلومه والذكاء الاصطناعي وأساليبه ومجالاته باعتبارها انظمة رمزية تستدعي أنموذجا طبيعيا مرنا يصلح لتوصيف ومعالجة الظواهر الطبيعية التي عجزت لحد الساعة علوم صورية عديدة عن الوصف الدقيق لها ولبنياتها وانساقها . هذا موضوع استلهم الفلاسفة منذ ارسطو وبعده فلاسفة المنطق واللغة والوضعين وعلماء الرياضيات والابستيمولوجيا والمنطق واللسانيات الصورية ومعلوميات الذكاء الاصطناعي وعلماء المعرفية...أريد هنا فقط أن أوضح هذا الدور الجديد للمعارف المذكورة و المتمثل في معالجة الأنظمة الكونية المطبوعة بالرمزية كاللغة الطبيعية والخطابات البشرية والتواصل بأنواعه والإبداع الإنساني إنجازا وتأويلا...
و مفهوم الاستدلال هذا جذوره فلسفية -منطقية لا محالة ، فهو أسلوب يسلكه كل من المنطق الصوري والخطاب الحجاجي/الطبيعي للتوصل إلى البث في نتائج القضايا ، انه النموذج الصوري البرهاني الذي يشكل أساس بنية الخطاب الطبيعي الذي هو عبارة عن نص أو بناء يتركب من عدد من الجمل السليمة-المحمول والموضوع- مرتبطة فيما بينها بعدد من العلاقات ،
وهذه العلاقات قد تكون علاقات مثنوية أو جمعية ، أي بين جملتين أو أكثر ، ثم يمكن أن يكون هذا الربط مباشرا وغير مباشر .وهذا شرط من شروط النص الاستدلالي الذي هو عبارة عن نص اقتراني بحيث أن كل عناصره مرتبطة فيما بينها .
وأما ما يجعل من النموذج الاستدلالي بنية استدلالية هو تلك العلاقات الاستدلالية ،وحد علاقتها أنها بنية تربط بين صور منطقية لعدد معين من جمل النص أي بنية نونية مرتبة يمكن صوغها كما يلي :
( صن1 ....صن 2.....صن ن-1 .....صن ن)
بحيث يشكل كل صن ( 1اكبر من أو يساوي 2 اكبر من أو يساوي 3) الصورة المنطقية لإحدى الجمل وتدعى المتوالية الجزئية صن 1....صن ن-1 بمقدم هذه العلاقة وصن ن بتاليها
و قد يحصل أن يكون النموذج الاستدلالي هذا من الصنف التدريجي الذي تسبق فيه المقدمات النتيجة أو من الصنف التقهقري التي تأتي فيه النتيجة قبل بيان المقدمات. كما قد يكون من الصنف الاظهاري إذا ذكرت جميع الصور المنطقية التي تدخل في بنائه أو من الصنف الاضماري إذا طويت بعض هذه الصور واحتيج إلى ذكرها لتمام بنيته الاستدلالية .كما يكون من الصنف البرهاني إذا كانت علاقاته قابلة للحساب الآلي أو من الصنف الحجاجي إذا كانت علاقاته تأبي الخضوع لمثل هذا الحسابي الصوري.
يتبين مماحدد من أصناف الاستدلالات المنطيقية على أنها على نوعين كبيرين هما:
أ- اساليب الاستدلال الصوري البرهاني-الصناعي الذي يسهل القيام بحساب مكوناته والوصول إلى نتيجة واضحة من حيث الانتقال فيه يبنى على صور القضايا وحدها اعتمادا على قوانين برهانية خالصة
ب- أساليب الاستدلال الطبيعي الذي لا يمكن حساب مكوناته، ذلك انه فعالية تداولية وجدلية وطابعه الفكري مقامي واجتماعي ، الهدف من هذا النمط الاستدلالي هو الاقناع القائم على بلوغ التزام صور استدلالية اوسع واغنى من البنيات البرهانية الضيقة ،هنا القوانين ليست عبارات تحليلية ، لان النتائج فيها ليست مجرد افصاح اواعادة او تصريح بما هو متضمن في المقدمة ، في هذا المستوى تحضر الذات المستدلة في الخطاب لاثبات دعوى او ابطالها
بهذا أكون قد بسطت القول في حدود المنهجين الاستدلالي البرهاني-الصناعي والطبيعي-الحجاجي ،فتبين أن علم منطق الحوار المعاصر
و مبادئ الابيستيمولوجيا المعاصرة أو أيضا نظريات الرياضيات المورفولوجية وفلسفته المنطق والفلسفة الطبيعية والبراديغم الابستيمولوجي والمعرفية...كلها معارف تتقدم لاستقصاء بنيات الخطاب الطبيعي الموسومة بالمرونة والحدس والعتمة والتي لم يعد ينفع معها أساليب المنطق التقليدي.
يدخل هذا الموضوع أيضا ، في إطار ما يسمى الآن بتكامل المعارف وتعددها . فالفلسفة فكر شمولي وهي أم العلوم طبعا ولكن استقلالية العلوم عن بعضها البعض أعاد طرح هذه المرجعية الفلسفية من وجهة نظر ابيستيمولوجيا محضة . فترى في يومنا هذا عند تطور العلوم (سواء منها الدقيقة أو العقلية أو الإنسانية ) دعوة للتوحد لكن بصيغة أخرى وهي إضفاء المشروعية الفلسفية والابيستمولوجية على جميع هذه العلوم حتى تكون رصينة . فتجد ان لكل معرفة علمية مرجعية فلسفية تؤطرها وتشرعنها (إن صح التعبير).
أأكد هنا ، وتذكيرا لما سبق ، أن منظومة الكون الموسومة بالأشكال الرمزية والظواهر المورفولوجية التي بدأت تطرح نفسها بإلحاح شديد في الساحة العلمية والتقنية. طرح مفهوم الاستدلال من جديد في الساحة العلمية المعاصرة :
أ- لاعادة ربط النظريات العلمية الحديثة.بهذا المفهوم ( الارسطي-اليوناني) الذي شكل العمود الفقري لتاريخ العلوم التي اشتغلت به وتاريخ العلوم شاهد على ذلك طبعا من خلال توظيف المنطق الصوري الارسطي هذا النموذج المنطقي الذي به نستنتج المقدمات الكبرى عبر صور فنحصل على النتيجة فحين ننطلق مثلا من فرضية (مقدمة) أ --- ب وب---ج اذن أ---ج هذه صورة منطقية تطبق على القضايا التي يبث فيها بالصدق والكذب . وحينما وضع أر سطو اورغانونه فإنما أراد أن يضع نظاما متكاملا لهذه الصورة المنطقية في مقولة القياس فسحبها على خطابات أخرى فتجد ضمن هذا الاوركانون فن الشعر والخطابة ..
