II – تبلور المشروع الوطني و تظافر القوى الوطنية من اجل الاستقلال :
1- تبلور المشروع الوطني لتونس المستقلة :
اخذ المشروع الوطني لتونس المستقلة يتبلور تدريجا بفض عدة عوامل :
- بروز كتابات ساهمت في تعميق الأبعاد السياسية و الاجتماعية و التحديثية خاصة عن طريق على البلهوان الذي كتب كتاب نحن امة و كتاب تونس الثائرة .
- الاهتمام بمسالة الحريات العامة من خلال تكوين لجنة العمل من اجل الضمانات الدستورية في ماي 1951 كما طالبوا بمجلس سياسي منتخب و بحرية الصحافة و الدعوة الى نظام ملكي دستوري
- التركيز على المسالة الاجتماعية خاصة عن طريق الاتحاد العام التونسي للشغل
- انتهاج النهج التحديثي من خلال الانفتاح على الثقافات الأجنبية و الدعوة الى تحرير المرآة من الجمود و التخلف .
- تمتين الوحدة الوطنية من خلال نبذ النزاعات القبلية و الجهوية و تحقيق المصالحة بين العرش و الشعب خاصة في عهد الامين باي الذي تبنى مطالب الحركة الوطنية في خطابه يوم 15 ماي 1951 .
- الاهتمام بالبعدين العربي و المغار بي من خلال :
.. . تأسيس مكتب المغرب العربي فيفري 1947 في القاهرة مهمته التنسيق بين حركات التحرر المغاربية لتحقيق الاستقلال
.... التفاعل مع الأحداث العربية من خلال مساندة القصية الفلسطينية و مساندة الشعوب المعاربية .
2 – تظافر نظالات القوى الوطنية من اجل الاستقلال :
أ – تكثف النشاط الوطني و توسع مجاله في الداخل :
- في يوم 23 اوت 1946 انعقد مؤتمر ليلة القدر بتونس بحضور اغلب القوى الوطنية بما فيها الحزبين الدستوريين و الاتحاد العام التونسي للشغل و اجمع الحاضرون على المطالبة بالاستقلال لاول مرة في تاريخ المؤتمرات الحزبية و لكن رد فعل سلط الحماية كان متشددا حيث تم اعتقال عديد القيادات الوطنية .
- تصعيد نضال المنظمات الوطنية الاجتماعية و ساندت مطالب التاريات السياسية و انتشرت الاضرابات في كامل انحاء البلاد :
* اضرابات التجار جوان 1947 و افريل 1954
* الاضراب العام الذي نظمه الاتحاد العام التونسي للشغل في صفاقس 1947
* اضرابات عمال الضيعات الفلاحية الاستعمارية ديسمبر 1949 و نوفمبر 1950
* اضرابات طلبة جامعة الزيتونة سنة 1950 و 1951
ب – العمل على تدويل القضية التونسية والمساندة الخارجية :
- بعد تأسيس جامعة الدول العربية التحق بورقيبة بالقاهرة و ساهم في تأسيس مكتب المغرب العربي و تولى خطة الكاتب العام
- صدرت كتب كثيرة للتعريف بالقضية التونسية من أبرزها كتاب هذه تونس للحبيب ثامر ( الحزب الجديد ) و كتاب مأساة عرش لمحي الدين القليبي ( الحزب القديم )
- لقيت الحركة الوطنية مساندة كبيرة من المعسكر الرأسمالي حيث قام بورقيبة بزيارة للو م ا في سنوات 1946 و 1951 و استقبل في هذه الدولة استقبال الرؤساء
- انضمام الاتحاد العام التونسي لشغل للجامعة العالمية للنقابات الحرة و شارك الاتحاد في مؤتمرها المنعقد في ميلانو في جويلية 1951 و كذالك شارك الاتحاد في مؤتمر النقابات الأمريكية في سبتمبر 1951 و قد كان لفرحات حشاد دور كبير في التعريف بالقضية التونسية
==) تضافرت الضغوط الداخلية و الخارجية من اجل إقناع فرنسا بضرورة التفاوض من جديد مع الحركة الوطنية
ج – تجربة الحوار الثانية مع فرنسا :
اعتمد الوطنيون سياسة المرحلية لتحقيق المشروع الوطني من ابرز مظاهرها :
- تقديم بورقيبة لبرنامج السبع نقاط في افريل 1950 طالب فيه بالحكم الذاتي و رفض ازدواجية السيادة و يمكن اعتبار هذه النقاط السبع مطالب معتدلة مقارنة بمقررات ليلة القدر الذي طالب بالاستقلال التام
- هذه المرونة أثمرت بعض التجاوب من طرف فرنسا حيث صرح روبار شومان وزير خارجية فرنسا في جوان 1950 انه سوف تعمل فرنسا على تحقيق الازدهار و الاستقلال للتونسيين
- تأسست حكومة تونسية جديدة برئاسة محمد شنيق في أوت 1950 من اجل تحقيق الوعد الذي قطعه روبار شومان و الوصول الى الحكم الذاتي و قد شارك في هذه الحكومة عدة شخصيات من أبرزها صالح بن يوسف من الحزب الجديد
- لكن معارضة المتفوقين لتجربة الحوار هذه جعلت الحكومة الفرنسية تتراجع عن وعودها و تقوم ببعض الإصلاحات الهزيلة في 8 فيفري 1951
==) بعثت الحكومة التونسية مذكرة الى الحكومة الفرنسية بتاريخ 31 أكتوبر 1951 لتذكيرها بتعهداتها و رفضها لإصلاحات 8 فيفري .
