إعداد : حاتم بن عبد السلام
استاذ اول للتعليم الثانوي
مدير المدرسة الإعدادية العهد الجديد بمساكن
2 - من الواجب أن ننقذ أنفسنا من الكلي :
إذ يشكـّل الكلـّي تهديدا للخصوصية يتمثل فــــي :
• يقول ميشال فوكو :"إننا لا نحيا إلاّ في الخصوصي" في حين أن الإنخراط في الحداثة يتطلـّب تنازلا عن الخصوصي و اعتباره أدنى من لحظة تدّعي تجسيد العقل في كونيته و تقوم بترسيم خارطة للقيمة وللمارسة تصنـّف الاختلاف في خانة الهمجية والبربرية وليس أدلّ على ذلك من كتابات فاكوياما عن نهاية التاريخ والإنسان الأخير الذي ينظـّر لتثبيت قيمي ودلالي يحـط ّ من شان الرموز المغايرة للعقل الغربي في شكله الليبيرالي .
• تحوّل الكلـّي إلى تعميم مضلل واستبعاد معمـّم للفكر الحر وللتمثل المستقل.
• إكساب الكوني مضمونا حسّيا يتأسس على البصر المخادع ويحوّل الجسد إلى لغة رسمية ويسعى إلى الترويج إلى كوني استهلاكي حوّل الإنسان إلى تعبير رمزي عن السلعة .
• إدّعاء العلم والتقنية الجمع بين الحكمة العملية والحكمة النظرية فأصبح الكوني يصاغ علميا إذ كان العلم معترفا بحدوده النظرية في تفسير الظواهر يهتمّ فقط بطرح سؤال كيف ويُنتج معرفة ناجعة لكنه اليوم أصبح يضطلع بنمذجة الواقع فيبنيه بناء حرّا وإنشاء مقصودا داخل سياق اقتصادي و سياسي يجيب عن سؤال كيف ولماذا
ولأجل ماذا ممّا جعله ميتافيزيقا يُنتج الحكمة في أقصى درجاتها النظرية وفي أقسى درجاتها العملية أي صار العلم فهما يدّعي الكونية وصارت نمذجات العلم نمذجات للواقع الاجتماعي.
• فراق وجه النحن والحلول في وجه الآخر المطلق بحيث لم نعد نشبه ذواتنا بل نشبه الآخرين إذ عوض أن نطلب الوجه الإيتيقي للآخر صرنا وجه الآخر ممّا أفقر التنوع ثرائه وردّ الكثرة إلى الوحدة فصرنا لا ننمّي الاختلاف بل ننمّي التماثل
والتشابه وبذلك إندثرت الخصوصيات وما دعوة إيمانويل ليفيناس إلى النظر إلى الآخر كمطلق إلا تعبيرا عن إنشاء فلسفة إيتيقية فاقدة لكل أسس أنطولوجية تقوم على أساس ديني يرى الإنسان تجريدا أو دلالة بلا سياق أو وجها إيتيقيا بلا وجه إستيتيقي او صورة مجرّدة بلا تاريخ وخارج كل فضاء خصوصي .
• هناك رغبة في استعمال الكـّلي كمطية في أهداف هيمنة واضحة بحيث نشهد توظيفا أداتيا واستعمالا للكلـّي يتمّ بسببه اعتماد الكوني كوسيلة لاستغلال الشعوب والتدخل في سيادتها وممارسة وصاية عليها.
• كل ثقافة تسعى إلى الهيمنة لها فائدة في إنتاج الكلـّي والانخراط فيه والثقافة المهيمن عليها والضعيفة ليس لها أي فائدة في الارتقاء إلى الكلي إلا إذا ارتأت أن تتحول إلى سوق إستهلاكية وقاعدة عسكرية للمواجهة المتقدمة مع أعداء الثقافة المهيمنة.
• الكوني سبب صراع إذ عندما يلتقي كلـّيان في مرحلة تاريخية كل منهما يريد الهيمنة فيؤدي ذلك إلى صراع فتنشأ ثقافة تريد نشر قيمها ككلـّي وتنشأ ثقافة مضادة تريد إنتاج الكلـّي، فيحدث صراع يتخذ غالب الأحيان شكله السياسي
و العسكري.
• الكونية تدعو إلى الاتفاق لكنها لا تجد ما تتفق حوله لأن الكوني مطلق وليس هناك اتفاق حول المطلق.
• كل ثقافة تصنـّف الثقافة الأخرى أو الخصوصيات المغايرة في مرتبة أدنى إذ الإنسان يقف في حدود ثقافتها وترى في الآخر البربرية عينها.
• هناك ثقافات تنظر لخصوصية ثقافية بمنظار التعظيم بحيث تعلي من معايير ثقافة الآخر وقيمه وتقلـّل من شأن خصوصيتها مما يفرز امّحاقا ثقافيا يفترض نظرة تراتبية للحضارات وإقرارا بالتفاضل في حين لا تفاضل بين الثقافات.