ب- تطور هذا المفهوم عبر تاريخ الفلسفة مع مجموعة من الفلاسفة أمثال ديكارت وكانط وشارل بيرلمان واصحاب الفلسفة الوضعية وعلماء رياضيون متأخرون عليهم. فاصبح بالتعبير الابيستيمولوجي المعاصر نموذجا ( براديغم ) يتم به نمذجة نظريات العلوم وما عليك الا ان تنتقل بينها فتجد أن هيكلها واحد . فان أردت أن تبني نظرية علمية فما عليك الا ان تنمذج وتصوغ (تبسيطا) على منوال نظرية ما ، نظرية اخرى فتقوم بنقل البراديغم لكنك تحتفظ به في جهة ما من نظريتك الجديدة واذاك لا نقول بمفهوم القطيعة الابستيمولوجية كما عند باشلار بل هناك امتداد وتحديد جهوي للبراديغم وهذه العملية لابد لها من اساليب منطقية صرفة تساعدك على هذا البناء النمذجي الجديد . فالنمذجة فيما بين العلوم هي التي تجعل تناسلها سريعا ومتكاملا ومتناسقا ، ونظرا لدور النظريات العلمية في تدقيق الوصف في مواضيعها المدروسة وعلى سرعتها وبداهتها اضحى من الحتمي أن تشمل باقي الظواهر الكونية التي يصعب فك لغزها ،فتجد ان العلوم تتفرع يوما بعد يوم وهذا يتطلب أساليب صورية منطقية ورياضية لمعالجة ما علق بكنه هذه الظاهرة او تلك . وكان على النظريات الرياضية أن تستنجد بفلسفة طبيعية أرادت أن توسع من دائرة ظواهرها، فبعد أن كانت تهتم بكنه وماهية الشيء أصبحت تعنى بأشكال ومورفولوجية وانساق الأشياء في الوجود . من هنا انبثقت رياضيات جديدة سميت برياضيات أشكال الحدس أو بالأحرى نظرية رياضيات الكوارث( théorie des catastrophes) وهي رياضيات جديدة من أهدافها فهم ماهية الأشكال الرمزية للكون ، وما أنتجته المعلوميات وعلوم الذكاء الاصطناعي لخير دليل على تطبيق هذه النظرية من حيث البحث في لانهائية الأشكال الرمزية والتي تثبتها أيضا أنظمة العلوم شتى ( مثلا في علم النباتيات ،على الرغم من تشابه ماهية الخلية ،فان الشكل المورفولوجي لا يمكن أن يكون مماثلا أبدا ورغم المماثلة في البيولوجيا او الفيزياء فإن هناك اختلافا مطلقا من جانب مورفولوجيا الظواهر ) نن نعتقد أن نمذجة المفاهيم التي ما هي إلا تصورات تترجم الحالات التي يغدو عليها وبها الفضاء الكوني في الوجود ، هي إذن شبكة نستطيع بها فهم خبايا مما قد يكون جزءا صغيرا ضمن منظومة عظمى نحن حتما في حاجة إلى جهاز مفاهيمي جديد هو عبارة عن منظار وأسلوب وآلة لاستجلاء ما قد يكون مبهما . وبواسطة مفهوم كهذا (الاستدلال) نختبر هذه الأشكال الرمزية ، ونستدعي حينها أساليب اكثر نجاعة ومرونة من تلك التي تقف عند حد ما وما يثبته الاستدلال الصوري هو البرهنة على القضايا صوريا وليس رمزيا لان ذلك يصطدم بقرائن أخرى حجاجية / حدسية . فالذكاء البشري ليس دائما يهتدي للاستدلال البرهاني بل كذلك للبرهان الحدسي وهو رمزي طبيعي من صميم الأشكال المورفولوجية ومنها اللغة الطبيعية المعقدة بامتياز ومعالجتها تقتضي اعتماد الاستدلال الطبيعي وليس البرهاني ومن هنا أتت مقاربات جديدة مثل هندسة المعرفة وهندسة اللغة.
إن موضوع معالجة اللغة الطبيعية هو من هذا الصميم ( باعتباره شكلا رمزيا ونظاما مورفولوجيا ) وإذ نريد هنا التجدر الابستيمولوجي والفلسفي لموضوع ذي أهمية كبرى ضمن أشكال الكون الرمزية (وتشديدي هنا بامتياز على الرمزي ) .
فلسفة : العلم بين الحقيقة والنّمذجة (تحقيق محمّدعلي كسيرة)
قبل الشّروع في قراءة هذه الدّراسة ينبغي علينا الاطّلاع على برنامج وتوجيهات المحورالعلم بين الحقيقة والنّمذجة قصد الاستفادة من هذه الدّراسة وفق متطلّبات المحور:
II- العلم بين الحقيقة والنّمذجة :
1- أبعاد النّمذجة
أ - البعد التّركيبي
الأكسمة – البنية – التّرييض – الصّورنة
ب – البعد الدّلالي
الافتراضي – القانون - الملائم - النّظريّة - الواقعي.
ج – البعد التّداولي
التّفسير – التّحقيق – الفهم – النّجاعة.
2- النّمذجة ومطلب الحقيقة
أ- الحدود الابستيمولوجيّة
الاختزاليّة – التّاريخيّة – الأنظمة التّقنيّة.
ب – الحدود الفلسفيّة
الحقيقة – المسؤوليّة – المعنى.
تتمحور هذه المسألة حول ,النّمذجة ,العلميّة ,باعتبارها التّمشّي المشترك بين مختلف الحقول العلميّة والمميّز لها عن أشكال الخطاب الأخرى، وتتعلّق بمنزلة النّموذج العلميّ المزدوجة بين انشداده إلى مرجع خارجي عنه وسعيه إلى بناء واقع مستحدث، أي بين ضرورة تلزم النّموذج، ومواضعة موسومة بالتّعدّد والنّسبية.
ذلك ما يبرّر تفصيل القول في ,النّمذجة ,العلميّة, على جهات ثلاث (تركيبيّة ودلاليّة وتداوليّة) تتصادى مع توتّرات ايبستمولوجيّة ثلاثة :
- توتّر بين تمثيل الظّواهر ,باللّغة ,الطّبيعيّة ,وتمثيلها بواسطة أنظمة رمزيّة اصطناعيّة.
- توتّر بين معطيات التّجربة العيانيّة ومقتضيات الإنشاءات ,التّجريديّة.
- توتّر بين معرفة نظريّة مطلوبة لذاتها وإرادة نجاعة التّحكّم في الظّواهر.
إنّ مقاربة الممارسة العلميّة بواسطة النّمذجة تتيح لنا قراءة نقديّة للإنتاج المعرفيّ العلميّ تمكّن من تجاوز تشتّت حقوله، ومن تقصّي حدوده الايبستيمولوجيّة والفلسفيّة.
