| مع المعري الشاعر الفيلسوف | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2009-05-22, 01:42 | |
| هذه الدراسة عن مجلة جامعة تشرين للدراسات و البحوث العلمية _ سلسلة الآداب والعلوم الإنسانية المجلد (27) العدد (2)2005 Tishreen University Journal for Studies and Scientific Research- Arts and Humanities Science Series Vol (27) No (2) 2005 المعري لغوياً الدكتور محمد إسماعيل بصل* * أستاذ مساعد- قسم اللغة العربية- كلية الآداب- جامعة تشرين– اللاذقية- سوريا. (قبل للنشر في 11/5/2005)
الملخّص
يسلط هذا البحث الضوء على التفكير اللغوي عند أبي العلاء المعري. من خلال قراءة في رسالة الغفران، وبالرغم من أن معظم البحوث التي تصدت لهذه الرسالة ركزت بشكل رئيسي على الجوانب المتعلقة بالشعر والفلسفة والنقد، فإننا آثرنا في دراستنا أن ينصب جل اهتمامنا على الجانب اللغوي لما لهذا الجانب من أهمية بالغة ليس في الرسالة فحسب، وإنما في تفكير المعري كله، وهو الذي قيل فيه: " ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة لم يعرفها المعري" و "الشيخ بالنحو أعلم من سيبويه، وباللغة من الخليل"، وهو في رسالة الغفران لم يترك لفظة غريبة إلا استعملها، ولا علامة إلا شرحها. لقد تتبعنا جل المسائل اللغوية في رسالة الغفران فوصفناها ووصفنا الطريقة التي تعاطى بها المعري مع المسألة، وتوصلنا إلى نتيجة مفادها أن المعري لم يكن شاعراً بالدرجة الأولى كما عرف عنه، ولم يكن فيلسوفاً بامتياز كما علم من شعره، لقد كان لغوياً قبل كل شيْ وعبر عبقريته اللغوية عبرت معظم أعماله الإبداعية الأخرى.
تابع البحث السابق
لا تعد رسالة الغفران رائعة من روائع أبي العلاء المعري وحسب، بل من روائع الأدب العربي والعالمي أيضاً. وإذا كانت هذه الرسالة تشكل نصاً رحباً ومفتوحاً لمختلف أنواع القراءات الفلسفية والفكرية ... والأدبية والنقدية فإن الموضوعية تقتضي أن يختار الباحث ميداناً واحداً من بين هذه الميادين المعرفية التي تزخر بها رسالة الغفران. لكن هذه الموضوعية سرعان ما تنحسر أمام ذاتية الاختيار، فاختيار موضوع واحد من الغفران كي يكون مادة للتحليل والبحث، لا يعني البتة جوهرية هذا الموضوع على حساب الموضوعات الأخرى، لأن الشعر جوهري، والأدب جوهري، والنحو وهكذا بالنسبة للنقد والقصِِ، إلخ. لذا فإن التخصيص قد يساعد المختص في تأمل جوهر الفكرة "المعرية" ونظن أنها – أي الفكرة- واحدة في الموضوعات جميعها مهما بدت مختلفة أو متباينة للوهلة الأولى. ونحن عندما اخترنا المسائل اللغوية في رسالة الغفران مادة للدراسة، كنا نعلم أن الموضوع وعر المسالك أكثر من غيره، ولا تتأتى الوعورة من كون المعري أولى موضوع اللغة اهتماماً خاصاً ومتميزاً في كلامه، ولا من بثه المسائل اللغوية في كل أرجاء رسالته، ولا من شهرة المعري باطلاعه على غريب اللغة وحوشيها "ما أعرف أن العرب نطقت بكلمة لم يعرفها المعري"* بل – وبالإضافة إلى كل ما سبق – المسائل اللغوية ذاتها تحتاج إلى جهد كبير من أجل إحصائها أولاً، ومن أجل تنظيمها وتبويبها وتحليلها ثانياً، فمنها ما هو خاص بلغة المعري، ومنها ما هو متعلق بالنقد الأدبي، ومنها ما هو متصل بالقراءات والموسيقى والعروض، ومنها ماله علاقة بالشروحات اللغوية، أو بالخلافات بين النحويين. لقد رأينا أن أجدى ما يمكن أن نقوم به في هذا البحث، هو التوقف عند مجموعة من مجمل المسائل اللغوية المبثوثة في معظم صفحات الرسالة لتعرّف المعري اللغوي الذي قيل فيه : " الشيخ بالنحو أعلم من سيبويه وباللغة من الخليل."** ثمة –في الحقيقة – معطيا ت كثيرة جعلت من أبي العلاء المعري ذلك الرجل العالم والشاعر والحكيم والأديب واللغوي، ومما لا شك فيه أن الوقوف عند هذه المعطيات ودراستها وتحليلها يساعد كثيراً في فهم الآثار العلمية الكثيرة التي تركها المعري، ولم يصل منها للأسف إلا القليل *** الذي زين خزانة الأدب العربي والعالمي. ولا أظن أن الباحثين القدامى والمحدثين أهملوا جانباً من الجوانب الكثيرة التي كان لها أثر كبير على ثقافة المعري، فلقد تكلموا عن ولادة المعري ونشأته، وفقدانه للبصر، وتتلمذه على يد أبيه وغيره من تلامذة ابن خالويه، وعن ترحاله إلى طرابلس الشام وبغداد، واطلاعه على علوم الأقدمين من عرب وغير عرب. وتطرق الباحثون مرات عديدة إلى أثر العلوم اليونانية في ثقافة المعري، وتعلمه المسيحية واليهودية. فالمعري "يعرف الديانات والمعتقدات المختلفة، كما يعرف الفلسفة والتنجيم والتاريخ والتصوف، وما يطوى في ذلك من ثقافات يونانية وفارسية وهندية"(1). لكن موضوعنا في هذه الدراسة لن يشمل هذه النواحي الفكرية الفذة التي ملأت الأزمنة، وما يزال الناس مشغولين بها حتى يوم الناس هذا. بل سيقتصر على قراءة صفة واحدة من صفات المعري، وهي ولوعه بإحصاء غريب اللغة وشرحه والتعليق عليه ومن ثم استخدامه بصورة لم يسبقه إليها أحد. ولعل هذه الصفة هي التي حضت الدارسين – على اختلاف مناهجهم – على البحث عن فكر أبي العلاء المعري المخبوء في تعقيد لغته، حتى قال أحدهم " وأبو العلاء يتكلف الغريب ويتعمده، ليصد عامة الناس وجها لهم، سواء في ذلك العلماء وغير العلماء، عن قراءته والظهور على ما فيه، وكأن أبا العلاء كان يكتب لهذا العصر الحديث الذي نحن فيه وللعصور التي ستليه، وكأنه كان يخشى على آثاره الأدبية أن يفهمها أهل زمانه فيفسدوها ويشوهوها ويحولوا بيننا وبين فهمها. وكأنه إنما أقام من الغريب وقواعد النحو والصرف والعروض والقافية طلاسم وأرصاداً شغل بها أهل عصره عن هذا الكنز حتى لا يصلوا إليه .وحتى تسلم لنا نحن خلاصته..."(2) إن الثقافة اللغوية ساطعة كل السطوع في كل ما كتيه المعري (فالفصول والغايات) يزخر بالشروح اللغوية، و(عبث الوليد) يعج بالكلام على العروض والأوزان الشعرية والمسائل النحوية، وفي (رسالة الملائكة) يتوقف المعري طويلاً عند الفوائد اللغوية ولا تخلو (رسالة الصاهل والشاحج) من حديث لغوي على ألسنة الحيوانات ولعلنا لا نبالغ إذا زعمنا أن هذه الثقافة اللغوية هي التي جعلت رسالة الغفران – كبقية رسائل المعري – طويلة غنية، فالمعري في "الغفران" لم يترك لفظة غريبة إلا توقف عندها وفصل في شرحها حتى قيل فيه " هو البحر الذي لا ساحل له في اللغة"(3) وقيل أيضاً "سمع اللغة وأملى فيها كتباً، وله فيها معرفة تامة" (4) وكان "عالماً لغوياً شاعراً " (5) و"أحمد بن عبد الله بن سليمان أبو العلاء المعري اللغوي الشاعر (...) أخذ العربية عن أصحاب ابن خالويه ومحمد بن عبد الله بن سعد النحوي .. وتصانيفه في اللغة والأدب أكثر من مئتي مجلد (6) وإذا كانت رسالة الغفران تشمل موضوعات متشعبة ومتباينة، فإن الموضوع اللغوي يعد –برأينا- الأغزر والأهم في هذه الرسالة، ولعل بعض الباحثين المحدثين قد بالغوا كثيراً عندما عدوا أن الغرض الذي سعى إليه أبو العلاء في رسالته هو عرض الفوائد اللغوية، ولقد ذهب د. إبراهيم السامرائي إلى أبعد من ذلك حينما اعتبر أن أبا العلاء قد اتخذ لغرضه في عرض الفوائد اللغوية إطاراً أدبياً" يقوم على زيارته للنعيم وللجحيم وما يتصل بهذا من لوازم هي في جملتها من مشاهد العالم الآخر بنعيمه وجحيمه"(7) ومما تجدر الإشارة إليه ها هنا، هو أن الدكتور السامرائي، يخصص كتاباً كاملاً شاملاً للحديث عن المعري اللغوي، وينجح الباحث في وضع المعري في المكان المناسب بين علماء اللغة والنحاة، ويقر "أن أبا العلاء لغوي نحوي أديب ناقد أقل بضاعته الشعر الذي عرف فيه، ولاسيما في عصرنا هذا" (8) ولكن لا ندري لماذا يضرب الدكتور السامرائي بهذا الإقرار عرض الحائط في قراءته لكتاب المعري (عبث الوليد) فمن يطلع على هذه القراءة التي قدمها الدكتور السامرائي سيجد أبا العلاء ضعيفاً في اللغة، هزيلاً في النحو، غير قادر على التمييز بين خطأ الناسخ وخطأ الشاعر، نظن –مع تقديرنا الكبير لأعمال هذا الباحث- أن الفرصة التي فاتت على الدكتور السامرائي بإعداد معجم المتنبي ومعجم الجاحظ ومعجم ابن المقفع، عوضها بإعداد سريع لكتاب حمل عنوان "مع المعري اللغوي" مما أدى بطبيعة الحا ل إلى هذا التباين في الرأي، فهو يعد المعري من النحويين المتقدمين تارة، ويعده من النحويين المتأخرين تارة أخرى عندما يتصدى لـ (عبث الوليد)، لذا فإن الموضوع اللغوي، وإن كان الأغزر والأهم والأول على رأي الباحثة الدكتورة عائشة عبد الرحمن، فإنه لا يعد بأية حال- غرض المعري من "الغفران" وإنني أميل في تقويم أهمية الموضوع اللغوي في رسالة الغفران إلى رأي الباحث الدكتور أمجد الطرابلسي الذي يقول في هذا السياق "إن كثرة الشروح اللغوية في "الغفران" وتنوع الطرق التي كان يتبعها المتنبي في خلق المناسبات لها، دليل على أن هذه الشروح لم تكن تأتي عرضاً أو اعتباطاً، وإنما كانت في نفسها غرضاً أساسياً من أغراض هذه الرسالة" (9).
