أسماء الله احفظها |
{وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (180) سورة الأعراف
|
القرآن |
يمكن حفظ القرآن الكريموفق قواعد التلاوة وبكل يسر من خلال الضغط على الرابط التالي:القرآن الكريم
|
المواضيع الأخيرة | » برنامج مادة التربية الإسلامية الثامنة أساسي 2020-09-24, 16:05 من طرف slim kilani » فروض في مادة التربية الإسلامية( التاسعة أساسي)2019-03-29, 22:59 من طرف مهدي » الدار العربية للتنمية الادارية فعاليات الماجستيرات شهر مارس وابريل ومايو2018م والممنوح من جامعة ميزوري – الولايات المتحدة الأمريكية عنوان المؤتمر من الى للتسجيل المؤتمر العربى الخامس تكنولوجيا ادارة البلديات – المدن الذكية – smartcities 8 ابريل 112018-02-18, 09:40 من طرف مروة الدار » تدعوكم الدار العربية للتنمية الإدارية بالتعاون مع مركز التقانة للتدريب والتنمية البشرية – جمهورية السودان للحضور والمشاركة في الملتقى العربي الرابع تخطيط المالية العامة } النظم المستجدة والمعاصرة { مقر الانعقاد: شرم الشيخ – جمهورية مصر العربية 2018-02-14, 10:49 من طرف مروة الدار » المؤتمر العربى الخامس التكنولوجيا إدارة البلديات 2018-01-15, 11:05 من طرف مروة الدار » دعوه للمشاركه في: ماجستير إدارة المستشفيات المهني المصغر (( اسطنبول – القاهرة )) 11 الى 22 فبراير 2018م 2018-01-11, 07:32 من طرف مروة الدار » الدار العربية للتنمية الإدارية بالتعاون مع الإتحاد الدولى لمؤسسات التنمية البشرية وحدة البرامج التدريبية وورش العمل البرنامج التدريبي الموازنة الفعالة والرقابة على التكاليف القاهرة – جمهورية مصر العربية خلال الفترة من 25 فبراير الى 1 مارس 2018 م يهدف 2018-01-02, 13:46 من طرف مروة الدار » الدورة التدريبية إعداد القيادات الإدارية خلال الفترة من 18 الى 27 فبراير 2018م مكان الانعقاد:القاهرة – جمهوريى مصر العربية2017-12-28, 08:20 من طرف مروة الدار » الدورة التدريبية وضع وتنفيذ إستراتيجيات إدارة المواهب إدارة المواهب الإستراتيجية وتعزيز الأداء وتعظيم الإمكانيات ) ) خلال الفترة من 18 الى 22 فبراير 2018م مكان الانعقاد :القاهرة – جمهورية مصر العربية2017-12-27, 13:33 من طرف مروة الدار » المؤتمر العربى السادس (التطوير الاداري في المؤسسات الحكومية ) فرص التحول البناء الاحد الموافق 24 ديسمبر الى الخميس الموافق 28 ديسمبر 2017 م القاهرة – جمهورية مصر العربية2017-11-04, 08:52 من طرف مروة الدار » Arab House for administrative development In cooperation with International union for organizational human development Launches Sixth Arabian conference (governmental organizations administrative development) Effective transformation opportunities Locatio2017-10-29, 11:53 من طرف مروة الدار » الدار العربية للتنمية الإدارية بالتعاون مع الإتحاد الدولى لمؤسسات التنمية البشرية تــعـــقــــــــــــد الــمــؤتــــــمر العـــربى الســادس ( لتطوير الإداري فـي المؤسـسات الحكومية ) فرص التحول للبناء مقر الأنعقاد : القاهرة – جمهورية مصر العربية مدة الانع2017-10-17, 09:11 من طرف مروة الدار » البرنامج التدريبى :التخطيط المالى وإعداد الموازنات التخطيطية ودورها فى الرقابة وتقييم الأداء القاهرة– أسطنبول 2017-10-14, 12:25 من طرف مروة الدار » الدورة التدريبية الأساليب الحديثة فى تكنولوجيا المعلومات ودورها فى دعم المؤسسات مقر الإنعقاد: ماليزيا موعد الإنعقاد: خلال الفترة من 24 الى 28 نوفمبر 2017 م 2017-10-11, 14:15 من طرف مروة الدار » الدورة التدريبية الحكومة الإلكترونية (الأهمية والأهداف – التطبيقات والأداء ) مقر الإنعقاد: ماليزيا موعد الإنعقاد: خلال الفترة من 24 الى 28 نوفمبر 2017 م 2017-10-10, 12:35 من طرف مروة الدار » تطبيقات إدارة الجودة الشاملة وتطوير الأداء باستخدام 6 سيجما القاهرة – اسطنبول خلال الفترة من 3 الى 7 ديسمبر 2017م 2017-10-09, 12:52 من طرف مروة الدار » الدورة التدريبية المهارات الإعلامية لمسئولى العلاقات العامة مقر الإنعقاد: القاهرة – أسطنبول موعد الإنعقاد: خلال الفترة من 3 الى 7 ديسمبر 2017 م2017-10-04, 13:02 من طرف مروة الدار » دبلوم مدير تنفيذي معتمد القاهرة – جمهورية مصر العربية خلال الفترة من 12 الى 16 نوفمبر 2017م 2017-10-04, 13:01 من طرف مروة الدار » الدار العربية للتنمية الإدارية بالتعاون مع الإتحاد الدولى لمؤسسات التنمية البشرية تعقد المؤتمر العربى السادس (التطوير الاداري في المؤسسات الحكومية ) فرص التحول البناء مقر الأنعقاد : القاهرة – جمهورية مصر العربية مدة2017-09-30, 10:57 من طرف مروة الدار » البرنامج الفني الهندسة العكسية وتطبيقاتها الصناعية مكان الإنعقاد : دبى – أسطنبول خلال الفترة من 1الى 10 نوفمبر 2017م 2017-09-28, 13:59 من طرف مروة الدار |
أفضل 10 أعضاء في هذا المنتدى | |
|
| مع الجاحظ ( المنزع العقلي) | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: المنزع العقليّ في كتابة الجاحظ و أسلوبه 2009-11-07, 03:25 | |
| من مظاهر المنزع العقليّ في كتابة الجاحظ و أسلوبه
الحجاج : صوره – بنيته –وظائفه- أنواع الحجج 1 - من تعريف الحجاج : • "هو مجموع تقنيات الخطاب التي من شأنها أن تؤدّي بالأذهان الى التّسليم بما يعرض عليها من أطروحات ، أو أن تزيد من درجة ذلك التّسليم " برلمان وتيتيكا، نقلا عن مقال عبد الله صولة ضمن كتاب " أهم نظريات الحجاج في التقاليد الغربية من أرسطو الى اليوم"- تأليف جماعي بإشراف حمادي صمود-كلية الآداب-منوبة ص 297-350) • "هو العمليّة التي يسعى من خلالها المتكلّم الى تغيير نظام المعتقدات و التصوّرات لدى مخاطبه بالوسائل اللّغوية ". • " فهو إذن خطاب يهدف صاحبه من ورائه إلى جعل المتلقّي يقرّ بصحّة مقولة أو قضية معيّنة ، فيرفضها و يطرحها عنه . فالحجاج يهدف الى التّأثير في فكر المتلقي و حمله على تعديل رؤيته أو مواقفه أو تعديل سلوكه بالاستناد الى تمشّ عقليّ يقوم على التّفكير و المنطق من جهة, و إلى التّأثير بشتّى الوسائل الوجدانية و النّفسية من جهة أخرى ، مع توظيف الوسائل اللّغوية ( الصّياغة و الأسلوب و الأدوات الحجاجيّة المتنوعة ), 2 - سيرورة الحجاج و تنظيمه : تقوم بنية الحجاجي- كما هو معروف- على ثلاثة أقسام كبرى هي : -طرح القضيّة التي يراد تأييدها أو دحضها -تحليل جوانب القوّة في المقولة التي يراد دحضها، باستخدام الأدلّة و الحجج. -التوصّل الى نتيجة يخلص اليها التحليل السّابق( تأييد القضية أو إسقاطها، أو اتّخاذ موقف توفيقي بين هذا و ذاك ). 3 - وظائف الحجاج عند الجاحظ لا تخرج وظائف الحجاج عنده عن الوظائف التي يستخدم من أجلها الحجاج عامّة، و التي لخصها "أوليرون" في ثلاث وظائف هي: 1-الإقناع أو ما يسمّيه "تمرير قناعة" و هذا نجده بكثرة في مناقشته المسائل الاعتقاديّة لإثبات مقولات الشّرع . 2- المداولة ، و هي التي يكون الحجاج فيها وسيلة لإتّخاذ قرار بأفضل الحلول ، كأن يطرح قضيّة أو يبسط أطروحة فيعرض أكثر من رأي فيها أو أكثر من تفسير أو تأويل لها ، ثمّ يتصدّى لما فيها من جوانب الضّعف بالنّقد و التّجريح ، وصولا الى ترجيح رأي أو حلّ، أو الى إستبعاد صحّتها، و ربما اكتفى بالتّعبير عن تعجّبه كما تقدم . 3- إثبات صحة كلام من الأحكام بطرح مسألة او بسط رأي يهدف الى إثبات و بيان أوجه صحّته و الاحتجاج له بالأدلّة و الأمثلة الدّاعمة . فكثيرا ما يعمد الى تأكيد أقوال شيوخه و أساتذته من زعماء الإعتزال، و كذلك آراء السّلف و أخبارهم بما يراه منطقيّا من أحكام العقل . و من أساليب الدّحض و إسقاط حجج الخصم عنده : - طرح مسألة أو رأي بهدف تخطئته و بيان تهافته و مواضع تضاربه مع العقل ، مع تقديم الحجج المضادّة و الأمثلة التي تنقضه , و من وسائله في ذلك: الطّعن في تسلسل القضايا و بيان اختلال التّمشّي و التدرّج من قضية الى أخرى . كشف التناقض في حجج الخصم . استخدام الحجج المضادة أو السّالبة. منقول عن تونيزيا سات | |
| | | كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: رد: مع الجاحظ ( المنزع العقلي) 2009-11-07, 03:26 | |