,الدّراسة المنقولة,
,النمذجة ,وآفاق التنظير في الخطاب النقدي الحديث
هذه الدّراسة منقولة -تحقيق ومطالعة -الأستاذ محمّد علي كسيرة -1 - النمذجة وبناء النماذج:
1.1- مفهوم النموذج:
لقد اكتسب مصطلح النموذج (Modèle) "حمولة منهجية واسعة في الدلالة على كل الأشكال والإنتاجات المنذورة لخدمة مرامي المعرفة"(1). ويذهب "H. Wermus" (1983) إلى استبعاد العلاقة المباشرة التي يمكن افتراض نشوتها بين النموذج والمجال الواقعي إذ ما يميز النموذج بوجه خاص هو كونه بناءا (Construction) يصاغ في الغالب من بعض الخواص المنتقاة من الواقع. ويتم ذلك بسند (ضمني) من نظرية مسبقة قد تكون ساذجة. وعلى غرار ذلك فإن الفكر التنظيري (P. Théorisante) أو الصوري، يستعيض عن "الفكر" كما هو، بهندسة مفهومية معينة تنطلق من اللغات والمكونات الأخرى (الرمزية) لتؤسس، مع ذلك، أنسقة متنوعة وذات طاقة تعبيرية هائلة. والمفروض في النظرية تمثيل وشرح واشتقاق الوقائع من ,النموذج ,المعطى بل العمل على إثرائه بعلاقات جديدة واحتوائه ضمن الاتجاه الذي ينحو إليه البحث العلمي. وثمة وفرة من الإجراءات الخاصة لتأسيس النماذج والنظريات تظل بالضرورة وفي مجموعها، مجالا يوظف فيه الباحث-بصورة غالبا ما تكون ضمنية-كفاءته وإبداعيته ونوازعه(2). فالعلاقة الناهضة إذن بين النموذج والعالم الخارجي، أي شكل الخطاب (التمثيل الخطاطي R. Schématique) الذي ينتجه والذي يحدد بشبكة علاقاته الداخلية نوعية ودينامية الروابط الممكنة مع موضوعه الخارجي.
ويلزم عن هذا التحديد، ضرورة التمييز بين نمطين أساسيين من النماذج:
أ - النموذج المادي: ويؤسس بالاستناد على المعطيات ,التجريبية ,للموضوع.
أ.أ- النموذج النظري: ويسمح-انطلاقا من ,نموذج الموضوع, بصياغة ,نظرية ,معينة تجعل من الظاهرة المدروسة ظاهرة أكثر عمومية وشمولية، محجوجة ومسنودة بالتجربة مع فسح المجال أكثر لتعدد الفرضيات (Hypothèses) التي قد تتيح إمكانية تجاوزها(3). لكننا نذهب إلى وجود نوع من النماذج النظرية القابلة للتعديل والمراجعة في ضوء التشكيلات النظرية النقيضة. فأهميتها الإجرائية تكمن بالنسبة إلى "الخطابات النقدية الشارحة" في كونها تناقح أساسا عن طبيعتها النظرية عبر خرق ما يسمى بالامتحان التجريبي أو معياري المقبولية واللامقبولية المصوغين في نطاق ,التجريبية ,المنطقية والوضعية المحدثة.
وبعبارة أخرى فالذي يحدد فاعلية هذا النمط النموذجي يتمثل بوجه خاص في أسلوب مقاربته للمشاكل المطروحة. وليس هذا ما يميز النموذج النظري وحده في سيره نحو تحسين كيانه، فالأهمية الاستراتيجية للعلم نفسه في تصور Larry Laudan تكمن بالأساس في اقتراحه حلولا ناجعة لمشاكل مطروحة بحيث تشكل هذه افعالية، سواء أكانت متعلقة بمشاكل تجريبية أم مفهومية، وحدة قاعيدة في مسار تبلوره وتقدمه(4). ولذلك تنحو النماذج النظرية هذا المنحى بما ينتصب عاملا محددا ومترجما لقدراتها الإجرائية-التداولية.
إن تطلب التجريبية للشرط التجريبي اكتنف أيضا حدها للنموذج ذاته. فالنماذج عند (Jean-Pierre Changeux) لا تعدو كونها "تمثيلات مبسطة ومصورنة عن الواقع الخارجي يقترحها رجل المعرفة العلمية ويقارنها به (أي بالواقع) عن طريق التجربة، جاهدا في البرهنة على صلاحيتها بالارتكاز على "معايير صريخة وذات صبغة بتية"(5). وهو مفهوم نلحظه عند غريماس وكورتيس (1979) اللذين يشترطان في لنماذج مطابقة مزدوجة: مكابقة للنظرية (استنباط) ومطابقة للمعطيات التجريبية (إثبات VS تفنيد) [ فقرة التصور الغريماسي للنمذجة رقم 1-3-1].
ونظرا لما يستلزمه الأساس التجريبي، رغم كونه خارجا عن مقاصد النموذج التكويني الذي سنقترحه لاحقا من وقفة إبستمولوجية متأنية، فقد وزعنا هذا القسم المنهجي إلى الفقرات التالية:
ا-مشكلة النمذجة من خلال منظوري روني طوم وبتيتو كوكوردا.
اا-التصور الغريماسي للنمذجة
ااا-النمذجة في نظرية الأدب.
على أن إدراج الفقرة (ااا) إنما يرد في سياق التمثيل ما أثمرته بعض النماذج النظرية-النقدية المتاخمة للخطابات العملية والإبستمولوجية المعاصرة من التساؤلات جوهرية تمس في الصميم قضية إيجاد نموذج تحليلي للظواهر الأدبية.
1.2.1-مشكلة النمذجة عند "طوم" و "كوكوردا":
طرحت مشكلة النمذجة (Modélisation) في سياق مراجعات مبادئ النظرية السيميو سردية عند غريماس. وقد تم تأطير تلك المراجعات تأطيرا نموذجيا كارثيا (نسبة إلى نظرية الكوارث) يرتكز على بلورة تصور عقلاني متعال لمفهوم وأساسيات النمذجة. ومن شأن هذا التوجه الإبستمولوجي أن يعيد النظر في الأسس العقلانية الغريماسية مع "التمييز بعنياة بين نمذجة الظواهر، وتمثيل المفاهيم"(6). وقبل إبراز الملامح العامة لتصور بتيتو (1985) (أ) واستلزاماته على مستوى الاختيار المنهجي المدافع عنه في هذا القسم، بل والخلفيات النظرية الموجهة لصيغته العامة، نريد أن نقف هنا عند العلاقة الجوهرية الكاشفة عن عمق التضافر الإجرائي بين الحدود الصورية المعتمدة لدى بتيتو، ومرجعياتها الإبستمولوجية ضمن نظرية روني طوم.