III – اندلاع الثورة و الظفر بالاستقلال :
1- اندلاع الثورة :
أ – مذكرة 15 ديسمبر 1951 و القمع الاستعماري :
- ردت الحكومة الفرنسية على مذكرة الحكومة التونسية الصادرة في 31 اكتوبر 1951 بمذكرة جديدة يوم 15 ديسمبر 1951 أكدت فيها على ضرورة تشريك الفرنسيين في إدارة شؤون البلاد و تمسكها بازدواجية السيادة و بمعاهدة الحماية
- رد فعل التونسيين كان :
* إعلان الإضراب العام لمدة 3 ايام 21- 22 -23 – ديسمبر 1951
* قدمت الحكومة التونسية شكوى الى مجلس الأمن بتاريخ 14 جانفي 1952
* عقد الحزب مؤتمر استثنائي في مدينة بنزرت برئاسة الهادي شاكر يوم 18 جانفي 1952 أعلن فيه ضرورة إلغاء معاهدة الحماية و تحقيق الاستقلال بكل الوسائل
- رد فعل فرنسا كان تعيين مقيم عام جديد هو دي هوت كلوك هدفه القضاء على الحركة الوطنية و تميزت هذه الفترة بتصعيد غير مسبوق للقمع الفرنسي برز من خلال :
* إبعاد الحبيب بورقيبة و المنجي سليم الى طبرقة
* ترويع الأهالي و الزج بهم في السجون
* نفي أعضاء الحكومة التونسية الى الجنوب
* اغتيال فرحات حشاد يوم 5 ديسمبر 1952 و الهادي شاكر يمو 13 سبتمبر 1953 من طرف عصابات اليد الحمراء
ب – المقاومة التونسية :
- رفض التونسيون إصلاحات دي هوت كلوك و إصلاحات المقيم العام الجديد فوازار ثم انطلقت حركة المقاومة المسلحة في ربيع 1952
- كانت تضم حوالي 3000 رجل في شكل مجموعات صغيرة خاضت عدة معارك مع الاستعمار من ابرز قادتها الطاهر الاسود الازهر الشرايطي
- في الخارج نجح الحزب الدستوري في تدويل القضية التونسية و ادراجها في جدول أعمال منظمة الأمم المتحدة في ديسمبر 1952 بفضل نشاط أعضاء الحزب في الخارج مثل على البلهوان في العراق و صالح بن يوسف في القاهرة
==) أصبحت فرنسا مضطرة للحوار مع التونسيين خاصة بعد هزيمتها في معركة ديان بيان فو و اندلاع المقاومة المسلحة في المغرب و هو ما جعل رئيس الحكومة الفرنسية بيار منداس فرانس يصل الى تونس في 31 -07 -1954 و يعلن أمام الباي عن استعداد بلاده منح تونس استقلالها الداخلي .
2- الحصول على الاستقلال :
- تشكلت حكومة جديدة في تونس برئاسة الطاهر بن عمار في أوت 1954 و هي حكومة تفاوضية تضم 4 ممثلين عن الحزب الدستوري الجديد و طالبت هذه الحكومة المقاومين بتسليم أسلحتهم مقابل الأمان و تم ذلك في نوفمبر 1954
- تواصلت المفاوضات مع حكومة منداس فرانس و حكومة ادقار فور و انتهت هذه المفاوضات العسيرة بتوقيع اتفاقيات 3 جوان 1955 و هي اتفاقيات الاستقلال الداخلي
- عارضت بعض الأطراف هذه الاتفاقيات و على رأسها صالح بن يوسف الأمين العام للحزب الدستوري و الذي اعتبر هذه الاتفاقيات خطوة الى الوراء و طالب بالاستقلال التام و مواصلة النضال من اجل تحقيقه و قد أدت هذه المعارضة الى صدامات بين أنصار بورقيبة و أنصار صالح بن يوسف
- طالبت الحكومة التونسية بالتفاوض من جديد مع الحكومة الفرنسية لتحقيق الاستقلال التام و تم ذلك يوم 20 مارس 1956 .
الخاتمة : كان الاستقلال ثمرة كفاح أجيال متعددة و دخلت تونس بعد حصولها على الاستقلال مرحلة بناء الدولة و استكمال السيادة .