عدل سابقا من قبل كمال بوهلال في 2010-11-06, 00:00 عدل 5 مرات | |
|
| |
كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: المعري لغويا ج03 2009-05-22, 01:45 | |
| تابع البحث السابق وللاستدلال على كبر الحيز اللغوي في "الغفران" قمنا بعملية إحصاء بسيطة، فوجدنا أن الرسالة تتألف من أربعمائة وخمس وخمسين صفحة، خصص منها المعري اثنتين وثمانين صفحة للحديث عن المسائل النحوية وتأويل اللغويين على الشعراء، فيتعرض لأبي علي الفارسي، وأبي سعيد السيرافي، وابن دريد، والخليل، وسيبويه والفراء، وللمدرسة البصرية والكوفية، فتراه يسخر من قول هذا اللغوي، ويدحض رأي هذا النحوي، ورواية هذه المدرسة على تلك، ويغوص في مسألة خلافية، حتى ليكاد يشعر القارئ أنه بعد كثيراً عن الموضوع المطروح في الرسالة، ولعل هذه الاستطرادات اللغوية هي ما جعلت بعض النقاد يتهمون الرسالة بتشتت الفكر واضطراب السياق والمعري لم يكتف باستعراض أمثلة من الخلافات النحوية في هذه الصفحات الكثيرة المستقلة، بل تعرض في مواضع كثيرة إلى قضايا لغوية متفرقة، منها ما هو متعلق بالأوزان الشعرية، والموسيقى والعروض، والشروح اللغوية التي "تتوالى في جميع صفحات هذا الكتاب العجيب. فلا تكاد تمر لفظة إلا أسرع المعري إلى شرحها وتوضيحها، سواء كانت هذه اللفظة المفسرة من كلامه هو –وهو الأكثر الغالب- أم كلام منظوم أو منثور قد استشهد به"(10) وها هو ذ ا المعري في افتتاح رسالته يبدأ في شرح ألفاظه "يقول: اللهم يسر وأعن، وقد علم الجبر الذي أنزل إليه جبرائيل وهو في كل الخيرات سبيل، أن في مسكني حماطة، ما كانت قط أفانية (...) والحماطة ضرب من الشجر يقال لها إذا كانت رطبة أفانية فإذا يبست فهي حماطة" ويستمر في شرحه وتعليقه واستشهاده بالشعر، وهذا الضرب من الشرح متعلق بلغته الخاصة، أما فيما يتعلق بلغة غيره، فإنه لا يكف عن التعليق عليها أيضاً: يا دار سلمى لا أكلفها ****** إلا المرانة حتى تسأم الدنيا عن طريق مشهد حواري يسأل فيه الشاعر عن قصده بالمرانة "ما أردت بالمرانة؟ فقد قيل إنك أردت اسم امرأة، وقيل هي اسم ناقة، وقيل : العادة"(11) ومثل هذا الشرح كثير كما أسلفنا، لذا فإننا سنتوقف عند الجانب الآخر من الثقافة اللغوية لدى المعري ونقصد المسائل الخلافية في اللغة والنحو. وتأتي أولى هذه المسائل في اللقاء الذي تم بين ابن القارح والأعشى حيث يذكر هذا الأخير قصيدته التي يقول فيها: ألا أيهذا السائلي أين يممت ***** فإن لها أهل يثرب موعد ا
ويأتي على ذكر بيته: نبي يرى ما لا يرون، وذكره **** أغار لعمري في البلاد وأنجدا فيتوقف المعري عند كلمة أغار التي كثر فيها الخلاف "وإنما أذكرها لأنه قد لا يجوز أن يقرأ هذا الهذيان ناشئ لم يبلغه:حكي "الفراء" وحده (أغار) من معنى غار، إذا أتى الغور، وإذا صح هذا البيت "للأعشى" فلم يرد بالإغارة إلا الإنجاد"(12). فالمعري، وبالرغم من كل ما قاله الأصمعي عن أغار وشرحه لها بمعنى الإسراع والإنجاد والارتفاع، وما قاله الجوهري عن هذه الكلمة التي لا تحمل دلالة أتى الغور، كما زعم الفراء، فإنه يقرر بأن أغار –إن صح هذا البيت للأعشى- لم يرد إلا ضد الإنجاد. ونراه من بعد يحمل ابن القارح نقداً لغوياً لبيت عدي بن زيد الذي استشهد به سيبويه: أراوح مودع أم بكور ****** أنت فانظر لأي حال تصير
فبالنسبة لسيبويه، يجوز أن يرتفع الضمير أنت بفعل مضمر يفسره (فانظر) أما رأي المعري الذي يسوقه على لسان ابن القارح، فإنه يستبعد هذا التأويل دون أن يقدم البديل، ولا نظن أن المعري كان يقصد من رد عدي بن زيد على كلام ابن القارح "دعني من هذه الأباطيل " سوى السخرية من تأول النحاة على الشعراء وقياسهم الشعر على ما ليس له علاقة بطبيعة اللغة. تلاحظ الباحثة الدكتورة عائشة عبد الرحمن أن عدي بن زيد في قوله دعني من هذه الأباطيل لم يكن يقصد تكلف النحاة خاصة، وإنما أراد أنه في شغل بنعيم الجنة عن الشعر والنحو والنحاة جميعاً، ونحن نزعم أن المعري ما قصد إلا ما تدل عليه كلمة الأباطيل عندما يرتبط معنى النحو بالتكلف في التأول، وبتخريج الشعر على غير ما فيه، ولا نعد أنه قبيل المصادفة يذكر كلمة الأباطيل مرتبطة بالنحو مرات عديدة في "الغفران" ففي المرة الأولى يذكر هذه الكلمة ويربطها بالنحو على لسان عدي بن زيد كما في المثال السابق. وفي المرة الثانية يذكرها على لسان بشار بن برد "دعني من أباطيلك، فإنني لمشغول عنك" (الغفران،305) أما في المرة الثالثة، فإن كلمة الأباطيل في مناسبة تأويل قول المتنبي "أذم إلى هذا الزمان أهيله" (الغفران، 378). ناهيك عن ورود هذه الكلمة في رسائل أخرى من رسائل المعري كرسالة الملائكة، ويجب أن لا ننسى تعلق المعري بالسماع وتركه للتأول والقياس، بالإضافة إلى المآخذ الكثيرة التي كان يأخذها على آراء نحاة البصرة. من ذلك ما قاله على لسان القارح مخاطباً النابغة الجعدي، فكيف تنشد قولك: وليس بمعروف لنا أن نردها ***** صحاحاً ولا مستنكراً أن تعقرا
أتقول: (ولا مستنكراً) أم (ولا مستنكر) فيقول الجعدي: بل (مستنكراً). فيقول الشيخ: فإن أنشد منشد (مستنكر) ما تصنع به ؟ فيقول أزجره وأزبره. نطق بأمر لا يخبره. فيقول الشيخ –طول الله أمد البقاء- إنا لله وإنا إليه راجعون ما أرى سيبويه إلا وهم في هذا البيت، لأن أبا ليلى أدرك جاهلية وإسلاماً، وغذي بالفصاحة غلاماً. وهذا رد واضح على رواية سيبويه برفع مستنكر وجواز جرها ونصبها (13). ويمضي أبو العلاء في ذكر هذه الخلافات على شكل حوار مسرحي مشوق، فها هم علماء اللغة يجتمعون ويتحاورون ويختلفون على وزن إوزة، ويسوق المعري في معرض الحوار رأيه في تأول النحاة على لسان أبي عثمان المازني "تأول" من أصحابنا وادعاء، لأن إوزة لم يثبت أن الهمزة فيها زائدة "فيرد عليه الأصمعي بعد أن أخفق في إقناعه: ريشت (جرهم) نبلاً فرمى ****** "جرهماً" منهن فوق وغرار تبعتهم مستفيداً، ثم طعنت فيما قالوه معيداً، ما مثلك ومثلهم، إلا كما قال الأول: أعلمه الرماية كل يوم ****** فلما اشتد ساعده رماني
وينهض كالمغضب، ويفترق أهل ذلك المجلس وهم ناعمون (الغفران، 276) ويدل هذا الحوار بين المازني والأصمعي على أن الخلاف النحوي لم يكن حصراً على المذهبين البصري والكوفي فالأول نحوي من نحاة البصرة المتقدمين، والثاني راوية وصاحب لغة ونحو وسبق المازني في مجالس البصرة، بل لم يكن النحاة جميعاً يلمون بالمذهبين وكان كثير منهم يحفظون آراء شيوخهم كثيراً من نحو المذهب الآخر مما يشير إلى أنه أصبح لكل مذهب نوع من الاستقلال عن المذهب الآخر" (14).
تابع لم يكن المعري شديد العصبية على نحاة البصرة، حتى لو أفصح عن ميله لنحاة الكوفة. لأن السماحة العلمية التي كان يتمتع بها المعري خليقة بأن تبعده عن أية عصبية مذهبية ولعل الحوار الذي أشرنا إليه بين المازني والأصمعي يدل على ذلك، بالإضافة إلى تأييده بعض روايات سيبويه، كقوله لراعي الإبل (عبيد بن الحصين النميري) "أحق ما روى عنك سيفي قصيدته (اللامية) التي تمدح فيها "عبد الملك بن مروان" من أنك تنصب (الجماعة) في قولك: أيام قومي والجماعة كالذي لزم الرحالة أن تميل مميلا
فيقول: حق ذلك". ومثال آخر على موضوعية المعري في تناوله للنحاة، وإنصافه لمن يقول الحق حتى لو كان بصرياً، بيت طرفة بن العبد: ألا أيها الزاجري أحضر الوغى وأن أشهد اللذات، هل أنت مخلدي
فسيبويه يكره نصب (أحضر) لأنه يعتقد أن عوامل الأفعال لا تضمر أما الكوفيون فإنهم ينصبون أحضر بالحرف المقدر، ويقوي ذلك قول الشاعر وأن أشهد اللذات، ولكن نصب أحضر ليس خاصاً بالكوفيين فها هو المازني يروي عن علي بن قطربا أنه سمع أباه "قطربا" يحكي عن بعض البعض نصب أحضر. والحق أن المعري تعرض كثيراً في رسالته للغويين الذين عدّوا النحو كله قياساً ونقد حججهم وفند آراءهم وسخر من أحكامهم، لذا نجد أن نصيب أبي علي الفارسي من النقد والتعريض كبير في الغفران، وكان أبو علي الفارسي من أئمة القياس وهو القائل "لأن أخطئ في خمسين مسألة مما بابه الرواية أهون علي من أن أخطئ في مسألة واحدة قياسية"(16). ولعل مشهد أبي علي الفارسي والشعراء الذين يتحلقون حوله، يجادلونه ويلومونه على طريقته الذهنية في استنباط القواعد وتعليلها، هو من أهم المشاهد التي تتمحور على الخلاف النحوي الذي كان محتداً في المرحلة الزمنية التي سبقت المعري. ويظهر هذا بوضوح موقف المعري اللغوي من ذلك الخلاف. يقول المعري:" وكنت قد رأيت في المحشر شيخاً لنا كان يدرس النحو في الدار العاجلة، يعرف "بأبي علي الفارسي" وقد امترس به قوم يطالبونه، ويقولون: تأولت علينا وظلمتنا، فلما رآني أشار إلي بيده، فجئته فإذا عنده طبقة، منهم "يزيد بن الحكم الكلابي" وهو يقول: ويحك، أنشدت عني هذا البيت برفع (الماء) يعني قوله: فليت كفافاً كان شرك كله وخيرك عني ما ارتوى الماء مرتوي
ولم أقل إلا (الماء). وكذلك زعمت أني فتحت الميم في قولي: تبدل خليلاً، كشكلك شكله فإني خليلاً صالحاً بك مقتوي
وإنما قلت "(مقتوي) بضم الميم" (الغفران، 246) وهكذا يمضي المعري في محاكمة أبي علي الفارسي إلى أن يتدخل ابن القارح ليدافع عن أستاذه قائلاً: "يا قوم إن هذه الأمور هينة فلا تعتنوا هذا الشيخ فإنه يمت بكتابه في (القرآن) المعروف بكتاب الحجة) وإنه ما سفك لكم دماً، ولا احتجن عنكم مالاً" (الغفران، 247). وواضح من ذكر بيتي يزيد بن الحكم الكلابي، أن المعري يعارض أبا علي الفارسي. ففي البيت الأول يرفع الفارسي (الماء) على أساس أنه فاعل للفعل ارتوى، بينما لا يقصد الشاعر إلا الماء بالخافض على مذهب أبي العلاء الذي يرى معنى الكلام "ما ارتوى من الماء مرتو" وعبارة نزع الخافض هي عبارة أهل السماع الذين يفضلهم المعري على أهل القياس. وفي البيت الثاني يفتح الفارسي الميم في مقتوى، بينما يفضل المعري ضم الميم كما أنشد الشاعر، وحجة المعري في ذلك أن الميم المفتوحة لا تتعدى إلى شيء لأنه ليس باسم فاعل، أما الميم المضمومة فقد جعلت كلمة مقتوي تتعدى إلى (خليلاً) فإن قلت: إن باب (افعل) لا يتعدى فالجواب أن الشاعر يجوز أن يكون حمل ذلك المعنى فعداه. والمعنى: (فإني خليلاً بك خادم). وإن شئت نصبت خليلاً بفعل مضمر يدل على (مقتو)، فكأنه قال: فإني أخدم أو أسوس أو أستبدل بك خليلاً. ودل (مقتو) على ذلك(17). ومن نقد المعري لغلاة النحو والذين أساؤوا الرواية ما جاء في حوار ابن القارح وامرئ القيس، عندما سأل الأول الثاني، ماذا أردت بالبكر في قولك "كبكر المقاناة البياض بصفرة" فقد اختلف المتأولون في ذلك، فقللوا البيضة، وقالوا: الدرة، وقالوا: الروضة، وقالوا: الزهرة، وقالوا: البردية. وكيف تنشد البياض، أم البياض؟ فيرد الثاني: كل ذلك حسن، وأختار (البياض) بالكسر. فيقول المعري على لسان ابن القارح لو شرحت لك ما قال النحويون في ذلك لعجبت"(الغفران، 306). وليس غريباً أن يفضل أبو العلاء الرواة الثقات على النحويين وهو العارف أن النحو أخذ أصلاً عن هؤلاء الرواة، ولعل حكاية سيبويه مع معلمه حما د بن سلمة خير دليل عندما ظن الأول أن ثمة لحناً في رواية الثاني لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس من أصحابي إلا من لو شئت لأخذت عليه ليس أبا الدرداء" فقال حماد: لحنت يا سيبويه، ليس هذا حيث ذهبت (أي أنه ظن أن الصحيح هو قوله ليس أبو الدرداء باعتبار اسم ليس) وإنما "ليس" ها هنا استثناء، فرد سيبويه: لا جرم سأطلب علماً لا تلحنني فيه". إن مذهب أبي العلاء في النحو واضح كل الوضوح، وهو يدل دلالة قاطعة على الثقافة اللغوية التي كان يمتلكها هذا العالم الجلي فاطلاعه على ما رواه الثقات جعله يتوقف عند كل كلمة يشرحها ويبحث في تشعب دلالاتها، ويستبعد ما ذهب إليه بعض النحويين في إعرابها ضمن سياقها، كقوله في بيتي عمرو بن كلثوم: فما وجدت كوجدي أم سقب أضلته فرجعت الحنينا ولا شمطاء لم يترك شقاها لها من تسعة إلا جنينا
يجوز نصب شمطاء من وجهين: "أحدهما على إضمار ر فعل دل عليه السامع معرفته به، كأنك قلت: ولا أذكر شمطاء، أي إن حنينها شديد، ويجوز أن يكون على قولك: ولا تنس شمطاء، أو نحو ذلك من الأفعال، وهذا كقولك: "إن كعب بن مامة" جواد ولا "حاتماً"، أي إنه جواد عظيم الجود، قد استغنيت عن ذكره باشتهاره. والآخر، أن يكون من ولاه المطر إذا سقاه السقية الثانية، أي هذا الحنين اتفق مع حنيني، فكأنه قد صار له ولياً، ويحتمل أن يكون من ولى يلي، وقلب الياء على اللغة الطائية" (الغفران، ص.ص 223،224). أو كقوله في بيت المتنبي "وأهل، كلمة أصل وضعها للجماعة، في قال: ارتحل أهل الدار، فيعلم السامع أن المتكلم لا يقصد واحداً بما قال، إلا أن هذه الكلمة قد استعملت للأحاد، فقيل: فلان أهل الخير وأهل الإحسان (...) وكأن هذه اللفظة، أصلها أن تكون للجمع ثم نقلت إلى الواحد، كما أن صديقاً وأميراً ونحوهما، إنما وضعن في الأصل للأفراد، ثم نقلن إلى الجمع على سبيل التشبيه. وكذلك قولهم: بنو فلان أخ لنا. ويقال: أهل وأهلة وأهلات في الجمع. قال الشاعر: فهم أهلات حول "قيس بن عاصم" إذا أدلجوا بالليل يدعون كوثرا وقال بعض النحويين في تصغير آل الرجل: يجوز أويل وأهيل، كأنه يذهب إلى أن الهاء في أهل أبدلت منها همزة، فلما اجتمعت الهمزتان جعلت الثانية ألفاً، ومثل هذا لا يثبت. والأشبه أن يكون آل الرجل، مأخوذاً من آل يؤول إذ ا رجع، كأنهم يرجعون إليه أو يرجع إليهم. وأورد المعري في "الغفران" الخلاف القائم بين اللغويين في قولهم "فداء لك" يقول المعري في رده على ابن القارح: ألا يعجب من قول العرب: (فداء لك) بالكسر والتنوين كما قال الراجز: ويهاً فداء لك يا "فضاله" أجره الرمح، ولا تباله
ويروي: (تهاله) وذكر "أحمد بن عبيد بن ناصح" وهو المعروف "بأبي عصيدة" أن قولهم (فداء لك) بالكسر إذا كان لها مرافع، لم يجز فيها الكسر والتنوين. ولا ريب أنه يحكي ذلك عن العلماء الكوفيين، وعينه في قوله "النابغة": مهلاً فداء لك الأقدام كلهم وما أثمر من ما ل ومن ولد
عدل سابقا من قبل كمال بوهلال في 2010-11-05, 22:07 عدل 2 مرات | |
|
| |
كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: المعري لغويا ج 05 2009-05-22, 01:48 | |
| تابع فأما البصريون فقد رووا في هذا البيت: (فداء لك) بالضم. وهكذا يمضي أبو العلاء رده على ابن القارح في استعراض ثقافته اللغوية، التي – وإن بدت متأثرة بالنحو الكوفي فهي محيطة إحاطة تامة ومعمقة بأقوال أئمة النحو البصري، لذا فإن المعري يقف من المسائل اللغوية موقف المحلل المناقش الذي يستعرض الآراء مهما كان مصدرها فيردها أو يتبناها حسب ما يسمح له علمه الموسوعي ومنهجه العقلاني بذلك، وإذا كان الثراء اللغوي كان يمتلكه المعري سبباً في علو مكانته العلمية بين عاماء عصره فإنه السبب أيضاً في اختلاف الباحثين حول قيمة أفكاره. "فبينما يغالي (فون كريمر) A.V.Kremer في تقديره ويعده مفكراً أصيلاً يرى فيه "روزون" Rosen (...) على العكس من ذلك لغوياً لا مفكراً، يعنيه التركيب البلاغي الفني أكثر من الفكرة، كما أن سعيه وراء اللعب بالألفاظ كان يمكن أن يقوده إلى مسالك للفكر بعيدة عنه"(18). ويذهب بروكلمان إلى أن نيكلسون مصيب في عقد مقارنة بين المعري والشاعر الإغريقي يوريبيدس، فالإثنان فنان عظيمان يعرفان كل تراث عصرهما من العلم، غير أنهما ليسا مفكرين منهجيين. غير أن المعري وبالرغم من كل ما قيل فيه يبدو في "الغفران" مفكراً مطلعاً على شتى المعارف الدنيوية، ملماً بشتى ألوان الحياة الدينية وهو مع ذلك لم يقحم القضايا الفلسفية التي كانت مزدهرة في عصره والتي نهل منها في صبر وأنا ة وعزلة في موضوعات لا تحتمل هذه القضايا، فالمسائل اللغوية التي طرحها المعري في "الغفران" كانت مسائل لغوية صرفة، وتمت مناقشتها بطريقة علمية مأخوذة من طبيعة اللغة ذاتها، لذا، فإن القارىء لم يجد أثراً لعلم الكلام في مناقشة المعري للمسائل النحوية بالرغم من تسرب علم الكلام والفقه والفلسفة للدرس النحوي في الحقبة التي عاش فيها المعري، وهذا يدل دلالة واضحة على المنهج العلمي الذي اتبعه المعري، في تعرضه لمسائل اللغة والنحو في "الغفران" على عكس ما قاله بعض المستشرقين عن غياب المنهج عند المعري.