1-منذ مشروع (الاستقرار البنائي وتكون الشكل) طوم (1977)، الذي حمل كعنوان فرعي/ "بخيث في النظرية العامة للنماذج"(*) برز إلى الوجود مفهوم موسع لنظرية المعرفة ولشروط قيام إبستمولوجيا عامة مسكوت عنها في أغلب الدراسات التي انضوت تحت لواء النزعة التجريبية. وقد لخص بتيتو (1987) نقود طوم على التجريبية في مأخذين متقابلين:
أ-تبعية الحقيقة النظرية للسلطة العملية للتجربة وما نتج عنها من تحويل تدريجي للعلم إلى مشروع خبرة نافذ ونشي لالتزاماته الأدبية التي يتصدرها معرفة الكائن(7)
ب-أدلجة (Idéologisation) القدرات النظرية الجديدة في شكل معرفة جديدة أو علم جديد (Nuova Scientia)(8).
وأما الطبيعة التقابلية التي يتشح بها المأخذان كلاهما وما قد ينجم عن المراوحة بينهما من صعوبة تلمس موقف نظري متجانس، فتكمن بخاصة في تناقض حدي الثنائيتين اللتين يولدهما ذانك المأخذان. وهاتان الثنائيتان هما:
أ-الفلسفة العقلانية – المعرفة التقنية المغالية(Techniciste)
ب-العلم العقلاني - الفلسفة التأملية (النظرية).
ولقد تبلور الموقف الأول قبل أواسط العقد السابع من هذا القرن، حين عرض طوم (1972) تساؤلاته حول حاضر العلم وكبيعة إشكالاته النوعية، فأوضح مأزق التجريبية الساذجة الذي وقعت فيه الدراسات التجريبية حين انساقت وراء إنماء ومراكمة أنسقة وصفية للواقع، وتغافلت عن استكناه "آليات الضمنية" (Sous-Jacents) للسيرورات التي ينصب عليها التحليل"(9). وهذا الخطأ المنذر بغربة السؤال النظري-التأملي- في بيئة المستجدات العلمية- ومحاولة اختزاله إلى مجرد نماذج كمية، هو الذي أدى إلى انحسار محاولات التفكير في مشروعية النمذجة المجردة وتضخم السبر الاختباري مع تفاحش سلطة المؤسسة العلمية التي تحتضنه(10).
إن فقدان التجريبوية لذاكرتها "النظرية يعتبر لوحده مفارقة شاذة يتعين تصحيح وضعيتها في اللحظة الراهنة ابتغاء تحليل جدلي معمق لأسئلة الهامش النظرية. ولاشك أن صنع النماذج وتداولها اعتباران أساسيان لا غنى عنهما، ولا يمكن بحال من الأحوال، في نظر روني طوم، تقييدهما بشرط المواطأة التجريبية كما تفيد مزاعم الوضعية الساذجة.
فخلافا لهذا المنحى، ما يهم "في النموذج، ليس اتفاقه مع التجربة(..) بل وزنه الأنطولوجي ((Ontologique أو إثباتات النموذج عل صعيد الآليات الضمنية للسيرورة المدروسة"(11). ويظل "اقتصاد الوصف"" معيارا أساسيا في التحقق من "كفاية الصورنة (..) والاقتصاد ذاك يصدر دائما عن فرضية، أي عن تمثل ذهني جزئي للظواهر موضوع الدرس"(12) ويمكن اعتبار ثانوية المحك التجريبي أساسا لإكساب (أو اكتساب) الشرعية (Ausweisung) وبالتالي استلزمنا من الاستلزامات النظرية لهذا المنحى.
2 - لاحظ طوم، من جهة أخرى، افتقار التنظير البنيوي لأي أساس إبستمولوجي مادام لا يؤسس انتقاده للبنيات على تبرير دينامي، وما دام سنده في تبرير انتقائه "اتفاق الخطاطة المجردة، استدلاليا، مع المورفولوجية التجريبية (أي مع المتن المستوعب للمعطيات التجريبية)"(13). وإذ تثير نظرية الكوارث هذا الإشكال الجوهري، فإنها تستأثر وحدها -في نظر طوم- بالقدرة على حله. من ثمة ينبغي النظر إلى أهمية نظرية الكوارث على أنها لا تكمن فقط في كونها مولدة للنماذج أو عملة جديدة في التعامل مع الأنساق، بل وأكثر من ذلك، في كونها تتعدى الحدود التي تؤطرها منظرية متماسكة، لتصير بمثابة منهج وأسلوب في العمل.
3 - أفضى هذا المسار الإبستمولوجي التأسيسي إلى تجسير الهوة بين العلوم الطبيعية (Naturwissenschaften) وعلوم الإنسان (Geistswissesnschaften)، وإلى اقتراح صيغة جديدة سماها روني طوم "سيميوفيزياء" (Sémiophysique). وتقوم بشكل عام على عملية نقل تركيبية أساسها تشغيل العلوم السيميولسانية في مقاربة حقول العلوم الطبيعية. وقد أثبتت هذه الطفرة الجذرية جدواها في قراءة منظومة الفيزياء الأرسطية على أسس جديدة، بعد مرحلة القطيعة الغاليلية (نسبة إلى "غاليليو" 1942).
إن القطيعة التاريخية المكرسة بين المناهج النقدية والإبستمولوجيات الحديثة تشكل -في نظرنا- عقبة كأداء يصعب اقتحامها في سياق البت في كثير من الجوانب الأساسية لنظرية الكوارث التي تشكل قطب الرحى في النموذج التكويني الذي اقترحناه وترتبط هذه الملاحظة أكثر بالمجهود الذي ينبغي بذله لفهم قضية النمذجة كما تبلورت مع بتيتو (1985) على وجه الخصوص. ولعل مظاهر تلك العقبة أن تحول دون تذليل التعقيدات والوعوائق التي يمكن اختزالها في جانبين أحدهما يتعلق باللغة الواصفة التي تأبى إلا أن تتخذ من الصورنة المفهومية الموغلة في التجريد أسلوبا، والتمثيل الرياضي المكثف أداة، مما يؤدي إلى صعوبة استيفاء الدقة في تمثل اللغة الواصفة باعتبارها شرطا أول لاستيضاح طبقات الخطاب النظري العام للمشكلة المطروحة. وحتى إن قهر الدارس هذا العائق واستوثق من موجهات الخطاب وتدبر مستغلقاته، فإنه معرض لا محالة لمشكلة لا تقل عن الأولى صعوبة، وهي مشكلة اختيار اللغة الواصفة (الثانية) الأقل تعقيدا، ولهذه الأسباب جميعها، اقتصرنا على حوصلة الملامح العامة لقضية النمذجة عند "جان بتيتو" (1985-أ)، دون الخوض في جوانبها الرياضية.