| التّشدد و التّثبت النوم؟" 4 - أنواع الحجج و طرائق الاستدلال : أ – أهمّ طرائق الاستدلال : - أسلوب التّصنيف و التّبويب : و هو أسلوب يعكس حرصا على التّدقيق و الاستقصاء في تتبّع المفاهيم، و نمذجة الموجودات ضمن أبواب و أصناف، أو أنواع و أجناس، و جدولة الظواهر الطبيعية حسب خصائصها المائزة و الجامعة، و سماتها المفرقة و المؤلفة، كما يدل على جهد عقلي يرمي الى توضيح الغامض منها و تفسير المحمول منهاعلى جهة العموم او التشابه او الخلط. و مثل هذا الاسلوب يصدفنا في مواضع عدة من الحيوان نذكر منها هلى جهة التمثيل قوله في تقسيم مخلوفات العالم: "و أقول:إنّ العالم بما فيه من الأجسام على ثلاث أنحاء: متّفق و مختلف، و متضاد . و كلها في جملة القول: جماد، و نام (...) و الحيوان على أربعةأقسام: شيء يمشي و شيء يطير و شيء ينساح . إلاّ أنّ كل طائر يمشي، و ليس الذي يمشي و لا يطير يسمى طائرا. و النوع الذي يمشي على اربعة اقسام: الناس ، و بهائم، و سباع و حشرات (...) و الطير كل : سبع، و بهيمة، و همج . و السباع من الطير على ضربين: فمنها العتاق، و الأحرار، و الجوارح، و منها البغاث، و هو كل ما عظم من الطّير سبعا كان او بهيمة (...) و اسم طائر يقع على ثلاث اشياء: صورة و طبيعة و جناح... الخ . - الاسلوب الرّياضي و الاستدلال المنطقي : يخصّ هذا الأسلوب طريقة في النظر إلى الظّاهرة الواحدة، و تحليلها تحليلا قائما على منطق رياضي يتدرج من العام الى الخاص، و من الإجمال إلى التّفصيل، وصولا الى ضبط تقنين نهائي للمفهوم المتشعّب، باعتماد آلية الاستدلال المنطقي من قبيل هذا المثال: "و وجدنا كون العالم فيه حكمة. و وجدنا الحكمة على ضربين: شيء جعل حكمة و هو لا يعقل الحكمة، و لا عاقبة الحكمة . و شيء جعل حكمة و هو يعقل الحكمة و عاقبة الحكمة. فاستوى بذلك الشيء العاقل و غير العاقل في جهة الدّلالة على أنّه حكمة، و اختلفنا من جهة أنّ أحدهما دليل لا يستدل ، و الأخر يستد ل. فكل مستدلّ دليل، و ليس كل دليل مستدلا ". و يبدو تأثير الأسلوب الفلسفي واضحا من خلال هذا المثال، و تحديدا تأثير منهج المظر ألمعتزلي و منطق الاستدلال الذي قام عيه علم الكلام الشائع جدا في ذلك العصر . - المنطق الجدلي الحجاجي: هو نظام فكري ينظر في المعرفة من مختلف جوانبها، و يقلّبها على وجوهها المختلفة و يجمع الأضداد ليصل من خلالها إلى القانون المتحكّم في الظّاهرة موضوع النّظر، و يحاور الآراء المخالفة و يناقشها ليتبين مدى صدقها من ضعفها و هو "يورد الفكرة و نقيضها و يحتج لهذه كما يحتج لتلك، و يستقصي الشيء و ضدّه، و كل ذلك إنعكاس لغلبة علم الكلام عليه". و هو أبرز الأساليب المعتمدة في جميع مؤلفات الجاحظ . وربما مرجع ذلك الى تاثره بما ضجّت به الحياة العقلية آنذاك من اشتغال بالفلسفة و علم الكلام إضافة إلى تأثّره بمنهج المعتزلة و فكرهم وقد كان منهم . القياس (مقدمة كبرى- مقدمة صغرى- نتيجة). و القياس أنواع، فمنه النّاقص ، و منه المركب ، و الفصلي ، و الأقرن ( و هو قياس ذو حدّين أو ذو قضيّتين، و لكنهما يخلصان الى نتيجة واحدة ) . و من أمثلة القياس قوله :" لو تركهم و أصل الطّبيعة ، مع ما مكّن لهم من الأرزاق المشتهاة من طبائعهم ، صاروا إلى طاعة الهوى، و ذهب التّعاطف و التبار "، الحجاج بالحذف (أو التفكير بالاستعباد ): و هو الأسلوب الذي يطلق عليه كذلك "الترسّبات " ، و هو قريب مما يعرف في المنطق "بطريقة البواقي"و يتمثّل في فحص تأويلات أو حلول ممكنة متعدّدة ثم استبعاد الخاطئ منها واحدا بعد آخر حتّى الانتهاء الى تأويل أو حل أخير لا يقبل التخطئة و يحكم بصحّته أو استبعاد ما يعرف سببه منها واحدا بعد آخر حتى يكتشف ما لم يكن سببه معروفا . و لعلّ من أشباهه عند الجاحظ ما نجده في بحثه عن الذّباب الذي يعلق بستارة الباب : هل هو نائم أم يقظ ، و هو أنموذج واضح للتفكير بالبدائل و التفكير العرضي . إذ يقول:" فإن كانت لا تنام البتة ..فهذا أعجب .... أن تكون أمّة من أمم الحيوان لا تعرف النّوم و لا تحتاج اليه ، و إن كانت تنام ... فما تخلو أن تكون قابضة على مواضع قوائمها ، ممسكة بها ، أو تكون مرسلة لها ، فكيف لم تسقط ، و هي أثقل من الهواء ؟ و إن كانت ممسكة بها، فكيف يجامع التّشدد و التّثبت النوم؟" | |
| | | كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: رد: مع الجاحظ ( المنزع العقلي) 2009-11-07, 03:27 | |
| الاستدلال الشّرطي: - مقدّمة كبرى تطرح علاقة شرطية بين قضيّتين ( إن وقع – أ...فإن – ب- سيقع...) - مقدمة صغرى تثبت أو تنفي إحدى القضيّتين .( و بما أن – أ- وقع/ لم يقع ). - نتيجة تثبت أو تنفي إحدى القضيتين( فإنّ –ب- سيقع / لن يقع ). - الاستقراء : ( الانطلاق من الحالة الخاصّة الى العام ) - يمكن ان نذكّر بالقانون الذي استخلصه عن الانتباه الغريزي لدى الكلب: " فليس يكون مثل هذا إلا عن مقدارية بمقدار ما بين الوقتين"
ب – أنواع الحجج : من الصّعب حصر جميع أنواع الحجج المستخدمة في كتابات الجاحظ لشدة تنوّعها و لكثرتها، لكننا نكتفي بنماذج من أغلب أنواع الحجج ، و نمثل لها من كلام الجاحظ قدر الإمكان ، مع التذكير بأنّ الحجاج لا يستند الى العناصر العقليّة وحدها، و إنّما تمتزج فيه الحجّة العقلية بعوامل التأثير الو جدانية و بلاغة الأدوات اللّغوية الحجاجيّة : حجج استدعاء الوقائع: - مباشرة ( المعاينة - التجربة...) و قد سبقت بعض الأمثلة. - عن طريق الوثائق ( الشّواهد النصّية ) و هي كثيرة. - برواية من شهدها ( الشّهادات )، مثل :"حدثني صديق لي أنه حبس كلبه..."و "مدار العلم على الشّاهد و المثل..." - الانطلاق من المسلّمات و البديهات: " أعلم أنّ الهد جلّ ثناؤه خلق خلقه ، ثمّ طبعهم على حبّ اجترار المنافع و دفع المضار....".. -حجّة السّلطة : (الاستشهاد برأي أو بسلوك شخصيّة تعد مرجعا أو سلطة في المجال لمنزلتها أو شهرتها....)، و معظم سند الجاحظ من هذا القبيل ( " فقد كان إسحاق من معادن العلم )" -الحجاج بالأولوية ( إن كان-أ- صحيحا، فمن باب أولى أن يكون –ب- صحيحا أيضا) التوصيف: (إصدار حكم إيجابيّ للتّحسين أو التّقدير أو حكم سلبيّ للتّقبيح أو الاستهجان، و ذلك للتّأثير في المتلقي). مثل : "و هذا كلام شريف نافع" التّأويل: ( إدماج معطيات من الواقع في إطار مفهوميّ يشكّل نظاما متماسكا المقارنة : إبراز التّماثل ( حجّة المماثلة ) : كأن يقول في المماثلة بين أصناف من الحيوان برّيّة و أخرى بحريّة :"و إنّ تلك الأجناس و إن اختلفت في أمور ، فإنّها تتشابه ، و إنّ هذه الأجناس من تلك ، ككلب الماء من كلب الأرض " ( باب الحيّات ). إبراز التباين أو التّناقض : ( ملاحظة الفروق بين الأشياء أو التناقض بينه ا) " فكيف يجامع التّشدد و الّتثبت النوم, " 5 - الأساليب اللّغوية الحجاجيّة : و هي أيضا كثيرة لا يتّسع المجال لحصرها ، و يمكن أن نورد من أمثلتها : - الموازنة بين الجمل، و هي هي ظاهرة أسلوبية منتشرة في كتابات الجاحظ - تأكيد الفكرة بنقيضها ( الصدق يوجب الثقة ، و الكذب يورث التهمة ) - التعليل : ل...لأنّ.../.... الرّبط السّببي: باستخدام التركيب الشّرطي التّلازمي" متى ذهب التّمييز ذهب التّخيير " / ذا كان ...فإنّ .../ لولا ...ل / لولا ..لما...)، أو باستخدام أسلوب الحصر ( ما/ لا/ لم...إلا / حتى ....)، و غير ذلك من ألوان الأساليب المعبّرة عن التفكير الاستنتاجي و استدعاء السابق اللاحق . "فلو كان الشّر صرفا لهلك الخلق..." أو قوله في تفسير الآية " و علم آدم الأسماء كلها "."و لو أعطاه الأسماء بلا معان لكان كمن وهب شيئا جامدا لا حركة له ".