الحواشي:
(*) أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب التبريزي المتوفى سنة 502 للهجرة. صاحب (شرح الحماسة) و (تهذيب إصلاح المنطق) و (شرح المعلقات). (**) رسالة ابن القارح، تحقيق عائشة عبد الرحمن، دار المعارف بمصر، ص.22. (***) ينظر، تآليف المعري، في ملحق كتاب (مع المعري اللغوي)، د.إبراهيم السامرائي، مؤسسة الرسالة، بيروت 1984. (1)- شوقي ضيف الفن ومذاهبه في الشعر العربي، دار المعارف بمصر، دون تاريخ، ص 278. (2)- د. طه حسين، مقدمة الطبعة الثانية لرسالة الغفران، شرح وإيجاز كامل الكيلاني، وردت عند د.أمجد الطرابلسي، النقد واللغة في رسالة الغفران، مطبعة الجامعة السورية، 1951، ص5. (3)- التعريف 15، تقلاً عن (الأنساب)، طبع ليدن، الورقة 110، وردت عند د. أمجد الطرابلسي، النقد واللغة في رسالة الغفران، ص10. (4)- التعريف 18، بقلاً عن (المنتظم في أخبار الأمم) –ينظر المرجع السابق. (5)- التعريف186، نقلاً عن (تاريخ أبي الفداء) –ينظر المرجع السابق. (6)- التعريف 312 و 318، نقلاً عن (لسان الميزان) – ينظر المرجع السابق. (7)- د. إبراهيم السامرائي، مع المعري اللغوي، ص13. (8)- المرجع السابق، ص74. (9)- د. أمجد الطرابلسي، النقد واللغة في رسالة الغفران، ص162. (10)- المرجع السابق، ص 148. (11)- أبو العلاء المعري، رسالة الغفران، تحقيق د. عائشة عبد الرحمن، دار المعارف بمصر، دون تاريخ، ص238. (12)- المصدر السابق، ص172. (13)- ورد هذا البيت عند سيبويه على الشكل التالي: فليس معروفاً لنا أن نردها صحاحاً ولا مستنكراً أن تعقرا وأوله على النحو التالي: كأنه قال: ليس بمعروف لنا ردها صحاحاً ولا مستنكر عقرها، والعقر ليس للرد. وقد يجوز أن يجر ويحمله على الرد (...) وإن شئت نصبت فقلت: ولا مستنكراً أن تعقرا ولا قاصراً عنك مأمورها، على قولك، ليس زيد ذاهباً ولا عمرو منطلقاً، (أو) ولا منطلقاً عمرو... ينظر، الكتاب، سيبويه، تحقيق وشرح عبد السلام محمد هارون، ج1، عالم الكتب، بيروت، د.ت، ص 94-95. (14)- د. محمد خير الحلواني. الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين وكتاب الإنصاف. دار الأصمعي والقلم العربي، حلب، د.ت، ص.ب 49. (15)- سيبويه هذا البيت على الشكل التالي: أزمان قومي والجماعة كالذي منع الرحالة أن تميل مميلا كأن الشاعر قال: أزمان قومي والجماعة، فحملوه على كان. أنها تقع في هذا الموضوع كثيراً، ولا تنقض ما أرادوا من المعنى حين يحملون الكلام على ما يرفع، فكأنه إذا قال: أزمان قومي كان معناه: أزمان كانوا قومي والجماعة كالذي، وما كان حضن وعمرو والجياد ا. ولو لم يقل: أزمان كان قومي لكان معناه إذ ا قال: أزمان قومي، أزمان كان قومي: لأنه أمر قد مضى، ينظر الكتاب، ص. 305. (16)- وردت عند صلاح الدين الزعبلاوي، مع النحاة، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1992، ص.70. (17)- وردت عند أمجد الطرابلسي، نقلاً عن الخزانة، ج 3، ص.ص 326-328. (18)- كارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، ج 5، ترجمة د. عبد الحليم النجار، دار المعارف، القاهرة د.ت، ص. 37.
المراجع:
1- أبو العلاء المعري، رسالة الغفران، تحق، د. عائشة عبد الرحمن، دار المعارف، القاهرة، دون تاريخ. 2- ابن القارح، رسالة ابن القارح، تحق، د. عائشة عبد الرحمن، دار المعارف، القاهرة، دون تاريخ. 3- إبراهيم السامرائي، مع المعري اللغوي، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1984. 4- إبراهيم السامرائي، تأليف المعري، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1984. 5- أمجد الطرابلسي، النقد واللغة في رسالة الغفران، مطبعة الجامعة السورية، دمشق، 1951. 6- شوقي ضيف، الفن ومذاهبه في الشعر العربي، دار المعارف، القاهرة، دون تاريخ. 7- صلاح الدين الزعبلاوي، مع النحاة، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 1992. 8- كارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، تر، د. عبد الحليم النجار، دار المعارف، القاهرة، دون تاريخ. 9- محمد خير الحلواني، الخلاف النحوي بين البصريين والكوفيين وكتاب الإنصاف، دار الأصمعي والقلم العربي، حلب، دون تاريخ.
عدل سابقا من قبل كمال بوهلال في 2010-01-08, 18:28 عدل 1 مرات | |
|
| |
كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: أبو العلاء المعري الشاعر 2009-05-22, 01:53 | |
| (الشاعر ابو العلاء المعري)
من هو أبو العلاء المعري :
هو أحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي , عربي النسب من قبيلة تنوخ إحدى قبائل اليمن ، ولد في معرة النعمان بين حماة وحلب في يوم الجمعة الثامن والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ثلاث وستين وثلاثمائة للهجرة (973م) وكان أبوه عالما بارزا ، وجده قاضيا معروفا.
جدر في الرابعة من عمره فكفت عينه اليسرى وابيضت اليمنى فعاش ضريرا لا يرى من الألوان إلا الحمرة.
تلقى على أبيه مبادئ علوم اللسان العربي ، ثم تتلمذ على بعض علماء بلدته ، وكان حاد الذكاء قوي الذاكرة ، يحفظ كل ما يسمع من مرة واحدة ، وجميع من كتبوا عن أبي العلاء المعري قالوا فيه أنه مرهف الحس ، دقيق الوصف، مفرط الذكاء ، سليم الحافظة ، مولعاً بالبحث والتمحيص ، عميق التفكير .
اعتكف في بيته حتى بلغ العشرين من عمره ، منكبا على درس اللغة و الأدب ، حتى أدرك من دقائق التعبير وخواص التركيب مالا يطمع بعده لغوي أو أديب ، وقد بدأ ينظم الشعر وهو في الحادية عشر من عمره .
وفي سنة ثلاثمائة واثنين وتسعين هجرية ، غادر قريته قاصدا بلاد الشام ، فزار مكتبة طرابلس التي كانت في حوزة آل عامر ، وانقطع إليها فترة طويلة ، فانتفع بما فيها من أسفار جمة ، ثم زار الّلاذقية وعاج على دير بها ، وأقام فترة بين رهبانه ، فدرس عندهم أصول المسيحية واليهودية ، وناقشهم في شتى شؤون الأديان ، وبدأ حينئذ شكه وزيغه في الدين .
قصد أبو العلاء المعري بعد ذلك ، وهي مستقر العلم ومثابة العلماء فاحتفى به البغداديون وأقبلوا عليه ، فأقام بينهم فترة طويلة يدرس مع علمائهم الأحرار الفلسفة اليونانية والحكمة الهندية ، ويذيع آرائه ومبادئه على جمع من التلاميذ لازموه وتعيشوا له .
وكان قد فقد أباه وهو في الرابعة عشر من عمره ، فلما فقد أمه كذلك وهو في بغداد حزن عليها حزنا شديدا ، وأحس الخطوب الداهمة والمصائب تترى عليه دون ذنب جناه ، فبدأ ينظر إلى الحياة والعالم نظرة سخط ومقت وازدراء وتشاؤم ، و رأى أن من الخير أن يعتزل الناس والحياة ويزهد في ملذاتها ووصلت درجة زهد أبو العلاء المعري إلى أنه ظل خمسة و أربعين عاما لا يأكل لحم الحيوان ولا لبنه وبيضه قانعا من الطعام بالعدس ومن الحلوى بالطين ومن المال بثلاثين دينارا يستغلها من عقار له ، عاد إلى بلدته سنة أربعمائة هجرية ، وكانت آراء المعري شاهد على ما نقول عنه من نظرة تشاؤمية للحياة فهو يرى أنه ليس في الدنيا ما يستحق أن نضحي من أجله وأن كل ما فيها شر وشرور ، بل هناك من الباحثين في حياته من يقولوا أنه كان ينظر إلى أن كل من يسعى لملذات الدنيا فهو شر ، كما أنه ينضر إلى المرأة نظرة قريبة إلى نظرته إلى الحياة ، فهي كما يرى من الملذات ومن أقواله في المرأة :
بدء السعادة إن لم تخلق امرأة
ولم يكن أبو العلاء ناضب الفكر تجاه المرأة كما يبدو من بيت الشعر السابق لكن كل ما في الأمر أن أبو العلاء كان يخاف من فتنة المرأة وجمالها ، كما أن هناك نظرة أبي العلاء للولادة و الموت يدرك حجم تشاؤمه فهو يرع أن العدم خير من الوجود ، كما أنه يرى أن الإنسان معذب ما دام حيا , وأن متى ما مات استراح و له بيتان شعر قال فيهما :
قضـى الله أن الآدمـي مـعذب حتـى يقـول العالمـون بـــه قضـــى فهنئ ولاة الموت يوم رحيــله أصابوا تراثا و استراح الذي مضــــى
كما أن له بيت قريبا من البيتبن السابقين يقول فيه :
فليت وليدا مات ساعة وضعه ولم يرتضع من أمه النفساء
وهناك أيضا من حياته ما يدل على تشاؤمه فلقد احتجز نفسه في داره ، وسمى نفسه رهين المحبسين يقصد بذلك العمى والمنزل .
وظل معتقلا عن الناس ما عدا تلاميذه ، دائبا على البحث والتعليم والكتابة ، فأخرج مجموعة ضخمة من التواليف والكتب ذهبت أكثرها بفعل الحروب الصليبية ، ومن أهم وأبرز كتبه :
1. ديوان سقط الزند، ويشمل ما نظمه من الشعر أيام شبابه. 2. ديوان اللزوميات، ويشمل ما نظمه من الشعر أيام كهولته. 3. رسالة الغفران، وهي قصة خيالية فريدة في الأدب العربي. 4. ديوان رسائله، ورسالة الملائكة والدرعيات. 5. كتاب الفصول والغايات.
كان للمعري كما هو شأن أي شاعر ومؤلف آخر خصائص في شعره ونثره وكتاباته بفعل البيئة التي عاش فيها وغير ذلك من العوامل الأخرى ، من أهم خصائص شعر وكتابات المعري الاشتمال على الأمثال والحكم والحكمة ، و خصوبة الخيال ، تكلمه عن التاريخ والحوادث التاريخية ورجال العرب الذين اشتهروا بفعل حوادث تاريخية مشهورة وله بيت شعر طريف يتكلـم فيه عن معرفته برجـال العرب والحوادث التاريخية يقول فيه :
ما كان في هذه الدنيا بنو رمن إلا وعندي من أخبارهم طرف
كما أن كتاباته تميزت بالأسلوب الساخر والمتهكم، ولا يفوتنا أن نقول أن أبرز ملامح وخصائص ما شعر و كتب أبو العلاء المعري النظرة التشاؤمية التي يحملها شعره أو نثره.
أما عن أهم أهداف مؤلفاته من رسائل ودواوين فهو الوصف و كان من أكثر الشعراء إجادة له ، وفد قيل عنه أنه ليس أقل إجادة في الوصف لغير المحسوس من المحسوس ، وأيضا من أهدافه في مؤلفاته النقد ، ومن أمعن النظر في شعره تبين أن له طريقتان في النقد ، الأولى نقد المسائل العلمية ، والثانية نقد الأخلاق والعادات والمزاعم ، وفي كلتا الطريقتين لا يخلو كلامه من التهكم والسخرية والاستخفاف فهو أسلوب يكاد أن يقترن به دائما .
وقد شرح كتب ودواوين ومؤلفات عدة مثل ديوان معجز أحمد لأبي الطيب المتنبي ، وديوان ذكرى حبيب لأبي تمام ، وديوان عبث الوليد لأبي عبادة البحتري .