2.2.1-طبيعة البناء التركيبي للنموذج:
سنعمل على معالجة النمذجة (Modélisation) وبناء النماذج انطلاقا من مبحث "بتيتو" (1985-أ) المعنون ب: "أطروحات من أجل موضوعية سيميائية"، وفيه حاول "بتيتو" طرح مشروع تصور عقلاني متعال (Transcendantale) للنمذجة شبيه بذلك الذي نصادفه في الفيزياء(14). فعمد في القسم الرئيس من مبحثه إلى استرجاع مفهوم "طوم" للنموذج كما بسطه (G. Geymonat و G. Giorello) في دائرة المعارف الإيطالية (Einaudi). فالنموذج ليس سوى تناظر بين ظاهرة معينة (نرمز لها بحرف x) وموضوع مركب (M) هو النموذج، وينبغي أن يفي ما بينهما من الشبه بالإجابة عن السؤال (Q) الذي نطرحه بصدد (X ) ولتحقيق هذا الغرض يجب توافر هذه المجموعة من القيود:
أ - أن يكون السؤال(Q) هو المحدد لتركيب (M)
أأ - أن يكون بمقدورنا ترجمة السؤال (Q) إلى سؤال (Q) يخص ((M
أأأ - أن يكون بمقدور الإجابة ( R) التي يقدمها (M) عن (Q) أن تخضع بعد ترجمتها إلى إجابة موحدة ( R) و (Q) للتحققات والتمحيصات التجريبية (الستويغ الاستدلالي بواسطة: الإثبات-التفنيد)(15).
ويستوجب القيد (ااا) المتعلق بالتسويغ الاستدلالي النهائـي للنماذج عامة، توافر إجرامين متمايزين ومتلازمين يتعلق أولهما بالجانب اللساني في انتقاله من اللغة الطبيعية الوصفية لملاحظة (X) (أي لملاحظة الظاهرة)، إلى اللغة النظرية المصورنة للنموذج (M). بينما يتوقف الجانب الثاني المتصل بالموضوع، على معرفة استراتيجية الانتقال من ظاهرة معطاة إلى موضوع نظري-صوري مركب- Théorético Formel. ويندرج هذا القيد ضمن المحور الإبستيمولوجي بثيماته الكبرى. أما الاختيار الرياضي في هذا المستوى فيمثل حالة خاصة لكونه ينزاح بمنهجه ونوعية اقتضاءاته عن كثير من تلك المعايير والقيود. من ذلك استحالة قابلية للتجريب، وبالتالي خرقه للقيد (ااا) فضلا عن طبيعته القياسية الاحتمالية (Abductive)، إذ لا هو بالاستقرائـي ولا بالاستنباطي. وتظل هذه السمة المميزة للاختيار الرياضي مهجوسة بثقل النظري والتصوري في أبعادها الأنطولوجية الخصيبة للاختيار الرياضي لتتجلى بوضوح كثافة المنظور الظاهراتي (الفينومينولوجي). وهذا الأخير هو -حسب مفهوم "هولطون" (Gerald Holton) "ثيمة" أو اختيار إبستمولوجي مركزي في نظرية الكوارث برمتها.
ولمزيد من الإيضاح يمكن تمثيل الإجراءات الأساسية السابقة، على هذا الشكل(16):
التحقق التجريبي
السؤال (Q) الظاهرة (X)
التسويغ الاستدلالي
-التناظر (Aposteriori)
الترجمة -تسويغ الإجابة (R )
قبلي
الترجمة
السؤال (Q) النموذج (M) الإجابة ( R)
ونخلص مما سبق إلى الأهداف التالي:
-ضرورة ترييض المفاهيم (Mathématisation des concepts).
-أهمية التسويغ القبلي، وضرورة دعم الاختيار الرياضي في هذا السياق
-ما يهم في الخاصية القياسية الاحتمالية المنوه بها آنفا من حيث كونها إجراء في صوغ الفرضيات كما نص على ذلك "بتيتو" هو "علاقتها بالابتكار المفاهيمي، والخيال النظري"(17).
-إمكانية مد الجسور بين الدلالة المجردة، وموضوعية الظواهر.
-توفير الزخم الأنطلوجي بوصفه ضرورة من ضرورات النمذجة والتأسيس النظري.
1.3.1-التصور الغريماسي للنمذجة:
يعتبر (A. Gulien Greimas 1992) من أبرز منظري السيميائيات السردية، فهو إلى جانب نموذجه الشهير في نحو السرد ومارقيه، يتميز بانفتاح ملحوظ على قطاعات علوم الإنسان وإفادته منها في إثراء تصوراته، وإكسابها صبغة صورية خاصة استأثرت إلى حد كبير بعناية المنظرين الكارثيين وفي مقدمتهم بتيتو كوكوردا (1985 أ- 1985ب).
ونريد هنا أن نقف وقفة متأنية مفهوم غريماس للنموذج وفقا لمجموعة من المبادئ والتحديات النظرية التي لا تخفى تعقيداتها وخصوصياتها في الآن معا. وسنكون بهذه الخطوة الأساسية -إضافة إلى ما تقدم- قد مهدنا لجوهر هذا العمل الذي سيبلور موقفا شاملا -نسبيا- من مجمل القراءات النظرية المطروحة في مسألة النمذجة في الوقت الذي يكون فيه حقلا لانعكاساتها في مستوى نسقه واستراتيجيته المنهجية.
نحتاج قبل ذلك كله إلى سوق موجهات إجرائية صدر عنها غريماس (1966) في مقدمة كتابة: "الدلالة البنيوية/بحث في المنهج" لوثاقة صلتها بما هو آت.
لقد شكل "الإدراك" (Perception) زاوية أساسية لفهم سيرورة الدلالة (Signification) وتمظهراتها في مبحث غريماس. وهو في هذا التوجه يستند على "نظرية الإدراك" كما تطورت في فرنسا مع "ميرلوبونتي" (Merleau Ponty) بخاصة. ولئن كان قد حدد موقفه النظري من المرجعية الفلسفية في هذا الشأن، فإنه لم يحدد دينامية التفاعل المحايث بين الآلية الإدراكية والآليات الدلالية، وأبعادها الإشكالية العميقة، بل اقتصر على التماس التعضيد المناسب لموقفه هذا في ظل متغيرات العلوم الإنسانية الأخرى؛ محيلا مثلا على النموذجين السلوكي والجشطلتي اللذين شكلا ردة فعل إزاء الذرية الترابطية (Atomisme Associatonniste)، وحلا محل سيكولوجيات "الاستبطان" و"الملكات". ويمكن تأويل ميله -في السياق نفسه- إلى تبئير الإبدال الإدراكي للأثر الأدبي في مجال تفسير الظواهر الجمالية، بقصور التمثيل المفهومي لكيفية اختمار واشتغال المكون الإدراكي في صميم البنيات الدلالية. ولعل وجاهة هذه الملاحظة تستبين بشكل واضح في حد علم الدلالة (Sémantique) لديه؛ حيث لا تخرج -في نظره- عن كونها "محاولة لوصف عالم الخواص المحسوسة"(18).