(رسائل الجاحظ-تحقيق عبد السلام هارون-مكتبة الخنجي مصر-1965). - التركيب الاسمي التّقريري الذي يستخدم في إعلان حقيقة أو إثبات مسلّمة ينطلق منها أو نتيجة يتوصّل إليها " أبين الكلام كلام الله " "للأمور حكمان "-"الرّغبة و الرهبة أصلا كل تدبير"... - الاستفهام الإنكاري للاستبعاد أو الدّحض : " و كيف يكون...." - الميل إلى استخدام العبارة المكتنزة الدّاعية إلى التفكيرو الحافزة على القراءة المتأنّية المتبصّرة, ذلك أنّ فهم كتابة الجاحظ-على سهولة لفظه- تتم ّباستقصاء أبعاد عبارته و استكناه إشاراتها وسبر أغوارها باستخدام العقل دائما, وبهذا المعنى يمكن أن نفهم قولة ابن العميد الشهيرة في كتبه – أي كتب الجاحظ - حين قال إنها : " تعلّم العقل أولا و الأدب ثانيا ". - الميل إلى استخدام اللفظ في معناه الأصلي, من دون كبير احتفال بالمجاز, واعتماد المدلول الحقيقي, أو المداولة الأصلي الدقيق, دون المدلول الجانبي أو المعنى الحافّ . - خدمة اللفظ للمعنى فاللّفظة مقدودة على قياس الفكرة مقتضبة مكتنزة حينا مسترسلة مستطردة حينا آخر في مد وجزر ما بين تركيز العقل وامتداد الثقافة . و الجاحظ في ذلك كلّه يجري وراء اللّفظة العادية" الملقاة في الطريق "على حد قوله هو نفسه في "البيان والتبيين" تلك اللفظة التي تقترب من لغة الحياة العامة في عصره لكنها ترقى إلى أعلي مراتب الفكر في مضمونها. و نجد أساليب أخرى متواترة من قبيل تراكيب القصر (إنما....) كما في قوله : " و إنّما حثّّوا على ..... " , إضافة الى غيرها من أساليب التأكيد و النّفي و التمثيل و التدليل و الميل الى التأثير في المتقبل بمخاطبة وجدانه و شعوره عن طريق استثارة مجالات العاطفة الانسانيّة و مختلف نوازعها فيه من ألم أو ضرر أو شر أو نفع و فساد, أو جميل و قبيح باعتماد أسلوب الترغيب و الترهيب, أو التقبيح و التجميل ................... استطاع الجاحظ بمثل هذه الأساليب أن يطوّع اللّغة العربية- و النثر العربي على وجه الخصوص- لمعالجة المسائل العلميّة و الفلسفيّة، و على رأسها المنطق، باستخدامها في مجالات الفلسفة و الطبيعيات و غيرها من دوائر المعرفة التي اتّسعت لها ثقافته فأسهم في إغنائها بالكثير من المفاهيم و المصطلحات ، و بعدد من المركبات و الهياكل في غير تعقيد و لا غموض, | |
| | | كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: رد: مع الجاحظ ( المنزع العقلي) 2009-11-07, 03:28 | |
| - ضبط عناصر المقام الحجاجي و مقتضيات السّياق التواصلي : ضمن هذا السياق تتحدد علاقة المحاج بالمخاطب المتقبل . و هي علاقة تتحكم طبيعتها المخصوصة في سياق الحجاج : و سائله و نتائجه . و انتهينا بعد النّظر في هذا المقام الى مظهرين من العلاقة القائمة بين الجاحظ و مخاطبه صنفناها كالآتي : -علاقة عمودية استعلائيّة : و تتخذ مظهرين بارزين: *علاقة عالم الجاحظ ( الجاحظ/ المحاج) بجاهل (المتقبل /المخاطب): و علامتها النصّية تواتر صيغ لغوية إلزامية ذات مضمون معرفي من قبيل قوله في خطاب مباشر تقريري :" اعرف مواضع الشك ......و تعلم الشك........ثم اعلم....." و هي صيغ تعليمية تعكس البعد التعليمي الذي يلمس في كثير من نصوص الجاحظ. *علاقة واعظ مرشد -الجاحظ- بغير غاو (المتقبل) : فتنشأ بينهما علاقة وعظية تعتمد النّصح و التوجيه قصد تقويم سلوك طائش , أو تعديل مسلك منحرف, أو تنبيها إلى مزالق تعترض سبيل المعرفة و الأخلاق و السلوك . و تنهض بهذه الوظيفة التوجيهية صيغ التوجيه الإلزامي و هي صيغ إنشائية تهدف الى التأثير في المتقبل بحمله على إتيان أنماط من السلوك القويم , و تجنب ما انحرف عن الجادة و أنذر بوخيم العواقب . و أبرز صيغ التوجيه الالزامي المتواترة صيغ الأمر و صيغ النّهي . و الأمثلة على هذا عديدة نذكر منها قوله :" فلا تذهب الى ما تريك العين , و اذهب الى ما يريك العقل . و للأمور حكمان : حكم ظاهر للحواس, و حكم باطن للعقول. و العقل هو الحجة". أو قوله معتمدا اسلوب الترغيب و الترهيب :" فالرغبة و الرهبة أصلا كل تدبير ...., فاجعلهما مثالك الذي تحتذي عليه, و ركنك الذي تستند اليه, و اعلم أنّك إن أهملت ما وصفت لك عرضت تدبيرك للاختلاط " أوقوله معتمدا أسلوب التّحذير :" و احذر كل الحذر أن يختدعك الشيطان عن الحزم فيمثل لك التّواني في صورة التواكل , و يسلبك الحذر , و يورثك الهوينا بإحالتك على الأقدار". -علاقة أفقيّة بين صديقين: لعلها أن تكون من مقتضيات فنّ الترسّل الاخواني , و يتأكد هذا الرأي إذا علمنا أنّ الجاحظ الف الحيوان و توجّه به إلى الوزير محمد بن عبدالملك المعروف بإبن الزيّات و كانت تجمعهما صداقة و مودّة , و كان الجاحظ يمتدحه و يكتب اليه الرسائل المتعددة , و كما أنه كتب كتابه "البيان و التّبيين" و أهداه إلى القاضي أحمد بن أبي داؤاد و هو من المعتزلة أصحاب واصل بن عطاء . كما أنه اهدى رسائله و هي 45 رسالة الى أعلام عصره . فالعلاقة بينه و بين من توجه اليهم بالخطاب علاقة صداقة و ألفة – في عمومها تجلّت ملامحها من خلال لهجته الحميمة في توجيه الخطاب و وفرة الجمل الدّعائية – بما هي ميسم فنّي دال على الجنس الأدبي (رسالة), و بما هي أمارة دالّة على صلة حميمة بين المرسل و المرسل اليه . فينشأ عن هذا ما يشبه العقد الرمزي عاطفيا بين المحاج و المخاطب يحمله على تصديق مضمون الخطاب , من قبيل قوله: " فإن قدح –جعلني الله فداك – بالحسد قادح فيما أؤلفه من كتابي لك و سبق إلى همك شكّ فيه... و دموغه إياه" [الرسائل ] و انظر كذلك ما جاء في الحيوان .
مع التّوفيق للجميع . أخوكم زياد الخالدي . معهد المظيلة بقفصة منقول عن تونيزيا سات | |
| | | كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: المنزع العقلي:الجاحظ 2009-11-07, 03:29 | |
| المنزع العقلي:الجاحظ
للجاحظ مكانة متميزة في تاريخ الفكر العربي باعتباره مثل قطيعة معرفية مع الفكر التسليمي الإنطباعي وعدّ مؤسّسا للمعرفة العقليّة.ولقد كان الجاحظ إستجابة حضارية طبيعية لظرف معرفي مخصوص تميزبحضورمكثف للعقل ودليل ذلك أن السلطة في عصر الجاحظ كانت إعتزالية.وتميز هذا الظرف بكثرة الجدل و الإختلاف بين الفرق الإسلامية كما تميز باكتمال مرحلة التدوين وما أفرزته من تداخل بين الحقائق .وميزة الجاحظ انه خاص بالعقل في ميادين لم يخض فيها العقل مسبقا و قد نظر في عالمين اثنين متقابلين و لكنه تمكن من الربط بينهما هما عالم المحسوسات من خلال دراسة الحيوان و قد أسس أثناء ذلك منهجا يقوم على السماع و الشك و التجربة وعالم الغيب والماورائيات و قد استند فى ذلك الى الاستدلال و الحجاج. و قد استفاد الجاحظ فى نشأته فى البصرة التى كانت قطبا فلسفيا و فكريا و قد ازدهرت فيها التيارات العقلية و نشطت فيها حركة الترجمة مما مكن الجاحظ من الاستفادة بالتراث اليوناني و لا سيما تلراث أرسطو. - أسس الجاحظ منهجا لأدراك اليقين يقوم على أسس ثلاثة أولها السماعاذأخذ الجاحظ فى الحيوان من مصادر مختلفة منها ما هو مكتوب و مأخوذ من التراث اليونانى و كتاب "الحيوان" لأرسطو و منها ما هو عربي شفوي كمساءلة أصحاب الخبرة من الحرازين و الحوائين و الصيادين و منها ما هو شعرى كبعض الأبيات التى قيلت عن الحيوان. - كثرة المصادر فى كتاب الحيوان يعود الى ايمان الجاحظ أن معرفة الفرد محددة و لا سبيل لنماء علمه الا بالاطلاع على معارف السابقين يقول الجاحظ:"الانسان لا يعلم حتى يكثر سماعه" لكنه لم يسلم بما يسمع و لم يطمئن الى العلماء مهما كان مقدار علمهم لأن التقليد و الحفظ قاصرانعلى ادراك الحقيقة يقول الجاحظ:"ان مستعمل الحفظ لا يكون الا مقلدا و الاستنباط هو الذى يفضي بصاحبه برد اليقين." - الشك: لما كانت غاية الجاحظ معرفة الحقيقة فانه لا مناص له من استعمال العلم للظفر باليقين و الشك جلاء عملي و ترجمة فعلية للعقل . و الشك عند الجاحظ منهج لا غاية فى ذاته لهذا السبب يدعو الى معرفة الحالات الموجبة له لمعرفة الحالات الموجبة لليقين وهو بذلك يتجاوز شك الريبيين الذين جعلوا الشك منطلقا و غاية. الشك في الأخبار أساسي عند الجاحظ لأن البشر ميالون بطبعهم إلى التحريف والإنسان ليس معصوما من الخطأ مهما كان لذلك دعا إلى اعتماد الشك في الخبر مهما كان مصدره حتى و إن روي عن علماء ثقات لأن ثقة السند ليست دليلا على صحة المتن يقول:" لا ترسلوا إلى كبير من العلماء فإذا عليمهم يقول بغير رواية و على غير أساس". فعلاقة الجاحظ بالتراث إذن تقوم على جدل الاتصال و الانفصال. و بما أن الشك طريق إلى اليقين و العقل سبيله فان الحس و التسليم و التقليد عائق لإدراك لذلك يدعو إلى المعرفة العقلية. يقول الجاحظ :لا تذهب إلى ما يريك العقل و العقل هو الحجة."
