إعداد : حاتم بن عبد السلام - أستاذ أول للتعليم الثانوي
مدير المدرسة الغعدادية العهد الجديد بمساكن
2- في أن لا نسـتــطـيـع الـعـيـش بـدون الـفـلسفـة :
أ – أن نعيش يعني أن نفكّر :
فأن نؤكّد على أولويّة الحياة على الفلسفة هو في حدّ ذاته تفلسفا , فأن ننقد الفيلسوف و نعيب عليه الضياع في تلك التأملات المجرّدة التي تبعدنا عن الواقع هو ما نطلق عليه عادة - فلسفة - . فالإنسان هو حيوان عاقل لا يرغب في أن يعيش وفق مبادئ غريزته الفطريّة المعطاة و حتى إذا إختار ذلك فلأنّه هو الذي يحكم بعقله أنّ هذا ما يفضّله , فالحياة ذاتها تدفعنا للتفكير , و أن نحيى يعني من جهة ما أن نفكّر و أن نختار الشكل الذي تكون عليه حياتنا فالإنسان صانعا لذاته بواسطة فكره المتجذّر في العالم , فهذا الإقرار و الاختيار المؤسّس للموقف الإنساني في أبعاده القصوى هو الذي يجعل الفكر الفلسفي يلتقي مع الفكر العامي ليتقاطع معه في مستوى الموضوع و الهدف , و لأن الإنسان كائن ينشغل بالتفكير فهو ضرورة لا يستطيع أن يعيش دون أن يتفلسف , المشكل الحقيقي يبقى في معرفة كيف تتحدّد طبيعة العلاقة بين الحياة و التفكير , بين الفعل و النظر .
ب – كل فلسفة هي في الآن ذاته تأمّلية و تطبيقية :
إنّ التعارض بين المستوى النظري و المستوى العملي في الفلسفة هو مجرّد تعارض اصطناعي / زائف , فكل فلسفة هي ضرورة نظرية و عملية , فالفيلسوف يهدف دائما لبلوغ الحكمة أي رصد معنى ممكن لفن الحياة
( ART DE VIVRE ) و يتحقّق ذلك بواسطة النظر و التأمل , و هذا ما يتجلّى بوضوح في الفلسفة الأفلاطونية و كيف تسعى لمحاربة أشكال الجهل بواسطة إعادة النظر في أنماطه المتعدّدة و التي بواسطة الـتأمل نتمكّن من تشخيصها حتى نعي بها و ندرك أفضل السبل للتخلّص منها ( جهل الجاهل – جهل من يدّعي العلم .......) أو الفلسفة الديكارتيّة و كيف تستخدم أداة الشك في أبعاده الافتراضية التأملية لإعادة النظر في أسس معارفنا و لنتمكّن من امتحانها من جديد حتى نرصد من ذلك اليقين المطلق في مبدأ الكوجيتو بما هو قدرة فكرية على تنظيم حياتنا في أبعادها الواقعية ( الفكر يخلّصنا من حالة التوحّش و يحقّق محض إنسانيتنا ) كما يرى ذلك ديكارت و الذي يقول واصفا فوائد التفكير الفلسفي : " أن نرى بوضوح أفعالنا , و أن نمشي بصورة واثقة في هذه الحياة " ( مقالة الطريقة ) .
فالجانب النظري / التأملي من الفلسفة و الذي يظهر و كأن لا فائدة تطبيقية منه هو الذي يمثل الأساس الضروري لكل حكمة . من هنا نفهم كيف أن سؤال " ماذا يجب عليّ أن أفعل ؟ " مرتبط عضويا بسؤال " ماذا يمكنني أن أعرف ؟ " و هذا يترتب عنه الإقرار بأن معرفة الحقيقة يكون الشرط الضروري لكل سلوك عقلاني في الحياة .