إن ترسيخ(*) الإدراك في النظرية الغريماسية لا يعفيها من طابع "الإغضاء عن الموضوع" (Ignoration elenchi) حيث تظل إبستيمية الإدراك مفصولة عن أي علاقة ممكنة بالبنية الدلالية المحايثة. على أن إصرار غريماس على طائلة التحليل الكيفي ووروده بإلحاح قوي في توصيف الظاهرة الدلالية، مؤشر جد إيجابي على فهم الإبدالات النوعية في الرؤية الإبستمولوجية الراهنة. وأحد تلك الإبداعات الأساسية، إغناء مجال تبني وممارسة التحليلات الكيفية بالنظر إلى مساهمتها في "سد الثغرة الحاصلة حاليا بين علوم الطبيعة التي درج العلماء على اعتبارها علوما كمية، وعلوم الإنسان التي -رغم المظاهر المخادعة- تظل علوما كيفية"(19). وهنا يلوح تقارب ملحوظ- رغم اختلاف منطلقاته- بين التصور الغريماسي ومشروع روني طوم الآنف الذكر.
وبعد هذا التمهيد أريد هنا أن أقف وقفة متأنية عند مفهوم غريماس (1979) للنموذج وفقا لمجموعة من المبادئ والتحديدات النظرية التي ستكون لها انعكاسات هامة على الإستراتيجية المنهجية للنموذج التكويني الكارثي المقترح.
-يستند القاموس المشترك لغريماس وكورتيس (1979) على تصور خاص لمفهوم "النموذج" وجهازه المفاهيمي:
(ا)-فالنظرية بالنسبة إليهما تركيب "أو بناء متماسك وقابل للتحقق يتوسط بين المفاهيم اللامعرفة ((Indéfinissables، ومواجهة المعطى التجريبي"(20). والنظرية بأوسع مفهوم "تراتبية من اللغات الواصفة التي تتدرج من مستوى الظواهر التجريبية إلى لغة الوصف والمفاهيم الإجرائية: فاللغة المنهجية المسوغة للتوصيفات، فاللغة الإبستمولوجية في آخر المطاف" وهذا المستوى الأرقى درجة والمشتمل على المفاهيم اللامعرفة والفرضيات التي لا يقام عليها دليل، يتموضع كنسق من البديهيات التي لا تقبل البرهنة أو: (Axioma).
(اا)-والمستوى المنهجي يتمثل في "تحليل المفاهيم الوصفية (كمفاهيم العنصر والوحدة والفئة والمقولة الخ) وتحليل الإجراءات (أو الطرائق: التعيين، التقطيع، الاستعاضة، الإبدال، الخ) وهي الطرائق الإجرائية التي تتيح التمثيل النظري للموضوع (أي وصفه)" ويحيل نعت "الإجرائية" على ممارسة الفعل العلمي (Le faire scientifique) الفعال حسب الظاهر" سواء أتعلق الأمر بمفهوم ما أو قاعدة أو غيرهما، رغم كونهما غير محددين بصرامة كافية.
(ااا)-أما المستوى الإبستمولوجي فيشكل من حيث هو فعالية تحليلية البديهيات والفرضيات وجرد للمفاهيم اللامعرفة المذكورة "سمة جوهرية لكل نظرية صلبة المبنى".
(Vا)-قوام البناء (Construction) "لغته الواصفة الكاشفة تدريجيا عن النظام المحايث للأشياء". والبناء يندرج ضمن فاعلية الذات العارفة (الذات الإبستيمية الجماعية)، ومن ثم فإنه معرض لأن يلتبس بالوصف، وهذا الخلط قد يرتفع إذا تبين أن الموضوع المبني لا يكون كذلك إلا إذا دل على أو وصفه يتم عبر لغة واصفة مبنية أيضا.
((V-بناء لغة (واصفة للبناء) إنما هو التمثيل المنطقي الدلالي المرتكز، بشكل عام، على "تأويل رموز اللغة الصورية"…
(اV)-اللغات الواصفة (أو الشارحة) التي يجري توظيفها في الوصف، متمايزة عن لغات التمثيل (Langages de représentation) التي تمظهرها وتجليها. وليس متعذرا إمكان توافر "تمثيلات مختلفة "لواقعة" واحدة".
(ااV)-الصورنة (Formalisation) "نقل للغة الشارحة المتعلقة بالوصف إلى اللغة الصورية" وعليها المعول في روز "تماسك النظرية واستخلالص النتائج". والصورنة "لا تتدخل-مبدئيا- إلا في المقام الأخير بعد أن تكون النظرية قد اكتمل بناؤها المفهومي من قبل".
(اااV)-"يتسم الصوري بتقابله مع المضمون" و"النسق الصوري نسق اصطلاحي" أي هو عبارة عن "حساب رمزي غير ذي دلالة". وإن اعتبار كونه "خلوا من المعنى" و"متعلقا بشكل المفهوم" حسب تعبير هيلمسليف ومتطابق الوجهين: "التعبير/المضمون" الخ، كل ذلك يجعله معدا لأن "يؤول دلاليا".
(Xا)-النماذج -في نظر غريماس- هي بمثابة ممثالات ((Simulacres مؤسسة تتيح تمثيل مجموعة من الظواهر. وبتعبير آخر، هي بناءات مجردة وافتراضية يتم استخلاصها من النظرية في إطار المنهج الافتراضي-الاستنباطي، وتنجز في نطاق لغات تمثيل ملائمة، كما يلزمها أن تلبي شرط "مطابقة مزدوجة": مطابقة، من جهة، للنظرية (استنباط)، ومطابقة للمعطيات التجريبية من جهة ثانية (إثبات/تفنيد أو دحض)".
((X-في إطار لغات التمثيل "تخصص النماذج" (…) الملفوظات المستنبطة من المفاهيم اللامعرفة ومن بديهيات النظرية". وتضطلع تلك الملفوظات بما هي "إجراءات استكشاف Procédures de découverte)" بوظيفة أساسية:-فإذا كانت إجراءات الوصف مؤدية إلى بناء اللغة الواصفة، فإن "إجراءات الاستكشاف"، تلك، صيغ صريحة (Explicites ) للعمليات المعرفية (Cognitives) المؤدية إلى إجراءات الوصف". ونظرا لخاصيتها الإجرائية، فهي تقتضي تقويما مزدوجا؛ تقويما أول من الناحية المنهجية، وتقويما ثانيا من الناحية الإبستمولوجية: [أي (اا) و(ااا) آنفا].