• الرغبة في تأسيس الكوني عبر البحث في التناسب والتشابه في حين الكونية تفترض الاختلاف.
• هناك ارتباط بين الكلـّي والعولمة أو تجاور بين عولمة السوق والبضاعة والتبادل والقيم أيضا مما جعلنا نمر من إقتصاد السوق إلى مجتمع السوق.
• هناك توظيف للكوني من أجل تمرير الحقوق وهناك اعتراض على هذا الاستعمال الأداتي للكوني، لأن كل إستعمال له أدوات وأكثر أدوات استعمال الكوني اليوم هي التلطيف أي تلطيف وتورية تناقضات العولمة. إذ يريد مسوقو مفهوم الكونية إقناعنا بوجود إشتراك قيمي و تبادل للحوار رغم التفاوت الاقتصادي وتضارب المصالح وإستغلال الشعوب القوية للشعوب الأقل قدرة. كأن يريد هابرماس اقناعنا بأن الإنسانية المنقسمة تتحاور وتلتقي. أو كأن ينطلق راولز من فلسفة كلـّية لينتهي إلى تراجع معتبرا أن الكلـّي لا يتحقـّق إلا في الثقافات الديمقراطية أو فيما أسماها بالثقافات الملائمة.
يجب أن ننقذ أنفسنا من الكوني لأن الحضارة دخلت في موت مع العالمي وفق تعبير نيتشه.
• العولمة اليوم تعيد إنتاج ذاتها كشيء فاقد للمعنى وفقير للقيمة مستنجدة بالكلـّي
ومدّعية تأسيس القيم.
- فماهي القيم التي تستطيع أن تتواضع عليها الإنسانية اليوم ؟
اليوم هناك فقدان للقيم وللمعنى ويتنامي الحديث اليوم عن ضياع المعنى إذ لم تعد الإنسانية تعتقد في القيمة. لقد أضحى لدينا قليل من الرموز وما يهيمن اليوم هو الدّال وليس المدلول. رسالة لا تحيل إلى حقيقة أو قيمة أو شئ، بل تحيل على ذاتها أي تعيد إنتاج ذاتها
أو هي سياق بلا دلالة حيث أصبح الإنسان خارج الزمان والمكان وبعيدا عن الآخر أي خارج كل إحداثية. إنـّنا في زمن ضياع الإحداثيات وزمن إفراغ الوجود وإخلائه من الدلالة.
• الكوني تعبير عن الموت إذ هناك مفاهيم خصوصية وحقوق خصوصية عندما تكون كلـّية فإنها تضعف وتصبح ضحلة وتخرج بنا من أفق الفردية.
← ليس لأننا نستعمل نفس الأدوات فإننا نعيش في نفس الثقافة بل الأدوات هي الحد الأدنى لثقافة الإنسان العالمي بتعبير بودريار + يجب التعامل نقديا مع مفهوم الكلـّي مثلما تفعل تفكيكية داريدا في نقدها للحداثة كمفهوم كوني + الخصوصية لا تحيا إلا إستنادا إلى ذاتها.
إن العلاقة بين الخصوصي والكوني لا تـُفهم بمنظور الصراع فقط أو الحوار فحسب بل بمنظورية الإشكال، طالما أن الصراع يفترض تكافء القوى والموازين، في حين أن الحضارات غير متكافئة، بل هناك تطور لا متكافئ في مستوى تقني
ومعرفي وتواصلي. وطالما أن الحوار يفترض أرضية مشتركة في حين لا تجد الإنسانية ما تشترك فيه، والحوار يفترض تساويا بين أطرافه، في حين أن الأطراف الحضارية غير متساوية.
لذلك فالإشكال هو المنظورية الملائمة لأن الإشكال هو ما لا نبلغ فيه حلا نهائيا، وما يبقى مفتوحا، وما لا يؤدي إلى نتيجة. فالصراع عادة ما يحسم لصالح الغالب
والحوار يحسم لصالح الحجّة الأفضل، أما الإشكال فهو القضية التي لا نصل فيها إلى مجاوزة نهائية للمشكل، لذلك لا يوجد صراع حضارات فحسب كما لا يوجد حوار حضارات فقط بل هناك إشكال يقتضي صياغة أسئلة دقيقة أدناها :
- ما دلالة الخصوصية ؟
- كيف يمكن تجديل العلاقة بين الخصوصي والكوني؟
- بأي معنى يكون الكلـّي مطلبا أخلاقيا وسياسيا يتجاوز صراع الهويات المخصوصة؟
- ما جنس العلاقة القائمة بين كونيّة حقوق الإنسان وخصوصية القيم الثقافية؟
إلى اللقاء مع تجربة فلسفية جديدة - مع تحيات حاتم بن عبد السلام