أما عقيدته فقد اختلف فيها الكثيرون فمنهم من زعم أنه من المتصوفين لكلامه ظاهر وباطن , ومنهم من زعم أنه كافرا ملحدا ، ومنهم من قال أنه كان مشككا متحيرا ففي شعره ما يدل على الإيمان وفيه ما يدل على الكفر , ولعل من أبرز شعره الذي يدل على إيمانه قوله :
إنما ينقلون من دار أعمال إلى دار شقوة أو رشاد
أما أبرز ما يدل على كفره قوله :
قلتم لنا صانع قديـم قلنا صدقتم كذا نقــول ثم زعمتم بلا مكـان ولا زمان، ألا فقولـــــوا هذا كـــلام له خبئ معناه ليست لنا عقول
رفض أبو العلاء المعري الزواج – من مظاهر زهده في ملذات الدنيا والحياة ونظرته لها – لكي لا يجني على ابنه ما جناه عليه أبوه ، مات سنة أربعمائة وتسعة وأربعون هجرية ، تحديدا يوم الجمعة الثالث عشر من ربيع الأول ، وكان حينئذ في السادسة والثمانين من عمره، وقف على قبره مائة وثمانون شاعرا منهم الفقهاء والعلماء والمتحدثون والمتصوفون ، وقد أوصى أن يكتب على قبره : هذا جناه أبي علي و ما جنيت على أحد
عدل سابقا من قبل كمال بوهلال في 2010-01-08, 18:27 عدل 1 مرات | |
|
| |
???? زائر
| موضوع: بعض القضايا المطروحة في رسالة الغفران 2009-09-18, 15:07 | |
| حمّل المعرّي رسالة الغفران بعض القضايا التي شغلته و عبّر عن بعضها في اللزوميّات، و قد كانت رسالة ابن القارح أشبه ما تكون بالقـادح الذي جعله يتطرّق إلى هذه القضايـا بأسلوب مبطّن ظاهره هزل و إمتاع و ضحك و باطنه مواقف من بعض المسائل و بكاء لما آل إليه مآل العقيدة و تحطيم لبعض الأصنام التي خلقتها العامّة في أذهانها.
من القضايا الأدبيّة:
اتخذ المعرّي من كتـابة الرّسـالة مطيّة للتعبير عن مواقفه إزاء بعض القضـايا التـي تمسّ الأدب و الشّعر خاصّة فأبان عن ازدرائه لمسألة التكسّب بالشّعر و إراقة ماء الوجه لقاء عطيّة تعطى أو هديّة تهدى يقول مثلا على لسان إبليس معلّقا على قول ابن القارح«أنا فلانُ ابن فلانٍ من أهل حَلَبَ كانت صناعتي الأدب أتقرّب به إلى الملوك، فيقول: بئس الصّناعة، إنّها تَهَبُ غفّة من العيش، لا يتّسع بها العيال، و إنها لمزلّة بالقدم و كم أهلكت مثلك...»[1].كما يبين المعرّي عن موقفه من قضيّة الإنتحال في الشّعر يقول على لسان آدم و قد أصرّ ابن القارح على نسبة بعض الأبيات من الشّعر إليه رغم رفضه:«آليت ما نطقت هذا النّظيم، و لا نُطقَ في عصري و إنّما نظمه بعض الفارغين...»[2]. إضافة إلى هذين الموقفين يتجلي موقف المعرّي كذلك من مسألة المبالغات المشطّة في الشعر فها نحن نجد صخرا قد أُخذ بذنب أخته نتيجة مبالغتها فكا مثواه النّار المشتعلة في رأسه تجسيدا لمقولها فيه، أمّا الحطيئة و هو ما هو في قبح الألفاظ و معاني الهجاء ينال صكّ التوبة بفضل بيت صدق قاله في حياته و هجا به نفسه.
من القضايا الإجتماعيّة:
شهد القرن الخامس للهجرة ترفا بالغا في المطعم و الملبس و المسكن و انتشر اللهو الذي بلغ أحيانا حدّ التهتّك و المجون و الإستهتار و الملاحظ أنّ الثروات لم تكن موزّعة توزيعا عادلا بين فئات المجتمع فرجال الدّولة و بعض المترفين كانوا يعيشون حياة الرّخاء و الإسراف و كان أغلب النّاس يعيشون حـالة من الفقر و الفاقة و قد انعكست هذه الطّبقيّة في رسالة الغفران فنجد زهير بن أبي سلمى مثلا يسكن قصرا في الجنّة في حين أنّ الحطيئة و هو من قاطني الجنّة أيضا«رجل ليس عليه نور سكّان الجنّة و عنده شجرة قميئة ثمرها ليس بزاكٍ»[3]. كما رسم المعرّي تكالب الناس على الشهوات دون أن يردعهم رادع أو يصدّهم خلق فإذا بمجالس اللهو و الطرب منتشرة و المتع الحسّية مطلوبة مقابل الإعراض عن المتع الفكريّة و ها نحن نجد ابن القارح في الرّسالة يقمع حاجته لمعرفة أشعار الجنّ و الإطّلاع عليها مخافة تضييع بعض الفرص السانحة لإشباع غريزته و حواسّه.
من القضايا الدّينيّة و العقائديّة:
فضح المعرّي بعض المواقف التي جعلت الدّين و قيمه متهرّئة تصاب بالإقصاء، فإذا بالنّفاق عملة تتداول و كذلك الزّندقة و التلوّن حسب مقتضيات الحال، إضافة إلى هذه المواقف فقد صاغ المعرّي صورة للجنّة استند في خلقها إلى أذهان العامّة و معتقداتهم فإذا بها تصير أشبه بالماخور الدّنيويّ تستباح فيها المحرّمات بجميع أنواعها و تقترف فيها الكبـائر و الصّغـائر على حدّ سواء فلا دين يردع و لا ملك يكتب و يسجّل، فدنّست المقدّسات نتيجة لذلك، و صار التمنّع عن إرضاء الشّهوات في الدّنيا مجرّد إرجاء، قصد إشباعها في الدّار الباقية، و هذا النقد الذي حمله المعرّي قصد به كلّ الذين توقّفوا عند ظاهر النصّ القرآني دون النّفاذ إلى أعماقه.
و إلى جانب هذه التصوّرات التي تقصاها المعري و سجّلها فإنّه ردّ كذلك على بعض المذاهب الدينيّة و في مقدّمتهم الشيعة الذين يؤمنون بالشفاعة و يعلّقون عليها آمالهم للفوز بالجنّة كأن لا علم لهم بقوله تعالى: ﴿من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه﴾[4]و قوله﴿ليس لهم من دونه ولِيّ و لا شفيع﴾[5] و قوله﴿ما من شفيع إلاّ من بعد إذنه﴾[6]﴿لا تغني شفاعتهم شيئا إلاّ من بعد أن يأذن الله لمن يشاء﴾[7] و عديدة هي الآيات التي تدور في هذا الفلك.
قراءة في أجناسيّة رسالة الغفران:
رسالة أم قصّة أم مسرحيّة هذا النصّ الغفرانيّ؟؟ أم إنّه شيء 'تلفيقيّ' جامع لكل ما ذكرنا؟؟ العديد من المشتغلين على هذا النصّ يحاولون إقحامه في خانة دون أخرى مستندين إلى بعض الحجج مقصين عددا آخر فبنت الشّاطئ مثلا تقرّ بكلّ اطمئنان بأنّ هذا النصّ مندرج في باب المسرحيّة في حين يذهب حسين الواد إلى اعتبار هذا الأثر قصّة أو هو جماع قصص عدة يقول«و الواقع أنّ لكلّ شخص في الرّحلة قصّته بما في ذلك الحيوان...و القصص ينضمّ بعضها إلى بعض و الرّاوي ينقل في صيغة الحاضر كلّ ما يحدث.. و كلّ ذلك قصّة كبيرة تروي لنا شيئا فشيئا، و هي قصّة الرّحلة في رسالة الغفران»[8]. أمّا مؤلّفا كتاب أدبيّة الرّحلة في رسالة الغفران و إن أقرّا في البداية اجتماع أجناس أدبيّة عدّة في الرّسالة يقولان:«فهو(قسم الرّحلة) في الحقّ جماع أجناس، استعار من المسرح الحوار و صدامه و من القصّة الراوي و حيله و من القصيدة المغنى و إيقاعه و من المقامة السّجع و أجراسه و من الخرافة العجيب بألوانه»[9] غير أنهما أقرّا في نهاية هذا الفصل بأنّ قسم الرّحلة قصّة ترسّليّة أو رسالة قصصيّة:« لا يسمح استنطاق البنية القصصيّة بأكثر من هذا التّخريج: الرّحلة قصّة ترسّليّة أو رسالة قصصيّة و لكن لمسألتي التخيّل و السّخرية أحكاما إضافيّة في هذا الشّأن»[10].
و إذا حاولنا الخروج من هذا الجدل و الرّكون إلى موقف محدّد فإننا نجد أنّ الرّحلة و إن اشتملت على مقوّمات القصّ و أنماطه إلاّ أنّها لا يمكن أن تكون بأيّ حال من الأحوال قصّة بالمعني الحديث للمصطلح فالحبكة تكاد تكون منعدمة خاصّة في تحوّل ابن القارح من شخصيّة إلى أخرى فالبطل يسير على غير منهج و الراوي يتتبعه في ذلك كما أنّ الإستطرادات الكثيرة التي تضمّنها النصّ جعلته في بعض الأحيان ينقلب إلى مجرّد درس في مسألة من المسائل.
إنّ رسالة الغفران إذا ليست قصّة من *** القصص التي يكتب الدعاجي أو تيمور أو إدريس و إنّما هي ضرب من القصّ القديم تستبيح ما يعدّ اليوم في عالم القصّ منكرا وهي نصّ إذا ما حاولنا إخضاعه إلى المقاييس الأجنـاسيّة الحديثة تفلّت و استعصى و ظلّ مناورا لا يروم قيدا. |
|
| |
نادية عضو متميز جدا
المهنة : طالبة تاريخ الاشتراك : 04/05/2009 المساهمات : 645
| موضوع: آليات نشأة الاضحاك وتولد السخرية في رسالة الغفران 2009-12-29, 11:10 | |
| آليات نشأة الاضحاك وتولد السخرية في قسم الرحلة من رسالة الغفران
1- مفارقة المكان المقدس والسلوك المدنس
ان الفضاء الذي تدور فيه أحداث الرحلة المخيلة فضاء مقدس ومن ثمة فهو يفترض سلوكا مثاليا وعلاقات نموذجية وقيما فاضلة. ولا عجب فالانسان في الجنة حاضر أمام الله الا أننا من خلال متابعة أحداث الرحلة وحركة البطل يقفو خواطره وشهواته نتبين أن سلوكه والشخصيات التي يلاقيها في الجنة والمقر السعيد يتنافيان وقداسة المكان وهيبته. حيث نقرأ في الرسالة مثلا قول الراوي " وتهش نفوسهم للعب فيقذفون تلك الآنية في أنهار الرحيق"(رسالة الغفران ص41) أو قوله أيضا " ويثب على نابغة بني جعدة على أبي بصير فيضربه بكوز من ذهب. فيقول أصلح الله به وعلى يديه لا عربدة في الجنان ، انما يعرف ذلك في الدار الفانية بين السفلة والهجاج" (رسالة الغفران ص79) ان هذين الشاهدين وغيرهما يؤكدان أن البطل ابن القارح والشخصيات التي أدخلت على المجاز الى الجنة قد قلبت قداسة الجنة وهيبتها عربدة ومجونا وخصومات وفضاء لممارسة الشذوذ والتساؤل عن قضايا الأدب واللغةوالبحث في أمور الشعر.وهنا يتجلى التعارض والتناقض بين الفضاء المقدس والسلوك الدنيوي المدنس.
2- اختلال التوازن بين الفعل والجزاء
ان السبيل الى استجلاء هذه الآلية من حيث هي مولدة للسخرية ليس يتسنى الابمعرفة شرط الجزاء بالجنة في القرآن. فالجزاء في الآخرة من خلال آيات النص المقدس رهين القول والفعل والعمل.الا أن المفارقة الجذرية التي نلاحظها في قصص الشخصيات التي فازت مجازا بالجنة وأدخلها المعري فردوسه المخيل تؤكد أن اختلال التوازن بين الفعل والجزاء تقنية من تقنيات الاضحاك في رسالة الغفران . فالبعض دخل الجنة لأجل بيت شعر ( عبيد بن الأبرص) والبعض الآخر لأجل كلمة صدق (الحطيئة) وآخر لأجل قصيدة مدحية (الأعشى) وآخرون بالوساطة والشفاعة وصك التوبة والبطل نفسه لأنه ادعى التوبة وكان يذيل كل كتاب يكتبه بذكر الرسول. ان هذا التناقض الجلي والتعارض الجذري بين الأفعال والجزاء مثلما يساهمان في توليد الاضحاك ونشأته في رسالة الغفران فان مقاصد أبي العلاء منهما بيان تراجع الدين واستسهال الناس للجزاء بحكم رسوخ اعتقادات زائفة وشيوع تصورات خاطئة.
عدل سابقا من قبل نادية في 2010-01-21, 13:08 عدل 3 مرات | |
|
| |
نادية عضو متميز جدا
المهنة : طالبة تاريخ الاشتراك : 04/05/2009 المساهمات : 645
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2009-12-29, 11:16 | |
| 3- قلب المواقف الجادة الى هزلية
ان جوهر هذه الآلية المولدة للسخرية والاضحاك قلب المعري للوضعيات المصيرية الى وضعيات هزلية من خلال اعتماد على مبدأ المفاجأة أي مفاجأة القارئ أو الشخصية بما لا ينتظران. فيخرج الأحداث على غير هيأتها المألوفة وفي حلية مخالفة لما ينتظره المرء شأن ما فعل مع ابن القارح يوم الحشر. فهو يوم الحشر من حيث هو يوم رهبة وخوف يتحيل ويضانك الناس ويضيع منه صك التوبة نتيجة انشغاله في نقاش متعلق بالنحو حيث يقول البطل " وشغلت بخطابهم والنظر في حويرهم ، فسقط مني الكتاب الذي فيه ذكر التوبة فرجعت أطلبه فما وجدته ، فأظهرت الوله والجزع" (رسالة الغفران ص95) والى ذلك يصوره المعري عابرا الصراط على ظهر جارية زقفونة نتيجة عدم استمساكه حيث يقول البطل عن الجارية التي حملته " فتحملني وتجوز كالبرق الخاطف "(رسالة الغفران ص99) والى ذلك انشغل البعض يوم الحشر بالنقاش في مسائل أدبية متهمين النحويين بالتجني . ومن ثمة أي اختلاف بين يوم الحشر الذي فقد هيبته ويوم السوق؟ ألا يؤكد هذا التشابه الضمني بين اليومين أن المعري اشتق هذه الصورة الهزلية من الواقع المعيش؟
4- مفارقة المقال والمقام
ان هذه الآلية في الاضحاك تنبثق من المفارقة بين المقام ونوعية المقال حيث يجتمع أمران متناقضان في مشهد واحد فيعمد المؤلف الساخر الى قلب مبدأ مناسبة المقال للمقام الى مخالفة المقال للمقام . من ذلك مثلا أن ابن القارح يسأل أهل النار رغم عذابهم عن قضايا الشعر والأدب حيث يقول محددا هدفه من الاشراف على أهل النار " فاذا رأى قلة الفوائد لديهم ، تركهم في الشقاء السرمد وعمد الى محله في الجنان" (رسالة الغفران ص 169) ان هذا التناقض بين المقام والمقال وان ولد الاضحاك فان المعري قصد به من جهة نقد تصورات الناس الذين يعتقدون أن مشاغلهم في الدنيا هي نفس المشاغل الآخرة ومن جهة أخرى قصد بهذه الآلية السخرية من ابن القارح .
