كمال بوهلال عضو متميز جدا
المهنة : أستاذ تاريخ الاشتراك : 30/03/2009 المساهمات : 2176
| موضوع: ما الذي يبرّر التفكير في مسألة الخصوصية والكونية؟ 2010-02-28, 15:15 | |
| ما الذي يبرّر التفكير في مسألة الخصوصية والكونية؟ يبدو أنّ ما يسم الواقع الإنساني من تعدد وتنوع واختلاف، وما يميّز الإنساني من نزوع نحو الكوني من ناحية وما يمثل القاسم المشترك في الفضاء الإنساني من ناحية أخرى بما هو مؤشر على الوحدة، أو الوجود النوعي للإنسان من ناحية أخرى ما يشرّع النظر في مثل هذه المسألة، علاوة على ما اقترن به واقع الاختلاف من صراع أو صدام وعنف مورس تحت شعارات مختلفة، فحرب الآلهة أو الحرب باسم الدفاع عن حقوق الإنسان أو من أجل نشر قيم الحق أو دفاعا عن الكرامة الإنسانية أو باسم مقاومة الإرهاب، مقابل ظهور أقليات تدافع عن حقّها في الاختلاف والاعتراف بها بما هي وجود أو كيان مستقل، له هويته المميزة، ما يفيد أنّنا نعيش اختراق ثقافات لخصوصية ثقافات أخرى باسم الكوني، مقابل انغلاق ثقافات معينة على نفسها دفاعا عن الخصوصية ورفضا للكونية، وما تثيره هذه وتلك من جدل يعكس عند البعض أزمة هوية ويعكس عند البعض الآخر أزمة فائض هويات. كيف يمكن للخصوصية أن تنفتح على الكونية دون أن تفقد خصوصيتها؟ ألا يمكن النظر إلى الكونية بما هي الحفاظ على الخصوصية؟ أم هل علينا أن نختار ما بين الخصوصية والكونية؟ ألا يمكن للكونية أن تكون أفق الخصوصية؟ وإذا اعتبرنا أنّ الكوني قيمة نوعية فهل علينا اليوم أن ننقذ الكوني من مخاطر الفراغ الأنطولوجي الذي قد تولده الدعوات المدافعة عن الخصوصيات أم علينا أن ننقذ أنفسنا من كوني لا يفيد إلا صورة مجرّدة للعدم؟ ألا ينبغي أن نميّز بين كوني ينبغي إنقاذه وبين كوني ينبغي أن ننقذ أنفسنا منه؟ وبأي معنى يمكن أن ندافع عن الخصوصية ونعيشها دون القطع مع الكونية؟ تفترض معالجة جملة هذه الإشكالات النظر في العلاقات الممكنة بين الخصوصية والكونية [ علاقات تناظر- تشارط- تكامل –تقابل...] وما تثيره من مفارقات، إذ يمكن مبدئيا القول بأنّ الخصوصية تستدعي الكثرة والتنوّع والفوضى، في حين تحيل الكونية على الوحدة والنظام. فهل يعني ذلك أنّه ليس بالإمكان التفكير في هذه المسألة إلاّ وفق ما تسمح به هذه الثنائيات، أي الفردي في مقابل الكلّي والوحدة في مقابل الكثرة والفوضى في مقابل النظام؟ ألا تترجم هذه الثنائيات عن رؤية اختزالية، تنتهي عادة إلى الانتصار لقطب والتضحية بالآخر؟ تتحوّل هذه الثنائيات على مستوى التجربة البشرية إلى مفارقات تتلخصّ في تمزّق الإنسان بين إنشداده إلى الخصوصية والتفرّد وتوقه إلى الكونية. يقتضي التفكير في إشكاليات العلاقة بين الخصوصية والكونية منهجيا التساؤل عن دلالة الخصوصية ومقوّماتها. تحيل الخصوصية على معنى الهوية، على ما هو جوهري وثابت وأصيل ومميز لمجتمع ما أو لأمة أو للنحن الثقافي، لكن هل ينبغي النظر إلى الهوية من جهة اعتبارها مقولة منطقية[منطق الهو الهو، أو الهو عينه] أم من جهة اعتبارها ما يتحقق تاريخيا وما تقتضيه التاريخية من حركة و تغاير وتحول و كسب؟ سؤال الثابت والمتحوّل يحيلنا على سؤال الهوية من جديد من جهة الحق ومن جهة الواقع، أعني هل هي كيان بسيط أم كيان مركب؟ بلغة أخرى هل ترد جذور الهوية إلى ثقافة واحدة منغلقة على ذاتها متأصلة في عمقها أم أنّ جذورها متعددة وأصالتها تستمد من أصالة انفتاحها وقدرتها على التأثر بالتاريخ والتأثير فيه من ناحية ومن قدرتها على الإبداع والتجديد من ناحية أخرى؟ * يتولّد عن التسليم بأن الهوية بسيطة أو جوهر بسيط، الدفاع عن الخصوصية، وباسم هذه الخصوصية ندافع عن انغلاق الهوية الثقافية على مختلف الثقافات، إذ باسم ذات الانغلاق ننظر إلى كلّ ما هو آت من ثقافة أخرى على أنّه غريب وغيرية تتهددنا، ينبغي رفضها وإقامة جدار عازل يحول دونها والتأثير فينا أو غزونا خشية تحوّلنا عمّا نحن عليه، أي خشية أن نفقد مقوماتنا فنفقد هويتنا أو نعيش أزمة هوية. ولا شك أنّ من بين أهم استتباعات مثل هذا الموقف القائل بالانغلاق دفاعا عن الخصوصية رفض كلّ تواصل مع الآخر وإحلال العنف محلّه بما يعنيه من يأس من الإنساني أو إدّعاء احتكاره وإدّعاء الأفضلية والاعتراف بضرب واحد من التعامل يحكمه منطق الصراع أو الصدام ويترجم عن قداسة الهوية وحيويتها وما تستوجبه من خوض مغامرة الحياة حفاظا عليها. * أمّا إذا افترضنا الطابع المركّب للهوية أي هوية تتحدد على ضوء عوامل مختلفة ومتعددة، فإنّ الكونية قد تفهم بما هي أفق الخصوصية، فبأي معنى نفهم الكونية بما هي أفق للخصوصية؟ وهل يعني ذلك إمكان تجاوز القول بالكونية بما هي نفي للخصوصيات؟ لكن ما دلالة الكوني وما مشروعية القول بالكوني أو الدفاع عنه؟ يفترض الحديث عن الكوني التساؤل عن علاقته بالكلي؟ يمكننا المجازفة بالتمييز بين الكوني والكلي من جهة اعتبار الكلي ما يفيد المنطقي المعرفي أو الابستيمي عموما، أما الكوني فيحيل على سجل قيمي. لكن ألا يمكننا أن نقارب الكوني من نماذج تفكير مختلف كأن نقاربه من جهة الطبيعة ومن جهة الوظيفة؟ فعلى مستوى الطبيعة يحيل الكوني على ماهية ثابتة، على ما هو نوعي في الإنسان وعلى ما هو مشترك بين البشر، أو ما يوحد الجنس البشري. أمّا على مستوى الوظيفة يمكننا أن نعتبر الفكر كما الكلام الوظيفة النوعية للإنسان أي مجال الكوني، دون أن ينفي هذا الذي نعتبره كونيا الخصوصية، فإذا كانت اللغة خاصية نوعية وكلية فإنّ الألسن متعددة، وإذا كان الفكر مجال الكلي فإن تفكيرنا مختلف وإذا كان الرمز مجال الكوني فإن الرموز تختلف صورها وتتعدد دلالتها، وإذا كان المقدس حاضرا في كلّ المجتمعات فإنّ صورته وفعله وفعاليته تختلف. وهو ما يحيلنا على النظر إلى الخصوصي بما هو فضاء الثقـافـات [الكثرة] أما الكوني فيحيل على فضاء الحضارة[الوحدة]، وأنّ الإنساني لا يستقيم ما لم نأخذ مأخذ الجدّ واقع الكثرة في الخصوصيات دون نفي الوحدة التي يعبر عنها الكوني. على ضوء هذا القول ألا يبدو استشكال العلاقة بين الخصوصي والكوني مفتعلا ولا مبرر له؟ ألا تبدو العلاقة من البداهة بحيث لا تثير من جهة المفهوم إحراجا طالما أنّ علاقة الكل بالجزء والعام بالخاص، والوحدة بالكثرة علاقة تضمن بديهية، فلم إثارة مشكل يبدو لا وجود له إلا بصورة وهمية؟ يبدو أنّ الواقع الإنساني بما يتضمنه من تناقضات هو ما يثير مشكل العلاقة هذا .فالكوني من جهة الواقع ليس بمثل النقاء الذي نصوره من جهة المفهوم وهو ما يدفعنا لإثارة علاقة الكوني بالإيديولوجي وبالإيتيقي، فأي معنى للكوني إذا ما قاربناه إيديولوجيا؟ وأي معنى له في دلالته الإيتيقية؟ يفهم الكوني الإيديولوجي بما هو كوني هيمنة، هيمنة تتخذ من الكوني أداة لتحقيق الهيمنة، ليتحرك الكوني بذلك ضمن أفق العقل الأداتي، أو الحسابي، أفق المصلحة بدل الحقيقة أفق النجاعة بدل القيم، وهو ما يتجلّى واقعا، في العولمة التي تبشر بالوحدة على حساب الكثرة، وباسم الوحدة تتلف الخصوصيات، وهو ما يؤشر على أزمة تواصل، إذ بقدر ما تشتد أساليب الهيمنة العولمية أو الكوني العولمي بقدر ما تشتد مقاومة الخصوصيات وتشتد مبررات انغلاقها، ليتحوّل الدفاع عن الخصوصية مواجهة للهيمنة، بما تعنيه المواجهة من سيادة منطق الصراع والصدام، وغلبة منطق القوة واللامعقول،وحلول لغة العنف بدل لغة الحوار، ألا ينبغي أن يفهم من هذا أنّ الدفاع عن الخصوصية لا ينبغي أن يحمل على معنى رفض الكوني وإنما رفض الكوني الهيمني أو كوني الموت دفاعا عن كوني الحياة أو كوني كلية الإنسان ووجوده النوعي؟ يفهم كوني الحياة بما هو كوني مبدع خلاّق منفتح تميزه قوى الفعل لا قوى الانفعال أو هو كوني إيتيقي، ألا يحيلنا الزوج فعل/انفعال إلى رفض منطق الانغلاق؟ فالثقافة الميتة هي التي تخشى الالتقاء بالآخر والتفاعل معه، أما الثقافة الحية فهي التي تملك القدرة على اللقاء بالآخر دون أن يكون هذا اللقاء قاتلا. أليس الكوني في معناه الإيتيقي ما به نعيش على حدة [خصوصية] ومعا [كونية] ؟ أليس كوني الحياة هو أن يحافظ كلّ منا على خصوصيته دون نفي للآخر ونفي حقه في أن يعيش خصوصيته؟ ودون رفض الوقوف على أرض مشتركة قوامها قيم كونية ينبغي احترامها والدفاع عنها [الكرامة الإنسانية ] ومشاكل كونية تجمع الإنسانية في همّ واحد ومصير واحد؟ قد تختلف صور الثقافات، وقد تتعدد نظم عيشها، وهو تعدد لا يشرع لأحد الحكم على الآخر بالوحشية أو التخلف أو إعدام حقه في الاختلاف؟ تعدد يدفعنا إلى النظر إلى الاختلاف بما هو علامة ثراء لنبقيه اختلافا نستمد منه ما به ومن أجله نتواصل شريطة التمييز بين فعل تواصلي وآخر استراتيجي، تمييزا يصب في اتجاه إنقاذ الكوني من الكوني أو إنقاذ أنفسنا من كوني طلبا للكوني
منقول | |
|