2.3.1-مناقشة:
مهما يبدو جليا انخراط غريماس في "الحساسية الإبستمولوجية الجديدة" المجانية للدوغمائية التجريبية، فإنه ما برح يصالح في أكثر من موطن وكما تشف عن ذلك مواقفه المتأخرة-حتمية مبدأ الاتفاق التجريبي/النظري. ولاشك أن هذا المبدأ يعكس مفهوما معينا يجافي حقيقة التحولات التي غيرت أطر النظريات و أنساقها. إن الحساسية الجديدة تنقل مسألة المطابقة التي تقدم تحليلها، من أفقها المعياري الضيق إلى أفق يحتفظ للسبك النظري بكيانه النوعي الخاص. معنى ذلك أن النظريات "التي بلغت درجة من العمق التفسيري في مجال محدود، يجب ألا تنحى بمجرد تقديم الحجة على أنها تتعارض مع التجربة كما تظهر في الإحساس العادي، ويجب أن يتوفر الاستعداد عند الباحثين لاحتمال أن تظهر بعض الظواهر بدون تفسير"(21). وحتى الرياضيات التي تمثل أرقى أدوات الصورنة إلى حد جعل طوم يقرر أن "التنظير الوحيد الممكن ذو طبيعة رياضية"(22) كانت إلى حدود القرن الماضي باعثة على ترسيخ الدور الافتراضي لمبادئها حيث "لم يعد بالإمكان التمييز بين المبادئ الرياضية على أساس أن بعضها أصدق من بعض أو أكثر وضوحا، وإنما أصبحت هذه المبادئ(..) مجرد فروض بالمعنى الرياضي للكلمة، أي أنها توضع وضعا، ولاتكون قط موضع إثبات، ولا يخامر واضعها شك في أنها توضع خارج الصدق والكذب كمجرد قرار واتفاق"(23). وقد تمت، من جهة أخرى، بلورة جملة من المواقف الإبستمولوجية النقدية إزاء نسيج العلائق اللامتكافئة بين العلوم الطبيعية-التي تريد لنفسها أن تكون نموذجا أصليا (Prototype) وبعض العلوم الإنسانية (مثل التحليل النفسي)، مع إعادة النظر -منهجيا- في الأحكام القاسية الصادرة بهذا الخصوص.
إن مشروعية النماذج -في تقدير غريماس- تأتي من "مطابقتها للنظرية و/أو التجربة"(24). وأي نموذج، على هذا الأساس، ليس سوى "ممثال" ينتظر منه أن يعمل جاهدا على تنحية "المضمون أو المحتوى الأنطولوجي".
إن نعت "المشروعيى" الذي يجرد على النماذج المستجيبة (أو المتوقع منها أن تستجيب) للمبدأ المذكور آنفا، يساعدنا على فهم الافتراضات التي تحكمها، وتكوين نظرة عن الكيفية التي تؤسس النظرية-في ضوئها- نظام تحديداتها الذاتية: -فحين نعلم متى "يكتسب" نموذج ما مشروعيته ومتى "تجرد منه"، نستطيع أن ندرك الحدود المرسومة له، ونطاق قدرته أو كفايته التحليلية. وفي وفرة من الحالات، يصير السؤال عن المشروعية سؤالا عن الماهية نفسها بإيحاءاتها وظلالها الإيديولوجية. فإذا افترضنا مثلا أن على قول علمي معين (Enoncé Scientifique) أن يخضع - إذا أراد استحقاق علميته- لقاعدة تلزمه بالاستجابة لمجموعة من الشروط الضرورية، فحينئذ تكون المشروعية "تلك السيرورة التي بإيعاز منها، يباح للمشرع (Législateur) الذي يدرس الخطاب العلمي، سن الشروط ذاتها إلى هذا الخطاب، ويحظى بقيمة اعتبارية لدى الأوساط العلمية"(25). وتنقلب المشروعية -بهذه الصورة- إلى مفهوم يجد تفسيره في ظل المؤسسة وأجهزتها الايديولوجية، وتصير المعرفة والسلطة وجهين لسؤال واحد هو: من يقرر ما يكون معرفة، ومن يعرف ما يجدر تقريره؟(26).
لقد أوضحنا، في هذه الفقرة، الإقصاء الذي يطال "المحتوى الأنطولوجي" في النظرية الغريماسية. ولئن ارتكزت سيميائيات غريماس على مبدأ "الاستقلال الأنطولوجي للشكل السيميائي، واعتباره شكلا (Gestalt) وبنية دالة"(27)، فإنها تتذرع بإقصاء البعد الأنطولوجي لتسويغ كثير من الإجراءات (ومنها، على سبيل المثال، " الحفاظ على إجرائية مفهوم البنية"(28)). وقد أبرز بتيتو كوكوردا(1985) حدة المفارقة الناشئة عن حاجة النظرية السيميائية إلى لحظة التأسيس الأنطولوجي الموضوعي، وتبرم غريماس بها تحت ضغط ضرورات شكلية صرف تمليها اعتبارات خارج النظرية أكثر مما تمليها شروط بنائها الداخلي.
1.4.1-النمذجة في نظرية الأدب:
يمكننا إجمال أساسيات البناء المنهجي في النموذج التجريبي، فيما يلي:
أ - المنطلق الافتراضي
ب - بروتوكول التحضير مع تحري الدقة والشمولية
ج - بروتوكول التجربة
د - قابلية التحقق (Vérifiabilité)
هـ - قابلية إعادة الإنتاج (Reproductibilité) بما يتيح استخلاص القانون.
و - الشرط التداولي (Pragmatique) (الفائدة النظرية أو التطبيقية)(29).
ويتتبع عمليات بناء النماذج في نظرية الأدب، نلاحظ أن بعضها يوفر العناصر: أ-د-و، السالفة.