المصدر مقتطف من كتاب الفن في رسالة الغفران (بتصرف)
بقلم الأستاذ كمال العزابو
| |
|
| |
كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2009-12-30, 03:31 | |
| | |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2010-01-05, 22:53 | |
| شكرااااااااااااااااااااااااااااا |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2010-01-10, 20:46 | |
| |
|
| |
نادية عضو متميز جدا
المهنة : طالبة تاريخ الاشتراك : 04/05/2009 المساهمات : 645
| موضوع: تجليات الخيال في عالم الغفران 2010-01-17, 21:59 | |
| تجليات الخيال في عالم الغفران
الخيال في الأطر
الاطار الزماني
ان الاطار الزماني الذي تدور فيه أحداث الرحلة ما بين الجنة والنار مطلق سرمدي اذ انعدم فيه التحديد . فعالم الغفران متحرر من القيود الزمنية النسبية والزمن فيه غير قابل للضبط والتدقيق حيث يقول الراوي عن بطله " لايزال كذلك ابدا سرمديا’ ناعما في الوقت المتطاول منعما " (رسالة الغفران ص183 ). ولا عجب في سرمدية الزمن ، فالتحديد الزمني من مقومات العالم العقلاني النسبي، لأجل ذلك لا ينتهي القارئ لرحلة الغفران الى حقيقة المدة الزمنية التي استغرقتها تنقلات ابن القارح وتسكعه الفوضوي في المدينة السماوية . وهذا الجهل بحقيقة المدة الزمنية يرجع أساسا الى انفتاح الزمن الانهائي وبعده عن كل تحديد .فهو زمن لازماني أو هو زمن من الأزمنة يكتنفه الغموض وتحيط به السرية وتغلب عليه المفاجأة بل هو زمن ضارب في القديم السحيق. والى جانب انفتاح الزمن في عالم الغفران على الامتناهي واطلاقيته فانه يتميز بخاصية أخرى هي أنه لايؤثر في الأشياء والعباد. فهو زمن سرمدي ثبوتي لا تطرأ بمقتضاه على الموجودات تغييرات حيث نقرأ في رحلة الغفران "وسعد من اللبن متخرقات لا تغير بأن تطول الأوقات" (رسالة الغفران ص26)ومن ثمة يكون عالم الغفران لا تاريخيا لأن الزمن التاريخي استحالة وتغير مستمرين.
الاطار المكاني
تبدو رحلة ابن القارح في المدينة السماوية في ظاهرها رحلة في عالم مألوف واضح المعالم وواقعيا. فالرحلة أقرب الى تجول وتسكع في عالم أرضي في أجوائه وفضاءاته ومرجعيته. فهو مكان تتوفر فيه الظلال والمسافات والأبواب والمسالك والحدود ( أدنى الجنة وأقصاها ...) لا سيما وان الوصف العلائي الحس التقريبي جعل المكان مألوفا غير مفارق. غير أن هذه الألفة التي بدت تنتفي متى اقترنت بالوصف المبالغ فيه . فبه استطاع المعري أن يجعل المكان عجيبا رغم ما حرص عليه من ايهام بالواقعية . | |
|
| |
نادية عضو متميز جدا
المهنة : طالبة تاريخ الاشتراك : 04/05/2009 المساهمات : 645
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2010-01-17, 22:00 | |
| وخيالية المكان وغرابته ينشأن من كونه مكانا لا تاريخيا. فالأحداث تجري في مكان لم يجربه البشر هو المدينة السماوية بل هو مكان نقابل فيه الموتى ولا يتأثر بالزمن وتوفرت فيه المتع واللذات جميعها " أنهار تحتلج من ماء الحيوان .. وسعد من اللبن متخرقات.. وجعافر من الرحيق المختوم " (رسالة الغفران ص 26). والمكان رغم حدوده يبقى غامضا مجهولا والأشياء فيه تكتسي فاعلية وتؤدي وظائف انسانية ن ذلك أن المعري نفخ فيها روحا فتحركتوقامت بما يقوم به الانسان ولنا في مشهد عودة ابن القارح الى الجنة أوضح دليل حيث يقول الراوي " وتناديه الثمرات من كل أوب وهو مستلق على الظهر هل لك يا أبا الحسن هل لك؟. فاذا أراد عنقودا من العنب أو غيره انقضت من الشجرة بمشيئة الله وحملته القدرة الى فيه " ( رسالة الغفران ص 183). وبمقتضى هذه الملاحظات وغيرها يكون المكان في رحلة الغفران متراوحا بين الواقعية والأسطورية ،بين الألفة والغرابة ، بين المعقولية و العجائبية . فكل اغراب ومبالغة في الوصف تقرب المكان من الأسطورية والخيالية وكل ميل نحو مرجعية الوصف تقربه من الواقعية والألفة ، مثلما أن الاستناد الى النص القرآني من شأنه أن يقلص من حدة خيالية المكان باعتبار أن الجنة مكان امكان في المعتقد الديني الاسلامي. ومع ذلك فان النعوت والأوصاف التي أضافها المعري أضفت على المكان صفة الخيالية والعجائبية، لأن المكان الذي تجري فيه الأحداث ليس الجنة الموعودة وانما هو ما استطاع المعري الانتهاء اليه من خلال توظيف مصادره الثقافية وتصورات الناس واعتقاداتهم ومحنته الذاتية وألمه.
مقتطف من كتاب " الفن في رسالة الغفران" بقلم الأستاذ كمال العزابو | |
|
| |
نادية عضو متميز جدا
المهنة : طالبة تاريخ الاشتراك : 04/05/2009 المساهمات : 645
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2010-01-17, 23:47 | |
| تابع الخيال في الشخصيات
بدت شخصيات عالم الفران ضاربة في أعماق الواقع والتاريخ بأسمائها وألقابها التي عرفت بها، غير اننا نقف مع ذلك على مابه نعد الخيال مشكلا لها . فالتغير الذي طرأ على بعضها والوصف المبالغ فيه لجمالها وخصائصها الجسدية يعتبران مظهر من مظاهر لا واقعيتها. ألم يقل الراوي المعري عن الأعشى الضرير" فيلتفت الشيخ هشا بشا مرتاحا فاذا هو بشاب غرانق غبر في النعيم المفانق وقد صار عشاه حورا معروفا وانحناء ظهره قواما موصوفا " (رسالة الغفران ص43 – 44) .وذات الأمر بالنسبة الى توفيق السوداء ألم يقل البطل ابن القارح " لا الاه الا الله ، لقد كنت سوداء فصرت أنصع من الكافور وان شئت القافور " (رسالة الغفران ص118) والى جانب تعويض المعري بعض الشخصيات عاهاتها بأحسن منها فان المظهر الأهم لخيالية الشخصيات هو انتمائها الى مرجعيات زمنية مختلفة ذلك أن أبا العلاء أخل بمقياس الزمن وأقام حوارا وعلاقات بين شخصيات متباعدة في الزمن . فشخصيات عالم الغفران تنتمي الى مرجعيات زمنية متباعدة . فهي جاهلية واسلامية وعباسية وأموية ، من ذلك قول الراوي عن رغبة البطل ابن القارح " ويبدو له أن يصنع مأدبة في الجنان، يجمع فيها من أمكن من شعراء الخضرمة والاسلام والذين أصلو كلام العرب وجعلوه محفوظا في الكتب وغيرهم ممن يتأنس بقليل الأدب" (رسالة الغفران ص 104) وبذلك يثبت لنا تجاور الواقعي والخيالي وتقاطعهما اذ ينبجس أحدهما من الآخر لخلق عالم خيالي مميز. لم يقتصر المعري في بناء شخصيات عالم الغفران على شخصيات تاريخية معلومة أدخل على بعضها تغييرات وقلبا بل اخترع وابتدع الى ذلك شخصيات من خياله شأن رضوان وزفر خازني الجنان .. والأدعى الى العجب أن كل الشخصيات في رحلة الغفران المخيلة تنتمي الى غير زمن ابن القارح وهي شخصيات تمتد من آدم من حيث هو بداية الكون حتى الانتهاء الى القرن الخامس .
| |
|
| |
كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2010-01-17, 23:56 | |
| | |
|
| |
???? زائر
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2010-01-19, 21:35 | |
| [b][i][u]شكرا جازاكم الله الف خير |
|
| |
نادية عضو متميز جدا
المهنة : طالبة تاريخ الاشتراك : 04/05/2009 المساهمات : 645
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2010-01-21, 13:03 | |
| خبر التوبة تأسيس الاضحاك
ان فن الاضحاك في رسالة الغفران تأسس وانبثق من النادرة الكبرى وهي توبة ابن القارح فالرجل بعد تهافت على المتع واللذات ولهاث وراء الشهوات صار مغتاظا على الزنادقة ثائرا عليهم حيث قال في رسالته الى المعري " وأقبلت على نفسي مخاطبا لها ومعاتبا" ومن ثمة فان خبر التوبة هذا هو الأساس الذي نشاء عنه الاضحاك وفي ضوئه تبلور مشروع السخرية العلائية واختيار الهزل نهجا في الكتابة والتأليف في رسالة الغفران. لأجل ذلك فان رسالة الغفران لا سبيل الى فهمها دون تدبر لرسالة ابن القارح التي نعدها مفتاح هذا الفهم ولا سيما انقلاب الشيخ ابن القارح من النقيض ، من مقدس للشهوات وعبد للذات الى رمز للورع ونموذج للتقوى. والى جانب خبر التوبة من حيث هو المؤسس للاضحاك في رسالة الغفران ينضاف شكل رسالة ابن القارح . فالرجل فيها جود العبارة وحسن التعبير وتكلف الاغراب وتوعير اللفظ . ومن ثمة اذا كان ابن القارح بخبر التوبة وثورته على الزنادقة والملحدين وهو الشهواني قد استبطن صورة المعري الزاهد فانه بانتهاجه الصنعة والتحسين أسلوبين في الكتابة انما يستحضر صورة أبي العلاء الشاعر الأديب. وعلى هذا الأساس فان ابن القارح وهو يكتب رسالته الى المعري استحضر صورتين لأبي العلاء صورته باعتباره زاهدا ورعا مطلقا اللذات والشهوات وصورته أديبا شاعرا عارفا باللغة وقضاياها.
| |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2010-01-24, 11:59 | |
| الخيال في الوصف و حتى في السرد ايضا |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2010-01-30, 21:42 | |
| |
|
| |
كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: رسالة الغفران ( دراسات للتحميل) 2010-02-26, 20:24 | |
| هذه مجموعة من الدراسات يمكن تحميله تتعلق برسالة الغران:
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] الخوارق في رسالة الغفران
رسالة الغفران الفن والدلالة
تحت عباءة أبي العلاء | |
|
| |
كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: قراءة في رسالة الغفران : 2010-02-26, 20:33 | |
| هذه الدراسة منقولة عن تونيزيا سات
قراءة في رسالة الغفران : في الأصل رسالة كتبها أبو العلاء المعري جوابا على رسالة وجهها أحد معاصريه في حلب وهو ( علي بن منصور ) ويعرف بابن القارح ، وهي عبارة عن قصة خيالية تخيل فيها أبو العلاء أن ابن القارح بأرض المحشر في يوم القيامة ، ثم غفر له فادخل الجنة فراح يطوف فيها وينعم بطيباتها ، ويجتمع بطائفة من الشعراء الجاهلية والإسلام ، ويسألهم كيف نالوا الغفران ، ويعقد معهم المجالس الأدبية ، ثم ينتقل إلى جنة العفاريت ، فإلى الجحيم ، ومن الجحيم يعود على الجنة .
ما مكانة رسالة الغفران في الأدب العالمي ؟ - تعد مزيجا من قصص ووصف ونقد وعلم وفلسفة وتاريخ ودين ، حيث أثرت رسالة الغفران على الأديب الإيطالي دانتي في كتابه ( الكوميديا الإلهية ) الذي حاكى رسالة الغفران . وكذلك أثرت على الشاعر الإنجليزي جون ميلتون في قصيدته ( الفردوس المفقود ) و ( الفردوس المستعار ) .
عناصر رسالة الغفران المقررة في كتاب التراجم الأدبية : 1- الشخصيات : - ابن القارح : بطل القصة وهي شخصية أساسية . - الخازن رضوان : شخصية ثابتة . - الخازن زفر : شخصية ثابتة . - حمزة بن عبد المطلب : : شخصية ثابتة . - علي بن أبي طالب : : شخصية ثابتة . - الرسول الكريم محمد وابنته : : شخصية ثابتة . - الأسد : : شخصية ثابتة . - الذئب : : شخصية ثابتة .
2- المكان : أرض المحشر . 3- الزمان : يوم القيامة . 4- العقدة : رغبة ابن القارح دخول الجنة . 5- الحل : شفاعة الرسول – صلى الله عليه وسلم - . 6- الأحداث : تصور رحلة خيالية لابن القارح بعد أن يبعث من الموت ويصعد للحساب فيعطى كتاب أعماله فيجد حسناته قليلة ولكن في آخره صك للتوبة ، فيبحث عن شفيع يشفع له فيلتقي بالملائكة والصحابة وفي كل مرة يطلب منهم الشفاعة متقربا إليهم لأجل ذلك عن طريق الشعر إلى أن يصل للرسول محمد عليه الصلاة والسلام فيجد أعماله قد ختمت بالتوبة فيشفع له .
المقطع الأول : - فيقول ( أنطقه الله بكل فضل ................... رفع لسالك السبيل ) . الأحداث : - خروج ابن القارح من القبر . - رصيد ابن القارح من الحسنات قليل . معاني الكلمات : 1- عرصات : الساحة الواسعة مفردها عرصة . 2- الملائكة مفردها ملك بفتح اللام . 3- الروح : جبريل عليه السلام . 4- الأمد : الزمن جمعها آماد . 5- قوام : قدرة . الجماليات : 1- مهياف : صيغة مبالغة تدل سرعة العطش . 2- الأمد .... الومد . سجع . 3- فوجدت حسناتي كالنفأ في العام الأرمل : كناية عن تحسر البطل ( ابن القارح ) عن حاله . وفي نفس الوقت تشبيه . 4- إلا أن التوبة في آخرها كأنها مصباح أبيل ... . : كناية عن تفاؤل ضعيف عند البطل من هول المحشر . وبها تشبيه .
المقطع الثاني : ( فلما أقمت في الموقف ............................. من مكان بعيد ) . الأحداث : - نظم القصائد لرضوان لاستمالته . - الحوار الذي دار بين رضوان وابن القارح . - يأس ابن القارح من الخازن رضوان . المعاني : 1- زهاء : مقدار ونكشف عنها في المعجم في مادة ( زهو ) . 2- حفل : أهتم . 3- برهة : مدة من الزمن . وجمعها بره . 4- الفانية : الدنيا الزائلة . 5- الأوزان : بحور الشعر . 6- مغوثة : معونة ز 7- هيهات : اسم فعل ماض بمعنى بعد .
الجماليات : 1- العرق والغرق بينهما جناس ناقص . 2- فكأني أحرك ثبيرا : كناية عن عدم الاستجابة . 3- الصبر عكسها الجزع .
المقطع الثالث : ( فتركته وانصرفت بأملي ........................ إلى ما ابتغيت ) . الأحداث : - نظم القصائد لزفر . - الحوار الذي دار بين ابن القارح وزفر . - يأس ابن القارح من الخازن زفر وانتقاله الصحابي الجليل حمزة . معاني الكلمات : 1- نجع : نفع . 2- بغيتك : حاجتك . 3- القريض : الشعر .
