أما ما يتعلق بفلسفة نيتشة
أقتبس لكم هذه الفقرة :
"الغزل " النيتشوي بين الحلاوة و المرارة.رغم ما تتصف به الأفكار النيتشوية من ثورية غازلت الوجدان الإنساني و ايقضت حماسته و حفزت إرادته بلغة شاعرية تفيض معان و سحرا و اقتدارا– و كشفت عن حدود العقل و حاكمته من خلال بيان ارتباطه الوثيق بنشر وعي زائف و قطيعي - يسعى من خلاله الأفراد للتملق و الخداع والمماطلة , فهذا الفكر كشف عن الوجه الاداتي للعقل الذي يظهر كقناع من خلاله نخفي الحقيقة لنظهر في مظهر يتعارض مع حقيقة الذات و عمقها إلا أن هذه القيمة التي لا يمكن أن ننكرها على الفلسفة النيتشوية , تتحجب هي الأخرى و تخفي معان تشكل خطرا محدقا بالإنسان , إذ تتورط النتشوية هي الأخرى , في رسم علاقة دموية , علاقة الصراع و الحرب بين الأنا و الآخر خاصة في سياق كوني ,الذي هو فضاء التعدد و التنوع الديني و الثقافي و الحضاري .
إن علاقة الصراع و التوتر تنتصب في كتابات نيتشه من خلال عنف فكري يمارسه على الأنساق الفكرية القديمة ( الأفلاطونية ) لتتحول في ما بعد إلي أفكار تشرع إلي استباحة الآخر و تشريع الاعتداء عليه و نتبين ذلك من خلال قوله :" إن آخر ما يمكن أن يخطر لي أن اعد به هو إصلاح البشرية كما أنني لن أشيد أصناما جديدة , و ليعلم القدامى ما الذي يجلبه الانتصاب على قدمين من صلصال ".
و من هنا نستطيع أن نتبين مدى الحقد و الكره الذي يصل إلي حد التعصب و التزمت و تحول إلي ضرب من الكفر بكل التعاليم و كل القيم , الذي تترجمه اللغة و التي ليست إلا انعكاسا لفكر يترجم الأبعاد النفسية و الشخصية و الاجتماعية لنيتشه " الإنسان " , الذي يفيض احتقارا للمخالف و المختلف , فكرا أو إنسانا . و ربما يعود هذا الاحتقان إلي أبعاد نفسية تتعلق بالوضع الأسري الذي نشا فيه نيتشه و التربية القاسية التي تلقاها و الحرمان و كذلك إلي أبعاد عرقية عنصرية التي تتعلق بالعرق الآري.
يقول نيتشه في كتابه " هذا هو الإنسان": " إن المساواة مع العدو هي الشرط الأول لنزال شريف , و حيثما يوجد مجال للاحتقار لا يمكن للمرء إن يخوض حربا ".4
من خلال هذا الإعلان النيتشوي – يمكن أن نتبين معاني الإنسان الأرقى الذي تروم النيشوية تأصيله و التي تتعلق أساسا بمفاهيم أساسية هي "العداء" و "النزال" و "الاحتقار" و "الحرب " – إن هذا القاموس الحربي المؤسس على نزعات شريرة تهدد مطلب التواصل – و تبدد معنى التلاقي و التحاور و التعارف - تقدم "الآخر " كعدو . وهذه الأرضية التي تقوم على التوتر , و التي شرعت لها النيتشوية في مناسبات عدة تكشف عن حجم الخطر الذي يخطه الفكر النيتشوي في علاقة بمفهوم الإنسان . و ليس ازدراء النيشوية لمفاهيم الشفقة و التعاطف و الحب و الإيثار ’ إلا ازدراء للإنسان الضعيف الذي يصفه بأوصاف شتى " الرعاع " , "القطيع" ’ " الملوثين " و كل هذه الألفاظ تبين مدى الشح و البخل النيتشوي في سماحته و اعترافه بالآخر .
يقول " إننا لا نعد هنا مواطن للملوثين ... و كما الرياح العاتية نريد أن نحيا فوقهم ’ جيرانا للصقور ’ جيرانا للثلج ’ جيرانا للشمس : كذا تحيا الرياح العاتية " إن هذا العنف الذي تمارسه الكلمة و هذا التعالي النيشوي و هذه الجدلية التي تلد من رحم ثنائية الفوق و التحت و الأرقى و الملوث تكشف حجم العداء الذي تكنه النيتشوية إلي بعض الأجناس أو الأعراق الإنسانية – فالعاطفة النيشوية في غزلها هذا
و تغزلها بذاتها – وفي تعاليها و رقيها تمارس فعل الحضور من خلال انانة معتدة بذاتها ’ رافضة , مريدة و مهيمنة . و من هنا نتبين الروابط الحميمة بين الأنا الديكارتية و السوبرمان النيشوي و التي هي روابط تتأكد في التعالي و التسامي .
فيمكن العودة إلى الدراسة التالية :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]