إن ازدهار المعارف في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة نتيجة المثاقفة و ظهور علم الكلام و تحول التصوف الاسلامى من مجال الممارسة الزهدية إلى نظرية في المعرفة و البحث في حقائق الوجود والكون نقل الفكر العربي من مرحلة المنقول و التسليم إلى مرحلة المعقول فلم تعد المرحلة قائمة على النقل و لم تعد تقوم على حرفية النص بل أصبحت عملا تاوليا يقوم أساسا على العقل و كل ذلك نقل المنزع العقلي من دائرة الأخلاق و السلوك عند ابن المقفع مثلا إلى دائرة الحقيقة المعرفية و كان ذلك مع الجاحظ.و ليس فضل الجاحظ أنه بني نظرية معرفية بقدر ما يكمن فضله في تأسيس منهج قوامه السماع أولا و الشك ثانيا و التجربة ثالثا و قد بدا ذلك جليا في كتابه الحيوان إذ الجاحظ أجرى بعض التجارب ليتأكد من صحة الأخبار و خطئها ولم يقتصر في ذلك على تجاربه الشخصية بل تعداها إلى الاستفادة من تجارب غيره لاعتقاده أن معرفة العالم لا تنمو إلا بسماعه يقول الجاحظ:"لو جئنا إلى قدر قوتنا و منتهى تجاربنا لقلت المعرفة ". و لقد كان الجاحظ في تجاربه ملاحظا مستقرئا دقيقا يعرض تجربة و يصفها ساعيا إلى إدراك الحقيقة و لم يكن متعصبا أبدا و مما يؤكد ذلك اعتماده على تجارب غيره حتى بدا كتاب الحيوان مزيجا من الجهد الذاتي و الجهد الموضوعي و مزيجا متناسقا من المصادر المكتوبة و المسموعة. و تجارب الجاحظ على الكلب تؤكد انتباهه و مشاركته بلوغ بعض النظريات الحديثة و حدسه بها ذلك إن ظاهرة الانتباه الغريزي في الكلب لا تختلف كثيرا في جوهرها عن نظرية الانعكاس الشرطي"لباقلوف" فقد استطاع أن يثبت بعض السلوك الحيواني الذي يتنزل حديثا ضمن ما يعرف بعلم النفس السلوكي و لم يتسن ذلك للجاحظ لولا المنهج التجريبي و عماده و ملاحظة السلوك و مراقبته و تنويع التجربة بتغيير الظرف الزمني أو المنبه(السماع, الشم,الافتراض)و لكن إذا سلمنا بتوفر الأسس المنهجية الضرورية للبحث العلمي التجريدي عند الجاحظ فإننا نتساءل لماذا لم تثمر هذه التجارب نظريات علمية دقيقة. مفهوم الحقيقة عند الجاحظ ليس مفهوما علميا ذلك إن أصلي الحقائق ما اتصل بالدين و ما الحقيقة العلمية إلا أداة لإثبات الحقائق الدينية و هذا المزج بين الدين و العلم أعاق عقل الجاحظ و جعله عاجزا عن التسليم. بل يمكن القول أن الجاحظ لم يرم ذلك لأنه جعل من عالم الحيوان و عجائبه شاهدا على الحكمة الالاهية في إطار دلالة الشاهد على الغائب. منقول عن تونيزيا سات | |
| | | كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: مع الجاحظ ( المنزع العقلي) 2009-11-07, 03:31 | |
| بحث عن الجاحظ . أبو عثمان عمرو بن بحر محبوب الكناني الليثي البصري، (159-255 هـ) أديب عربي من كبار أئمة الأدب في العصر العباسي، ولد في البصرة وتوفي فيها.
كان ثَمَّةَ نتوءٌ واضحٌ في حدقتيه فلقب بالحدقي ولكنَّ اللقب الذي التصق به أكثر وبه طارت شهرته في الآفاق هو الجاحظ، ، عمّر الجاحظ نحو تسعين عاماً وترك كتباً كثيرة يصعب حصرها، وإن كان البيان والتبيين، كتاب الحيوان، البخلاء أشهر هذه الكتب. كتب في علم الكلام والأدب والسياسية والتاريخ والأخلاق والنبات والحيوان والصناعة والنساء وغيرها.
قال ابن خلدون عند الكلام على علم الأدب: «وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة كتب هي: أدب الكاتب لابن قتيبة، كتاب الكامل للمبرد، كتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع منها».
المولد و النشأة
ولد في مدينة البصرة نشأ فقيرا، وكان دميما قبيحا جاحظ العينين. طلب العلم في سن مبكّرة، فقرأ القرآن ومبادئ اللغة على شيوخ بلده، ولكن اليتم والفقر حال دون تفرغه لطلب العلم، فصار يبيع السمك والخبز في النهار، ويكتري دكاكين الورّاقين في الليل فكان يقرأ منها ما يستطيع قراءته.
كانت ولادة الجاحظ في خلافة المهدي ثالث الخلفاء العباسيين ووفاته في خلافة المهتدي بالله سنة 255 هجرية، فعاصر بذلك 12 خليفة عباسياً هم: المهدي والهادي والرشيد والأمين والمأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز والمهتدي بالله، وعاش القرن الذي كانت فيه الثقافة العربية في ذروة ازدهارها.
أخذ علم اللغة العربية وآدابها على أبي عبيدة صاحب عيون الأخبار، والأصمعي الراوية المشهور صاحب الأصمعيات وأبي زيد الأنصاري، ودرس النحو على الأخفش، وعلم الكلام على يد إبراهيم بن سيار بن هانئ النظام البصري.
كان متصلا -بالإضافة لاتصاله للثقافة العربية- بالثقافات غير العربية كالفارسية واليونانية والهندية، عن طريق قراءة أعمال مترجمة أو مناقشة المترجمين أنفسهم، كحنين بن إسحق وسلمويه.
توجه إلى بغداد، وفيها تميز وبرز، وتصدّر للتدريس، وتولّى ديوان الرسائل للخليفة المأمون.
ثقافته
كان للجاحظ منذ نعومة أظفاره ميلٌ واضحٌ ونزوعٌ عارمٌ إلى القراءة والمطالعة حَتَّى ضَجِرَتْ أُمُّهُ وتبرَّمت به(8). وظلَّ هذا الميل ملازماً لـه طيلة عمره، حتَّى إنَّه فيما اشتُهِرَ عنه لم يكن يقنع أو يكتفي بقراءة الكتاب والكتابين في اليوم الواحد، بل كان يكتري دكاكين الورَّاقين ويبيت فيها للقراءة والنَّظر ويورد ياقوت الحموي قولاً لأبي هفَّان ـ وهو من معاصريه ومعاشريه ـ يدلُّ على مدى نَهَمِ الجاحظ بالكتب، يقول فيه: «لم أر قطُّ ولا سمعت من أحبَّ الكتب والعلوم أكثر من الجاحظ، فإنَّه لم يقع بيده كتاب قَطُّ إلا استوفى قراءته كائناً ما كان ولا عَجَبَ إذ ذاك في أن يُفْرِد الصَّفحات الطِّوال مرَّات عدَّة في كتبه، للحديث عن فوائد الكتب وفضائلها ومحاسنها. والحقُّ أنَّه «كان أشبه بآلة مصوِّرةٍ، فليس هناك شيءٌ يقرؤه إلاَّ ويرتسم في ذهنه، ويظلُّ في ذاكرته آماداً متطاوله.
ولكن الجاحظ لم يقصر مصادر فكره ومعارفه على الكتب، وخاصَّةً أنَّ ذلك عادةٌ مذمومةٌ فيما أخبرنا هو ذاته وأخبرنا كثيرون غيره، إذ العلم الحقُّ لا يؤخذ إلا عن معلم، فتتلمذ على أيدي كثيرٍ من المعلمين العلماء واغتنى فكره من اتصاله بهم، وهو وإن لم يتَّفق مع بعضهم أو لم يرض عن فكرهم فإنَّهُ أقرَّ بفضل الجميع ونقل عنهم وذكرهم مراراً بين طيات كتبه.
لقد تكوَّنَتْ لدى الجاحظ ثقافةٌ هائلةٌ ومعارفُ طائلةٌ عن طريق التحاقه بحلقات العلم المسجديَّة التي كانت تجتمع لمناقشة عددٍ كبيرٍ وواسعٍ من الأسئلة، وبمتابعة محاضرات أكثر الرِّجال علماً في تلك الأيَّام، في فقه اللغة وفقه النَّحو والشِّعر، وسرعان ما حصَّل الأستاذيَّة الحقيقيَّة في اللغة العربيَّة بوصفها ثقافةً تقليديَّة، وقد مَكنَّهُ ذكاؤُه الحادُّ من ولوج حلقات المعتزلة حيث المناقشات الأكثر بريقاً، والمهتمَّة بالمشكلات الَّتي تواجه المسلمين، وبالوعي الإسلامي في ذلك الوقت».
ونظراً لسعة علمه وكثرة معارفه وَصَفَهُ ابن يزداد بقوله: هو نسيج وَحْدِهِ في جميع العلوم؛ علم الكلام، والأخبار، والفتيا، والعربيَّة، وتأويل القرآن، وأيَّام العرب، مع ما فيه من الفصاحة.
وإن كان معاصرو الجاحظ من العلماء، على موسوعيَّة ثقافتهم، أقرب إلى التَّخصص بالمعنى المعاصر، فإن «تردُّد الجاحظ على حلقات التَّدريس المختلفة قد نجَّاه من عيب معاصريه ذوي الاختصاص الضَّيِّقِ. فهو بدرسه العلوم النقليَّة قد ارتفع فوق مستوى الكُتَّاب ذوي الثَّقافة الأجنبيَّة في أساسها القليلة النَّصيب من العربيَّة وغير الإسلاميَّة البتَّة»، ولذلك «لم يكتف بالتردُّد على أوساطٍ معيَّنةٍ بغية التَّعمق في مادَّة اختارها بل لازمَ كلَّ المجامع، وحضر جميع الدُّروس، واشترك في مناقشات العلماء المسجديين، وأطال الوقوف في المربد ليستمع إلى كلام الأعراب، ونضيف إلى جانب هذا التكوين، الذي لم يعد لـه طابع مدرسي محدود، المحادثات التي جرت بينه وبين معاصريه وأساتيذه في مختلف المواضيع».
أما أساتذة الجاحظ الذين تتلمذ عليهم وَرَوَى عنهم في مختلف العلوم والمعارف فهم كثيرون جدًّا، وهم معظم علماء البصرة إبَّان حياته، المظنون أنَّ الجاحظ لم ينقطع عن حضور حلقاتهم. ولكنَّ مترجميه يكتفون بقائمةٍ صغيرةٍ منهم غالباً ما تقتصر على العلماء الأَجِلَّة المشهورين. ومهما يكن من أمر، وبناءً على بعض المصادر، نستطيع القول: إنَّ أهمَّ هؤلاء الأساتذة هم:
ـ في ميدان علوم اللغة والأدب والشِّعر والرِّواية: أبو عبيدة معمر بن المثنَّى التميمي والأصمعي وأبو زيد بن أوس الأنصاري ومحمد بن زياد بن الأعرابي وخلف الأحمر وأبو عمرو الشَّيباني وأبو الحسن الأخفش وعلي بن محمد المدائني.
ـ في علوم الفقه والحديث: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم القاضي ويزيد بن هارون والسري بن عبدويه والحجَّاج بن محمد بن حماد بن سلمه بالإضافة إلى ثمامة بن الأشرس الذي لازمه الجاحظ في بغداد.