الجماليات : 1- نفع وشفع بينهما سجع . 2- نساء ورجال بينهما طباق . 3- نساء مفردها امرأة .
المقطع الرابع : ( فيئست مما عنده .................................. أسد الجنة ) . الأحداث : - نظم القائد لحمزة . - الحوار الذي دار بين ابن القارح وحمزة . - حمزة يرشد ابن القارح إلى علي بن أبي طالب ليتوسط له عند النبي محمد عليه السلام . - ابن القارح يجد شفاعته عند سيدنا محمد عليه السلام . معاني الكلمات : 1- صريع : قتيل . 2- أنفق : أنفع . 3- وليت : اقتربت . 4- أنفذ : أدخل . 5- سأل : توسط . الجماليات : 1- نفسي الكذوب : كناية عن الاحتيال . 2- ويحك : للتوبيخ .
المقطع الخامس : ( ويحم فإذا هو بأسد ........................ بما فعلت ) . الأحداث : - دخول ابن القارح الجنة . - سخرية ابن القارح من الأسد . - الحوار الذي دار بين ابن القارح والأسد . - السبب الذي أدخل الأسد الجنة . معاني الكلمات : 1- أسد القاصرة : سبع كان بوادي القاصرة وهي مسبعة بطريق الشام . الجماليات : 1- إذا : الفجائية . 2- كان الأسد : كناية عن حاله في الدنيا . 3- يفترس الشاة العجفاء : كناية عن السخرية .
قصة الأسد : عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب زوجه النبي – صلى الله عليه وسلم – ابنته ( رقية ) قبل البعثة ، فلما جاءه عتبة وقال : يا محمد ، أشهد أني قد كفرت بربك وطلقت ابنتك . فدعا الرسول الكريم ربه أن يسلط عليه كلبا من كلابه . فخرج إلى الشام في ركب فيهم ( هبار بن الأسود ) حتى إذا كانوا بوادي القاصرة نزلوه ليلا فافترشوا صفا واحدا . فقال عتبة : أتريدون أن تجعلوني حجزة أي في آخر الصف ؟ لا والله لا أبيت إلا في وسطكم . فبات وسطهم . قال هبار : فما أنبهني إلا السبع يشم رءوسهم رجلا رجلا حتى انتهى إليه فأنشب أنيابه في صدغيه ، فصاح عتبة : أي قوم ، قتلتني دعوة محمد . هذا السبب الذي أدخله الجنة .
المقطع السادس : ( ويمر بذئب ................... فلحقتني بركة محمد صلى الله عليه وسلم ) . الأحداث : - ابن القارح يلتقي بذئب ، ويدور بينهما حوار . - السبب الذي أدخل الذئب الجنة .
قصة الذئب : الأسلمي : هو أهبان بن أوس الأسلمي يكنى أبا عقبة ، أسلم ومات بالكوفة في صدر أيام ( معاوية ) ويعرف بمكلم الذئب ، وذلك أنه كان في غنم له ، فشد الذئب على شاة منها ، فصاح عليه فاقعى على ذنبه وخاطبه ، وقال الذئب : تحول بيني وبين رزق ساقه الله إلي ، فمن لها يوم يشغل عنها ؟
خصائص وسمات رسالة الغفران : 1- استخدام الألفاظ الغريبة تاركا ما هو مألوف في الاستخدام مما لجأ على تفسيرها في ثنايا كلامه مثل : اللواب أي العطش ، حممت أي قصدت . 2- يترفع عن استخدام الألفاظ ذات المعاني السطحية . 3- توظيف الصور البلاغية مثل الكنايات والتشبيهات . 4- الإكثار من السجع مثل : فطال الأمد ، واشتد الظمأ والومد . 5- تكشف لنا مهارة أبي العلاء المعري في تقليب الكلام ويدل ذلك على ثقافته الواسعة فبرز في الرسالة : قصص ، فلسفة ، تاريخ ، دين ، نقد ، وصف .
دعاؤكم الصالح لنا . دمتم بخير وعافية .
أخوكم محمد العيفة جازاك الله خيرا أخي ونفع الله بك الجميع
| |
|
| |
كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: إطلالــــة على السخريــة عند أبي العلاء المعري 2010-02-26, 21:06 | |
| إليكم هذه الدراسة المنقولة عن منتديات drikimo.com
بسم الله الرحمن الرحيم
إطلالــــة على السخريــة عند أبي العلاء المعري ـــ فوزي معروف
السخرية سلاح الروح العظيمة لقهر المتاعب، ولعل المثل المعروف الأقدم هو "سقراط الذي سخر من قاتله وهو يتجرع كأس السمِّ قائلاً يرد على تلاميذه الذين كانوا يرددون: "من المؤسف أيها المعلم أن تموت دون ذنبٍ ارتكبته" "وهل تظنون أن الموت كان يمكن أن يكون أسهل لو كنتُ مذنباً" ضحك تلاميذه بين دموعهم وثار حقد أعدائه أكثر. أحد رجال الثورة الفرنسية قال قبيل إطلاق الرصاص عليه: "رصاصة واحدة تكفيني دع الباقي لبريء آخر" أضحك قولهُ الحاضرين بينما أثار حنق خصومه. السخرية العميقة قدرُ العظماء من بني البشر من سقراط أول الساخرين المعروفين إلى الجاحظ والمعري إلى برناردشو ومارك توين... ويتميز الساخر العظيم بأنه يضع يده على القاع الروحي لمن يعيشون حوله وهذا يكاد يكون واحداً عند معظم شعوب الأرض.. ولعل هذا الأمر يكمن وراء تشابه الأدب الساخر عند كثير من الشعوب وبخاصة تلك المتقاربة جغرافياً التي تتقاطع في نصوصها الساخرة هموم مشتركة ومشاكل متشابهة. والأدب الساخر أدب عالمي لا يخلو منه تراث أمة حيّة.. فالإنسان أينما كان يعالج نواقصه عندما يسخر منها... وكثيرون من الناس يؤمن أن السخرية إحدى الطرق لتغيير الواقع، أو هي أحد أشكال المقاومة، والأدب الساخر لا يقصد الإضحاك فقد بل له أهداف وغايات من أهمها: الحفاظ على قيم المجتمع العليا، تكريس السلوك القويم، تعديل مجرى اتجاه متطرف.. لأن السخرية تهاجم دائماً التصلب في الفكر والطبع والسلوك ساعية لجعل طباع المجتمع أكثر مرونة كما أن السخرية تترجم حالة روحية حين تنحرف القيم ويسود الزيف. وكثيرون يرون أن السخرية سلاح يحمي الروح من ضعفها كما يرون فيها تعبيراً عن مأساة هي أكبر من أن يتحملها الضمير الإنساني كما يحدث الآن في الأراضي العربية والعراق المحتلة إذ معظم التعبير عن الواقع العربي الآن يميل إلى السخرية. تتوهج السخرية حين يمر الإنسان بظروف تشعل الروح وتمزق الأعصاب.. وهذا ما كان مع (غوغول) حين وصل الواقع الروسي إلى حدٍ من السوء لا يُطاق إذ ذاك ظهرت سمة بارزة في أدبه هي "الضحك من بين الدموع" كما قال ناقده "بيلنسكي" آمن بالإضحاك الهادف وتولت السخرية عنده نقل الرسالة المرة في نقد الواقع نقداً إيجابياً. حين تصبح الآلام هائلة يبتسم المبدعون الكبار بدل البكاء لكنها ابتسامة أفظع من الدموع. تنعكس في كلمات ومواقف ساخرة كما عند ابن الرومي والمعري والجاحظ في تراثنا. والمازني ومحمد الماغوط في واقعنا المعاصر. الأدب الساخر لون صعب الأداء يتطلب موهبة خاصة وذكاءً حاداً وبديهةً حاضرة. وهو وليد المرحلة العمرية الأكثر نضجاً التي تتحرر من العواطف العنيفة... السخرية الحقة لا تكون إلا مع وجود التوازن الشاق الجميل والنظرة المستوعبة للطبيعة والإنسان ومن أجل ذلك لا تقع السخرية الناجحة النافذة في مرحلة مبكرة من العمر الإبداعي.. إذ لا بد كي تنجح السخرية من يقظة في الروح وهذه قلَّما تتوفر مع حماسة الشباب" ولعل هذا هو السبب في خلو آثار شباب المعري من السخرية العميقة ووجودها بكثافة وعمق في نتاج المرحلة المتأخرة من عمره ـ اللزوميات ـ رسالة الغفران. الكتابة الساخرة الناجحة، فنٌ صعب المراس، يتوفر لقلة قليلة من بداياتهم الكتابية إذ لا بد من النضج الفكري والاجتماعي حتى يصل الكاتب إلى درجة معينة تؤهله لأن يصير كاتباً ساخراً.. ولعل أعمق الكتابات الساخرة وأبقاها على الزمن هي تلك التي توج بها بعضُ المبدعين حياتَهم بحيث يمكن القول: إن السخرية الناجحة فنُّ المرحلة المتأخرة من العمر نذكر أمثلة منها أفلاطون يقول وقد قارب الشيخوخة "علمتني الحياة أن الجد والصراحة لا مكان لهما في العلاقات الإنسانية". بعد استقراء نماذج الكتابة الساخرة عند بعض أعلامها يلاحظ المرء أنها تتطلب درجة عالية من المهارة والرهافة... المهارة: التي تبقي على الشعرة الدقيقة الفاصلة بين المسموح به والمنهي عن التصريح به. باللقطة المحايدة في الظاهر، الوصف الذي يُنطق الحال على نحو غير مباشر والتعليق البريء على مستوى السطح بما يضفي حياداً مراوغاً في وصف المشاهد أو صوغ الحوارات جنباً إلى جنب. الرهافة: التي تنفر من الإعلان المباشر عن المواقف أو الآراء، فتؤثر التلميح الذكي على التصريح الفج متجنبة العبارات النابية والجمل العاطفية رافضة الاستسلام لغواية أي حال من حالات الهشاشة الوجدانية في البوح، لذلك تبدو اللقطات الإنسانية عند هؤلاء وأمثالهم رهيفة تنطق بأكثر مما تؤديه الكلمات. ويُلاحظ هنا إن كتابة المعري ـ المتأخرة بخاصة ـ لا تخلو من الوجه الآخر للجد المتجهم... وهو السخرية التي تعطي مذاقاً لاذعاً لكتابته. السخرية سلاح ناوش به مفاسد الواقع حيث ـ ما كان يملك ـ وهو على الحال التي نعرف ـ سوى السخرية لمواجهة واقع أفسده القمع والخوف والسرقة. إذاً واجه المعري الحياة ومحنتها الدائمة بالسخرية مرة والنفاذ بالوعي والحكمة إلى صميمها مرة أخرى واصلاً إلى ما ظنه اليقين عندما يعلن إيمانه بالعقل وثقته المطلقة فيه دليلاً وهادياً وإماماً. كذب الظن لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساء
هذا الذي تقدم لا يعني أن المعري يُعلن أنه يقدم أو قدم نصاً في السخرية ولكننا نستخلص أقواله التي تشير إلى روحه الساخرة في ثنايا ما كتب لتكون فقط عيّنة من أدبه الساخر.. المعري يشبه الجاحظ في سخرياته المقنعة بالجد المتعالية عن الكثيرين من عامة الناس. هذا المبدع الذي حاول أن يفرَّ من سجونه إلى الجحيم والجنة ليتحدث هناك بحرية ويعطي رأيه بكل ما في الحياة حوله وكان بذلك باراً بقسمه الشهير: إني وإن كنتُ الأخيرَ زمانه
لآتٍ بما لم تستطعه الأوائل
إن الكثير من لقطات المعري الساخرة تستند إلى آلية المفارقة اللغوية التي تجعل العلاقة بين الدلالة المباشرة والدلالة المنزاحة علاقة قائمة على التقابل الدلالي لأن بنية السخرية تتحقق بوجود دال ومدلولين يكون الأول مباشراً ويكون الثاني ضمنياً... يكون المدلول الأول حرفياً وظاهراً بينما يكون المدلول الثاني قصدياً وضمنياً ولا بد والحال كذلك لكي تحقق السخرية الهدف منها على مستوى الكتابة.. لا بد من تفاعل العنصرين: الكاتب والمتلقي لأن السخرية تحضر في النص من خلال مؤشرات وقرائن فقط يأتي بعد ذلك دور المتلقي في تشييدها لتصبح محققة... وعند المعري كما عند غيره من كبار الساخرين نجد أن السخرية العميقة هي التي تتحقق بواسطة عدد قليل من المؤشرات إذ تستطيع بهذه المؤشرات القليلة توليد الأثر الساخر الذي يبتعد عن الابتذال. المقياس الحقيقي للرجل الكبير.. ابتسامته.. روحه المرحة.. قدرته على السخرية من المتاعب.. والمعري واحد من هؤلاء مع أستاذه الجاحظ سيد الأدب الساخر في تراثنا المتوفى عام 255هـ وبخاصة في المرحلة المتأخرة من حياته في كتاب البخلاء، ورسالة التربيع والتدوير.. هكذا كان المعري الذي عاش بين عامي 363 ـ 449 هـ/ 973 ـ 1058م/ الشاعر الفيلسوف المتجهم النظرة إلى الحياة والناس.. كان في آثاره التي كتبها بعد مرحلة الشباب من كبار الساخرين في التراث الإنساني تميز بأسلوبه الساخر ذي الدعابة الدكناء التي لم يخلُ منها حتى اسمه الذي قال فيه: دُعيت أبا العلاء وذاك مينٌ ولكن الصحيح أبو النزول
*** وأحمد سماني كبيري وقلما فعلتُ سوى ما أستحق به الذمّا السخرية عند المعري موقف من العالم، يهجو نقائصه يركز الضوء على أبرز مفارقاته.. موقف يُدمي الروح في اللحظة ذاتها التي يضحك فيها الكائن البشري على ضعفه وتخاذله وخساسته وابتذاله.. قبل أن يضحك بسببها على الآخرين وفي مأثورنا العربي (شر البلية ما يضحك) البلية في كل زمان ومكان من حولنا التي قد نواجهها بأسلحة متعددة ومنها السخرية التي هي أعرق أسلحة البشر وألطفها. وحين تأتي السخرية من أمثال المعري يسمو الإعجاب إلى درجة عالية، إذ ليس هنا ما هو أشد من سجون أبي العلاء الثلاثة التي عبر عنها بقوله: أراني في الثلاثة من سجوني فلا تسأل عن النبأ الخبيث لفقدي ناظري ولزوم بيتي وكون النفس في الجسم الخبيث
لأنه كان من الممكن لهذه السجون أن تؤدي ـ كما كان متوقعاً ـ إلى مزاج سوداوي أو غضب عارم على البشر أو مرارة تفحّ بسمومها في وجه الآخرين.. بالعكس إن هذه السجون طهرته من أوضار الحياة وجعلته أبعد ما يكون عن هوس الدنيا وفتنتها، كما جعلته أبعد عن أشراكها. هذه السجون قادته مع الميل القابع فيه إلى الفلسفة، قادته إلى الحقيقة الإنسانية المتمثلة في التجرد (العزلة) والمشاركة فقد أصبح اتساع عقله الرحب المتفتح ووجدانه الخصب الممتلئ لكل ما يشمل الآخرين صفةً من أبرز صفات المعري وتوجهاً أساسياً يفيض عنه: فأي الناس أجعله صديقاً وأي الأرض أسلكه ارتيادا كأني في لسان الدهر لفظٌ تضمن منه أغراضاً بعادا يكررني ليفهمني رجالٌ كما كررتَ معنىً مستعادا ولو أني حُبيتُ الخلد فرداً لما أحببتُ بالخلد انفرادا فلا هطلت عليَّ ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا ولي نفسٌ تحلُّ بي الروابي وتأبى أن تحل بي الوهادا السخرية من المتبجحين: الواسطة التي ترفع غير المستحقين إلى أماكن لا يستحقونها، والتي قضت على أس الأساس لكل تقدم حقيقي وهو "الرجل المناسب في المكان المناسب"... يسخر المعري منها بطريقته في رسالة الغفران حين يقول على لسان "أوس بن حجر".. ولقد دخل الجنة من هو شرٌّ منّي ولكن المغفرة أرزاق، كأنها النشب في الدار العاجلة...". كما يسخر المعري من الجاهلين الذين يعيشون نعمة الجهل مبتعدين بأنفسهم عن عذاب الفكر واستخدام العقل حين يقول على لسان "طرفة بن العبد" وددتُ أني لم أنطق مصراعاً ودخلتُ الجنة مع الهمج والطغام. وسخر كذلك من أدعياء الشعر والضعفة الذين قالوا ما لا قيمة له ومثل لهم بالرجّاز ولعلهم الذين اختاروا بحر الرجز لقصائدهم ـ مُفْرِداً لهم حديثاً خاصاً بل وجنّة خاصة جمع فيها الرجّاز واختار لهم فيها مكاناً متواضعاً ومن هؤلاء ذكر: الأغلب العجلي ـ العجاج ـ رؤبة ـ حميد الأرقط.. ويتصور المعري في رسالته أن أحد هؤلاء يعترض على رأيه فيهم فيكون رده العنيف: "لو سُبك رجزك ورجزُ أبيك لم تخرج منه قصيدة مستحسنة" ولا ينجو المدّعون المتبجحون الذين يُعطون أنفسهم ما لا يستحقونها ويضعونها في غير أماكنها من سخريته ومثّل لهؤلاء بأبي القاسم الذي ذكره المعري في بيتين من الشعر فجعله نموذجاً لكثيرين من بني البشر في كل العصور يقول: هذا أبو القاسم أعجوبة لكل من يدري ولا يدري لا ينظم الشعر ولا يحفظ الـ ـقرآن وهو الشاعر المُقري