ففي سياق تأسيس "علم الأدب التجريبي" (Emprischen Literaturwissenschaft)، اقترح "شيغفريد شميت" (Siegfried J. Schmidt) نموذجا سماه "تجريبيا" (Empirisch). وهو يقوم على توسيع نطاق إجرائية مجموعة من المفاهيم والآليات ضمن نظرية جديدة هي ما اصطلح "شميت" على تسميته "بنظرية الأفعال". ويشكل مفهوم الأدب أحد المتغيرات الأساسية في هذا الاتجاه لكونه -وفقا للتشغيل التجريبي- لم يعد مؤشرا على "تلك المجموعة المحددة من النصوص المنطوية على خصائص متميزة"(30)، بل اتسع باعتباره كلا مركبا- ليستوعب "المجموعة الكلية من السيرورات الاجتماعية والجوانب المتعلقة عموما بالحياة الأدبية"(31)، وهكذا يتحول مفهوم "الأدب" -في منظور التجريبية المؤسسة- إلى "منظومة اجتماعية فرعية (Social Subsystem) يتعامل أعضاؤها (العوامل Actants) مع الموضوعات أو النصوص التي يعتبرونها أدبية"(32). ودون الخوض في تفريعات نظرية الأفعال، من الملاحظ على نموذج "شميت" كونه يشدد على قابلية التحقق من بعض المواضعات ذات الخاصية الافتراضية (hypothétique) والتقريبية)(33)، ويعيد بناء المرجعية السوسيولوجية والسيكولوجية. وفي هذا الإطار، وإمعانا في توسيع القاعدة المفهومية لسياق القراءة، يتبنى مفهوم "منظومة السامع/المتكلم القبشرطية" (Varus et Zungssystem)، وهي عبارة عن نسق من الأطر المتحكمة في آليتي المقاربة النقدية، والتلقي معا -و"يتضمن كل الشروط التي اكتسبها المتكلم/ السامع على امتداد عملية التكيف الاجتماعي عند الانخراط في المقام التواصلي"(34). والواضح أن المفهوم الجديد/القديم، يأتي استجابة لدافع استراتيجي يهدف إلى تقنين شروط الفعل التواصلي بصورة عامة، تمهيدا لإجراء المطابقة التجريبية مع مرجع الخطاب (النقاط: د، هـ، و، سابقا)، أو المصادرة على تجانس الأفق التواصلي مع شروطه المرجعية (سمة القصدية)(*).
مقابل هذا النوع من النماذج التجريبية، توجد نماذج نظرية تقيم علاقات إنتاجية وتخصيبية مع موضوعاتها في نطاق الحرص على:
أ - الإصغاء المرهف للأسئلة النظرية (دعم خصوصية البناء الافتراضي)
ب - تبئير بنية المفارقة والمشابهة
ج - تكثيف الصيغ الاستعارية للخطاب الواصف كبديل عن لغة الوقائع والتطابقات
د - الانسجام الداخلي بين مكونات النموذج
هـ - توسيع حركية المعنى عن طريق تبسيط الوصف (إغناء المستوى التوليدي للنموذج)
و - إبدال آلية التحقق التجريبي بالحمولة الأنطولوجية-الفلسفية.
ونضرب مثلا على ذلك بمقترح "جان كلود غاردان" (J. Claude Gardin)(1982). ففي دراسة موسومة "بالقراءات الجماعية وعلوم الأدب الفريدة"(35)، يسعى "غاردان" إلى طرح مقترح نظري يرتكز على الدعوة إلى أفق علمي للأدب يقوم مقام النقد أو لتفسير الكلاسيكي للنصوص الأدبية. وتتحدد ملامح هذا الأفق بخاصة في توظيف جهاز تحليلي جديد فضلا عن الاستناد على مناهج أكثر تمفصلا. والأثر في ضوء هذا التوظيف يغدو "موضوعا مجردا يسمى نصا". ولا يتعين الإمساك بجوهر أو معاني هذا الموضوع إلا "بواسطة إجراء تحويلي ينبني على عمليات متتالية لإعادة الكتابة تنطلق من النص -المصدر (الأثر) لتنتهي إلى النص- الهدف (تفسيره)"(36). ويذهب "غاردان" -لمزيد من إيضاح مسعاه النظري- إلى افتراض أسس صورية للجهاز التحليلي يصار بمقتضاها إلى عملية الانتقال من وضع أولي يسميه متنا [ مجموعة من النصوص يؤشر عليها بحرف (م)]، إلى وضع هو خلاصة الفعاليات التأويلية يؤدي إلى ما يسميه "غاردان" بناءا علميا" (Construction scientifique) [يؤشر عليه بحرف (ب)]، ومدار الممارسة على "تحديد متوالية من العمليات الخطابية التي إن هي طبقت على (م) تتأدى إلى توليد (ب)"(37). ويفرز هذا الإجراء ما يمكن أن يسعف على "الإمساك الواثق بالأسس الصورية للتحليل الدقيق والحدود التجريبية لمشروعيته"(38). ويظل الذكاء الاصطناعي إطارا مرجعيا يؤمل منه أن يكشف عن "الموسوعة الضمنية" التي "يتعذر بدونها تسويغ بله فهم عملية الانتقال من (م) إلى (ب)"(39). ونستطيع باستقراء "الموسوعات المحلية" بشكل عام أن نفحص الخواص التي تستضمرها الأجهزة التحليلية وما يمكن أن ينعقد بينها من علائق وصلات أو فوارق واختلافات. ومن ثمة يظهر الدور الأساس الذي ستنهض به هذه الموسوعات المحلية لتزويدنا بقاعدة مرجعية ملائمة للمقارنة بين التحليلات تشمل "أنظمتها المنطقية-الدلالية"(40) [ التي يرمز إليها بحروف (أم د)]. وتتجاوز الوظيفة الموكولة إلى هذه الأنظمة تخصيص الفرادة النوعية لكل موسوعة على حدة عن كريق إبراز "مضمونها الدلالي وبنيتها المنطقية"(41) في صيغتها الفردية إلى صيغة جمعية تستوعب تشكيلة من الموسوعات المحلية. ويمكن -في تصور جان كلود غاردان- بناء أنظمة منطقية- دلالية أكثر شمولية بحيث يشكل مجموع الموسوعات المحلية "دعامة التفسيرات المختلفة المتعلقة بالأثر نفسه"(42). كما يمكن أن تستغرق الـ (أم د) ليس فقط الرؤى والمنظورات النقدية المتضاربة بل أيضا ما يتولد عن تركيبة العناصر المستقاة من هذه التفسيرات أو تلط، من رؤى وتصورات أخرى مضافة. وبذلك ينظر إلى تفسير النصوص "كمتوالية من الاختيارات ضمن مجموع الاستدلالات أو الاشتقاقات الممكنة انطلاقا من (م)، تفضي إلى بناء ما من جملة بناءات. وتشكل هذه الاختيارات أساسها الوحيد في نهاية المطاف"(43). ولئن تم استيفاء المكونات الضرورية للتأسيس النظري في مقترح "غاردان" فإنه يلبث مع ذلك مشوبا ببعض القصور الذي يتجلى في افتقاره إلى قاموم ملائم لتقويم البناءات. وهو قصور التمس "غاردان" تغطيته عن طريق تبني فكرة "جيلبير ديران" (Gilbert Durand) عن كبيعة الإجراء التقويمي في علاقته الوثيقة بالمستوى التوليدي للنموذج. "فالقيمة المعرفية للبناء إنما تقاس بقدرته التوليدية وطبيعة مفعولاته"(44). يضاف إلى ذلك مشروعية اختيار مبادئ خاصة تستلزمها طبيعة البناءا