ـ في الاعتزال وعلم الكلام: أبو الهذيل العلاَّف والنَّظَّام ومويس بن عمران وضرار بن عمر والكندي وبشر بن المعتمر الهلالي وثمامة بن أشرس النُّميري(17). وأحمد بن حنبل الشيباني.
وثَمَّةَ علماء ومفكرون آخرون لا تقلُّ أهمِّيَّتهم عن هؤلاء، والجاحـظ ذاته لم يَغفل عن ذكر معظمهم.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك أصالة الجاحظ ونبوغه وألمعيَّته واتِّقاد قريحته، وجليل إسهامه وإبداعاته وجدناه يستحقُّ بجدارةٍ كاملةٍ كلَّ ما قاله فيه مريدوه ومحبُّوه والمعجبون به من تقريظاتٍ ساحرةٍ باهرةٍ، تكاد تبدو لمن لم يطَّلع على آثار الجاحظ وحياته وفكره أنَّها محض مبالغات. ومما أورده ياقوت الحموي، ويوجز فيه لنا ما سبق بلفظٍ أنيقٍ وتعبيرٍ رشيقٍ قولـه: «أبو عثمان الجاحظ، خطيبُ المسلمين، وشيخُ المتكلِّمين، ومَدْرَهُ المتقدمين والمتأخِّرين. إن تكلَّم حكى سحبان في البلاغة، وإن ناظر ضارع النَّظَّام في الجدال، وإن جدَّ خرج في مسك عامر بن عبد قيس، وإن هَزَلَ زاد على مزبد، حبيب القلوب، ومزاج الأرَّواح، وشيخ الأدب، ولسان العرب، كتبه رياضٌ زاهرةٌ، ورسائله أفنانٌ مثمرةٌ، ما نازعه منازعٌ إلا رشاه أنفاً، ولا تعرَّض لـه منقوصٌ إلا قدَّم لـه التَّواضع استبقاءً. الخلفاء تعرفه، والأمراء تصافيه وتنادمه، والعلماء تأخذ عنه، والخاصَّة تسلِّم له، والعامَّة تحبُّه. جَمَعَ بَيْنَ اللسان والقلم، وبَيْنَ الفطنة والعلم، وبين الرأي والأدب، وبين النثر والنظم، وبين الذكاء والفهم، طال عمره، وفشت حكمته، وظهرت خلَّته، ووطئ الرِّجال عقبه، وتهادوا أدبه، وافتخروا بالانتساب إليه.
منهجه العلمي
انتـهج الجاحظُ في كتبه ورسـائله أسلوباً بحثيًّا أقلُّ ما يقال فيه إنَّهُ منهجُ بحثٍ علميٍّ مضبوطٌ ودقيقٌ، يبدأ بالشَّك لِيُعْرَضَ على النَّقد، ويمرُّ بالاسـتقراء على طريق التَّعميم والشُّـمول بنـزوعٍ واقعيٍّ وعقلانيٍّ، وهو «في تجربته وعيانه وسماعه ونقده وشكِّه وتعليله كان يطلع علينا في صورةِ العالم الذي يُعْمِلُ عقله في البحث عن الحقيقة، ولكنَّه استطاع برهافة حسِّه أن يسبغ على بحثه صبغة أدبيَّةً جماليَّة تُضفي على المعارف العلميَّة رواءً من الحسن والظَّرْف، يرفُّ بأجنحته المهفهفة رفيف العاطف الحاني على معطيات العلم في قوالبها الجافية، ليسيغها في الأذهان ويحببها إلى القلوب، وهذه ميزة قلَّت نظيراتها في التُّراث الإنساني.
الشك
لم يكتف أبو عثمان بالشَّك أساساً من أسس منهجه في البحث العلميِّ بل عَرَضَ لِمَكانة الشَّك وأهمِّيَّته من النَّاحية النَّظريَّة في كثيرٍ من مواضع كتبه، ومن أهم ما قاله في ذلك: «واعرف مواضع الشَّك وحالاتها الموجبة لها لتعرف بها مواضع اليقين والحالات الموجبة لـه، وتعلَّم الشَّك في المشكوك فيه تعلُّماً، فلو لم يكن في ذلك إلا تعرُّف التَّوقُّف ثُمَّ التَّثبُّت ، لقد كان ذلك مما يُحتاج إليه. ثمَّ اعلم أنَّ الشَّكَّ في طبقاتٍ عند جميعهم، ولم يُجمعوا على أنَّ اليقين طبقات في القوَّة والضَّعف».
تتبيَّنُ لنا من ذلك مجموعةٌ من النِّقاط المهمَّة التي تفصح عن أصالة الجاحظ وتجلو ملمحاً من ملامح عبقريَّته، فهو لم يرد الشَّكَّ لمحض الشَّك، ولا يقبل أن يكون الشَّكُّ كيفما اتَّفق ولا في كلِّ أمرٍ على حدٍّ سواءٍ ولا بالطريقة ذاتها؛ إن الشَّك الجاحظيَّ، بهذا المعنى، لا يختلف البتة عن الشَّك المنهجيِّ عند الإمام الغزالي والفيلسوف الفرنسي رينه ديكارت ـ Rene Descrtes(30)، فكلُّ منهم أراد الشَّكَّ طلباً للحقيقة؛ الحقيقة الجلية الواضحة، التي لا تقبل تفاوتاً في الدَّرجات.
النـقـد
إنَّ تتبـُّعَ كتب الجاحظ ورسائله يكشفُ لنا عن عقليَّة نقديَّةٍ بارعةٍ؛ نقديَّةٍ بالمعنى الاصطلاحي المنهجي وبالمعنى الشَّائع للانتقاد، فنقده بالمعنى الشَّائع يتجلَّى أكثر ما يتجلَّى في تهكُّمه وتعليقاته السَّاخرة التي لم يسلم منها جانبٌ من جوانب المعرفة ولا مخطئٌ أمامه أو واصلٌ إليه خبره، ومن ذلك مثلاً تهكُّمه بالخليل بن أحمد الفراهيدي من خلال علم العروض الذي قال فيه: «العروض علمٌ مردود، ومذهبٌ مرفوض، وكلام مجهول، يستكدُّ العقول، بمستفعل ومفعول، من غير فائدة ولا محصول».
أما نقده المنهجيُّ فما أكثر ما تجلَّى في كتبه ورسائله في تعامله مع مختلف الموضوعات المعرفيَّة؛ العلميَّة والأدبيَّة، ومن ذلك نقده لعلماء عصره ومحدِّثيه ورواته وفقهائه والعلماء السَّابقين، والشَّواهد على ذلك جدِّ كثيرة، تجعلنا حقًّا في حيرة أمام اختيار واحد منها. انتقد بعضهم اتجاه علماء الكلام نحو الأمور الطَّبيعية بالعناية والدِّراسة فقال: «لو كان بدلُ النَّظرِ فيهما النَّظرَ في التَّوحيد، وفي نفي التَّشبيه، وفي الوعد والوعيد، وفي التَّعديل والتَّجويد، وفي تصحيح الأخبار، والتَّفضيل بَيْنَ علم الطَّبائع والاختيار، لكان أصوب. فردَّ عليه الجاحظ ناقداً ادعاءه بقوله: العَجَبُ أنَّك عمدت إلى رجالٍ لا صناعة لهم ولا تجارة إلا الدُّعاءُ إلى ما ذكرت، والاحتجاجُ لما وصفت، وإلاَّ وضع الكتب فيه والولايةُ والعداوةُ فيه، ولا لهم لذَّة ولا همٌّ ولا مذهبٌ ولا مجازٌ إلاَّ عليه وإليه؛ فحين أرادوا أن يقسِّطوا بَيْنَ الجميع بالحِصص، ويَعْدِلوا بين الكلِّ بإعطاء كلِّ شيءٍ نصيبه، حَتَّى يقع التَّعديلُ شاملاً، والتَّقسيط جامعاً، ويظهر بذلك الخفيُّ من الحكم، والمستور من التَّدبير، اعترضتَ بالتعنُّت والتَّعجُّب، وسطَّرت الكلام، وأطلت الخطب، من غير أن يكون صوَّب رأيك أديبٌ، وشايعك حكيمٌ».
وبنظرةٍ عجلى في آثار الجاحظ « فإنك تراهُ وهو يطلق العنان لقلمه في جلِّ كتبه ـ يزيِّف الخرافات والتُّرَّهات في عصره وقبل عصره، ويورد عليك نقداته ومباحثاته، فيقطع في نَفْسك أنَّه لو جاء كثيرٌ مثله في عقلاء العلماء لخلت كتب الأقدمين من السَّخافات، إذ إنَّ الجاحظ نفسه يقول: ومما لا أكتبه لك من الأخبار العجيبة التي لا يجسر عليها إلا كلُّ وقاح أخبار ولذلك ما أكثر ما كان يستفتح الأخبار المغلوطة أو الأسطورية بقوله زعم فلان، وزعموا، ثُمَّ يُعَقِّبُ بتحليله ونقده «بعقلٍ راجحٍ، ونظرٍ صائبٍ، وأسلوبٍ سهلٍ عَذْبٍ متنوِّعٍ دقيقٍ فكهٍ، يَتَتَبَّعُ المعنى ويقلِّبُه على وجوهه المختلفة، ولا يزال يولِّده حَتَّى لا يترك فيه قولاً لقائل»
التجريب والمعاينة
إذا كان النَّقد هو الخطوة اللاحقة على الشَّكِّ فإنَّ المعاينة والتَّجريب هي الخطوةُ المقترنة بالنَّقد والمتلازمة معه، وخاصَّةً في مسائل العلم الطَّبيعي، والجاحظ لم ينس هذه الخطوة ولم يتناسها بل جعلها عماداً لازماً من أعمدة منهجه البحثي، وقد بدا ذلك في اتجاهين؛ أولهما قيامه هو ذاته بالمعاينة والتَّجريب، وثانيهما نقل تجارب أساتذته ومعاصريه. وقـد أجرى الجاحظ كما أخبرنا تجارب ومعايناتٍ كثيرةً للتَّثبُّت من معلومةٍ وصلت إليه، أو لنفي خبرٍ تناهى إلى سمعه ولم يستسغه عقله، والأمثلة على ذلك جدُّ كثيرة نذكر منها تجربته في زراعة شجرة الآراك وقصَّته الطَّويلة معها للتَّأكُّد مما قيل عن تكاثر الذَّرِّ عليها ويصف لنا بُرنيَّةَ زجاجٍ وُضِع فيها عشرون فأراً مع عشرين عقرب، وما فعلته العقارب بالفئران وكذلك عندما أجمع أناس، بينهم طبيبٌ، على أنَّ الجمل إذا نُحِر ومات والتمست خصيته وشقشقته فإنهما لا توجدان، فأرسل إلى جزَّار أن يأتيه بالخصية والشقشقة إذا نحر جملاً، ففعل، فلم يكتف بذلك، فبعث إليه رسولاً يقول: «ليس يشفيني إلا المعاينة» ففعل ودحض هذا الادعاء ولجأ أيضاً إلى تجريب بعض المواد الكيماويَّة في الحيوان ليعلم مبلغ تأثيرها فيها، وليتأكَّد مما قيل في ذلك ومما أورده من تجارب غيره تجربة أستاذه النَّظَّام عندما سقى الحيوانات خمراً ليعرف كيف يؤثِّر الخمر في الحيوان، ولم يكتف بنوعٍ واحدٍ بل جرَّب على عددٍ كبيرٍ من الحيوانات كالإبل والبقر والجواميس والخيل والبراذين والظِّباء والكلاب والسَّنانير والحيَّات وغيرها.