ومعظم الناس عند المعري غير عادلين أو منصفين لا يعطون صاحب الحق حقه، أو يبالغون في الثناء على من لا يستحق.. لقد ضاق بأمثال هؤلاء واشتاق إلى بشر يُعطون الحق لأصحابه: من لي أن لا أقيم في بلدٍ أذكر فيه بغير ما يجب يُظن بي اليُسر والديانة والعلمُ وبيي وبينها حجب أقررت بجهلي وادّعى فهمي قوم فأمري وأمرهم عجب
ولعل الناس في زمن المعري مثلهم في زمننا هذا تشغلهم المظاهر ودائماً لا يعبّر مظهرهم عن حقيقتهم.. لذلك سخر من ناس زمنه وفضل عليهم الحجر: يُحسن مرأى لبني آدم وكلهم في الذوق لا يعذب ما فيهم بَرُّ ولا ناسكٌ إلا إلى نفعٍ لـه يجذب أفضلُ من أفضلهم صخرةٌ لا تظلم الناس ولا تكذب
شكرا لصاحب المقال | |
|
| |
كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2010-02-26, 21:15 | |
| | |
|
| |
كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2010-02-26, 21:28 | |
| لاشكر على واجب ومرحبا بك وبأسئلتك ومساهماتك في كل وقت
| |
|
| |
كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2010-02-26, 21:30 | |
| | |
|
| |
كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: رسالة الغفران 2010-02-26, 22:57 | |
|
رسالة الغفران رسالة الغفران عمل أدبي لأبي العلاء المعري، تعتبر من أجمل ما كتب المعري في النثر، وهي رسالة تصف الأحوال في النعيم والسعير والشخصيات هناك، وقيل أن دانتي، مؤلف كتاب الكوميديا الإلهية أخذ عن أبي العلاء فكرة كتابه ومضمونه وقد طبعت عدة مرات كانت من أهمها النسخة المحققة من قبل الدكتورة عائشة عبد الرحمن وقد صدرتها بدراسة وافية لرسالة الغفران مع تحقيق لرسالة ابن القارح التي تعتبر المفتاح لفهم الغفران
الأهمية الأدبية لرسالة الغفران
تعد رسالة الغفران لابي العلاء من أعظم كتب التراث العربي النقدي وهي من أهم وأجمل مؤلفات المعري وقد كتبها رداً على رسالة ابن القارح وهي رسالة ذات طابع روائي حيث جعل المعري من ابن القارح بطلاً لرحلة خيالية أدبية عجيبة يحاور فيها الأدباء والشعراء واللغويين في العالم الآخر، وقد بدأها المعري بمقدمة وصف فيها رسالة ابن القارح وأثرها الطيب في نفسه فهي كلمة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ثم استرسل بخياله الجامح إلى بلوغ ابن القارح للسماء العليا بفضل كلماته الطيبة التي رفعته إلى الجنة فوصف حال ابن القارح هناك مطعماً الوصف بآيات قرآنية وأبيات شعرية يصف بها نعيم الجنة وقد استقى تلك الأوصاف من القرآن الكريم مستفيداً من معجزة الإسراء والمعراج، أما الابيات الشعرية فقد شرحها وعلق عليها لغوياً وعروضياً وبلاغياً ويتنقل ابن القارح في الجنة ويلتقي ويحاور عدداً من الشعراء في الجنة من مشاهير الأدب العربي منهم من غفر الله لهم بسبب أبيات قالوها كزهير وشعراء الجنة منهم زهير بن أبي سلمى والأعشى وعبيد بن الأبرص والنابغة الذبياني ولبيد بن أبي ربيعة وحسان بن ثابت والنابغة الجعدي.ثم يوضح قصة دخوله للجنة مع رضوان خازن الجنة ويواصل مسامراته الأدبية مع من يلتقي بهم من شعراء وأدباء ثم يعود للجنة مجدداً ليلتقي عدداً من الشعراء يتحلقون حول مأدبة في الجنة وينعمون بخيرات الجنة من طيور وحور عين ونعيم مقيم. ثم يمر وهو في طريقه إلى النار بمدائن العفاريت فيحاور شعراء الجن مثل " أبو هدرش" ويلتقي حيوانات الجنة ويحوارها ويحاور الحطيئة. ثم يلتقي الشعراء من أهل النار ولا يتوانا في مسامرتهم وسؤالهم عن شعرهم وروايته ونقده ومنهم إمرؤ القيس وعنترة بن شداد وبشار بن برد وعمرو بن كلثوم وطرفة بن العبد والمهلهل والمرقش الأكبر والمرقش الأصغر والشنفرى وتأبط شراً وغيرهم. ثم يعود من جديد للجنة ونعيمها تعد محاوارات ابن القارح مع الشعراء والأدباء واللغويون التي تخيلها المعري في العالم الآخر مصدراً مهماً من مصادر دراسة النقد الأدبي القديم حيث حوت تلك المسامرات والمحاورات مباحث نقدية مهمة وأساسية في النقد الأدبي ركز أبي العلاء المعري في هذا الكتاب على إبراز ما أسماه النص المحوري للرسالة وذلك لأبراز غرضها الاساسي الذي يحدده ب ((التعبير عن نظرة للدين والأدب والحياة بأسلوب أدبي ويركز أيضا على الجانب العقائدي في الرسالة من خلال ربطها بعقيدة أبو العلاء المعري وما كان يظهر عليه من نزعات إلحادية وشك وزندقة وقد جاء في فصول خمسة هي
أسلوب المعري
الرسالة كثيرة الاستطراد, ولعل الجاحظ الذي وسم أدبه بالتنقل من موضوع إلى آخر, ثم العودة إلى ما بدأ, قد دمغ باستطرادته الأدب العربي، وأعدى صاحبنا المعري, وربما استطراد المعري لسبب آخر هو اللهو، والعبث بأبن القارح، إلى جانب ذلك المعري مسرفا إسرافا متجاوز في العمية اللغوية, والجري في مضمار الغريب كأنه يكتب لخاصته كما يزعم الدكتور طه حسين, أو أنه لم يشأ أن يطلع الناس، وعامتهم على آرائه, ومنازع فكره, لكن هذا الغريب النادر أظهر لنا أبا العلاء واسع الاطلاع إلى حد لم نألفه عند سواه على الغريب والنادر في اللغة وانه احيا ألفاظ كانت مواتاً, مستوفيا قواعد اللغة, والشاذ فيها, متصرفا بالاشتقاق, والتوليد تعرف الخبير المستطيل، حتى صح للعلامة عبد الله العلايلي يميزه بأنه صاحب فلسفة لغوية خاصة, مما أدى به إلى اعتبار الحروف كالأرقام ذات دلالات رمزية جنحت به إلى السيمائية, أو ما يسمى بالفيثاغورية أو الهرمسية, وكل ذلك مذهب من مذاهب الباطنية التي وصم المعري, وفصل ذلك العلالي في كتيبه عنه ((المعري ذلك المجهول)) كما شهر من قبل جابر بن حيان. وفي رسالة الغفران علم كثير, بالشعر وروايته، ونقده، ومقابلاته, وبالتاريخ, وبالاماكن، والافراد، والقرآن وتفسيره, وروايته، والحديث ومختلف شؤونه, واللغة كل ما يتصل بها, والأديان, وما خفي من حياة الأفراد العظماء، فجاءالمعري ينبش, ويكشف ,أو يصحح أو يفضح قذف المعري إلى الدنيا,فأخذ يـتأمل، و يتحدى, ليتخذ موقفا من الجسد بالتحكم فيه, , وحدد موقفا من النفس, فلجمها, ونسق منازعها, ممهدا إلى موقف كلي من المجتمع, والإنسان والكون لم يكن ملتفاً في قوقعة الترصد, والمواربة كابن المقفع, ولا عابثا لاهيا على سطوح المجتمع كالجاحظ, أو سوفسطائيا كأصحاب المقامات ,أو زخرفيا كأبن العميد، ولا ظلا كأبي حيان التوحيدي, بل كان بناء في هدمه, مسؤولا عن الإنسان والكون، متحدثا إلى هذا الإنسان بلغة الذي يرى المصير, ويعي الله، ويشمل بنظره لعبة الخلق, والوجود, والعدم، والكبرى هنا لابد من سؤال: أليس أبو العلاء رائد الوجودية الحقيقي, قبل مارتن هايدغر وكير كجرد, وسارتر، وكلوديل ؟
منقول | |
|
| |
محمّد الغريب عضو نشيط
المهنة : **** تاريخ الاشتراك : 22/10/2009 المساهمات : 110
| موضوع: رسالة الغفران 2010-05-01, 15:56 | |
| السلام عليكم و رحمة الله و بركاته كتب أبو العلاء "رسالة الغفران" جواباً عن كتاب ورده من علي بن منصور الحلبي المعروف بابن القارح؛ وكان قد كتب إليه رسالةً افتتحها بتمجيد الله والثناء عليه ، ثم ذكر شوقه إلى أبي العلاء وأكثر من مدحه ، ثم ذكر رسالة الزهرجي التي حملّه إياها إلى أبي العلاء وضياعَها ، ثم ذكر المتنبي وما رمي به واسترسل في ذكر الزنادقة ، ثم شكا أهل زمانه ، ثم ذكر توبته وعزوفه عن الملذات وكِبَر سنه ، ثم ذكر خبره مع الوزير أبي الحسن المغربي صديقِ أبي العلاء وترجم أثناء ذلك لنفسه ، وقد أودع رسالته مِن لطائف الشعر والأدب واللغة والأخبار ما أراد أن يَعلمه عنه أبو العلاء الذي لم يكن يعرف عنه إلا أنه الذي هجا الوزير المغربي. فجاء رد أبي العلاء على جزئين: الجزء الأول: افتتحه بذكر ما يكنه لابن القارح في نفسه ، ثم ذكر رسالتَه ورجى له الثواب بما سطره فيها من تمجيد وثناء على الله وتوبة إليه ، وبكل سطر من سطورها .. وساقه الاستطراد في ذكر الثواب إلى ذكر الجنة وتخيَّلَ تنعمَ ابن القارح فيها ، وطوفانه برياضها ، فذكر أباريقَ خمرها وأنهارَ عسلها ومائها وسمكَها وفضله على ما تغنى به الشعراء من خمر الفانية وعسلها .. ثم تخيَّلَ منادمته لأدباء الفردوس ، وذكر بعض أهل اللغة والأدب وأشار إلى شيء مما كان بينهم ، وتحسر على غياب الأعشى عنهم لأنه لم يُسلم بل آثر الخمر على الهداية ، ولكنه رآه بعدَ ذلك في الجنة حيثُ شفع له مديحه النبيَّ r فدخلها محرماً عليه خمرها. ورأى من الجاهليين: زهيراً وعَبيدَ بن الأبرص وعَدِيّ بن زيد ، وخرج للقنص مع عدي والتقى أبا ذؤيب وهو يحتلب ناقه ، ثم أكمل نزهته فالتقى النابغتين ، وكان يستوقف كل شاعر على شيء من شعره يستحسنه ، أو يسأل عنه ، أو يتثبت من نسبته إليه ، ويسأل أهل الجاهلية كيف غُفر لهم ودخلوا الجنة؟ ثم تمر بهم إوزاتٌ فيشتهون الغناء ، فينقلبن بقدرة الله جواري يغنين أحسن غناءٍ سُمع قط ، ويذكر هنا أنواع الألحان ومشاهير المغنين من أهل الدنيا .. ثم يمر بهم حسان وبعد حديث ينفض مجلسهم ، ثم يسير فيلقى عوران قيس الخمسة ويصنع معهم صنيعه مع من قبلهم ، فمنهم من يجيبه ، ومنهم من يَعجب لبقاء حفظه على ما رأى الناس من هول أنساهم كل محفوظ ، فيذكر لهم ماعاناه هو من أهوال وكيف صار إلى الجنة ، واستجداءه رضوان بمديحه بالشعر الذي لا ينفق عنده كما كان ينفق عند ملوك الدنيا ، ثم استشفاعَه بحمزة ثم علي رضي الله عنهما ، وكيف أضاع صحيفة توبته وهو يصرف خصوم أبي علي عنه في زحام المحشر ، فيشهد له قاضي حلب بتوبته إلا أن أمير المؤمنين يُعرض عنه ، فيستشفع بآل البيت وصلاتِه عليهم أن يسألوا فاطمة رضي الله عنها أن تشفع فيه إلى أبيها r ، فتوكل به أخاها إبراهيم t فيردفه خلفه ، فتقبل توبته وينصرف إلى الصراط ، فتجوز به إحدى جواري فاطمة وتهديها رضي الله عنها إليه خادمةً في الجنة ، ثم يجوز به إبراهيم t مرة أخرى باب الجنة ... حتى إذا استكمل حديثه مع العوران دعاهم لَبيد بن ربيعة إلى داره. ثم يخطر ببال ابن القارح أن يصنع مأدبة يدعو إليها كل من في الجنة من شعراء الخضرمة والإسلام ، ويصف أبو العلاء إعداد الطعام ، وتلبية الدعوة ، وحضور من تاب من المغنين ومجلسهم وحديثهم .. فإذا طعم القوم ينفرد ابن القارح بجاريتين من الحور ، فيصف الحور ممن دخل الجنة من نساء الدنيا ومن ينشئهن الله من أثمار شجر الحور إنشاءً ، فيقطف ابن القارح ثمرة تتفتق عن حورية يحار لجمالها الواصفون ... ثم يقصد طرف الجنة ليطلع على أهل النار، فيمر في طريقه بجنة العفاريت، فيلقى أبا هدرش ويسأله عن شعر الجن وأخبارهم، وبينا هو يسير إذ به يرى الأسد الذي سلطه الله على عتبة بدعوة النبي r عليه ، ويرى الذئب الذي كلم الأسلمي . ثم يلقى في أقصى الجنة الحطيئة، كاد أن لا يدخلها لسوء صنيعه . فإذا أشرف على النار لقي الخنساء جاءت تنظر إلى أخيها صخر ، فيطلع على النار فيرى إبليس ويجري بينهما كلام ، فيذكران بشاراً وتفضيله إبليس على آدم عليه السلام ، فإذا هما به يتقلب في النار فيسأله ابنُ القارح عن شعره ، فلا يجيبه لما هو فيه ، ويسأل عن امرىء القيس فيحضر عنده ، ويطول كلامهما حول شعره ، ثم يرى عنترة العبسي ويُحدثه عن أبي تمام وينشده بعض شعره ، ثم يرى علقمة بن عبدة ثم عمرو بن كلثوم ثم الحارث البشكري ثم طرفة ثم أوس بن حجر ثم أبا كبير فصخراً الهذليان ثم الأخطل فالمهلهل التغلبيان ثم المرقشان ثم الشنفرى وتأبط شراً . وكان بعض هؤلاء لا يطيل معه الكلام ، إن منّ عليه بجوابٍ مقتضب لما هو فيه من العذاب ، فيتركهم ويعود إلى محله من الجبة. وفي عودته يقابل آدم عليه السلام ويسأله عمّا نسب إليه من شعر ، ثم يمر بروضة الحيات ، ويجد بينهن ذات الصفا ، التي ذكرها النابغة الذبياني ، وحية أخرى سكنت دار الحسن البصري ثم جدار أبي عمرو بن العلاء ثم ارتحلت إلى الكوفة فاستفادت علما وفقها وأدبا ، وتَعرض عليه أن تنتفض على التو حورية ، يقيم عندها ويرشف من رُضابها ، لكنه يذعر منها ويفر عنها ، ويعود إلى حوريته التي تركها عند شجر الحور ، ثم يصير إلى جنة الرجز ويرى من غُفر له من الرجاز ويكلم رُؤْبة ويشتد بينهما الجدل ، فيتركه ويقبل على مدام الجنة ونعيمها.