*** القسم النقدي ***
و إن كانت الفلسفة تتحدّد كنظر في الوضع الإنساني لتأسيس – فن الحياة – أو كما يصف ذلك ديكارت في كتابه – مبادئ الفلسفة - : " إن كلمة فلسفة تعني دراسة الحكمة , و إنّنا لا نقصد بكلمة حكمة اليقظة و الحذر في تدبير الأمور فحسب , بل أيضا معرفة كاملة بكل الأشياء التي يمكن للإنسان معرفتها سواء تعلّق الأمر بتدبير حياته أو الحفاظ على صحّته أو إبداع كل الفنون " إلاّ أن الفيلسوف يجب أن يتجنّب إمكانية الوقوع في مزلقين و هما :
** أولا : أن يكوّن نظرية حول مجال الفعل لا تستند على بحث و نظر كافيين
** ثانيا : أن يكوّن فكرا تأمّليا خالصا منفصلا عن الفعل
إذا الفلسفة يجب عليها بصورة أوّلية أن تنتزع الإنسان من العالم ( اليومي في يوميته / قطيعة ) حتى يتسنى له إعادة النظر فيه بصورة تساؤلية تنطلق من زمن التأمل و الفراغ ( تجنّب التسرّع ) و هذا لأنّ التجربة لا تعلّم إلاّ من كان قادرا على مسائلتها بحثا عن سبل استنطاقها و نهل المعرفة منها ( أسطورة بروموثيوس و كيف سرق النار من آلهة الآلهة زووس لمنحها للإنسان النار رمز المعرفة التي تجعل الإنسان يتحدّى حتى الآلهة ) إلاّ أنّ هذا التماسف الذي يقذفنا في عالم الأفكار هو ليس إلاّ مرحلة تجعلنا نكشف عالم الحقيقة في أبها مظاهرها لنعود من جديد إلى عالمنا و لكن على شاكلة مغايرة لتلك التي كنا عليها ( رمزية أسطورة الكهف الأفلاطونية ) و هنا تتجلّى بوضوح لحظة الفعل و التغيير المنبنية على أساس الوعي و المرتكزة على معرفة يقينية تجعلنا نتحمّل مسؤولية أفعالنا و مواقفنا ( موت سقراط من أجل قضية الفلسفة التي هي قضية حرّية الإنسان في أن يفكّر معتمدا على ذاته ) ذلك أن التأمل سيكون عديم الفائدة إذا لم تكن له القدرة على فضح / كشف معيشنا و تغيير مجال فعلنا و بالتالي واقعنا ( الفلسفة كبرا كسيس ) فمن هنا نستنتج :
أن التفكير لا يمنعنا من أن نعيش كما أن نعيش لا يمنعنا من التفكير ( فلسفة الحياة في مقابل فلسفة الموت ).
III – الخاتمة :
في النهاية نكتشف أن الحكمة العاميّة في أبعادها اليوميّة ليست بعيدة جدا عن التفكير الفلسفي عندما نقرّ بأنّه يجب أن نعيش أولا و أن نفكّر فيما بعد فالشيء الهام بالنسبة للإنسان هو كيفية استعمال حياته و توظيفها بالصورة المثلى و لن يتحقّق له ذلك إلاّ إذا ما أحسن التفكير فيها , و لكي نتمكّن من معرفة كيف يجب على الإنسان أن يعيش فيجب أن نعرف من هو ؟ و ما العالم الذي يسكنه ؟ و كيف يتمكّن من معرفته و إحكام سيطرته عليه ؟ و بدون شك إن الإنسانية تفكّر بطريقة مختلفة ( كثيرا أو قليلا ) كذلك و في نفس المعنى فإنّها تتفلسف بطرق متفاوتة تختلف من وضع إلى آخر , و لكن يمكن أن نجزم أن ليس هناك إنسان في العالم يعيش دون أن يتفلسف و لو مرّة واحدة في حياته ( ديكارت ) ./ .
مع تحيات - حاتم بن عبد السلام -