أما عن منهجه في معرفة الحلال والحرام فيقول : "إنما يعرف الحلال والحرام بالكتاب الناطق، وبالسنة المجمع عليها، والعقول الصحيحة، والمقاييس المعينة" رافضًا بذلك أن يكون اتفاق أهل المدينة على شيء دليلاً على حله أو حرمته؛ لأن عظم حق البلدة لا يحل شيئا ولا يحرمه، ولأن أهل المدينة لم يخرجوا من طباع الإنس إلى طبائع الملائكة "وليس كل ما يقولونه حقًا وصوابًا". فقد كان الجاحظ لسان حال المعتزلة في زمانه، فرفع لواء العقل وجعله الحكم الأعلى في كل شيء، ورفض من أسماهم بالنقليين الذين يلغون عقولهم أمام ما ينقلونه ويحفظونه من نصوص القدماء، سواء من ينقلون علم أرسطو، أو بعض من ينقلون الحديث النبوي.
فإذا كان بعض فلاسفة الشرق والغرب فد وقفوا أمام أرسطو موقف التلميذ المصدق لكل ما يقوله الأستاذ فإن الجاحظ وقف أمام أرسطو عقلا لعقل؛ يقبل منه ما يقبله عقله، ويرد عليه ما يرفضه عقله، حتى إنه كان يسخر منه أحيانا.. ففي كتابه الحيوان يقول الجاحظ عن أرسطو وهو يسميه صاحب المنطق: "وقال صاحب المنطق: ويكون بالبلدة التي تسمى باليونانية "طبقون"، حية صغيرة شديدة اللدغ إلا أنها تُعالج بحجر يخرج من بعض قبور قدماء الملوك-، ولم أفهم هذا ولمَ كان ذلك؟!" ويقول الجاحظ: "زعم صاحب المنطق أن قد ظهرت حية لها رأسان، فسألت أعرابيًا عن ذلك فزعم أن ذلك حق، فقلت له: فمن أي جهة الرأسين تسعى؟ ومن أيهما تأكل وتعض؟ فقال: فأما السعي فلا تسعى؛ ولكنها تسعى على حاجتها بالتقلب كما يتقلب الصبيان على الرمل، وأما الأكل فإنها تتعشى بفم وتتغذى بفم، وأما العض فأنها تعض برأسيها معًا. فإذا هو أكذب البرية".
وفاته
ويتحدّث كتّاب السير عن نهايته في عام 868 م الموافق لسنة(255) هـ وقد نيف على التسعين سنة. وله مقالة في أصول الدين وإليه تنسب الجاحظية. وقد هدّه شلل أقعده وشيخوخة صالحة، عندما سقطت كتبه عليه في البصرة.
مراجع
فلسفة الأخلاق عند الجاحظ ـــ د. عزت السيد أحمد دراسة ـ منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق ـ 2005
عدل سابقا من قبل كمال بوهلال في 2010-11-05, 23:17 عدل 1 مرات | |
| | | كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: رد: مع الجاحظ ( المنزع العقلي) 2009-11-07, 03:32 | |
| لجاحظ من أنصار اللفظ، الذين يجعلون مدار الجودة في العمل الأدبي على اللفظ دون المعنى. ولهذا الموقف النقدي البلاغي ظاهريا دلالة سياسية في العمق تتمثل في صدوره عن حس عربي أصيل، يقصر البلاغة والبيان على الجنس العربي. وعندي أن الجاحظ هنا يرتبط بالتصور الديني لمفهوم اللفظ، فاللفظ العربي معجزة وصياغته في قوالب شكلية معجزة أيضا. وبالتالي فلا أحد بقادر على صوغ اللفظ والتلاعب به سوى الشعب العربي الذي فطر على هذه الألفاظ، وتوغلت طرق صياغتها وضروب تأليفها في حسه ووجدانه. وهذا الموقف من الجاحظ وليد إحساس بامتهان الكرامة العربية المستهدفة من قبل الزحف الشعوبي. فالجاحظ ممن توقدت فيهم الحمية العربية، فساهم في دحض تخرجات الشعوبيين الباطلة، ولم يدخر وسعا في التنويه بمكانة العنصر العربي. والجاحظ لا ينفك يؤكد أن كل شيء للعرب (…) إنما هو بديهة وارتجال. أما إذا سولت لغير العربي نفسه صياغة الألفاظ العربية فإنه لن يفلح في ذلك مهما عانت نفسه في سبيل ذلك. وهكذا فإذا كان الجاحظ ينصب نفسه متحدثا بلسان حال العربية، والمتعصبين لها، فإن موقف عبد القاهر الذي قرر المساواة بين اللفظ والمعنى، حري بأن يعتبر رد فعل إزاء تعصب الجاحظ وتحيزه للفظ. ويجوز القول إن عبد القاهر صاغ نظرية النظم في سبيل نسف نظرة الجاحظ المتعصبة للعنصر العربي، من جهة، كما صاغها احتجاجا على قصر المزية على اللفظ، إذ يرد الاعتبار لعنصر المعنى في البلاغة عند عبد القاهر، فصار من المتاح لغير الجنس العربي أن يتعلم اللغة العربية، وأن يتضلع في بيانها وأدبها، ما دامت العبرة بائتلاف اللفظ والمعنى، وليس باللفظ وحده. ويتمثل التحول الفكري في النظرة البلاغية، عند عبد القاهر الجرجاني في صياغة نظرة بلاغية تتجذر في أرضية الفكر الشعوري الذي عرفه زمنه. هذا من جهة، أما من جهة أخرى فإن عبد القاهر لم يؤثر عليه الأسلوب اليوناني، كما أنه لم يرضخ لعنف الخطاب التقليدي المحافظ للبلاغة العربية، وذلك لمراوحته في دراسته بين مقومات الذوق العربي والتصورات العقلية التي أصبحت في زمنه وجها جديدا للفكر البلاغي العربي. ـ ففي دلائل الإعجاز مثلا، نجد مباحث كثيرة تهتم بالقضايا الإعجازية، وجلها مقاربات حكم فيها الذوق أساسا. ـ أما أسرار البلاغة فقد استرشد فيه عبد القاهر بمفاهيم العقل، وتصوراته، ويتضح طغيان العنصر العقلي في تناول القضايا البلاغية في هذا الكتاب كالمجاز والاستعارة مثلا. وقد يتساءل البعض عن مصدر هذا المعطى العقلي في البلاغة عند عبد القاهر، فنجيب مقررين أن التصور العقلي للكون والإنسان واللغة سينضج في دائرة المتكلمين عند علماء المعتزلة الذين كانت أغلب محاوراتهم الفلسفية والدينية لا تبعد عن الإطار العلمي. ولما كان الاهتمام بالجدل عند المعتزلة قد شمل نواحي الفكر البلاغي، فقد صار من الطبيعي أن تزخر البلاغة على عهد عبد القاهر بالامتدادات الأدبية واللغوية لهذا التصور العقلي. وما نصل إلى القرن السابع الهجري، حتى نجد صاحبنا حازما القرطاجني يدفع بالبلاغة العربية إلى الأمام، وذلك بتقديم تصور جديد لمفهوم البلاغة يختلف بصفة جذرية عن كامل التصورات التي سبقته في تاريخ الفكر البلاغي عند العرب. وهذا التصور عند حازم القرطاجني محكوم بنظرة فلسفية عميقة يمكن إبراز أهم ملامحها في الحديث التالي، وينبغي اعتبار هذا التفسير وجهة نظر شخصية حول المشروع البلاغي عند حازم تسعى إلى سبر أغواره الفكرية، وإجلاء عمقه النظري، ودلالته الفكرية في تاريخ البلاغة بصفة عامة. لقد لاحظ حازم ما آلت إليه البلاغة العربية من عقم فكري، ناشئ عن الاجترار، ففكر في طريق ينقذ بها مجال البلاغة عن التردي المحقق. لاحظ حازم أن البلاغة صارت عائقا دون الشعراء والفن الأصيل، فقد أضحت تكلفهم عنتا ومشقة بدل أن تذلل السبل لهم وتروضها. تأمل حازم وضع الشعر في عصره خاصة، فألقاه قد بلغ من الانحطاط منزلة كبيرة، ومن الإسفاف الدرجة العظيمة، على ألسنة شعراء لم ينالوا قسطا من التكوين البلاغي. لاحظ حازم أن نظرة البلاغة القديمة إلى الشعر كانت جزئية، تنظر للفظ وحده، وللمعنى بعزلة عن اللفظ، وتفصل دراسة العروض عن مباحث اللفظ والمعنى. وتلافيا لمثل هذه النظرة التجزيئية دمج حازم هذه المباحث فيما بينها، فاستقام له منها جميعا علم البلاغة وعدها أساسا لقوانين الصناعة الشعرية. نظرا لخلو الساحة النقدية والبلاغية من نموذج التصور الذي يطمح إليه حازم، عقد هذا الأخير العزم على وضع نظرية جديدة لأصول العملية الشعرية ضبطا لمعطيات العمل الشعري على كافة مستوياته الشكلية والمضمونية. ويبدو لي أن معرفة حازم بأصول المنطق قد أسعفته وقربت إليه النموذج النظري الذي طالما بحث عنه. فأنا أرجح أن يكون حازم الذي يبحث عن تصور نظري شامل، يستوعب العملية الشعرية بكافة أطرافها، ويحيطها بسياج نظري من المفاهيم والمصطلحات، قد عثر على هذا النموذج النظري الشامل في علم المنطق، فهو علم يستجيب لطموحات حازم ونزوعه نحو النظرة الجامعة المانعة. لقد سعى حازم إلى الاقتداء بالأسلوب المنطقي في العرض النظري والتحديد التطبيقي، والتحديد المفهومي والمصطلحي، في إطار وضعه لنظرية شاملة جامعة مانعة لأصول العملية الشعرية تضاهي في أحكامها ودقتها وطاقتها الشمولية النظرة المنطقية. كما سعى حازم إلى اقتناء أدوات المنطق واستعارة تصوراته الفلسفية بغية توظيفها على الصعيد المنهجي، في سبيل إيجاد علم "منطق للأدب"، ينظم العملية الشعرية خاصة وفق أصول ومقررات سافرة الأبعاد المنطقية. هذا المنطق الأدبي، الذي توصل حازم إلى صياغته على هدى من المنطق الفلسفي، هو علم البلاغة أو علم النقد الأدبي.ويلفتنا لفظ (علم) الذي قرنه حازم بالبلاغة في إطار مركب إضافي تصير البلاغة بموجبه علما، تتحقق فيه صفة العملية التي تميزها في نظره عن البلاغة القديمة. فحازم فيما أرى قد شعر بأن إحاطة البلاغة بسياج منطقي خليق بأن يرقى بالبلاغة إلى مستوى العلم، وأن يقصيها عن دائرة البحوث اللغوية والنقدية الهجينة غير المحددة تحديدا منطقيا صارما كما هي الحال بخصوص البلاغة عند حازم. فالعلم عنده هو الوعي النظري بالصفات الثابتة في موضوع معين محدد الأطراف، والمختص بمنهجية مرسومة المعالم. والبلاغة عند حازم هي علم لأنها علم لسان كلي على حد تعبيره، (منشأ على أصول منطقية وآراء فلسفية). ولو بحثنا عن المؤثرات الفكرية العامة التي هدت حازما إلى هذا التصور الشمولي لعلم البلاغة لوجدنا بعضها ماثلا في خصوبة الفكر الفلسفي على عهد حازم في المدرسة المغربية التي كانت تتخصص في الفلسفة اليونانية التي استغرقت جل شروحها وتلخيصاتها. وقد استقطب المنطق اليوناني اهتمام مثقفي عصر حازم بشكل ملحوظ جدا، وكان من الطبيعي أن نلقى أثر ذلك في تصور حازم لموضوع البلاغة، إذ صيرها علما منطقيا للأدب. منقول عن تونيزيا سات | |
| | | محمد عضو متميز
المهنة : تلميذ تاريخ الاشتراك : 13/04/2009 المساهمات : 465
| موضوع: رد: مع الجاحظ ( المنزع العقلي) 2009-11-07, 09:32 | |
| كتاب البخلاء
كتاب البخلاء، وهو كتاب ادب وعلم وفكاهة. وهو من أنفس الكتب التي يتنافس فيها الادباء والمؤرخون. فلا نعرف كتابا يقوقه للجاحظ، ظهرت فيه روحه الخفيفة تهز الارواح، وتجتذب النفوس. ولا نعرف كتابا يفوقه للجاحظ، تجلى فيه اسلوبه الفياض، وبيانه الجزل الرصين، وقدرته النادرة، على صياغة النادرة، في اوضح بيان، وادق تعبير، وابرع وصف. ولا نعرف كتابا غيره للجاحظ أو لغيره، وصف الحياة الاجتماعية في صدر الدولة العباسية كما وصف: فقد اطلعنا على اسرار الاسر، ودخائل المنازل، واسمعنا حديث القوم في شؤونهم الخاصة والعامة، وكشف لنا عن كثير من عاداتهم وصفاتهم واحوالهم.