الجزء الثاني: أما الجزء الثاني فيتتبع فيه رسالة ابن القارح مجيباً عنها ، ومعلقاً على ما فيها ، ولأنه جواب مفصل عن رسالة ابن القارح على نفس ترتيب الأفكار والمسائل ، فلست أرى لسرد مفرداتها في هذا المقام حاجة ، لكنني أنوه إلى أبرز القضايا التي عالجها ، فمن ذلك: حرقة الأدباء وتشاكيهم ، والدفاع عن المتنبي ، وتقرير أن نطق اللسان لا ينبئ عن اعتقاد الجنان ، ثم ذكر حدّ الزمان ومذهب الدهرية ، ثم أفاض في ذكر الزنادقة والملحدين وبعض العقائد الفاسدة ، ثم ذكّره بمن أسرفوا في اللهو ثم تابوا ، وذكر توبة ابن القارح وتمثل وعظه وحِجَجَهُ الخمس ، ثم علق على ما ورد في ترجمته لنفسه ، وأثنى على مشايخه ، وختم كتابه بالاعتذار عن تأخر الإجابة. ولعل أبرز ما أودعه أبو العلاء كتابَه هذا: 1. آراءه النقدية في الشعر والرجز والمعاني والرواية ونحل الأبيات وأخبار الشعراء وما استحسن لهم وما أخذ عليهم، وآراء النحاة ... 2. معجمَه اللغوي الثري ومحفوظَه من الغريب فصيحِا وشاذّا ، والمترادفاتِ والمسجوعاتِ ومجازاتِ القول وأحكامَ الإعراب . 3. علمَه بأوجه القراءة وتوجيهها ، والأحاديث ، وتاريخ الإسلام ومعتقدات الفرق . 4. كلَّ ما عرض له - ولو من بعيدٍ - مِن أعلامِ الشعراء والعلماء وأصحاب المقالات ، والقبائل والأماكن . حمل ذلك كلَّه أسلوبٌ استعراضي استطرادي ، أشار بعض النقاد إلى روحه الساخرة سخرية كنائية تعريضية ، مطردةً من أول الكتاب إلى آخره . وتجاوز بعضهم السخرية ولم يلتفت إلا إلى المحتوى المعرفي والأسلوب الأدبي والخيال البعيد . ولم يحفل المتقدمون برسالة الغفران أكثر من غيرها من رسائل أبي العلاء ، بل عدها الذهبيُّ من أردإ تآليفه لما فيها من استخفاف وجرأة ، وإن كان فيها أدب كثير ([1]). وعلى هذا درج أكثر المتقدمين ممن ترجموا لأبي العلاء أو عرفوا برسالة الغفران . وازدادت حفاوة النقاد المعاصرين بالرسالة بعد أن نشر المستشرق الأسباني الأب ميجول أسين بلاثيوس عام 1919م في مدريد كتابه "المصادر الإسلامية للكوميديا الإلهية" ذكر فيه أن دانتي اقتبس من مما كتبه ابن عربي عن المعراج ، وأشار إلى الشبه بين الكوميديا ورسالة الغفران ، وأن المعري متقدم تاريخيا وعلى ذلك افترض تأثر دانتي به . ثم تبعه المستشرق الإيطالي تشيروللي الذي نشر دراسة عام 1949م أقام فيه البرهان على دعوى بلاثيوس وذكر تفاصيل قصة اطلاع دانتي على رسالة الغفران . لكن أول إشارة إلى الشبه الكبير بين العملين وسبق المعري ، كانت على يد باحث عربي يدعى عبد الرحيم أحمد قدم بحثاً لمؤتمر المستشرقين في باريس عام 1897م بعنوان "لمحة عن أبي العلاء وآثاره" ، تبعه الكاتب الفلسطيني روحي الخالدي الذي نشر في عام 1902م في مجلة الهلال بالقاهرة سلسلة مقالات تحت عنوان "علم الأدب عند الإفرنج والعرب". وأجمل الملاحظات على الرسالة فيما يلي: 1. أظهر أبو العلاء في رسالته مستوى رفيعا في لغته وأدبه، طبعا وكسبا (الموهبة والثقافة)، خيالا وتأملا (إبداع ونقد) وهو يجيب على رسالة أدبية تفنن منشئها في كتابتها فأطفأ نورَها في وهج الجواب .. 2. أنطق بآرائه النقدية وترجيحاته اللغوية أصحاب القريض أنفسهم وفي هذا ما فيه !! 3. أظهر كلفه بالأدب والشعر وحبه له وللمسامرة والتغني به حتى كان دعوة ابن القارح عقب كل صلاة أن يُمتع به في الدارين، وفي المقابل أزرى على التكسب به تعريضا 4. خلع على سياقه صبغة خيالية فيها اقتدار فني وجرأة غير محمودة 5. خلط الجد بالهزل، وأورد الوهم موارد الحق، فهو يذكر بنعيم الجنة ويقارنه بأرفع ما وصف الشعراء من اللذات، ويلتفت إلى فضل الباقية على الفانية كثيرا، ويعظ أهل الأدب في ما يقولون وما يفعلون بصورة مباشرة وأخرى غير مباشرة، وكل هذا اقتضاه قالب الجزء الأول من الرسالة "رحلة الغفران"، لكنه خلط ذلك كله باسترسالات الخيال المبنية على المضمون النقدي الذي أدخل وأخرج من الجنة، ورفع وخفض في درجات الشعراء فيها بمعايير نقدية فنية وأخرى أخلاقية .. ثم اعتذر لنفسه عن هذه التجاوزات بما قاله عند ذكر بشار في الجزء الثاني من الرسالة "جواب ابن القارح" قال "وإنما ذكرت ما ذكرت فيما تقدم لأني عقدته بمشيئة الله، وإن الله لحليم وهاب". 6. بنى تصوره عن الجنة في الرسالة على مزيج من صحيح المنقول وأوهام وأغاليط لا تصح عقلا ولا نقلا، كالذي ذكره في الحور ومنزلة آل البيت والحساب ... 7. أودع الرسالة مختاراته الأدبية من عيون الشعر
| |
|
| |
محمّد الغريب عضو نشيط
المهنة : **** تاريخ الاشتراك : 22/10/2009 المساهمات : 110
| موضوع: الاستطراد في "رسالة الغفران" 2010-05-01, 16:44 | |
| السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الاستطراد في "رسالة الغفران" الأستاذ عبد الوهاب الشتيوي ـ صفاقس/ الجمهوريّة التّونسيّة يُعتبر الاستطراد من أهمّ التّقنيات الفنيّة التي اعتمدها أبو العلاء المعرّي في "رسالة الغفران"، وليس الاستطراد من الظّواهر الفنيّة الجديدة، بل هو تقليد فنّيّ راسخ في الثّقافة العربيّة الإسلاميّة، وليس أدلّ على ذلك من كتابي "الإمتاع والمؤانسة" لأبي حيّان التّوحيديّ، و"الحيوان" للجاحظ، فكلاهما جمع بين مجموعة كثيرة من المواضيع والقضايا والظّواهر المعرفيّة والعلميّة والاجتماعيّة والدّينيّة، والاستطراد يعني "أنْ يجمع الكاتب بين مواضيع مختلفة في حديث واحد، وأنْ ينصرف من الموضوع الرّئيسيّ ليتناول الموضوع الفرعيّ، ويُسهب فيه إلى درجة تُنسي المتقبّل الموضوع الرّئيسيّ، وتُعطّل الاهتمام به". وأهمّ ما يُذكر بشأن الاستطراد في "الغفران" أنّه يُعطّل سير القصّة الرّئيسيّة، ويُهمّش البطل ابن القارح، ويُدخل المسرود له في مواضيع فرعيّة، فيطرح من خلالها مجموعة من القضايا التي تشغل المعرّي، وتثير أبناء عصره... I ـ أنواع الاستطراد في "رسالة الغفران": 1 ـ الاستطراد السّرديّ: أهمّ استطراد في الرّسالة، وفيه ينصرف السّارد عن سرد القصّة الرّئيسيّة المتعلّقة بابن القارح إلى سرد قصّة شخصيّة فرعيّة، وتكون هذه القصّة عرضيّة، ويمكن حذفها دون أنْ تختلّ بنية الرّسالة(أذكر أمثلة..). 2 ـ الاستطراد اللّغويّ: لعلّه يكون من أهمّ أنواع الاستطراد في الرّسالة إلى جانب الاستطراد السّرديّ، وترى فيه السّارد يفسّر الألفاظ المستعصية، ويُكثر من الشّروح اللّغويّة، ويٌُقدّم للكلمة مختلف المرادفات حسب اختلاف اللّهجات. 3 ـ الاستطراد الشّعريّ: يتجلّى من خلال الإكثار من الاستشهاد بالشّعر ممّا يحوّل الرّسالة من النّثر إلى الشّعر... 4 ـ الاستطراد النّقديّ: يتجلّى حين يتحوّل الخطاب من السّرد إلى الحوار، ومن القصّ إلى النّقد، وتُطرح القضايا الأدبيّة مثل الاختلاف في بعض المسائل الشّعريّة، والقضايا اللّغويّة، والعروضيّة والبلاغيّة. 5 ـ الاستطراد الدّينيّ: نلمحه حين ينصرف السّارد إلى تناول بعض المسائل الدّينيّة، أو حين يستشهد بالآيات القرآنيّة ثمّ يُفسّر بعض الكلمات والمعاني. II ـ وظائف الاستطراد في "رسالة الغفران": تتعدّد وظائف الاستطراد في "رسالة الغفران"، مثلما تتعدّد وظائف أيّ نوع من أنواع الخطاب اللّغويّ، وذلك للعلاقة التي يُنشئها الخطاب بين المرسِل والمرسَل إليه والرّسالة، ويمكن تبعًا لذلك أنْ نتبيّن الوظائف التّالية: 1 ـ بالنّسبة إلى المرسِل: وهو كاتب "رسالة الغفران" ومنشئ الخطاب، والغايات التي يُحقّقها له الاستطراد عديدة، ومنها: إبراز براعته في إنشاء عالم قصصيّ متخيَّل، واستعراض محفوظه من الشّعر والقرآن، والقدرة على المساهمة بآرائه في القضايا الثّقافيّة والدّينيّة والاجتماعيّة، وتقزيم معارف ابن القارح، والسّخرية منه، وجعله في منزلة الجاهل المحتاج إلى التّعلّم منه، وتحقيق التّرفيه والاستمتاع والضّحك وإخراج نفسه من الجوّ القاتم لتلك العزلة التي فرضها على نفسه. 2 ـ بالنّسبة إلى المرسَل إليه: التّلاعب به بطلاً (القصّ) والسّخرية منه برسم في مشاهد مهينة، وتحطيم أعصابه قارئًا (التّرسّل)، وتحقير معارفه، وتلقينه المعارف التي يجهلها ويدّعي امتلاكها، وإطماعه بالقدرة على الدّخول إلى الجنّة أحيانًا، وتخويفه من المصير، وتعسيره أحيانًا أخرى، وتزييف توبته، وإبطال إيمانه، وتحقيره وتهميشه، وفضح شهوانيّته. 3 ـ بالنّسبة إلى المسرود له (القارئ عامة): إمتاعه بنصّ قصصيّ طريف، وتنبيهه إلى حقيقة شخصيّة ابن القارح، وإقناعه بقدرات الكاتب المعرفيّة، وموسوعيّة ثقافته، والمساهمة في تكوينه، وإضحاكه، وتنبيهه إلى قضايا عصره. 4 ـ بالنّسبة إلى الرّسالة: المساهمة في جعلها رسالة طريفة جامعة بين الهزل والجدّ، والإمتاع والإفادة | |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2011-01-17, 17:29 | |
| merci boucoup |
|
| |
زائر زائر
| موضوع: رد: مع المعري الشاعر الفيلسوف 2011-04-30, 13:54 | |
| متعكم الله بالطيب الجميل,واكرمكم فى الدنيا والاخرة,ونريد المزيد |
|
| |
| مع المعري الشاعر الفيلسوف | |
|