وقد كان الذي يغلب على الظن ان يكون الجاحظ قد كتب ( كتاب البخلاء) وهو في سن الشباب، وابان الفتوة، لان هذه السن في الغالب سن العبث والسخرية، والتندر والدعابة، والتفكه بعيوب الناس. ولكنا نقرأ في كتاب البخلاء من الاخبار ما يحملنا على انه كتب الكتاب أو جمعه وهو هرم، يحمل فوق كتفيه اعباء السنين.
والجاحظ يشير في طليعة كتاب البخلاء انه قدمه إلى عظيم من عظماء الدولة، ولكنه لم يبح باسمه. واننا نرجح ان يكون الكتاب كتب لواحد من ثلاثة، هم: محمد ابن عبد الملك الزيات، وزير المعتصم والواثق، لما كان بينه وبين الجاحظ من وثيق الصلة، والفتح بن خاقان وزير المتوكل، لما اثر عن الفتح من الاعجاب بكتب الجاحظ، وحثه على التأليف في مختلف الشؤون، وابن المدبر، وقد كان للجاحظ صديقا حميما.
و قد صور الجاحظ في كتابه البخلاء الذين قابلهم وتعرفهم في بيئته الخاصة خاصة في بلدة مرو عاصمة خراسان ، وقد صور الجاحظ البخلاء تصويراً واقعياً حسياً نفسياً فكاهياً ، فأبرز لنا حركاتهم ونظراتهم القلقة أو المطمئنة ونزواتهم النفسية، وفضح أسرارهم وخفايا منازلهم واطلعنا على مختلف أحاديثهم، وأرانا نفسياتهم وأحوالهم جميعاً، ولكنه لا يكرهنا بهم لأنه لا يترك لهم أثراً سيئاً في نفوسنا.
ـ وقصص الكتاب مواقف هزلية تربوية قصيرة.
ـ والكتاب دراسة اجتماعية تربوية نفسية اقتصادية لهذا الصنف من الناس وهم البخلاء.
و لكتاب البخلاء أهمية علمية حيث يكشف لنا عن نفوس البشر وطبائعهم وسلوكهم علاوة على احتوائه على العديد من أسماء الأعلام والمشاهير والمغمورين وكذلك أسماء البلدان والأماكن وصفات أهلها والعديد من أبيات الشعر والأحاديث والآثار فالكتاب موسوعة علمية أدبية اجتماعية جغرافية تاريخية | |
| | | كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: المنزع العقلي في الأدب القديم ( الجاحظ ) 2009-12-02, 18:29 | |
| إليكم هذه الدراسة المنقولة تونيزيا سكول فشكرا لصاحبها تونيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزيا سكــــــــــــــــــــــــــــــول 2010
المنزع العقلي في الأدب العربي القديم: الجاحظ
1- الأهداف:
تهدف دراسة المنزع العقلي في الأدب العربي من خلال كتب الجاحظ ورسائله إلى تبيّن الخصائص الفنية المميزة لكتابته من جهة الحجاج، وذلك بالنظر في بنية النص الحجاجي وأوجه تنظيمه، وسيرورته الحجاجية. ويتأكد الاهتمام بالمنهج العلمي وتجليات الفكر الاعتزالي في مجالي اللغة والأدب، أما المنهج العلمي فيدور الاهتمام فيه على مظاهر الموضوعية والشك والتجربة ومقوماتها، وأما الفكر الاعتزالي فمجال النظر فيه متعلق بكيفية الاستدلال على المسائل الفكرية والكلامية بالحجج العقلية( النقد،الشك، الجدل، الاستقراء...).
2- حدود المسألة:
المنزع: النزوع إلى الغاية، من نزع نزوعا إلى أهله/، حن واشتاق، وهو يقارب نزع ينزع نزعا، نزع المريض أشرف على الموت، ونزعت الشمس دنت من الغروب. فالحقل الدلالي الذي تشير إليه مادة ن/ز/ع. هو الميل والاتجاه. العقـلي: يوسم الميل أو الاتجاه بأنه عقلي نسبة إلى عقل. والعقل بتعريف" لسان العرب" يحيل على عدة معان متباينة منها المتعلق بالمحسوسات، ومنها المتعلق بالمجردات، من ذلك : - العقل: جمع الرجل لأمره ولرأيه، مأخوذ من عقل البعير: جمع قوائمه. وهو أيضا حبس النفس وردّها عن هواها، من قولهم: اعتـُقِل لسانه: أي مُنِع، وحبس الكلام. والعقل كذلك التثبت في الأمور. وأصل التسمية لأنه يعقل صاحبه عن التورط في المهالك. فلا يخرج هذا المعنى عن الأخلاق. وفي المعاجم الحديثة، العقل ملكة يكون بها التمييز والاستدلال وتركيب التصورات والتصديقات، وهو كذلك ما يقابل الغريزة. ويعرّف "محمد عابد الجابري" العقل في كتابه "نقد العقل العربي" باعتباره "الملكة التي يستطيع بها كل إنسان أن يستخرج من إدراك العلاقات بين الأشياء، مبادئ كلية وضرورية". فالعقل حينئذ هو الأداة المنتجة والقوة المدركة. والتفكير هو النشاط الذهني الذي يقوم به العقل حين يبحث ويدرس ويصوغ المفاهيم، ويقرر المبادئ وفق قواعد يعتمدها في استدلالاته. والأفكار هي المعاني المدركة. الأدب: يحدّد هذا المنزع بمجال دقيق هو الأدب العربي القديم، وللأدب تعريفات شتى نحتفظ منها بمفهوم واسع له، فهو " ما أنتج العقل من ضروب المعرفة". فالمسألة التي ندرس تستهدف النظر في ميل القدامى إلى استخدام ملكة التحليل والتركيب، والاستدلال والاستنباط، من خلال ما أفرزوه من "الأدب" على اختلاف أنواعه وغاياته.
3- نشأة المنزع العقلي: الشروط والظروف: نشأ المنزع العقلي عند العرب استجابة لحاجات عملية وتفاعلا مع متغيرات حضارية، فمن رحم العلوم الإسلامية وفي صراع معها برز العقل مصادما للنقل ، وهو ما عبر عنه ذلك الجدل الكلامي الذي تصدره المعتزلة وتصدت له الفرق الإسلامية المختلفة. إذ لما تأسست البصرة والكوفة في أوائل القرن الأول للهجرة، مثلتا قاعدتين حربيتين سياسيتين ثم نشأت بهما حركة علمية وأدبية، وعُرف علماء الكوفة بنزعتهم النقلية، يقبلون الشواهد النادرة والروايات الشاذة، وينسجون على منوالها، في حين كان علماء البصرة يتشددون في تمحيص ما يرد عليهم من شعر وروايات، ولا يؤسسون قاعدة على العابر من القوال بل يتثبتون ويكثرون من الشواهد حتى يقوم القياس عندهم على أسس ثابتة. ولقد لخص "السيوطي" اتجاه المذهبين بقوله: " اتفق العلماء على أن البصريين أهم قياسا لأنهم لا يلتفتون إلى كل مسموع ولا يقيسون على الشاذ، وأن الكوفيين أوسع رواية", فين الرواية والدراية ، أو العقل والنقل، مساحة للخلاف تناسلت منه قضايا خطيرة شغلت العلماء، فانبروا مدافعين عن حكم مرتكب الكبيرة، وهي من القضايا التي دشن بها العقل الإسلامي خلافه، فانقدحت شرارة الحجاج، لتتجاوز حدود الفقه إلى المجال السياسي، بحثا في مسألة الخلافة. ولقد نشأ علم الكلام في هذا السياق، بحثا عن ذات الله وصفاته، وفهما للنص القرآني، ودفاعا عن العقيدة. ويعرف ابن خلدون علم الكلام بقوله:" هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية والرد عن المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذهب السلف وأهل السنة". وكان المعتزلة من أبرز الفرق الكلامية التي خاضت المعارك مع مختلف الفرق الإسلامية وأبرز أعلام الفقه وشيوخه. ولقد كان أهل الاعتزال يقدمون العقل على النقل، ويوكلون له مهمة البحث في النص القرآني واستنباط الأحكام، وكان غيرهم من المتكلمين يقدم الشرع على العقل ويعللون ذلك بقولهم لولا وجود الشريعة لما تمكن العقل من معرفة الله وإثبات وجوده.
4- العقل عند الجاحظ: من مظاهر عقلانية الجاحظ ما تجلى لديه من نزوع إلى التصنيف والترتيب والتبويب، إذ صنف الحيوانات ودرس أخبارها وقسمها إلى أربعة أقسام : قسم يمشي وقسم يطير وقسم يسبح وقسم يزحف، وهو تقسيم اهتدى إليه عن طريق المعاينة والمشاهدة. ويدل هذا التصنيف على توفر فكر منظم يرفض التشويش المعرفي، ومنهجية في البحث تقوم على وضوح المقاصد، وعمق الفكر. فقد كان الجاحظ مصنفا للعلوم، واضعا للقوانين العلمية التي توجهه إلى تمييز الصواب من الخطأ، وتمحيص الخرافي والعقلي. ويمكن تلخيص منهج المعرفة لدى الجاحظ في:
(1) وسائل المعرفة العلمية الثلاث: (أ) الخبر القاهر. (ب)العيان الظاهر. (ج) العقل المستدل. * الخبر القاهر: يقصد به الجاحظ الرواية التي لا شك في صحتها من نوع ما يرويه الرواة الثقاة. يقول: "إذا لم يأتنا في تحقيق الأخبار شعر شائع أو خبر مستفيض لم نلتفت لفتة". * العيان الظاهر: ويقصد به المعاينة والتجربة أما المعاينة فهي ترتكز أساسا على ملاحظة الحيوان في طرق عيشه وطباعه وغرائزه. ويلخص ذلك قوله: " وليس يشفيني إلا المعاينة". أما التجربة فتكون عادة لتصحيح الخبر وتقريره إن ثبتت استقامته.
* العقل المستدل: هو الحجة النهائية والمرجع الأخير في تصحيح الأخبار وتصويب المعاينة، لأن الحواس تخطئ. فبالعقل يكون اليقين، ويبقى العقل المستدل السلطة الخيرة القادرة على تأسيس المعرفة.
(2) طريقة البحث وطلب المعرفة: يعتبر الجاحظ أن امتلاك أدوات علمية دقيقة غير كاف للبحث، بل يجدر بنا أن نحسن استعمالها ودرك سبل توظيفها، وهذا الاستعمال سماه الجاحظ "الشك طريق إلى اليقين"، وهو أسلوب يعتمد جملة من القواعد يمكن حصرها على هذا النحو في : (أ) عدم قبول الخبر مسلما، وعدم تكذيبه مبدئيا. "لا يعجبني الإقرار بهذا الخبر ولا يعجبني الإنكار له". (ب) معالجة الخبر لمعرفة مواطن الضعف فيه، وهي معالجة تؤدي بالباحث إلى اليقين. "اعرف مواضع الشك وحالاتها الموجبة له لتعرف مواضع اليقين والحالات الموجبة له". فالشك عند الجاحظ منهج معلوم الحدود، لم يتخل عنه أثناء بحوثه بل مثل جوهرها. (ج) الشك علامة من علامات وجود العقل، بل دال هام على صحته، وقد يعود هذا إلى الاتجاه الاعتزالي. يقول محمد عابد الجابري في كتابه "بنية العقل العربي" : إن الجاحظ المتكلم لم يكن معنيا بقضية "الفهم" فهم كلام العرب وحسب، بل لقد كان مهتما أيضا، ولربما في الدرجة الأولى، بقضية "الإفهام"، إفحام السامع وإقناعه وقمع المجادل وإفحامه... إن ما سيشغله أساسا هو شروط إنتاج الخطاب وليس قوانين تفسيره". (3) المنهج الفكري: يتميز منهج الجاحظ بخصائص، أضحت له مذهبا، ويمكن اختزالها في المميزات التالية: 1- النقدية: لا يكتفي الجاحظ بعرض فلسفته الطبيعية والكلامية والجمالية والخلقية، وإنما ينتقد المذاهب الفكرية الأخرى، كالشيعة ، والخوارج، والمرجئة، وأهل الجماعة، كما ينتقد المسيحيين واليهود والمجوس والدهرية. وطعن في فلاسفة كبار أمثال أرسطو والنظام. وكان الجاحظ موضوعيا في نقده، فلا يتجنى على أحد، ولا يحاسب أحدا إلا بما فيه، أو على ما قاله. 2- الجدلية: فهم الجاحظ الجدل بمعنى المناظرة أو النقاش الذي يدور بين شخصين يمثلان أفكارا متناقضة، ولهذا بنى جدله على التناقض. واستخدمه كما استخدمه إفلاطون وسقراط وسيلة للكشف عن الحقيقة عن طريق احتكاك الآراء التي يتولد فيها نور اليقين. 3- الاستقرائية: الاستقراء هو النظر في الوقائع الجزئية لاستخراج حكم كلي عند البحث في أمر من الأمور . أو هو سير الفكر من الخاص الفردي إلى العام الكلي. 4- الاستطرادية:الاستطراد هو الخروج من موضوع البحث إلى موضوعات أخرى بعيدة أو قريبة منه، والجاحظ من هذه الجهة لا يحافظ على وحدة الموضوع بل يقحم فيه موضوعات جانبية وغريبة. 5- الشكية: إن الشك الذي لازم الجاحظ حمله على عدم التسليم بالأخبار والآراء التي يسمعها أو يقرؤها إلا بعد الفحص والتدقيق والملاحظة الشديدة، لأنه يعتقد أن آراء الناس وأخبارهم عرضة للضلال والكذب، كما أن الظواهر الطبيعية تخفي تحتها حقائق أو نواميس يجب البحث عنها وعدم الاكتفاء بمعطيات الحس الخارجية. 6- الشمولية: تعني النظرة المحيطة للكون، وعدم الاقتصار على ناحية واحدة منه وإغفال سائر النواحي. وتعني الشمولية عند الجاحظ الثقافة الواسعة، فقد ألم بمختلف حقول المعرفة من فلسفة وكلام ودين وطبيعيات وحيوان ونبات وإنسان وأخلاق واجتماع وسياسة وتاريخ وأدب، وقد كتب في جميع الموضوعات تقريبا. 7- الواقعية: بمعنى الالتزام بمعطيات الواقع المحسوس، والرغبة عن الأمور الوهمية التي لا علاقة لها بالحقيقة والواقع. كان الجاحظ ينطلق في تفكيره من العالم المادي، ولا يأخذ بالخرافات والأساطير والغيبيات التي تنسجها المخيلات المجنحة، ويهاجمها وينتقد القائلين بها. ومن مظاهر الواقعية التزامه بالمشاكل التي تهم عصره، والموضوعات التي عالجها استقاها من صميم ذلك العصر، فقد قدم لنا في كتبه صورة واضحة منفصلة عن عصره من جميع النواحي الفكرية والدينية والاجتماعية والخلقية والعلمية والأدبية والسياسية. 8- العقلانية: نعني بالعقلانية عند الجاحظ أمرين: الأول تحكيم العقل والثقة به في جميع الأمور والثاني اللاذاتية. أما تحكيم العقل والثقة به فأول ما يطالعنا في آثار الجاحظ. إنه مفكر ملك ذكاء متوقدا ومنطقا سديدا تمخض عن فلسفة وضعية للعالم لها معالمها وأصولها المميزة. وهو عقل نهم للمعرفة يحدوه فضول غريب على النظر في الأشياء ومحاولة سبر أغوارها وإماطة اللثام عن حقائقها. أما اللاذاتية فترجع إلى ضعف عنصر العاطفة في كتابة الجاحظ، إذ لم يكن انفعاليا عصبي المزاج، بل غلب فيه العقل على العاطفة حتى كاد يمحو لها كل أثر من آثاره.
الخاتـمة:
لم يكن عقل الجاحظ رغم صرامته المنهجية و رصانته في التفكير، بمنأى عن التقصير و الوهن، لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية لا يجوز الإغضاء عنها، فقد كان الرجل معيبا في المستويات التالية:
- اعتمد السماع والرواية أكثر مما اعتمد المعاينة والتجربة، حتى في أبحاثه الطبيعية كما هو ظاهر في كتاب الحيوان، وقد يشفع له حال العلوم في عصره وما كان يعتورها من الضعف وقلة الوسائل الاختبارية . - يقر الجاحظ أنه كمسلم مضطر إلى الاعتراف بما جاء في القرآن بالحج الاضطرارية نظرا للعلة التي تقتضيه التصديق، فإذا كانت تلك صحيحة كان إقراره صحيحا، وإذا لم تكن صحيحة أدرك أن خطأه ناتج عن التأويل، والعلة التي يعنيها هي الإيمان بالله ورسوله وكتابه الذي يستتبع التصديق بما جاء في ذلك الكتاب. - كثرة الاستطراد ، فتتداخل المواضيع، وتختلط القضايا. وقد يعود ذلك إلى غزارة المعارف التي خزنتها الذاكرة، أو رغبة الجاحظ في جذب انتباه القارئ ودفع الملل عنه. - غلبة الطابع الفكري الجامد في آثاره، فلا تحرك فينا شعورا ولا تثير إحساسا، ولا حضور فيها للذات .
إن الجاحظ في نهاية الأمر، أوسع من أن تنقص منه هذه الهنات، فقد التقت فيه ثلاث مزايا : الموهبة الأدبية، والفضول العلمي، والفكر النير، ولذا يمكن عدّه أديبا وعالما وفيلسوفا. ولم يجتمع هذا لأحد ، فقد جمع أفلاطون الأدب والفلسفة، وجمع أرسطو العلم والفلسفة وجمع سارتر الفلسفة والأدب ، أما الجاحظ فجمع العلم والأدب والفلسفة. لتحميل الملف بكامله يمكن الرجوع إلى الرابط التالي [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] أو من خلال الرابط التالي : /www.drikimo.com
عدل سابقا من قبل كمال بوهلال في 2010-01-19, 22:01 عدل 1 مرات | |
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: مع الجاحظ ( المنزع العقلي) 2009-12-10, 14:37 | |
| |
| | | زائر زائر
| موضوع: رد: مع الجاحظ ( المنزع العقلي) 2010-01-24, 12:05 | |
| |
| | | | مع الجاحظ ( المنزع العقلي) | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |